لا يمكن لدولاب مثقوب أن يقتل كامو!

عمار المأمون

صحفي سوري

أذهلت الأسطر السابقة كاتالي، من هو هذا المصدر الذي تحدث مع زبرانا؟ وما مدى جدّية المكتوب؟ خصوصاً أن زبرانا كان معروفاً حينها، ولا حاجة له للكذب، وبعد تصديق كاتالي للفرضيّة، يرسم لنا ملامح نظريته عن اغتيال كامو. 

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

22/01/2020

تصوير: اسماء الغول

عمار المأمون

صحفي سوري

عمار المأمون

مهتم بالشأن الثقافي

ثُقِبَ الإطار الإيسر الخلفي للسيارة في الساعة الحادية عشر صباحاً في السادس من كانون الثاني عام 1960، وانحرفت الـ Facel Vega HK500 التي يقودها ميشيل غاليمارد وبجانبه ألبير كامو، الأخير مات لحظة صدمة السيارة بالشجرة، أما غاليمارد فصارع الموت لعدة أيام. نقول ثُقِبَ في بداية المقال، ونركز على المبني للمجهول، لأن الكثيرين لا يرون موت كامو كحادث سيّارة عبثي، إذ لا يمكن لصاحب أسطورة سيزيف أن يكون قد تنبأ بموته بهذه الطريقة، الحادث يعكس لا وعي العالم، ذاك المحرك الاعتباطيّ للخطر الذي لا يمكن التنبؤ به، فالحادث مهما كان، صفعة بوجه العالم محكم التكوين ذو القواعد التي تدّعي التماسك، ومن اللامنطقيّ أن تكون هذه الصفعة قد وجهت لكامو، لذلك استخدمنا فعل “ثُقِبَ” الذي يخفي وراءه يداً حرفت السيارة عن الطريق.

صدرت مؤخراً الطبعة الثانيّة من كتاب “موت كامو” للإيطاليّ جيوفاني كاتالي بعد الطبعة الأولى عام 2013، وفيه يبحث كاتالي عن تلك اليد الخفيّة التي أودت بحياة كامو، الكتاب أشبه بقصة بوليسيّة يتخللها مديح واحتفاء بكامو، الكاتب، الحر، المدافع عن العدالة والمقاتل ضد اللاجدوى، نتعرف فيه على كامو الناشط السياسيّ ذاك الذي استهدفه “الوطنيون الفرنسيون” اللذين لا يريدون استقلال الجزائر، والجزائريون الذين لا يريدون الاستقلال، والديكتاتور الإسبانيّ فرانكو، والأهم، والأشد خطراً، الستالينيون والاتحاد السوفيتي الذي وجد في كامو “عدواً” لا بد من التخلص منه، فسلط عليه يد الـ KGB لضمان صمته.

عادت قضية كامو للظهر في حياة كاتاليّ حين كان في مكتبة عموميّة يتصفح مذكرات المترجم التشيكيّ جان زبرانا المنشورة عام 1980، أي قبل وفاته بأربع سنوات، ترجم زبرانا كامو وغيره من كتاب تلك الحقبة إلى التشيكيّة، لكن المثير للاهتمام هو فقرة محذوفة من هذه المذكرات في نسختها الإيطالية لكنها موجودة في النسخة التشيكية، هذه الفقرة أسرت كاتالي، وجاء فيها أن زبرانا سمع من رجل يعلم الكثير، ولديه مصادره الموثوقة شيئاً غريباً: “وهو أن الحادث الذي أودى بحياة كامو عام 1960 كان ملفقاً من قبل الجواسيس السوفييت، لقد تلاعبوا بالإطار ووضعوا فيه جهازاً متقناً، يؤدي إلى ثقب الإطار حين تصل السيّارة إلى سرعة محددة.”

أذهلت الأسطر السابقة كاتالي، من هو هذا المصدر الذي تحدث مع زبرانا؟ وما مدى جدّية المكتوب؟ خصوصاً أن زبرانا كان معروفاً حينها، ولا حاجة له للكذب، وبعد تصديق كاتالي للفرضيّة، يرسم لنا ملامح نظريته عن اغتيال كامو. 

يقول زبرانا أن خطة رحلة كامو كانت معروفة للكثيرين، إذ كتب وهاتف عدد من أصدقائه وعشيقاته عن تنقلاته، ورغبته بالعودة بالسيارة إلى باريس، لا بالقطار الذي وُجدَتْ تذكرته في جيب معطفه بعد الحادث، الأهمّ أن هذه المعلومات من الممكن أن تتسرب أو أن يكون كامو مراقباً، لكن من يراقبه ؟ هذه الهالة المؤمراتيّة والمصادفات تفعّل جاذبيّة النظرية، خصوصاً أنها موثقة على لسان من حول كامو، بل أن نبوءة كامو نفسها تُذكر لاحقاً على لسان ماريا كاسارس، صديقة كامو التي قالت في برنامج إذاعي عام 1998 أنه أكد لها أنه لن يتأخر عن موعدهما إلا “في حال مشكلة غريبة في السيارة”.

يخبرنا الكاتب عن التغلغل السوفيتي في فرنسا والجواسيس المنتشرين بكثرة، بل أن ديغول نفسه أرسل إلى جون كيندي الرئيس الأمريكي حينها يخبره بخطورة الموضوع، كذلك يستعرض لنا كاتالي أسلوب الاغتيالات السوفيتيّة وأسماء الذين تسببت الـ KGB بموتهم باستخدام أساليب لا تثير الشبهة، وذلك عبر استخدام السموم التي لا تترك أثراً أو الخطف، أو الحوادث الملفقة، الـ KGB حينها كانت بأوج نشاطها، تصفي أعداء الاتحاد السوفيتيّ وتتصيّدهم واحداً تلو الآخر، كمن يضبط ساعة القدر ويتحكم بها، إذ تراقب الوكالة ضحاياها وتدرس حركاتهم لاختيار اللحظة المناسبة.
 

يبدو الكلام السابق مُقتضباً لكنه يمهد لمقتل كامو، ذو المواقف الصارمة والعلنيّة، في ذات الوقت يشير إلى فعاليّة التقنيات المستخدمة من قبل الـ KGB ، مؤكداً ذلك عبر اقتباس من وثيقة للـ CIA تعود لعام 1964 ورفعت عنها السرية عام 1993 جاء فيها: “الاغتيالات التي كانت تمارسها الـ KGB ضد القادة الذين هاجروا خارج الاتحاد السوفيتي كانت تبدو عادية لدرجة أنها تترك الانطباع بأن الضحايا ماتوا بأسباب طبيعيّة.”

لكن، لماذا كامو؟ لم العداوة مع السوفييت؟ صاحب «الغريب» لم يكن مجرد كاتب أو فيلسوف، بل ناشطاً سياساً بأثر عالميّ، انتقد بشدة ووضوح الاتحاد السوفيتي واحتلالهم لهنغاريا عام 1956، وألقى خطبة نشرت لاحقاً عام 1957 ينتقد فيها شخصياً وزير الخارجيّة السوفيتيّ ديميتري شيبلوف صاحب “المجازر في هنغاريا”، والذي وقف في مبنى الأمم المتحدة بغرور مبرراً غزو السوفييت لهنغاريا. اللهجة التي استخدمها كامو حركت العالم ضد الاتحاد السوفيتي، كما أنه كان أول من رد على نداء المثقفين الهنغاريين المعادين للغزو ، كامو أيضاً كان سبب ترشيح بوريس باتسرناك لجائزة نوبل، إذ سعى لتنشر “دكتور زيفاغو” بالروسية كي يتم ترشيح باسترناك، كونه نشرها بالإيطالية والفرنسية بداية خوفاً من بطش السوفييت الذين هددوا حياته بسبب الرواية، ودفعوه لرفض الجائزة حين نالها، وفصلوه من اتحاد الكتاب السوفييت، ونظموا مظاهرات ضده ونعتوه بـ”الخنزير”، لأن روايته لا تعكس الروح السوفيتيّة، المثير للريبة أن الفقرة الناقصة في مذكرات زبرانا تقول: “أن شيبلوف شخصياً هو من أمر باغتيال كامو بعد أن ذكره الأخير في مقاله”.

كاتالي في براغ

التقى كاتالي في براغ بزوجة جان، ماري زابرانوفا، التي تفضل اللقاءات الشخصيّة، كونها تخاف من التنصت على مكالماتها، كما ذكرت لكتاتالي حين التقنه أنها حين حديثها الهاتفي معه، سمعت صدى صوتها أثناء المكالمة، ذاك الذي كانت تسمعه أيام الاحتلال السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا، تستعيد ماري مع كاتالي ذكرياتها، وتخبره عن “مصادر” زوجها، ويُحصر الأمر نهاية في ثلاثة أشخاص، مؤرخ وعالم اجتماع ومترجم، والثلاثة كانوا حينها مطلعين على نشاط المخابرات السوفيتيّة، لكن، عالم الاجتماع جيري زوزانيك أكد حين تحدث مع ماري، أنه ليس مصدر المعلومة، ولم يسمع بها من قبل، أما المترجم جيري باربيس فقد مات، وزوجته لم تؤكد المعلومة، ولم تنفها، لكن ماري تميل إلى كونه مصدر المعلومة، ويمكن أيضاً أن يكون المؤرخ جوزيف سكروفيسكي، لكنه فارق الحياة.

حكاية براغ لم تنته، إذ يقابل كاتالي هناك شخصاً “مُطلع” في أحد المقاهي، لقاء مريب يبدأ بأن يقدم الشخص لكاتالي ظرفاً يحوي صورته وهو يخرج من محطة القطار، هو مراقب، ويعلم “المصدر” ما الذي يسأل عنه كاتالي، ويقول له أنه لا يجوز نبش التاريخ، وعليه أن يترك الجثث الميتة على حالها، ففرضيته قد تغير التاريخ، ولا داعي للبحث وراءها، حتى في اللقاء الثاني بينهما لا يشار بدقة لمن وراء الاغتيال إن كان بالأصل اغتيال، لكن كاتالي مُصر، أن حادث السيّارة الاعتباطيّ ليس سبب مقتل كامو.

حاشية

كل ما في الكتاب قائم على الظنون والتكهنات، هناك هالة مغامراتية تحيط بالحكاية التي مات شخصوها منذ زمن طويل، لا يوجد دليل قاطع على تورط استخبارات الاتحاد السوفيتي، مجرد فرضية تبدو منطقية لكن لا يمكن الرهان عليها، خصوصاً أوليفير تود الذي كتب سيرة حياة كامو، أكد أنه بعد مراجعة الوثائق السوفيتيّة، لم يحد أي دليل على أمر باغتيال كامو، مع العلم أن الـ KGB تمتلك دلائل ورقية على كل عملياتها.

الكاتب: عمار المأمون

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع