طارق إمام: الكتابة وردة فوضى العالم

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

إيهاب محمود الحضري

صحفي مصري

أحياناً تأتي الجملة المفتاحية في النهاية، والأمر نفسه بالنسبة لعنوان الكتاب، ولا أذكر أنني في مرة بدأت عملاً وأنا أعرف عنوانه. أحياناً يظهر العنوان في منتصف الطريق وغالباً بعد النهاية. كذلك الجملة المفتاحية، تظل تعثر عليها إلى أن تفاجئك في لحظة، وتجد نفسك بلا تردد تقول: هذا هو مفتاح الباب.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

02/10/2018

تصوير: اسماء الغول

إيهاب محمود الحضري

صحفي مصري

إيهاب محمود الحضري

في مجلة الهلال، وصحفي سابق بجريدة أخبار الأدب وكاتب بموقع المدن ومراسل لجريدة الحياة اللندنية

لطارق إمام أوجه عديدة، وكلها قادرة على رسم تفاصيل لشخصية مبدعة، طارق الصحافي والناقد والقاص والروائي، غير أن الفنان هو من يحرك كل هؤلاء، بالفن يكتب طارق نقدًا وصحافة وينتج نصوصًا إبداعية فارقة سواء على مستوى الرواية أو القصة القصيرة.

ومنذ سنوات، انشغل طارق بمشروع كتابة قصص تخص عالمًا نسجه تمامًا من خياله، قصص عن رجال ونساء يقيمون بمدينة غريبة، تشبهم ويشبهونها، اسمها مدينة الحوائط اللانهائية، ولا تعرف إن كانت المدينة بغرابتها ودهشتها المستمرة وشخصياتها غير المألوفة هي التي ينعتها طارق باللانهائية، أم حوائطها وجدرانها التي تفرض عزلة اختيارية على ساكنيها!

سيغرقك طارق في تفاصيل مدهشة، وكثيرة، وكافية لأن تقتلعك تمامًا من مكانك، وتزرعك وسط هذه المدينة، البعيدة والقريبة في آن، فالواقع بات يعج بالفانتازيا على نحو عجيب.
 

في مدينة الحوائط اللانهائية، لدينا مكان واحد هو المدينة، ولكن الزمن غير محدد، وتائه تمامًا، لماذا؟

الزمن ليس “تائهاً” في مدينة الحوائط اللانهائية، لكن “مموه” عن عمد، والفارق كبير بين المفردتين. والسبب أن “مدينة الحوائط اللانهائية” تجربة قصصية تختبر بالتحديد جماليات “الحكاية الخرافية” ومناخاتها، بشكلٍ عصري ولأغراضٍ شعرية. وجانب من فلسفة “الحكاية الخرافية” هو بالتحديد النظرة لعنصري الزمن والمكان. أنت قلت إن المكان “محدد”، لكن أي مكان؟ إنه أيضاً مكان لا وجود له خارج هذا الكتاب، مكان مختلق، ولا يمكن العثور عليه في خرائطنا. الحكاية الخرافية تُموّه الزمن لأنها تفترض في نفسها صلاحيتها للتعاطي في أي حقبة ولأن أحد أركان جوهرها “النوعي” هو نظرتها للزمن باعتباره “جميع الأزمنة المحتملة”. وليس هذا فقط ما حرصتُ على تأكيده في طبيعة زمن “مدينة الحوائط اللانهائية”، لكن داخل الحكايات أيضاً هناك تفكيك لفكرة الزمن بمعناه المتعارف، فثمة من يتذكر المستقبل، وثمة أحداث تسبق أحداثًا يجب أن تكون وقعت بعدها. بالمناسبة، “الزمن” هو التابو الإنساني الأخطر الذي يتجاوز الدين والجنس والسياسة، ذلك أنه، خلافاً لهذه التابوهات، لا سبيل لتحطيمه سوى في الفن ولا معوَل قادر على إعادة تعريفه سوى المخيلة.

هناك تصور لا يؤمن بالكتابة الجامحة التي تعبر عن أشياء لا نعرفها، في حين ينتصر للكتابة الواقعية، متشبثًا بعبارة “نحن نكتب عما نعرفه فقط، لا ما نتخيله”.. هل تؤمن أصلًا بأننا حين نكتب، ننشغل بما نعرف وبما لا نعرف، وهل تتصور أن كل ما يُكتب من فانتازيا له جذور في الواقع؟

هذا التصور “الخائب” بأن نكتب ما نعيشه تبناه عدد من الكتاب “الأسلاف” محدودي الخيال وكرّس له بعض النقاد المدرسيين محدودي المعرفة وشاع لفترة، ليتلقفه كتاب جدد محدودو الموهبة ونقاد مدرسيون هم تلامذة لسابقيهم محدودي المعرفة. عندما تقول “أدب” فإنك تعني بداهة “الخيال”، وما يتراوح بين نص أدبي وآخر هو أطياف هذا الخيال وحدّة انفلاته عما نسميه قانون الواقع أي قانون المحاكاة، لكن لا وجود لنص أدبي دون تخييل، حتى السيرة الذاتية التي “تدعي” أنها تسرد الحقيقة بالضرورة تكذب، فبمجرد ترتيب وقائعها لم تعد تشبه الواقع، ومجرد الاستناد للذاكرة هو اعتراف بالكذب. فضلاً عن ذلك فاللغة واقع خاص، لا يمكنها أبداً أن تساوي ما ندعوه بالواقع التجريبي لأن اللغة تحيل لتصورات لا لموجودات. إذا صح ما تقول فعلينا أن نقذف بالدادية والسوريالية والتعبيرية والواقعية السحرية ومسرح العبث والرواية التاريخية والملحمة في أقرب سلة مهملات مكتفين بالأدب الواقعي، وهو بالمناسبة أيضاً تخييل، لكن تخييل يوهم بإمكانية الحدوث. نحن نكتب أسئلتنا وليس حياتنا، والرواية فن “أصوات”، حتى لو ادعيت في رواية أنك تكتب حياتك بالضبط فستصبح على الأكثر مجرد “شخصية” من ضمن شخصيات أخرى، لأن الرواية فن حواري وليست مونولوجاً فردياً، ماذا ستفعل في هذه الحالة؟

لماذا تم تصنيف الكتاب على أنه قصص، على الرغم من أن العالم واحد، والمكان واحد، والشخصيات أيضًا، والكتاب يصلح جدًا ليصبح رواية، وربما متتالية قصصية.. لماذا كتبت “قصص” تحديدًا؟

لا أحب كلمة “متتالية قصصية” وأرى فيها “فذلكة” لا تخلو من “غرور” الهدف منه إضفاء أهمية وهمية على الكتاب القصصي وكأن كلمة “قصص” مسبة مثلاً. النقطة الأهم أن كلمة “متتالية” تعني، بداهةً،”التتالي” في ترتيب النصوص بحيث “يلي” كل نص سابقه زمنياً ليتقدم بحدث ما للأمام.. قل لي أين المتتالية المصرية أو العربية التي انتبهت لهذا العنصر فيما يخص “الزمن السردي” في تصنيفها والتي لا يمكنك فيها قراءة نص قبل سابقه؟ أنا شخصياً قلّما وجدت ذلك، وبالتالي أضيف للفذلكة والغرور شيئاً ثالثاً هو عدم الوعي بالملصق الذي يضعه البعض أحياناً بشكلٍ مجاني ظناً بأنه يحمل قدراً من البريق أو يوهم بالاختلاف. من ناحيةٍ أخرى، كان من الممكن أن أسمي هذا الكتاب رواية وأن أدافع عن ذلك ولديّ من الأدوات النقدية ما يجعلني قادراً على التبرير، لكني أتصور أنه إذا كانت حدود النوع شديدة المرونة ولا يجب أن تكون سلطة أو سجناً للكاتب، وكثيراً ما حطمتها أنا شخصياً وتألبتُ عليها، فلا يجب أيضاً امتهانها بحيث تفقد الحرية معناها بالادعاء والمجانية، خاصةً وقد قرأت خلال الفترة الماضية أكثر من مجموعة قصصية مصرية وعربية تدّعي ببساطة أنها رواية لأن “كل قصصها تدور في مدينة واحدة” مثلاً. دعونا نحترم قليلاً ما نفعل، أو، على الأقل، نكون أكثر وعياً بما نقترف.

في “حكاية المرأة ذات العين الواحدة”.. هل ذهبت النساء للجبل من أجل الاغتراف منه طمعًا في الحكمة والخلود؟ أم أن دافعهن هو الفضول لاستكشاف حقيقة ما يجري هنالك؟ وهل السعي وراء اكتشاف الحقيقة دائمًا يرتبط بآلام وخسائر ما؟

هدفهن كان الفضول لامتلاك المعرفة الكلية اللائي ظنن أن “المرأة الحكيمة” تتوفر عليها بسبب الكحل الذي يمنحها القدرة على التبصر وليس الرؤية. بالتأكيد السعي وراء الحقيقة هو الألم والتيه والضياع. نساء هذه القصة فقدن عيونهن بالتحديد، حاسة الرؤية.. فنحن نرى قبل أن ندرك، و”الكحل” في هذه الحكاية كان أداة المعرفة، لكنه أيضاً، وبالقوة ذاتها، كان رصاصة الرحمة لمن أراد أن يعرف دون أن يكون قادراً على إنقاذ نفسه من لعنة هذه المعرفة.

عندما تكتب رواية أو قصة.. ماذا عن الجملة المفتاحية، كيف تعثر عليها؟

أحياناً تأتي الجملة المفتاحية في النهاية، والأمر نفسه بالنسبة لعنوان الكتاب، ولا أذكر أنني في مرة بدأت عملاً وأنا أعرف عنوانه. أحياناً يظهر العنوان في منتصف الطريق وغالباً بعد النهاية. كذلك الجملة المفتاحية، تظل تعثر عليها إلى أن تفاجئك في لحظة، وتجد نفسك بلا تردد تقول: هذا هو مفتاح الباب.

ثمة رواية “حلم” يتمنى كل كاتب أن يكتبها، وثمة حياة “حلم” يتمنى كل إنسان ويُمني نفسه أن يحياها.. ماذا عنك؟ هل كتبت روايتك “الحلم”؟ أو نصك “الحلم”؟ وهل يمكن للكاتب أن يكتب عمله الحلم أصلًا؟ أم حينها تكون إيذانًا باعتزاله الكتابة، أو يكون معينه وقتها قد نضب تمامًا؟

كل نص جديد هو حلم في الأفق، وكل نص يكتمل (ولا نص يكتمل في الحقيقة) هو الحلم وقد بات واقعاً ففقد ألقه وباتت هناك حاجة لحلمٍ جديد. الاكتمال الوحيد هو العدم، وقد تكون روايتك الأكمل من وجهة نظرك أقل نجاحاً من رواية أخرى لدى النقاد والقراء. بالتالي لا نجاة إلا بالاعتراف أن الكتابة هي مديحنا الخاص لنصٍ لن يُكتب.

كتبت آخر رواية لك “ضريح أبي” منذ خمسة أعوام، وعلى الرغم من سطوة الرواية وجوائزها السخية إلا أنك تصدر كتاباً قصصياً كما تصنفه بعد هذه السنوات.. لماذا؟ وهل تحب مناداتك بالروائي أم القاص؟

بالفعل توقفت لمراجعة أسئلتي ومشروعاتي الجديدة، لكنها أيضاً فترة كتابة مضمرة وغير معلنة. عندما صدرت “ضريح أبي” (2013) كانت حلقة في خمسة أعمال صدرت على التوالي بدءاً من 2008 بينها عملي الأضخم “الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس”. كانت لدي أفكار جديدة لكن قررتُ أن أتوقف لفترة. هذا جزء من إيقاعي الخاص، انقطاعات تحصل على وقتٍ كافٍ تليها عودة متصلة أيضاً، وقد مررتُ بالأمر نفسه بعد صدور روايتي الأولى “شريعة القطة” عام 2003، وكانت كتابي الرابع، وعدتُ بعد فترة المراجعة الأولي بخمس سنواتٍ أيضاً بروايتي “هدوء القتلة” (2008).

أنت نجحت، عكس الكثيرين من أبناء جيلك، في تحييد الصحافة عن إبداعك.. ما تأثير الصحافة على الأديب فيك؟ وهل تراها فعلًا المهنة الأنسب للكاتب؟

الصحافة في ظني هي المهنة الأنسب للكاتب، ومن تلتهمه مهنة الصحافة هو فريسة جاهزة للالتهام، فريسة ستلتهمها أيضاً المحاماة والتدريس والطب وأي مهنة أخرى.. قل لي أين هذه المهنة التي تمنحك هذا الوقت الفردوسي للكتابة؟ أنا أُفضّل أن تكون مهنتي هي الكلمات حتى لو في سياق مختلف. والصحافة أفادتني ونجوت من شراكها لأني لم أسمح لنفسي بأن أطمع في منصب ثمنه التقرب من السلطات والأجهزة، وأرى أن أعظم لقب يمكن لصحفي أن يحصل عليه هو لقب “محرر”.

نحن نعيش الآن في عالم عربي خرب تمامًا.. ماذا تفيد الكتابة وسط كل هذا الدمار في ليبيا وسوريا واليمن وفلسطين؟

الكتابة هي وردة فوضى العالم ودماره ووحشته، وردة يغذيها البارود والدم والغضب. لا كتابة في عالم سعيد، ولا كتابة لأشخاص سعداء أو مطمئنين. لو كنتُ مطمئناً ما كتبت حرفاً.

ماذا تكتب الآن؟

أعكف على تجربةٍ قصصية جديدة عنوانها “أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها” تمثل تحدياً جديداً لي هو “الأقصوصة”، بإمكانك أن تعتبرها “حلماً” جديداً خاصةً وأنني أكتبها بمزاج شعري.. أتمنى أن أنهيها كما أريد لها لأبحث عن حلمٍ جديد!

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع