يتتبّع إبراهيم، وهو مخرج أفلام تسجيلية، تاريخ القبلات في السينما المصرية على مدار عمرها ويبحث عن إجابة لسؤال: لماذا اختفت القبلات من السينما المصرية؟ كما جاء على لسانه في الفيلم، ويتتبع بالكاميرا مخرجاً شاباً في أولى تجاربه الروائية الطويلة وبطلة فيلمه فجر من خلال مشهد من المفترض أن يحدث فيه قبلة في سياق الفيلم الدرامي، يتوقف إنهاء الفيلم على هذا المشهد الذي لا يتم بسبب شعور فجر الدائم بالندم أو التوتر وتحدث مشكلة بينها وبين مخرج الفيلم أثناء تصوير لقطة القبلة، تترتب على هذه المشكلة باقي أحداث الفيلم حيث يقرر إبراهيم أن يبحث بشكل موسع أكثر من خلال كاميرته ليتتبع الحياة الشخصية للمخرج والمنتج وفجر بفجاجة ويتقصى تفاصيل المشكلة القائمة بينهم.
اعتمد أحمد عامر، مخرج الفيلم، على شكل بنائي يرتكز على جانبين وهما تصوير الفيلم لمُخرجٍ ومشكلته مع إعادة لقطة القبلة ومشكلة فجر مع الممثل الذي من المفترض أنه سيقبّلها والجانب الآخر هو الفيلم التسجيلي القائم والمتداخل طوال الفيلم من خلال إبراهيم، الذي يوثق باستمرار مشاعر المخرج وأجواء التصوير للفيلم داخل الفيلم، أي الفيلم الأصلي.
إدخال شريط بصري غير الشريط البصري الذي يصور به الفيلم هي فكرة ذكية ولكنها تحتمل أوجهاً عديدة وتستدعي اعتناء خاصاً بتفاصيل الشريط البصري الآخر وهو ما نجح فيه أحمد عامر. قد يكون حدث أن طغت أحداث الفيلم التسجيلي على أحداث الفيلم الأصلي/الروائي، حيث لوجوده ضرورة درامية للتعامل مع الشكل الروائي والتسجيلي في وقت واحد بل ومتداخل، ما قد يحدث ارتباكاً في تناول الجمهور للفيلم، ولذلك كان هناك قرار في المونتاج واضح وصريح وهو كيف يتم الانتقال بين الروائي والتسجيلي؟ وهو قرار فني حيث تم تغيير أبعاد الشاشة -الأسبكت ريشيو- عندما نكون في أحداث الفيلم التسجيلي أو أي أحداث مستدعاة من الماضي وحتى في الفوتومونتاج للقطات القبلات في السينما المصرية وهو بناء فني خاص بالمونتاج ووجوده كان ضرورة درامية للفيلم ككل وقرارات كهذه في المونتاج تذكرنا بالسينما الصامتة أو عصور مضت في صناعة السينما وتناولها من خلال أشكال مختلفة من الحكي، ولم يخفف من شبهة الارتباك أو السقوط في فخ الملل إلا اللمسة الكوميدية الخفيفة التي أضافها أحمد عامر في رسم الشخصيات ووجود المخرج الراحل محمد خان والمخرج خيري بشارة وجدالهما الكوميدي الساخر المستمر على مدار الفيلم.
في تحليل الصورة وتفكيكها، أقصد تفكيك الإيقاع العام للفيلم وطول اللقطة وعلاقة اللقطة باللقطة التي تليها، يحسب لأحمد عامر في البداية أنه مع كل إعادة للقطة القبلة التي لا تتم، فإنه نجح كتابياً في إخراج كل لقطة معادة بإفيه أو حركة جديدة مُلفتة وجاذبة تستدعي الضحك. وهي مهمة صعبة كما أتخيلها، في تكرار الفعل الواحد في شاشة السينما لكن بأشكال مختلفة وطرق ذكية في الحكي وعرض الأحداث حيث في بناء سلسلة اللقطات المعادة للقبلة لا توجد فيها لقطة تشبهه التي سبقتها وهو يعتبر شيء من التحدي الصعب والذي أعتقد أن تعامل أحمد عامر معه كان جيداً للغاية وخصوصاً أنه هو أيضاً كاتب سيناريو وحوار الفيلم، لكن دوناً عن تلك البداية المبشرة للغاية وبالرجوع إلى إيقاع الفيلم فقد سقط الإيقاع قليلاً في المنتصف ولم تنجح محاولات عامر في تفادي هذا السقوط حيث استمر الفيلم حتى نهايته بدون إظهار أو الاستمرار في نقاط القوة التي كانت في بداية الفيلم.
بالإضافة إلى أن مشاعر الشخصيات الرئيسية في الفيلم ودوافعها لم تتسم بالوضوح أو لم تكن معمقة، حيث كنا نجد سهولة أو عدم اعتناء كاف بالتفاصيل، أقصد تفاصيل الشخصية في أداء معظم الممثلين، الطبقة التي كان الأداء العام ينبع منها لم تكن طبقة معمقة مشاعرياً ولا إنسانياً لكنها كانت طبقة سطحية تماماً.
نقطة أخرى بالنسبة لاستخدام الموسيقى التصويرية، فقد كانت الجملة الموسيقية ذاتها متكررة في الشكل الموسيقي الذي يوحي بالإثارة والرخص حتى في لقطات حزن المخرج واكتئابه، كان من الضروري درامياً ومشاعرياً استخدام اختلافات داخل بنية الجملة الموسيقية حسب حالة الشخصيات.
كذلك، فإن اختيار عامر أن يقدم الفيلم بشكل ساخر طوال الوقت، هو اختيار ذكي ولكنه محفوف بالمخاطر ويستدعي أن يكون للكتابة دور كبير، فقد كان لا بد من الاهتمام بالكتابة كأهم عنصر في فيلم كهذا، وهي نقطة الضعف عند أحمد في مجمل الفيلم، وهناك ملحوظة أخيرة بشأن مكان التصوير وشكل التصوير داخل البلاتوه داخل أحداث الفيلم، نعلم أن هذا هو أول فيلم روائي طويل للمخرج وهي المعلومة التي نعرفها من خلال الفيلم وهو ما ظهر في شخصية المخرج من عدم قدرته على اتخاذ قرارات قاطعة متعلقة بكل ما يحدث في اللوكايشن، لكن إذا نظرنا إلى كيفية تعامل أحمد عامر مع حركة الكاميرا في الفيلم الذي يصنعه المخرج الشاب نجد أن الكاميرا تتحرك بشكل ناعم للغاية وبأريحية تامة داخل اللوكايشن وكأن تامر (المخرج) يصنع فيلمه العاشر مثلاً وليس الأول. وبالرجوع إلى التناول الساخر الذي قدمه أحمد عامر للفيلم ككل، كنت أنتظر مثلاً أن يتم الاعتناء أكثر بتفاصيل داخل اللوكايشن خاصة بالشكل العام لأول فيلم روائي لمخرج، لتكون أيضاً في صلب الدراما وتعمل على تقوية النسيج العام للفيلم، كقرارات خاصة بحركة الكاميرا وإدارة التصوير.