كارلوس دروموند جِي أندراجِي… ضجيجٌ يقفز من قلبي (قصائد مختارة)

Drummond, Rio de Janeiro 1972

تحسين الخطيب

مترجم وكاتب من فلسطين

يصل الشاعر إلى المحطّة. / يترجّل الشاعر من القطار. / يستقلّ الشاعر سيّارة أجرة. / يذهب الشاعر إلى الفندق. / وفيما يفعل الشاعر كلّ هذه الأشياء / كأيّ بشر دنيويّ، / تلاحقه الصّيحات / صاخبة مدويّة. / يتباعدُ حملة الرّايات الملوّحة / ليفسحوا له الطريق.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

08/11/2018

تصوير: اسماء الغول

تحسين الخطيب

مترجم وكاتب من فلسطين

تحسين الخطيب

على سبيل التقديم

على الوجه الأماميّ للعملة البرازيليّة، فئة الخمسين ريالًا، الصادرة في العام 1989، وتحديدًا على تلك التي تحمل الرقم المتسلسل (A3000033873A) نطالع رسمةً كبيرة لوجه كارلوس دروموند جِي أندراجِي (Carlos Drummond de Andrade)، بنظّارتيه العريضتين، تجاورُ توقيعَه الطويل، وأربعةَ أبياتٍ من قصيدة “صلاة عامل المنجم في خِيُوْ”. ثمُ نقرأُ، على ظهر الورقة، قصيدتَهُ الذائعة الصّيت، “أغنيةٌ قلبيّة“، كاملةً، دونَ نقصانٍ، بأبياتها التسعة عشر، وبخط يده المتعرّج، بالهيئة التي كتبها فيها لأوّل مرّة، على يمين رسمة أخرى للشاعر، وهو جالس على مكتبه، ظهره للرّائي، ممسكًا بالقلم على صفحة بيضاء. رسمة تحاكي صورته الشهيرة، تلك. لا شيء آخرَ، على وجهيّ العملة الورقيّة، إلّا منظر طبيعيّ صغير، في الخلفيّة، يُخلّد مسقط رأس الشّاعر، وتخطيطة صغيرة لوجهه، في أقصى الطرف الأعلى من الورقة، بلا ملامح واضحة هذه المرّة، إلّا من إطار نظّارتيه، كان الشّاعر قد رسمها، بنفسه، ذات يوم. هكذا قرّرت الحكومة البرازيليّة أن تحتفي بشاعرها الأكبر، شاعرها الوطنيّ: لا شيء آخر يصحب الشاعر، في الصّورة، إلّا القصيدة. هكذا تحتفي الأُمم الحيّة بشعرائها وقصائدهم: تُشِيعهم بين النّاس، تخرجهم من غبار المتاحف والغرف المغلفة، ودفاتر المحفوظات، حافرةً أشعارهم في ذاكرة الأجيال المتعاقبة.

وفي مدخل شاطئ الكوباكابانا، في خيو جي جانيرو، يجلس كارلوس دروموند (31 أكتوبر 1902- 17 أغسطس 1987) في تمثاله البرونزيّ، على مقعد حجريّ طويل، السّاق على السّاق، مرخيًا يديه على كتاب يرتاح فوق ركبته اليمنى، وظهره إلى البحر، محدّقًا في البعيد، صوبَ جبال مسقط رأسه، ميناس جيرايس، في محاكاة بارعة لصورته الشهيرة الأخرى، تلك؛ في بنطاله الأسود وقميصه المقلّم، حين كان يخرج للتنزّه على الشاطى، ثم يجلس على مقعد وظهره إلى البحر، شاخصًا بأبصاره إلى بيته الأوّل وراء الجبال. ثم نقرأ، في المسافة التي تفصل بين الشاعر في جلسته، هذه، والفراع الممتدّ حتى نهاية الحجر المستطيل الأسود، الذي يجلس في طرفه، بيتَه الشعريّ الشهيرَ، محفورًا: “كانتْ مدينةٌ قد كُتِبَتْ في البحر”. ظهر الشاعر أمام البحر، إذن، في انتظار أن تهبّ الريح من ميناس جيرايس. أن تهبّ من جهة القلب!

 

في منتصف الطريق

في منتصف الطريق كان ثمّة حجر

ثمّة حجر كان في منتصف الطريق

كان ثمّة حجر

في منتصف الطريق كان ثمّة حجر.

لن أنسى البتّة تلك الحادثة

في حياة شبكيّتَيّ عينَيّ المتعبتين.

لن أنسى البتّة أنّ في منتصف الطريق

كان ثمّة حجر

كان ثمّة حجر في منتصف الطريق

في منتصف الطريق كان ثمّة حجر.

 

تدوينات اجتماعيّة

يصل الشاعر إلى المحطّة.

يترجّل الشاعر من القطار.

يستقلّ الشاعر سيّارة أجرة.

يذهب الشاعر إلى الفندق.

وفيما يفعل الشاعر كلّ هذه الأشياء

كأيّ بشر دنيويّ،

تلاحقه الصّيحات

صاخبة مدويّة.

يتباعدُ حملة الرّايات الملوّحة

ليفسحوا له الطريق.

وتعزف الفرق الموسيقيّة. ثمّة ألعاب ناريّة.

خطابات. وأناس بقبّعات من قشّ.

الكاميرات جاهزة لالتقاط الصور.

السيّارات واقفة لا تتحرّك.

هتافات . . .

الشّاعر مكتئب.

وفي شجرة في المتنزّه العموميّ

(الذي أقامته الحكومة الحاليّة)

في شجرة ضخمة سجنتها

ملصقات ملوّنة،

في شجرة عاديّة لا يراها أحد،

يغنّي زيز الحصاد.

زيز حصاد لا يسمعه أحد يغنّي.

أغنية لا يصفّق لها أحد.

إنّه يغنّي، في الشمس الحرّاقة.

يدخل الشاعر إلى المصعد

يصعدُ الشّاعر.

يحبس الشاعر نفسه في غرفته.

الشاعر مكتئب.

 

بحيرة

لم أرَ البحر قطّ.

لا أعرف إن كان جميلًا.

لا أعرف إن كان هائجًا.

لا يهمّني البحر.

رأيتُ البحيرة.

البحيرةَ، نعم.

البحيرة  كبيرة

وهادئة أيضًا.

مطر الألوان

المنهمر من الأصيل المنفجر

يجعل البحيرة تتلألأ

يجعلها بحيرةً مرسومة

بكلّ لون.

لم أرَ البحر قطّ.

رأيتُ البحيرة . .

 

طفولة

انطلق أبي على صهوة جواده إلى الحقول.

جلست أمّي في أحد الكراسي وحاكت.

نام أخي الصغير.

وأنا، وحيدًا مع نفسي بين أشجار المانغو،

قرأت حكاية روبنسن كروزو.

حكاية طويلة لا تنتهي البتّة.

وفي الضوء الأبيض للظهيرة، دعانا لشرب القهوة

صوت تعلّم التهويدات

في أكواخ أيّام العبوديّة ولم ينسها قطّ.

قهوةٍ سوداء سوادَ الخادمة العجوز السوداء،

قهوةٍ برائحة نفّاذة،

قهوةٍ لذيذة.

ولكنّ أمّي، التي ما زالت تجلس هناك وتحيك،

نظرت إليّ قائلةً:

“صَهٍ . . لا توقظ الطفل”.

ثمّ عندَ المَهْد حيث حطّتْ ناموسةٌ.

أطلقتْ تنهيدةً . . يا لها من زفرة عميقة!

كان أبي في البعيد لا يزال على صهوة جواده

في مرعى المزرعة الذي لا ينتهي.

لم أعرف أنّ حكايتي

كانت أكثر جمالًا من حكاية روبنسن كروزو.

 

قصيدةٌ مُسَبّعَة

حين ولدتُ، قال لي أحد أولئك الملائكة

العابسينَ الذين يعيشون في الظّلال:

“كارلوس، كُنْ مستعدًا لتكون منبوذًا في الحياة!”

البيوت تراقب الرجال

الذين يطاردون النساء.

لو لم تكُن الشهوة هائجة،

لربّما كان الأصيل أزرق.

سيّارة الأجرة العابرة طافحة بالسّيقان:

سيقان بيضاء وسوداء وصفراء.

يسأل قلبي: لماذا، يا إلهي، هذه السّيقان الكثيرة؟

ولكنّ عينيّ

لا تسألان البتّةَ.

الرّجل ذو الشاربين الكثّين

جادّ وبسيط وقويّ.

لا يكاد يتكلّم البتّة.

ليس للرّجل ذو الشارب الذي يرتدي نظّارتين

إلّا أصدقاء قليلين جدًّا.

يا إلهي، لماذا تخليّت عنّي

ما دمت تعرف بأنني لم أكُن إلهًا،

ما دمت تعرف بأنني كنت ضعيفًا.

العالم كبير جدًّا، العالم واسع جدًّا،

لو كان اسمي كْلايد،

لكان قافيةً وليس جوابًا.

العالم واسع جدًّا، العالم كبير جدًّا،

ولكنّ قلبي أكبر.

لا يتوجّب عليّ أن أخبرك،

ولكنّ هذا القمر

ولكنّ هذي البْراندي

تجعلانّي عاطفيّا إلى حدّ بعيد.

 

قصيدة مثيرة للشفقة

أيّ ضجيج ذاك الذي على الدرج؟

إنه الحُبّ وقد شارف على النهاية،

إنه الرجل الذي أوصد الباب

وشنق نفسه بالستائر.

 

أيّ ضجيج ذاك الذي على الدرج؟

إنها غيوماخ التي غطّت عينيها

وتمخّطت عاليًا.

إنه القمر الهاجع فوق الصحون

وفضيّات المائدة التي تلمع في الخزانة.

 

أيّ ضجيج ذاك الذي على الدرج؟

إنه الماء يقطر من الحنفيّة،

إنه العويل الخافت

لشخص خسر رهانه

وموسيقى الفرقة

تنخفض، وتنخفض، وتنخفض.

 

أيّ ضجيج هذا الذي على الدرج؟

إنها العذراء صاحبة الترمبون،

والطفل صاحب الطبل،

والمطران صاحب الجرس،

والشخص الذي، برقّة متناهية، يعزف الضجيج

الذي يقفز من قلبي.

 

رقصةٌ رباعيّةٌ

أحبّ جُوَاوْ تيريزا التي أحبّتْ هايموندو

الذي أحبّ ماريّا التي أحبّتْ جواكيم الذي أحبّ ليلي

التي لم تُحبّ أحدًا.

ذهبَ جُوَاوْ إلى الولايات المتّحدة، وذهبت تيريزا إلى أحد الأديرة،

مات هايموندو في حادث مفاجئ، وظلّت ماريّا عزباء لم تتزوّج،

انتحرَ جواكيم، وتزوّجت ليلي ج. بينتو فِهْنَانْجِسْ

الذي لا علاقةَ له بالحكاية البتّة.

الكاتب: تحسين الخطيب

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع