في كل مناسبة، مهرجان، حدث، حيث أعلام تمثّل بلداناً، ترتفع أعلى منصّات تحكي شيئاً ما عن تلك البلاد، عن ثقافتها، عن نتاجها الفنّي، أمرّ باحثاً عن علم فلسطيني، مفترضاً، دائماً، حضوره، وهو ما كان العام الماضي في مهرجان كان السينمائي (ووجدتُه)، وإن لم يحضر العلم أواصلُ البحث متأمّلاً، لا مفترِضاً، غياب العلم الإسرائيلي. وحضور العلم أو غيابه لا يتعلّق بقطعة قماش ملوّنة بقدر ما يتعلّق بما تقدّمه تلك المنصّة، ذلك الجناح، أسفل العلم.
في مدينة كان المتوسّطيّة، في مهرجانها السينمائي، مررتُ صباح أمس بالمكان الذي شغله جناحُ فلسطين السنة الماضية، كان خالياً، ليس كقرية مهجّرة في البلاد، فهذا توصيف ينحصر بالنّكد الفلسطيني، كان خالياً وحسب، كملعبٍ -لنقُل- إثر انتهاء اللعبة. وكانت السماء أعلاه خالية كذلك من علمنا (بألوانه غير المتناسقة). ليس بعيداً عنه كان الجناح الإسرائيلي، الواسع، بالكراسي والطاولات المبعثرة في باحته كالمستوطنات، بحضور يستمع إلى متحدّث يقول، ولم أسمع سوى تلك الكلمات أثناء مروري: في أفلام الأنيمايشن، لدينا حرية أكبر في الخيال.
للإسرائيليين دائماً منصّاتهم التي يحكون فيها “بحرية أكبر في الخيال” عن نتاجهم الفني، عن ادّعاءاتهم الثقافية والسياسية والأخلاقية، منصّات تعلوها أعلامهم لتُظهر هذا الحضور، حضورٌ يعني -من بين ما يعنيه- غياب الآخر، وهذا هو نحن، حضور الإسرائيلي هو حتماً غياب للفلسطيني مهما كان السياق لذلك الحضور.
لسنا غائبين في مهرجان كان هذا العام لأنّ علماً فلسطينياً لم يكن ظاهراً من بين أعلام البلاد الأخرى (سلامٌ إلزامي هنا إلى الفريق الآيسلندي في اليوروڤيجين)، بل -وتحديداً- لأنّ علماً إسرائيلياً كان، بموازاة ذلك، حاضراً، وبصوت مسموع يتحدّث عن الحرية الأكبر في الخيال (يمكن للخيال أن يكون شريراً كذلك). ليس للفلسطينيين في “كان” مكانٌ يتجمّعون فيه، هم رحّل، مشتّتون، يتنقّلون بين أجنحة الدول الصديقة، وبالحديث عن هؤلاء، ملصق كبير -لا، فعلاً كبير- لفيلم إيليا سليمان «إن شئت كما في السّماء» نراه في الجناح التّركي. الفلسطينيون هذا العام رحّل، بين أجنحة البلاد، لأنّ وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية لم تؤمّن التمويل اللازم (أمّنت فقط التبريرات لذلك).
في نهاية المهرجان -على كلّ حال- في ٢٤ أيار، ما قبل حفل الختام بيوم، ستحضر فلسطين بحالتها الأكثر ترقّباً والأجمل تمثيلاً. سننتظر، من الآن، عرض “إن شئت كما في السّماء” لنتوقّف عن الترحال لساعة ونصف على الأقل. سنحكي حكايتَنا ونخرج من الصالة عائدين إلى شتاتنا…