تريد عرضاً فولكلورياً… معاليك!

جلسة التصوير الخاصة بعرض بين عالمين. تصوير لؤي بولس. فرقة الأمل.

سليم البيك

محرر المجلة

هذه أسئلة لا أنتظر إجابات عنها. ولا أوجهها لك شخصياً. وضعُنا في فلسطين أشد إثارة للحزن والغضب، وأشد بؤساً من أن أطرحها بجدّية منتظراً إجابات من وزير ثقافة في سلطة تحتاج، بجميع وزاراتها، أن تُحل، وتَحل عن ظهورنا. على الأقل سنرقص كما نشاء، وقتها. وإن أراد أحد منعنا فليكن الاحتلال وحسب.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

02/11/2019

تصوير: اسماء الغول

سليم البيك

محرر المجلة

سليم البيك

روائي وناقد فلسطيني، مقيم في باريس. محرّر "رمّان الثقافية". يكتب المقال الثقافي والسينمائي في "القدس العربي". له ٥ كتب، آخرها روايات: «عين الديك» (٢٠٢٢ - نوفل/هاشيت أنطوان، بيروت)، و«سيناريو» (٢٠١٩ - الأهلية، عمّان)، و«تذكرتان إلى صفّورية» (٢٠١٧ - الساقي، بيروت). نال مشروعه «السيرة الذاتيّة في سياق الجمعيّة: بحثٌ في السينما الفلسطينية» في ٢٠٢١ منحةً من مؤسسة "آفاق". مدوّنته: https://saleemalbeik.wordpress.com

يحزن أحدنا حين… أو لا.

يغضب أحدنا حين يسمع عن منع عرض لفرقة في رام الله بسبب ملابس أفرادها.

والأسباب أشدّ إثارة للغضب من القرار ذاته.

بائس هذا الحال، ونحن نتكلّم عن مجال الفنون والثقافة، بائسة هي وزارة الثقافة الفلسطينية التي تمنع عرضاً لفرقة فلسطينية لأنّه -العرض- “لا يناسب الذوق العام”.

وبائس هو المهرجان الذي تقوده وزارة كهذه، وزارة عادت إلى عباءة العقلية الحزبية المحافِظة الصدئة الاستحواذية الفتحاوية، بعدما استطاعت أن تكون فضاءً فلسطينياً شاملاً وحديثاً في السنوات الأخيرة.

الخبر: منع وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف عرض فرقة “مدرسة الأمل للرقص المعاصر” من الناصرة، في افتتاح “مهرجان فلسطين الوطني للمسرح” بسبب ملابس أفرادها التي لا تليق بافتتاح المهرجان، ولرغبة الوزير (وكان الناطق الرسمي باسم “فتح” في غزة) بعرض فولكلوري بملابس تناسب الذوق العام. كما صرّحت الفرقة ولم ينفِ أحد من الوزارة.

التعليق: عيب!

العيب هو السلوك الذكوري أولاً، الأبوي ثانياً، الـ -بصراحة- متخلّف ثالثاً، الوطنجي رابعاً، في منع العرض.

لنكن أولاً ضد المنع، فهذا بحد ذاته عيب، لكن لا يتوقع أحدنا غير ذلك من وزارة ثقافة في السلطة الفلسطينية.

لكن، وهذه ثانياً، العيب الأكبر هو في المبرر، ثم الاختباء ورفض التصريح بشأنه، كأنّ المنع آتٍ من وزارة السياحة.

لنترك الأولاً جانباً ونأتي إلى ثانياً، معاليك.

أخاطبك كوزير، وليس كمثقف خسرناه حين صار وزيراً وخسرنا به وزارة ثقافة.

ما هو الذوق العام الذي تريده؟ هل يريد وزير الثقافة عرض رقص معاصر بالثوب الفلسطيني؟

هل تريد أن يكون الراقص الفلسطيني، في عرض معاصر، بحطّة وعقال؟ سيقعان منه أرضاً أثناء العَرض، صدّقني. هذا ما تريده؟

الثوب الفلسطيني -معاليك- لا يسمح برقصة معاصرة. يسمح ماكسيمم بدبكة عالخفيف. ألم يخطر لك ذلك حين وافقت على العرض ثم حرّضتكَ تنانيرُ الرقص الأقصر من أن تناسب الذوق العام، على التراجع ومنعه؟ ألم يخطر لك أنهم لن يأتوا من الناصرة بثوبٍ مطرّز وغناء “قطعن النصراويات مرج بن عامر”؟

أي فولكلور كانت معاليك تتوقعه من فرقة رقص معاصر؟

كلّنا مع الفولكلور، ولا أحد يزاود على آخر في ذلك، لكني لست مع إعادة تدوير الفولكلور، كحالة آمنة لشعارات وطنية جبانة. لست مع تحويل الفولكلور إلى سلعة ثقافية تُستَهلَك، ولا إلى احتكار ثقافي متقَوقِع، ولا إلى ابتذال فارغ وعاطفي، ولا إلى ملجأ للخائفين من التجديد والتحديث. الفولكلور في الثوب والعرض الذي تريده من فرقة رقص معاصر -معاليك- هما (دون احتلال وبسياق تاريخي مختلف) بوادر فاشيّة. ولو!

لنخرج من كل ذلك، أرجوك!

سأترك مسألة الفولكلور جانباً، سأقول إنها مسألة ذوق وأوكّل أمري إلى زُحَلْ (كَوكبي الحاكم).

لكن -معاليك- ما قصّة الذوق العام؟ صحيحة؟ ألا يشبه ذلك منطق الطغاة ذاته؟ أليست النسخة المتطوّرة عن هذه، هي ما يبرر به الطغاة أحكامهم بـ “وهن نفسية الأمة”؟ هل توهن التنانير على المسارح نفسيةَ الفلسطيني؟ أحياناً أشعر -فعلاً- أن واقعنا تحت الاحتلال يحول دون شطحات كهذه، نحن لا نختلف كثيراً عن الطغاة من حولنا معاليك، من حسن حظ الفلسطينيين أنّ سلطتكم، كوزارة، لا تتعدى منع “ما لا يناسب ذوقكم العام”.

ثمّ، لمَ تجبرون الآخرين على ذوقكم العام؟ لا يهمني أن أعرف ما هو، وليكن ذوقاً عظيماً، لكن لمَ؟

ولمَ الأبوية في اختيار ما ترونه أنتم -كوزراء وقيادات فتحاوية “تاريخية”- مناسباً للجمهور، وهو جمهور مسرح، مثقف ومتنوّر ومطّلع على ما هو غير الثوب الفلسطيني، ولا يحتاج لوصيّ أخلاقي.

خلص! النّاس تقوم بثورات من حولنا. عيب!

لمَ الذكورية في التعامل مع فرقة رقص معاصر آتية من عمق بلادنا؟ لمَ الحكم على فرقة رقص معاصر بملابس الراقصات فيها؟ نعم الراقصات وحسب، لأن الراقصين كيفما أتوا، لن يهدّدوا طمأنينة الذوق العام، عندكم!

أليست الجرائم بحق النساء، التي تهلك المجتمع الفلسطيني، نسخةً متطورة عن تلك الذكورية التي لا تسمح للراقصات بالعرض أمام جمهور بسبب ملابسهن؟

هذه أسئلة لا أنتظر إجابات عنها. ولا أوجهها لك شخصياً. وضعُنا في فلسطين أشد إثارة للحزن والغضب، وأشد بؤساً من أن أطرحها بجدّية منتظراً إجابات من وزير ثقافة في سلطة تحتاج، بجميع وزاراتها، أن تُحل، وتَحل عن ظهورنا. على الأقل سنرقص كما نشاء، وقتها. وإن أراد أحد منعنا فليكن الاحتلال وحسب.

إلى حينه، دعنا نتدرّب على إلغاء عبارة “الذوق العام” من قاموسنا الفلسطيني.

الكاتب: سليم البيك

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع