نوعيّة الحدث يجعله جديراً أم لا، بالانتظار لعشر سنين، وفيلم إيليا سليمان الأخير هو أولاً حدث، سينمائي أولاً وفلسطيني ثانياً، وهو ثانياً جدير بهذا الانتظار.
لم يكن عليّ مشاهدة الفيلم في مهرجان “كان” قبل يومين لأتأكد من ذلك، فكثير من المؤشرات العامة والخاصة برّرت لي توقّعاتي بفيلم عظيم ينتظرنا، لكن لا تجدر الكتابة عنه دون المشاهدَة، وكان ذلك وتأكّدَ كلّ شيء: الفيلم ناقد جداً، ساخر جداً، فلسطيني جداً، عالمي جداً، والأهم: سليماني جداً، واستحقّ تصفيقاً قارب ثلث ساعة، وأكثر من الجائزتين اللتين نالهما (جائزة النقّاد: FIPRESCI والذِّكر الخاص: Special Mention).
ليست أسطري هذه مراجعة عن الفيلم بل إشارات سريعة له، إذ يحتاح حديثاً طويلاً سأعود إليه، قد يكون أكثرها إلحاحاً هو عنوان الفيلم، وهو أساساً بالإنكليزية، وهذه واحدة من استسهالات الصحافة العربية حسنة النّية، إذ يعتمد أحدهم ترجمة فورية بغض النظر عن جودتها (أو لباقتها بالعربيّة)، لتتناقل إلى ما لا نهاية. العنوان العربي الصحيح والذي بحث عنه إيليا وأراده لفيلمه هو «إن شئت كما في السماء» وهو ليس ترجمة للعنوان الإنكليزي ولا ضرورة لأن يكون كذلك أساساً، وقد أتى من الصلاة: “أبانا الذي في السموات. ليتقدس اسمك، ليأتي ملكوتك، لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض.” ليصير عنوان «إن شئتَ (أبانا/أنت) كما في السماء» وهو بمضمون يقارب بمعنَيَيه العنوان الإنكليزي It Must Be Heaven، متحدّثاً، إيليا، عن المدن (الناصرة، باريس، نيويورك) ساخراً منها كأنّها، بالنسبة له، السماء، مانحاً إياها المعنيَين لكلمة Must (الافتراضي والإلزامي).
لن أحكي كثيراً في رسالتي هذه -الأخيرة من كان- التي أختتم بها ملفّ “كان ٢٠١٩” والتي غطّيتُ بها، بكتابات “لا صحافية”، الحضور الفلسطيني في المهرجان، والتي أفتتح بها ملفاً (مفاجأة!) يمتد على طول الأسبوع القادم واسمه «إيليا سليمان». أمّا الكثير مما أود قوله عن الفيلم فسأتركه لمراجعة أطول تتناوله بشكل أكثر تفصيلاً.
رسائلي القصيرة هذه لن تسمح لي بالقول أكثر من أنّ الفيلم تحفة، أو “تحفة من السماء”، فيلم عالٍ، لذلك نال -تحديداً- جائزة النقّاد، فيلم ذكي، لنقُل “إنتلكتشوال”، فيلم “آرت هاوس” بامتياز، فيلم صامت نتفجّرُ فيه بالضّحك، ينطق فيه إيليا الذي لم ينطق في أفلامه مطلقاً، كلمتين تلخّصان عموم منجزه السينمائي وتحديداً، هذا الفيلم: “أنا من الناصرة، أنا فلسطيني”.
حمل الفيلمُ فلسطينَ إلى العالم لا بنقل قصصها إليهم (وقد فعل بحرفيّة بأفلامه السابقة) بل بنقلها، هذه المرة، كفكرة، إليهم، بعكسها فيهم، بإظهار كم أنّ العالم قد تفلسطَن -كما قال مرّة- بأنّه كلّه صار فلسطين كبيرة، وهذه مرحلة متقدّمة لنقلِ قضيتنا (بفنّية عالة) إلى محلّيات بلدان العالم، بعدما أنجز إيليا تقديم محليّات قضيّتنا إلى العالم.
قبل أن تتداعى الأفكار حول الفيلم/التحفة، سأُنهي هنا وأترك معظم قولي لمراجعة أطول…
تابعوا ملفّنا عن سليمان العظيم!