في بعض أحكام سجدة كأس العالم

عسّاف العسّاف

كاتب من سوريا

لكن الأمانة التاريخية تستدعي القول إن أول لاعب عربي أدى سجدة الشكر هو صالح النعيمة لاعب الهلال والمنتخب السعودي العام 1986، والطريف أنه أداها لا لهدف سجله، بل فرحاً بتمريرته التي صنعت الهدف.

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

25/06/2018

تصوير: اسماء الغول

عسّاف العسّاف

كاتب من سوريا

عسّاف العسّاف

لا يذكر أحد بالضبط متى بدأت المظاهر والإيماءات الدينية بالظهور في ملاعب كرة القدم، ولن يكون غريباً أبدًا إن كان عمرها من عمر اللعبة نفسها. فالتثليث المسيحي يكاد لا يلحظ لكثرة شيوعه بين اللاعبين خاصة في أول المباراة أو عند تسجيل هدف، أو الفوز في مباراة أو بطولة. وسجدة الشكر التي يؤديها بعض اللاعبين المسلمين باتت منتشرة في غير مكان من الدوريات والبطولات العربية والدولية، وإن كانت أقل شيوعاً من سابقتها (التثليث) ولكنها تحظى باهتمام ومتابعة أكبر، خاصةً إن كان من يؤديها نجم كبير كمحمد صلاح في الآونة الأخيرة، وفي ظل أجواء بات للسياسة والدين والهويات فيها حضور قوي على عشب الملاعب ومدرجاتها وساحاتها الإعلامية.

إن كانت بطولة الأمم الافريقية بين عامي 2006 و2010 قد قدمت منتخب مصر على أنه فريق الساجدين والذي كان لاعبوه يسجدون جماعياً بعد تسجيل كل هدف، فإن هذه الظاهرة قد بدأت مصرياً قبل ذلك بكثير وتحديداً نهاية الثمانينات مع لاعب الأهلي والمنتخب ربيع ياسين. ولكن شهرة محمد أبو تريكة وحضوره المحبب في قلوب الجماهير أعطت السجدة لمسة سياسية، خاصةً عندما كشف عن قميصه لتظهر عبارة تضامناً مع غزة بعد تسجيله هدفاً في أمم أفريقيا غانا 2008 ما دعا الفيفا لتوجيه إنذار له للتأكيد على عدم إشراك السياسة في الرياضة.

لكن الأمانة التاريخية تستدعي القول إن أول لاعب عربي أدى سجدة الشكر هو صالح النعيمة لاعب الهلال والمنتخب السعودي العام 1986، والطريف أنه أداها لا لهدف سجله، بل فرحاً بتمريرته التي صنعت الهدف.

في كأس العالم 1978 والتي أقيمت في الأرجنتين دخل لاعبو المنتخب الإيراني الملعب حاملين المصاحف التي قبّلوها قبل صافرة البداية، وعلى أذرعهم حلقات مكتوب عليها أسماء الأئمة من آل البيت في إشارة واضحة لمعارضتهم حكم الشاه ودعمهم للخميني وثورته الإسلامية. وقبل ذلك بسنوات قليلة العام 1974 وغير بعيد عن إيران، شهدت ساحات الرياضة أول تسجيل لسجدة شكر في الملاعب الرياضية خلال لعبة كريكت بين الهند وباكستان، حيث سجد عدد من لاعبي الفريق الباكستاني احتفالًا بفوزهم. ولا يخفى على أحد التنافس الحاد والاحتراب القومي والهوياتي بين البلدين في تلك الفترة على خلفية دينية ومذهبية.

وفي كأس القارات التي أقيمت في جنوب أفريقيا 2009 تحلّق لاعبو المنتخب البرازيلي في وسط الملعب وأدّوا صلاة شكر راكعين على ركبهم وهم يرتدون قمصاناً كُتِب عليها «أحب المسيح» بعد فوزهم بلقب البطولة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، مما دعا الاتحاد الدانماركي لكرة القدم (لم يكن حبر قضية الرسوم المسيئة للرسول محمد قد جف بعد) أن يحتج بشكوى للفيفا على تصرف البرازيليين من مبدأ ضرورة الفصل بين الرياضة والشعارات الدينية والسياسية، خاصة أن كاكا، اللاعب البرازيلي الشهير، كان عضواً فاعلاً في منظمة «رياضيون من أجل المسيح» واحتفل أكثر من مرة بأهدافه بأن يكشف عن فانيلته المكتوب عليها «أنا أنتمي للمسيح» واستجابت الفيفا بتأنيب اللاعبين وتأكيدها أن الانتماءات الدينية يجب أن تبقى خارج المستطيل الأخضر.

لا بد أن الجميع انتبه للمنتخب السوري في التصفيات المونديالية الحالية في مبارياته الأخيرة الحاسمة، وهو يسجد جماعياً بلاعبيه وإدارييه بعد الفوز في المباريات. فإن كان الجمهور قد اعتاد على سجود السومة ولاعبين آخرين فردياً قبلاً، فإن هذا السجود الجماعي طقس جديد كلياً على ملاعبنا السورية، الترابية والخضراء منها. صحيح أن السجود الجماعي بدأ قبل سنوات قليلة إبان الثورة السورية في تصفيات كأس أمم آسيا الأخيرة، إلا أن اقتراب المنتخب من التأهل لمونديال روسيا وتركيز الأضواء عليه عالمياً وتقديمه كفرصة ستعيد توحيد السوريين بمختلف انتماءاتهم حوله، لا يدع مجالاً للشك بالرسائل الواضحة لعملية السجود الجماعي. فعلى عشب الملاعب السورية الأصفر لم تكن السجدة طريقة احتفال شائعة أبداً حتى قدم اللاعب العراقي محمود مجيد والذي احترف في صفوف نادي تشرين اللاذقي العام 2003، ليفاجأ به الجميع وهو يسجد في كل مرة يسجل فيها هدفاً، ويطلق هذه الموضة الجديدة، وأكثر من ذلك فقد امتلأت المؤتمرات الصحفية للاعبين السوريين في تصفيات المونديال بعبارات الحمد والشكر والتوكل على الله، حتى أعاد الخروج والإقصاء الأمورَ لنصابها، فمع عودة أعضاء المنتخب لدمشق، عاد سيد الوطن وحب سيد الوطن ليحتل تصريحات اللاعبين ومؤتمراتهم الصحفية كما اعتدنا منذ أربعين عاماً، ما علينا..

إذاً هي كرة القدم وكأسها العالمي المنتظر، ولا مفر من أن ينعكس فيها كل ما يحدث في عالمنا المحتقن بالصراعات ما خفي منها وما ظهر، وستكون قضايا السياسة والأديان والإرهاب والإسلاموفوبيا وصعود اليمين والنزعات العنصرية، حاضرة بقوة مع كل لفة للكرة على أرض الملعب. والأرجح أن مونديال روسيا سيشهد الكثير من الطقوس والشعائر الدينية من سجود وغيره، وسيكون فرصة لكل تيارات السياسة من يمين ويسار وليبراليين وآخرين، أن يعرضوا بضاعتهم فيه لكسب مناصرين وأراضٍ جديدة.

يبقى لنا نحن المتيمين بكرة القدم، العاشقين لسحرها وتقلبها بين أقدام الزمان، أن تمنحنا تلك اللحظة التي تنسينا كل شيء وتختصر العالم في تلك الكرة المدورة صانعة اللذة ومفجرة براكين الأدرينالين. في هذه اللحظة بالذات لن يكون مهماً لنا إن ثلّث اللاعب أو سجد أو مشى على رأسه حتى.
 

هذا المقال هو جزء من ملف “أبطال الملاعب” وهو من إعداد تمّام هنيدي.

هوامش

موضوعات

للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع