١١ قصّة قصيرة جداً جديدة: سماء يافا والمطر

إيمان حرم

محمود شقير

روائي من فلسطين

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

13/02/2021

تصوير: اسماء الغول

محمود شقير

روائي من فلسطين

محمود شقير

وكاتب قصة قصيرة وقصة قصيرة جدا، من القدس.

البحر

قال الطبيب الذي عاين حالتي: خذوه إلى بحر يافا.

وقال: ابقوا معه هناك شهرين على الأقل.

قال: يافا مدينة ساحليّة دافئة في الشتاء؛ وطقسها مريح.

استأجرنا بيتًا في حيّ العجمي. أحببت يافا؛ أحبّها أبي وأحبّتها أمّي.

وكان سعالي يشتدّ حينًا ويخفّ في بعض الأحيان.

يافا تنام على ذراع البحر ولا تعرف ما تخبّئه لها الأيّام

كان ذلك قبل كارثة 1948 بثلاثة أعوام.

 

طريق البحر

في صباحات يافا

كنّا نمشي نحو الشاطئ، نرى البيوت التي تستيقظ على ضجيج المدينة

يفرد أبي بطانيّة من صوف، نجلس فوقها قريبًا من موج البحر.

تفكّ أمّي الصرّة التي وضعت فيها طعام الفطور. نأكل على مهل؛

ولا أطيل الجلوس،

أنهض وأركض على رمل الشاطئ؛ ثمّ أتوقّف وأملأ رئتيّ من هواء البحر،

أنظر نحو البعيد ويدهشني اتّساع البحر.

 

شاطئ البحر

كنت أرى على الشاطئ أولادًا وبنات مع الآباء والأمّهات.

يلعبون عند قدميّ البحر، يطرطش ماء البحر أقدامهم وسيقانهم

وكانوا يتراشقون بالماء وهم يتضاحكون.

وكنت أقول لأمّي: لو أنّ ابنة الجيران معي الآن كنّا لعبنا بالماء.

تبتسم لي وتقول: اذهبْ والعب مع الأولاد والبنات.

فلا أوافق؛

ما زلتُ أخشى من اتّساع البحر وصخب الأمواج.

 

البنت

كنت أخرج إلى ساحة البيت للعب.

وكانت بنت الجيران تخرج إلى الساحة.

في لقائنا الأوّل؛ جفلت البنت حين اقتربتُ منها، كشّرتْ

وقالت لي بحزم وإصرار: ابتعد.

فابتعدت؛ ورحت أرمقها من مسافة ما، وهي ظلّت تلعب وحدها

وأنا أراقبها ولا أغضبها وكنت حائرًا في أمرها.

 

كفيف

وقفتُ على ساق واحدة مثل اللقلق لعلّني ألفتُ نظرها إليّ.

تأمّلتني لحظة ثمّ أزاحت نظرها عنّي في استعلاء.

مارستُ الركض الموضعيّ وأنا أفرد ذراعيّ على جانبيّ كأنّني طائر

فلم تنظر إليّ.

أغمضتُ عينيّ كأنّني كفيف يسير على غير هدى؛ مشيت وأنا أتمتم: يا ناس دلّوني على الطريق.

اقتربت منّي؛ وقد أعجبها المشهد، وقبضت على يدي وقالت: أنا أدلُّك.

قادتني مسافة قصيرة ثمّ فتحتُ عينيّ واسترسلْنا معًا في الضحك.

 

سمك يافا

شَوتْ أمّي على النار سمكًا لم يصطده أبي من بحر يافا

بل اشتراه من السوق. تشمّمتُ رائحة الشواء وأنا ألعب مع البنت في الساحة.

قلت لها: أبي اصطاد سمكة كبيرة؛ وأمّي تشويها على النار الآن.

سألتني: هل أبوك صيّاد؟!

قلت: نعم، لديه قارب كبير لصيد السمك.

زمّت شفتيها وقالت: أنت كذّاب.

خجلت من نفسي وقلت لها: أدعوك لتناول طعام الغداء معنا.

وافقت على الدعوة؛ غير أنّ أمّها جاءت وسحبتها من يدها

وبقيتُ وحدي في الساحة.

 

اسمها

حين وقعت الألفة بيننا سألتها: ما اسمك؟

قالت في دلال: ليس لي اسم.

قلت: أنا اسمي محمّد الأصغر.

قالت: اسمي تغريد.

قبضتُ على يدها؛ غادرنا الساحة، ثمّ ركضنا معًا على رصيف الشارع

وحين شعرنا بالتعب عدنا؛ وكانت أمّها تبحث عنها وفي عينيها غضب.

 

فستانها الأبيض

خرجت تغريد من بيت أهلها في خفّة كما لو أنّها تغافل أمّها من أجل الخروج.

كانت ترتدي فستانًا أبيض، وهي مكشوفة الذراعين، وشعرها منسّق في جديلتين.

اقتربتُ منها وقلت لها: أنت عروس.

ابتسمت وقالت: هذا ما قالته لي أمّي قبل دقيقتين.

قدتُها من يدها إلى آخر الساحة، وحين تلبَّستني موجة السعال ركضت تغريد نحو بيت أهلها لتحضر لي كأس ماء؛

احتجزتْها أمّها ولم تسمح لها بالخروج.

 

شعرها

رأيتها في المساء

كنت جالسًا قريبًا من باب البيت الذي نسكنه

راقبتها من مسافة ما؛ ولم أجرؤ على الاقتراب منها

كيلا تأتي أمّها وتعيدها إلى البيت.

كانت قد فكَّت الجديلتين ونثرت شعرها وهي في وسط الساحة وقالت:

أنا الجنّيّة ذات الشعر المنفوش التي تخطف الأولاد؛ ثمّ سألتني: لماذا لا تنزل يا محمّد الأصغر إلى الساحة؟!

قلت: أنت جنّيّة يا تغريد وأنا أخاف أن تخطفيني.

ضحكتْ وأنا ضحكتُ، ثمّ نزلتُ إلى الساحة، وكانت سماء يافا ماطرة.

 

أمّها

قالت لي تغريد: اسم أمّي هند واسم أبي فريد.

قلت لها: اسم أمّي وضحا واسم أبي منّان.

ضحكنا معًا ونحن نتأمّل الأسماء ونردّدها بابتهاج؛ كما لو أنّها واحدة من عجائب الزمان.

سألتها: لماذا تسحبك أمّك إلى داخل البيت كلّما كنّا معًا؟!

قالت: تخشى أن يصيبني سعالك بالعدوى.

شعرتُ بالحزن؛ قبضتْ على يدي وقالت: لا تحزن؛ أنا معك هنا ولا أخشى من عدوى السعال.

 

درّاجتها

لتغريد درّاجة حمراء بعجلتين.

خرجتْ بها إلى الشارع ثمّ ركبتْها وتركتني على الرصيف؛ انطلقت بها الدرّاجة نحو آخر الشارع ثمّ عادت. نزلتْ عن الدرّاجة وقالت لي: اركبْ.

ركبتُ الدرّاجة وأنا متردّد، وحين حاولتُ تثبيت قدميّ على الدوّاستين

كدنا نسقط؛ أنا والدرّاجة، على إسفلت الشارع.

أخذت تغريد مكاني وطلبت منّي أن أجلس خلفها.

جلستُ؛ وانطلقت الدرّاجة تجوب بنا الشارع حتّى منتهاه.

كانت بيوت يافا ترمقنا بإعجاب، أو هذا ما ظننّاه.

 

*من كتاب “حليب الضحى” الذي سيصدر قريبًا من “مكتبة كل شيء” في حيفا.

الكاتب: محمود شقير

هوامش

موضوعات

...للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع