محاولة للإبحار مع الإِله
أسْتَغْفِرُ اللَّهَ
تَقُولُ أمُي هذه المدينة تُقْتَلَ نِسَائنا بِبُطء؛
أَثْنَاءٌ مُمَارستي لسِباحة الظَّهْرُ في المَسبح المَحلي
أَفْكَرَ في خديجة، كَيْفَ تخلَّى عنها جَسَدها
عِندَ سُقوطها مِن المَبني
يَقُولُ لَنَا المُدرِب أن أطول
مُدّة يَستطيع فيها الإنسَان أن يَحبِس أنفاسه تحت الماء
هي ١٩ دقيقة و٢١ثانية. في مَسبح البيت
يتَسَلَّقَ شَعري للسَطح مِثل نبات الكروم، أظل مَغمُورة بالماء
حتى لا أستطيع التَحمُل، أفكر في كٌل الأشياء
التي سمحت لها أن تَفلت من يدي.
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
تَقُول أمي لا يَستطيع أحد مٌحاربة-
عَوْدة الجسد للإله،
ولَكِن الطَرِيقة التي سَقطت بها، الوَجْه أوّلًا،
في الطين،
فَمُ ممتلئ بالأرض،
الهواء، الأسْنَان، والدم،
مُرتَديه مَنامتها القٌطنية البيضاء،
وشعرها المُنساب الُمعطَر بالبٌخور،
أتساءل، هل كانت خديجة تؤمن
بأنها سوف تَطفو.
محادثات عن الوطن (في مركز الترحيلات)
* حسناً، أعتقد أن وَطَنيّ بَصقْني للعَتمة وحَظر التجوال مثل لِسَاناً يعبَث ب سِنّ على وَشْك السقوط. يا إِلهي، هَل تعرف مدى صُعوبة التَحدث عن اليوم الذي سَحبتك فيه مدينتك من شَعرك مُروراً بالسجن القديم، بوابات المدارس، بالجذوع الأدمية المُحترقة المُعلَقة على السواري كالأعلام؟ حين أقابل أخرين مِثلي أتعرف على شُعور الحَنِين والفَقد وذاكرة الرماد على وجُوههم. لا أحد يترك وَطَنه إلا إذا كان وَطَنه كفَم قِرْش. أحمِل النشيد الوَطَني القديم في فَمي منذ زمناً طويلاً فليس هناك مُتسع لنشيد آخر، لسان آخر، لغة أُخْرَى. أعرف عاراً يغمُر المرء ويبتلعه بالكامل. لقد مَزقت وأكلت جواز سفري بفندق في المطار. أنا مُمتلئة بلغة لا يمكنني نسيانها.
* يسألونني كَيف جِئتِ إلى هُنا؟ ألا ترونه على جَسدي؟ الصَّحْرَاءُ الليبية مُتَوَهِّجة مِن أجساد المُهاجرين، وامتلاء خليج عَدَن، ومدينة روما بلا سُترة نَجاة. أَمَل أن تعني الرِحلة أكثر مِن الأميال التي قطعتها لأن أطفالي كُلهم في الماء. ظَننت أن البحر أكثر أمانا مِن اليابس. أُريد أن أمُارس الحُب ولكن رائحة شَعري تفوح بالحَرب وهروب تِلْو هروب. أريد أن أستلقي أرضاً ولكن هذه البِلدان مِثل أخوال يلمِسونك أثناء مَنامِك. أٌنظر إلى كل هذه الحدود التي تزبٌد أفواهها بأجساد مُحطمة ويائسة. أنا لون الشمس الحارة، رَفات أُمي لم يُدفَن بعد. أقضِي أيام وليالي في بَطن الشاحنة، لم أخرج منها نفس الشخص. أحياناً أشعر أن شخصاً أخر يرتدي جسدي.
* أنا على يَقين ببعض الأشياء، فأنا لا أعرف إلى أين اتَجِه، مَوطني أوشكَ على الاختفَاء، أنا غير مٌرحَب بي، وجَمالي ليس بجَمال هٌنا. يحترق جسدي بعَار عدم الانتماء وجسدي يشتاق. أنا خَطيئة وغِياب الذاكرة. أشاهد الأخبار فيُصبح فَمي حَوض مُمتلئ بالدِماء. الصُفوف، والاستمارات، والناس في المَكاتب، وبِطاقات الزيارة، وضابط الهِجرة، ونظرات الناس في الشارع، والبَرد الذي يَنخُر في عِظامي، ودُروس الإنجليزية في الليل، والمسافة الفاصلة عن بيتي. ولكن، الحمد لله كُل هذا أفضل مِن رائحة اِمرأة تَحترِق بالكامل، أو شاحنة مليئة برجال يُشبهون أبي، يَخلعون أسناني ويَقتلعون أظافري، أو أربعَة عشر رجُلاً بين ساقي، أو من مُسدس، أو من وَعد، أو من كِذبة، أو من اسمه، أو من رجولته في فَمي.
* أسمعهم يقولون: عودي إلى وَطنَك، أسمعهم يقولون اللعنة على المُهاجرين، اللعنة على اللاجئين. هل هما حقاً بِهذا الغُرور؟ هل لا يعرفون أن الاستقرار هو مِثل حَبيب مَعسول اللسان يَعتلي جسدك في لحظة، وفي لحظة أٌخرى يترككِ تَستلقين مُرتجفة على الأرض، مُغطاة بالأنقاض والعٌملات القديمة في انتظار عَودته. كُل ما يمكنني قوله، أنني كُنت يوماً مثلكم، نفس اللامبالاة، والشَفقة، والموقف البَغيض والأن أصبح وَطني كفَم قِرش، الأن وَطني فوهة بٌندقية. سَوف أراكم على الجَانب الآخر.