التقيناه مساءً في بهو فندق “لْوي الثاني” في حيّ دور النّشر والمكتبات في باريس، وكان أوّل ما قاله “نادني مانغيل، بدون مستر”. أجرينا المقابلة التي خرجت بمعظمها عن الأسئلة المعدّة مسبقاً لها، وامتدّت لساعة تناولت فيها القراءة والمكتبات والمنفى وفلسطين ودرويش…
شاركت في إجراء المقابلة وترجمتْها عن الإنكليزية ياسمين حاج. ما يلي هو الجزء الأول…
في كتابك “يوميّات القراءة”، تعيد قراءة كتبك المفضّلة. كيف تختلف إعادة القراءة عن القراءة؟
هو سؤالٌ مهمّ. مع التّقدّم في السّنّ، تكتسب، أو أكتسب أنا، تفضيلات للقراءة. والأمر ذاته بالنّسبة للأمكنة والنّاس. لا أريد اكتشاف أماكن جديدة ولا أريد تكوين صداقاتٍ جديدة. أرغب بالتّواجد في الأمكنة القديمة ورؤية أصدقائي القدامى. أرغب بالسّماح لروتين ما بتأسيس ذاته. الأمر ينطبق على الكتب كذلك. أنا أقرأ أعمالاً أدبيّة جديدة، وأكتشف بالطّبع كتباً جديدة، لكنّني أفضّل العودة إلى الكتب الّتي أحبّ.
تتيح لك إعادة القراءة إدراك كم القراءة هي عملٌ خلّاق. أي لدى قراءتي لكتاب كـ “كيم” لرديارد كيبلينغ أو “مدام بوفاري” لغوستاڤ فلوبير، كلّما أقرأه، أكتشف أموراً جديدة في الكتاب، وأجلب معي للكتاب ذكريات من قراءاتي السّابقة. لكنّ هذه الذّكريات لا تشكّل قراءات توثيقيّة، هي قراءات مبتكرة. ذاكرتنا ترغب بأن تكون كاتبة، وتعيد كتابة فقرات وتضيف الشّخصيّات… أحياناً، أعتقد أنّني أتذكّر كتاباً ما، لكنّني أكتشف لدى معاودة قراءة صفحة ما بأنّه مختلف. لكن مع ذلك، يبقى ما اختلقته أنا، ما أعتقد أنّني أتذكّره، جزءاً من ذلك الكتاب.
كتبك ومكتباتك هذه… هل تعتبر نفسك في منفى، بعيداً عنها؟ وأنت تنقّلت بين مدن عديدة.
كلّا. لقد كنت… أنا لستُ منفيّاً، لأنّني أعرف الكثير من الأشخاص الموجودين في المنفى قسراً. لكنّني لم أُجبَر على المكوث في المنفى. أنا، كيف أصف ذلك؟ أنا منفيّ بالصّدفة. لقد وُلدتُ في الأرجنتين، وعندما كنت أبلغ شهرين من العمر، بُعث أبي حينها ليشغل منصب السّفير الأرجنتيني في إسرائيل. أمضيتُ السّنوات السّبع الأولى من حياتي هناك. عندما بلغتُ التّاسعة عشر، سافرتُ وعشتُ في خمسين مكان مختلف، بما في ذلك في البحار الجنوبيّة. ثمّ عام ١٩٨٢ وصلتُ إلى كندا وأصبحتُ مواطناً كنديّاً، وعشتُ هناك مدّة عشرين عاماً. انتقلتُ بعدها إلى فرنسا حيث عشتُ مدّة خمسة عشر عاماً، وأنا الآن في نيويورك. خلال مكوثي في نيويورك، طُلب منّي أن أدير المكتبة الوطنيّة في الأرجنتين، قانتقلتُ إلى هناك ومكثتُ مدّة ثلاث سنوات، عدتُ بعدها إلى نيويورك. والآن، أعتقد أنّه ستتوجّب عليّ مغادرة نيويورك في حال أعيد انتخاب ترامب، فأنا لا أودّ العيش في ظلّ دكتاتوريّة أخرى.
لديك إذن مكتبات في العديد من هذه الأمكنة.
نعم.
إلى أيّ مدّى تعزّز مكتبتك في كلّ من هذه الأماكن روابطك مع هذه الأماكن وهذه المدن؟
لا أعتقد أنّها تعزّزها. لقد وجدتُ أنّني أخلق في كلّ مكانٍ أعيشه عشّاً ما، وتكون الكتب هي الأغصان والأوراق لذلك العشّ. بالتّأكيد، الكتب تتراكم، ولذلك لم أتمكّن من حمل كتبي معي من مكانٍ إلى آخر، باستثناء فترة استقراري في فرنسا. هناك، اعتقدت أنّني سأعيش هناك للأبد، فمكتبتي، كلّ كتبي كانت هناك، كتب أتت من الأرجنتين، من كندا، من جميع الأنحاء.
لقد ذكرت ذلك في كتابك “المكتبة في اللّيل”.
بالضّبط. وعندها، اعتقدت أنّ تلك هي الجنّة، لكن إحدى الدّلالات على الجنّة هي فقدانها. فقدتُ الجنّة عام ٢٠١٥ لأسباب إداريّة، حيث اضطررتُ إلى مغادرة فرنسا. بعنا المنزل، وعرض عليّ ناشري في كيبيك مساحة للاحتفاظ بصناديق الكتب، وهي هناك حتّى الآن. لذلك، في كلّ مكانٍ عشتُ فيه، كان منزلي هو المكتبة، وتلك المكتبة، التي صدف ووُجدت في عدّة أماكن مختلفة، كانت كالبساط السّحريّ من “ألف ليلة وليلة”، حيث تجد نفسك في مكانٍ مختلف، لكنّ البساط يبقى هو ذاته.
ذكرتَ أمراً عن الأشخاص في المنفى، وأودّ ربطه مع المكتبة والمدينة. هل يمكن لمكتبة في بيتك أن تشعرك بالاطمئنان أنك فعلاً في مكانك، أن تخفّف من الشعور بالمنفى حيث لا يكون أحدنا في مكانه؟ كحال الفلسطينيين وغيرهم ممن يعيشون قسراً خارج أوطانهم.
لقد كان لي الحظّ أن أتعرّف جيداً إلى -ولا أقول أن أتصادق مع، لأنّ الصّداقة كلمة كبيرة- محمود درويش، وكانت لنا عدّة محادثات. وتلك المحادثات كانت تعود دوماً إلى موضوع المنفى. أنا أعتقد أنّ الجانب الّذي اهتمّ به هو أنّه بينما على المنفيّـ/ة أن يترك مكاناً له في المنفى ليشعر أنّه يخصّه، يُحمَّل المنفيّـ/ة فجأة عبأً اسمه المنفى، وأنّه يحمل ذلك المنفى إلى كلّ تلك الأمكنة المختلفة، تصبح مكتبة الشّخص المنفيّ في الوقت ذاته منزلاً في ذلك المنفى ورمزاً له. إن اطّلعنا على الأعمال الأدبيّة ورأينا كيف بنى المنفيّون مكتباتهم والعلاقة بينهم وبين مكتباتهم، سنرى مجالاً متعدّداً من العلاقات. أحد أشهر المنفيّين السّياسيّين هو بروسبيرو في مسرحيّة “العاصفة” لشكسبير. هناك، لديه كتبه بحوزته، وتمنحه هذه الكتب قوّته. يقول كاليبان للبحّارة “خذوا كتبه منه وبذلك تنزعون قوّته عنه”. لكنّ قصّته مختلفة جدّاً عن مكتبة القبطان نيمو، الّذي هو منفيّ، لكنّه منفيّ طوعاً. هو اختار المنفى لأنّه اختار أن يبني النّوتيلوس (أي الغوّاصة البحريّة)، والفرار من الحضارة. لكنّ الحضارة هي الّتي نفته في الحقيقة، لأنّ عائلته كانت قد قُتلت في حرب تلك الحضارة. وقد أخد مكتبة معه، والّتي تكبر وتزداد حتّى اليوم الّذي يدخل فيه هو إلى الغوّاصة. لذا، لا تشكّل تلك المكتبة رمزاً لقوّته كما في حال بروسبيرو، بل محاولة للاحتفاظ بالعالم كما هو في لحظة مغادرته له. يمكننا التّمعّن في مكتبات أخرى من المنفى، لكنّني أعتقد أنّ مكتبات المنفى الأكثر تأثيراً هي تلك الّتي لا تحوي على كتب ملموسة.
لديّ صديق هو في المنفى في فرنسا، وعندما أراد المغادرة، لم يستطع أخذ أيّ كتب معه، لكن لحسن حظّه أنّه كان قد حفظ العديد من الأشعار والنّصوص عن ظهر قلب، فكانت تلك هي مكتبته. لقد جمّع الآن كتباً في فرنسا، لكن لم يكن أيّها مشابهاً لتلك الّتي كانت بحوزته قبلها. ينطبق الأمر كذلك على بعض الكتّاب الّذين نجحوا في العمل ضمن مكتبة لم تكن مكتبتهم. مثلاً دانتي، الّذي كتب الكوميديا الإلهيّة كاملةً في المنفى. لا يمكنني تخيّل كيف تمكّن من ذلك. لا يمكنني تخيّله حتّى لدى عملك ضمن مكتبتك الخاصّة، حتّى لدى وجود عشرين شخصاً يعملون لديك. كيف تنظم قصيدة متكاملة كهذه مع كلّ ما يتضمّنها من معرفة الثّيولوجيا والتّاريخ والسّيكولوجيا وعلم الحيوان وكلّ ذلك، ضمن أبيات شعريّة بديعة! لذا، مكتبات المنفى هي مختلفة جدّاً، لكن ما من مكتبة تستطيع انتزاع حالة المنفى، حتّى ولو شيّدتَ مكتبةً خارقة، كما في حال بروسبيرو أو القبطان نيمو، تبقى أنت منفيّاً.
أمرٌ آخر أودّ إضافته. شيءٌ ما اكتشفته لدى حديثي مع، ليس مع الكتّاب الفلسطينيّين، بل الكتّاب الإسرائيليّين، هو أنّه في عام ١٩٤٨، العام الّذي وُلدت، وعندما أقيمت دولة إسرائيل، أحد الأمور الّذي قام بها الجيش، عندما شرّدوا الفلسطينيّين كان نهب مكتباتهم، وذلك لم يكن نهباً عاديّاً. حسناً، أنت تعرف القصّة أفضل منّي، حيث يدخل الجيش البيوت ويدمّر الكتب. كلّا، لقد أقرّوا بأنّ “فلان هو صاحب هذا المنزل ونحن أخذنا منزله منه، لكنّه لم يعد لاسترداد الكتب، ولذلك سنضع الكتب في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة”. وكنتُ قد كتبتُ نصّاً منذ مدّة عن المكتبات حيث ذكرتُ هذه الحقيقة –وعندها أخطأت فقد كتبتُ أنّ هذه القصّة حدثت بعد حرب ١٩٦٧ بدل عام ١٩٤٨، لا يهمّ إن كانت السّرقة قد حصلت في الوقت هذا أم ذاك. لكنّني حينها استلمتُ رسالة مثيرة للاهتمام من أحد أمناء المكتبة في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة تنصّ على أنّه “صحيح، لدينا هنا كتب لهؤلاء الفلسطينيّين، لكنّنا على استعداد لردّها لهم في حال عاد الفلسطينيّون للمطالبة بها”. حسناً، طبعاً، لكنّ ذلك يشابه الحكومات الّتي تقول الآن إنّها على استعداد لمناقشة إعادة اللّوحات الّتي نهبها النّازيّون والموجودة اليوم في المتاحف الوطنيّة. هنالك أناس استغرقتهم ٢٠ و٣٠ عاماً في المحاولة لاسترداد لوحة واحدة، لكنّ الحياة أقصر من ذلك. ذلك كلّه للقول إن مكتبة المنفى تستمرّ في التّواجد في المنفى.
وحديثاً كذلك، فقد صادرت إسرائيل كتباً عربيّة في السّنة الماضية، وفي عدّة مناسبات أخرى، مانعةً إيّاها من العبور إلى القراء الفلسطينيين. السياسة ذاتها لنهب مكتبات كاملة عام ١٩٤٨، كما سبق وذكرت.
نعم، والأمران مختلفان جدّاً. يختلف كثيراً نهب مكتبة خلال احتلال الأرض عن فرض الرّقابة على الكتب الوافدة عبر حدود دولة يُفتَرَض أن تكون ديموقراطيّة.
ما الفرق؟
حسناً، الفرق هو أنّ الحالة الأولى تدرج ضمن أفعال الحرب، والأخرى هي فعل لفرض الرّقابة خلال حكم يفترض أنّه ديموقراطي. وهذا حصل عدّة مرّات كذلك خلال حكومة ساركوزي في فرنسا: أرادت حينها “الجبهة الوطنيّة” (يمين متطرف) في جنوب فرنسا تطهير المكتبات الحكوميّة من جميع الأعمال، حتّى تلك المكتوبة بالفرنسيّة، الّتي كتبها كتّاب من شمال أفريقيا. لذا، لم يكن ذلك فعلاً حربيّاً بل إرهاباً فكريّاً إن صحّ التّعبير. وبالطّبع، يحدث هذا في عدّة أماكن خلال الحرب. لكنّني أعتقد أنّ الأمر يختلف عمّا حدث في عام ١٩٤٨، حيث كان ذلك استغلال المحتلّ لقوّته. وقد فعل الإسبانيّون الأمر ذاته في المكسيك، حيث حرقوا الكتب.
كذلك النّازيّون في الثّلاثينيّات، حادثة حرق الكتب المعروفة…
نعم، لكن علينا التّفريق بين هذه جميعها، فالنّازيّون في الثّلاثينيّات أحرقوا كتب مواطنين ألمان وكتّاب ألمان، لذلك فهو لونٌ مختلف من الظّلم.
لكن جميعهم يتشاركون الحدث ذاته.
ما يتشاركونه هو عدم احترامهم للحرّيّة الفكريّة. يتشاركون اعتقادهم بأنّ هذا النّوع من الرّقابة يستطيع وقف تبادل الأفكار. لكن منذ زمن جلجامش وهذه الأمور لا تنجح. كلّ حكومة حاولت فرض الرّقابة لم تتمكّن من فرض الرّقابة على الفكر ذاته، حتّى ولو قتلت الكاتب.
لماذا يستمرّون إذاً؟
أعتقد أنّ الحكومات موهومة بالسّلطة المطلقة وبالخوف من التّنازل عن تلك السّلطة. لذلك تعتقد الحكومات أنّها مع قضائها على الشخص أو الشيء المادي ستنجح هي في القضاء على حرّيّة الفكر والأفكار الموجودة في الجوّ. وبالطّبع، أنا وأنت نعلم أنّ الأمر مستحيل. لو كان الأمر ممكناً، لكنتُ حاولتُ القضاء على الجبهة القوميّة في فرنسا أو النّازيّين الجدد أو الفاشيّين في حكومة نتنياهو أو في حكومة ترامب. لكنّ الأمر غير ممكن، وعلينا العيش مع هذا الواقع. أمّا الإشكاليّة الاستراتيجيّة المتجذّرة فهي أنّه بتبنّيك الموقف الإنسانيّ، عليك إتاحة الحوار، لكن من حيث الموقف الفاشيّ، عليك القضاء على الحوار. لذلك، في حال أردت إجراء حوار مع أحد مؤيّدي ترامب، لن يكون الأمر ممكناً، كونه هو لا يشجّع الحوار، كونه يعلم أنّه في حال سمح لأيّ شرخ ولو بسيط يُتاح من خلاله تبادل الأفكار، قد يثبت خطأه. هذه نقطة ذكرها عاموس عوز عن الحوار. قال إنّه قادر على التّحاور مع الفلسطينيّين لكنّه غير قادر على التّحاور مع مؤيّدي نتنياهو.
حسناً، خلال محاضرتك أخيراً في تونس، قلت “لا أحد يعاني كما يعاني الفلسطينيّون”. الآن والفلسطينيّون ناشطون في المجال الثّقافي والأدبي والفنّي وغيره. هل ترى رابطاً بين المعاناة والإبداع؟
طُرح عندها هذا السّؤال. هذه فكرة وُلدت مع نصّ يُنسَب لأرسطو. في رسالة له، نجد قطعة يقول فيها، أو يسأل: “لماذا يولد العقل الخلّاق من الميلانكوليا؟” يطرح السّؤال جوابه، ولا أعتقد أنّ الإجابة صائبة بالضّرورة. في تاريخ الأدب، في تاريخ الفنون، لطالما كانت هناك نزعة للحديث عن المعاناة أو تصوير المعاناة، لأنّها ملفتة كموضوع، على ما أعتقد. فهي تخلق التّعاطف بطريقة قد لا تتمكّن منها القصص السّعيدة. نحن لا نثق بالسّعادة، ونرغب بالتّعاطف مع معاناة قد لا تخصّنا بالضّرورة. ندرك عند الاطّلاع على قصص الرّعب والقصص الدّراميّة والقصص التّراجيديّة أنّها تشكّل جزءاً من الحالة الإنسانيّة.
لكنّني أعتقد أنّه من الخطر اقتراح الفكرة الّتي تنصّ على وجوب المعاناة من أجل الخلق. فذلك يؤدّي إلى عدّة أمور: أحدها هو إذلال الفنّان، أي بموجب هذه الفكرة، على الفنّان أن يكون معدماً أو محروماً، لا يجوز دفع أجرٍ جيّد للفنّان لأنّ ذلك، أي عدم دفع ما يستحقّه، يساعده على خلق فنّه. في ذلك الصّدد، قصّة لا أعرف صحّتها تماماً، لكن يُحكى أنّ ناشراً ما، كان مهتمّاً بكتابات بلزاك الأولى، فذهب لرؤيته لاقتراح كتابٍ عليه لنشره، يدفع هو، أي النّاشر، مستحقّاته. وهنا أنا أختلق العدد تماماً، لكن لنقل أنّه أراد دفع مئة فرنك في حينه. لكن مع تجواله في الحيّ الّذي كان يقطنه بلزاك وإدراكه لفقر ذلك الحيّ في باريس، قال لنفسه أنّه سيعرض عليه خمسين فرنكاً بدل ذلك. أمّا لدى دخوله البناية السّكنيّة المهملة فجعله يقول لنفسه “سيفي خمسة وعشرون فرنكاً بالغرض”. فيصعد الدّرج نحو العلّيّة الّتي كان يقطنها بلزاك، ويقول له: “مسيو بلزاك، أنا معجب بأعمالك وأريدك أن تؤلّف كتاباً لي، أعطيك مقابله عشرة فرنكات”. إذاً الفكرة هنا هي ربط فقر الفنّان بالحسّ الإبداعي. وذلك أمرٌ خطيرٌ جدّاً.
أمّا الأمر الآخر فهو أنّه على الفنّان أن يعاني في سبيل الإبداع. وهنا، نبدأ بالتّشكيك في الكتّاب والفنّانين الّذين لا يعانون. شخص مثل روبرت لويس ستيڤنسون كان رجلاً عانى طول عمره من مرض السّل. أخذُ نفسٍ واحد كان يرهقه. مع ذلك، كان أحد أسعد الأشخاص على قيد الحياة. لذلك، لفترة طويلة من الوقت، كانت كتاباته تُعتبر متدنّية لكونها انبثقت عن شخص لم يجسّد معاناته الخاصّة، بل صرف النّظر عنها.
الجزء الثاني والأخير من المقابلة… هنا.