ياسر خنجر… حين تغدو الزنزانة سريراً للحلم

عماد الدين موسى

كاتب من سوريا

إن تنوع القصائد الأخيرة قد جعل الكتاب أحياناً ينفلت من قبضة الخيط الشعري الجامع، الذي يلحم النصوص مع بعضها البعض، ما جعل العمل الشعري في الصفحات الأخيرة، يكون بمثابة شهادة وجودية عن فداحة المرحلة وعنفها تجاه الشاعر،

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

22/06/2019

تصوير: اسماء الغول

عماد الدين موسى

كاتب من سوريا

عماد الدين موسى

لا يقتصر أثر الإيقاع في النصّ الشِعريّ على جانبهِ الجمالي فحسب، بل ويؤثر بلاغيّاّ ودلاليّاً أيضاً في تعميق النص، بمنحهِ بُعداً صوتياً/ مقطعياً للتعابير. جنباً إلى جنب مع جوانب جماليّة أخرى، عديدة؛ تركيبة العبارة ودقّة اختيار المُفردات، على سبيل المثال لا الحصر. وهو ما يجعل من هذا النصّ أشبه بقطعة فنّية/موسيقيّة، متماسكة البناء ومُحكمة من الجهة اللغويّة، ومموسقة من حيثُ انتقاء العبارة، وكذلك من حيثُ ترتيبها، برويّةٍ وأنّاة، ضمن ما يسمّى بالنسق الشِعري.

في مجموعتهِ الشّعريّة الجديدة «لا ينتصف الطريق» (المتوسط، 2019)، يعتني الشاعر السوري ياسر خنجر بجانبين جماليين رئيسيين في كتابة قصيدته، الجانب الأول يخصّ جملته الشعريّة النيتشويّة، تلك الخاطفة والمكثّفة في آنٍ معاً، فيما الجانب الثاني يخصّ الموسيقى، حيثُ الإيقاع الهادئ والسلس على طول الصفحات؛ ثمّة مرونة وطراوة جليّة نتلمّسها أثناء قراءة قصائد هذه المجموعة، الواقعة في ثمانية وثمانين صفحةً. يقول: “خضراءَ كغُصنِ زيتونٍ،/ بيضاءَ كقلبِ عاشقةٍ، ينهبهُ جُرحانِ وجُرح،/ سمراءَ ككُحلٍ في رُمُوش العينِ./ وحدَكِ تعبُرين العتبة،/ خُطاكِ تَستدرجُ الضّوءَ حيثما وطأت،/ فيحتفلُ بكِ الصّبحُ/ وتُشبهُكِ البلادُ/ ثمّ وحدَكِ والبلاد”.

القارئ لشِعر ياسر خنجر لا يلبث أن يكتشف تلك النفحة الرومنسيّة الجليّة، بالمفهوم الفنّي لهذه المُفردة؛ حيثُ تذخر قصائده بتقنيّات بصريّة وتشكيليّة جمّة، بدءاً من الوصف الحميم لمشاهد الطبيعة، مروراً إلى التغنّي بالمكان ومحاورة الآخر: “لستُ إلّا قبلةً أفلتَتْ من عاشقَيْن/ فوقَ ماءِ النّهر./ لستَ إلّا حَصَاةً/ عبثاً تُحاوِل أن تُوقِفَ القُبَل التي/ أفلتَتْ من شِفَاه العاشقين/ ثمّ صارتْ هي النّهر”.

والحقيقة أن التغني بالذات هنا، ما هو في الحقيقة إلا شكل من أشكال التعابير الفنية، التي بزغت مع ما سمّي بالتيار الرومانسي، محاولاً استعادة هذا اللون من التصوير، الذي يقوم على التغني بالذات وآلامها، كما يقوم بالتمرد على الواقع بكل تمزقاته وتشظياته، حيث يتبدى لنا الحلم بديلاً عن مرارة هذا الواقع. فالصورة الشعرية عند ياسر خنجر تتأسس على الابتعاد عن تشكيل زخمها الجمالي من الواقع المادي، بغية تقويض الواقع وهدم الحدود بينه وبين الحلم، لدرجة تصبح معها الزنزانة سريراً للحلم، وأحياناً يصبح الواقع نفسه موضوعاً للتخييل من خلال شعرنة التفاصيل الصغيرة، خاصة في النصوص الأولى من المجموعة، حيث يتبدى اليومي بكل تفاصيله ونتوءاته، وهي محاولة سديدة لفهم العالم من خلال هذه التفاصيل الصغيرة المتوارية والمترسبة في جسد الواقع، لإعادة بناء عوالمه بطريقة شعرية وجماليّة تنفصل عن الواقع وتلتحم به في آن.

إن تنوع القصائد الأخيرة قد جعل الكتاب أحياناً ينفلت من قبضة الخيط الشعري الجامع، الذي يلحم النصوص مع بعضها البعض، ما جعل العمل الشعري في الصفحات الأخيرة، يكون بمثابة شهادة وجودية عن فداحة المرحلة وعنفها تجاه الشاعر، إذ تصبح الكتابة شهادة صارخة عن المأزق والحجز الذي يعاني منه الشاعر داخل وطنه المنكوب سياسياً واجتماعياً، ويصبح الخطو وعدم التوقف، هو الطريقة الوحيدة الناجعة لتحقيق الحلم والمضي والتوغل بعيداً فيه، إنها طريقة ممكنة لتجاوز احباطات الواقع المهزوم، الذي تعيشه سورية منذ تفجر ثورات “الربيع العربي” إلى اليوم.

دائرة الصمت تعلو، ليعلو معها الصراخ الذي يحاول أن يحوّل كل شيء إلى فم ناطق بالحياة، لتنطلق الكلمة عابرة حاجز الصمت، وتعلن عن نفسها دفعة واحدة في ميثاق اللغة، وتعلن عن وجودها المتماهي معها في كل واحد، فيكون الكلام أبلغ من ذلك الصمت القابع في أعماق روحنا، لذلك لا بد للشفاه أن تسأل، وتستفسر عن كل ما كان، وعن السبب الذي دفعنا إلى واقع كهذا الواقع الذي نعيش فيه، والذي يحرضه الشاعر، ويحاول استنطاقه بكل جرأة وقوّة، لتعود الروح الكامنة في مخبأ الخوف فتتخلص من خوفها، وتدافع عن نفسها في عالم بات كل شيء فيه خراباً، دماراً، وموتاً جاثماً فوق الصدور، كشوكة لا تنام، وألم ينازع الوجود، ليمسك بتلابيب الأرواح؛ فيمنعها من الانعتاق، والتحرر، هي لغة الجرأة إذاً، ما يصبو إليها الشاعر، ودفع إلى قول كل ما يعتمل في الصدر، والبوح به؛ إزاء واقع يعج بالأحداث، ويدفع بقارب العمر إلى الهاوية، فنراه يقول في قصيدة بعنوان “فسحة”؛ والتي هي فسحة أمل، فسحة ميلاد جديد، فجر حرية وخلاص: “جثثاً نكونُ إذا لم يذرفِ القبرُ في أنفاسِنا وجعَ السؤال،/ جثثاً نكونُ إذا ظلّ الجوابُ رهنَ هذا الغيبِ،/ رهنَ السماءِ أو رهنَ المقبرة،/ …/ اترك لنا فسحةً مِن ترابٍ أوسعُ من هذا القبرِ،/ لا لشيءٍ،/ لا لشيءٍ غير شهية صبحٍ جديد“.

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع