كامو في أرض الغريب

عبد الغني بومعزة

كاتب من الجزائر

بعد ظهر أحد أيام صيف عام 1939، على شاطئ بويسفيل غرب وهران، تشاجر أحد معارف كامو اسمه راؤول بن سوسان مع اثنين من العرب اللذين حسب قوله أهانوا صديقته، عاد راؤول برفقة شقيقه للتحدّث مع العربيين، بعد مشاجرة أصيب أحدهم وهو يحمل سكينا، ذكر في سيرة كامو الذّاتيّة أنّ راؤول عاد غاضبا ومتوتّرا وهو يحمّل مسدّساً من عيار صغير

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

04/06/2021

تصوير: اسماء الغول

عبد الغني بومعزة

كاتب من الجزائر

عبد الغني بومعزة

“بالعبث، توصَّلتُ لنتائجَ ثلاث: تمرُّدي وحريتي ورغبتي، وعن طريق لعبة المعرفة استطعتُ أن أُغيِّرَ كل ما يدعو للموت في قواعدِ الحياة، التي أرفضها على أنّها الانتحار ذاته.”
البير كامو

 

يعتبر فندق الجزائر المعروف سابقا باسم سان جورج، واحة من الهدوء في العاصمة المتوتّرة، متاهة من المسارات المرصوفة بالحصى المتدفقة عبر أحواض الكركدية، الصبّار والورود، مظللة بالنخيل وأشجار الموز، في البهو الدّاخلي تاريخ حافل بالأحداث أثناء الفترة الاستعماريّة، كان العنف حاضرا في جانفي 1956 عندما زار ألبير كامو الفندق، حينها كانت حرب الاستقلال في أوجّها، اشتدّ النضال ضدّ الاستعمار وكان المدنيون أوّل الضحايا، كان كامو من الأقدام السّوداء (الأقدام السّوداء اسم مستمد من أقدام بحّارة البحر الأبيض المتوسّط الملطّخة بالفحم، أو أحذيّة الجنود الفرنسيين السّوداء الذّين احتلّوا البلاد سنة 1830 في حين أنّ نظريّة أخرى ترجع ذلك إلى وسخ ملابسهم أو عصرهم لعناقيد العنب بالأرجل لإنتاج النبيذ)، اسم أصبح لصيقا بمليون مستوطن من أصل أوروبي قدموا للاستيطان خلال الحكم الفرنسي، لقد عاد بعد أربعة عشر عاما في محاولة منه لمنع وطنه من الغرق أكثر في الحرب، كانت مهمّة محفوفة بالمخاطر، مستحيلة، تنمّر عليه مستوطنون فرنسيون يمينيون ومنهم من فكّر في اغتياله، وراقبه الثوار دون علمه لأنّهم يشكّون في ولائه للقضيّة، ألبير كامو مناضل الحريّة، يّعتبر في كثير من الأحيان مثل همفري بوغارت أدبي، محطّم، مدخّن نهم، شخصيّة بطوليّة باردة في عالم خطير، عملاق الأدب الفرنسي، لكن في الجزائر تشكّلت حياته وشخصيته وفنّه أكثر من غيره، في مقال نشر عام 1936، كتبه خلال فترة وجيزة قضاها في براغ، كتب شوقا “إلى مدينتي الخاصة على شواطئ البحر الأبيض المتوسّط… أمسيات الصّيف التّي أحبّها كثيرا، حلوة جدا تحت الضّوء الأخضر ومليئة بالنساء الشّابات الجميلات”، في سنة 1957، اعترف”اندريس اوسترلينغ” السّكريتير الدّائم للأكاديميّة السّويديّة بأهميّة التّعليم الذّي تلقاه كامو في الجزائر المحتلّة، ارجع وجهة نظر كامو للعالم جزئيا إلى”قدريّة البحر الأبيض المتوسّط التّي يعود أصلها إلى اليقين” . 

كامو هو”السّبب الوحيد الذّي يجعل الناس خارج الجزائر يعرفون هذا البلد السّاحر والمضطرب والمعقد”، يوضح يزيد آيت محي الدّين مخرج أفلام وثائقيّة، في فندق الجزائر، توجد صورة له إلى جانب مشاهير آخرين مرّوا بالمكان، مثل، دوايت ايزنهاور، أحد العاملين في الفندق يردّد كلّما سُئل عن صورة كامو المعلقة بأنّه “سفيرنا الوحيد”، مع ذلك، على الرّغم من إنجازات كامو الكبيرة وتعلّقه العميق بأرضه، لم تشاركه الجزائر هذا الحبّ والتعلق، فحضوره في المناهج المدرسيّة محتشم، بالمقابل هناك حضور قويّ لمؤلفاته باللغتين العربيّة والفرنسيّة، الأجيال الجديدة اكتشفته من خلال رواية الغريب والطاعون، جيل بعد الاستقلال اكتشف روعة الكاتب وخيبته في نفس الوقت، القليل من اللوحات أو الآثار التذكاريّة تخلد ذكراه “لقد محته الجزائر”، يقول حميد قرين، روائي جزائري ألف سنة 2011 رواية تحمل عنوان”Camus dans le narguilé “،حيث يتخيّل فيها شاب جزائري يكتشف انّه الابن الغير الشّرعي للكاتب، فيشرع في رحلة لمعرفة المزيد عن والده الحقيقي، في سنة 2010 وبمناسبة الذكرى الخمسين لوفاته في حادث سيّارة، نظمت لجنة من المثقفين حدثا بعنوان”قافلة كامو” تجوب سبع مدن جزائريّة للتعريف به، لكن السّلطات رفضت إقامة هذا النوع من الاحتفالات لكاتب لم يقدّم شيئا للثورة الجزائريّة، سوى الخيبة والنكران، مارس الحياد بدلا من الانخراط في النّضال كما فعل غيره من الفرنسيين، فرانتز فانون، موريس اودين، هنري علاّق، الخ .. قالت المحاميّة بخاي فاطمة: “عندما يبلغ كامو مائة سنة، لن يتم التخطيط لإحياء ذكراه، هذا الإهمال والتّغييب يعكس جزئيا ندوب وجراح مزّقت الجزائر عبر التّاريخ”، تلك المصالحة المستحيلة بين الجزائري وتاريخه، يوضّح محي الدّين: “معظم الجزائريين مشغولين للغاية بلقمة العيش والبقاء على قيد الحياة بحيث لا يساورهم القلق بشأن تراثنا الثقافي”، لكنّها أيضا نتاج أراء ومواقف كامو السّياسيّة المعقدة والاشكاليّة، على الرّغم من اشمئزازه من التحيّزات الاستعماريّة وتعاطفه مع الجزائريين،كان يعتقد حتّى نهاية حياته أنّ الجزائر يجب أن تبقى جزءا من فرنسا وتلك خطيئته الكبرى كما وصفها بعض المثقفين الفرنسيين والجزائريين، تشرح ابنته كاترين التّي تعيش في فرنسا و زارت الجزائر مرّة واحدة عام 1960، بعد ستة أشهر من وفاته: “يُعتبر كامو مُستعمرا وهذا ما يدرّس في المدارس”، يضيف محي الدّين الذّي واجه صعوبة في إنجاز فيلم وثائقي عن حياة كامو في الجزائر: “صحيح أنّه وضع نفسه مع عائلته الصّغيرة من المستوطنين، لكن هذا لا ينبغي أن ينفي عنه موهبته وعظمته ككاتب وفائز بجائزة نوبل ومساهمته في تقديم صورة الجزائر للعالم”. 

والده”لوسيان أوغست كامو”، حفيد أحد المهاجرين الفقراء القادمين من منطقة بوردو، كان يعمل في قبو نبيذ في مزرعة عنب، في الأسابيع الأولى من الحرب العالميّة الأولى، أثناء معركة مارن، أصيب بشظيّة في رأسه وتوفي في مستشفى ميداني بعد بضعة أسابيع، في فيلم مستوحى من رواية الرّجل الأوّل، يبدأ الفيلم بمشهد ولادة طفل في موندوفي، مكان فقير في الجزائر الفصل الثاني يحدث بعد أربعين سنة، الصّبي هو جاك كورميري الذي يزور قبر والده في فرنسا مدفوعاً برغبات والدته، أصيب هنري كورميري بجروح قاتلة في معركة مارن، و توفي في سان بريوك في 11 أكتوبر 1914، أي عندما كان الابن بالكاد يبلغ من العمر سنة، كتب عن والده:” عندما تمّ استدعاء والدي، لم يكن قد رأى فرنسا قط، وعندما رآها قتلوه، هذا ما أعطته عائلة متواضعة مثل عائلتي لفرنسا”، كان والده غريبًا، لكن وفقًا لوالدته، كان نسختها الوفيّة، كان يشبهه في الغالب في عينيه وجبهته العريضة، أكثر ما يزعج الابن عندما يقف أمام قبر الأب هو إدراكه لتاريخ مغادرته، كان في ذلك الوقت، يبلغ من العمر أربعين عاما والرّجل المدفون تحت شاهد القبر مات في التّاسعة والعشرين، موجة من الحنان والرّحمة تهزّه، شيء ما يهرب من الترتيب الطبيعي للأشياء و الحق يقال، حتى مثل هذا الأمر لا وجود له، بل الجنون والفوضى والغثيان، تعاقب الزّمن ينفجر من حوله ولا معنى بين الكرب و الشفقة الذّي يصيبه، علاوة على ذلك، فإن المقبرة مليئة بمقابر قتلى آخرين في ساحة المعركة، كلّهم ​​أطفال، بعد كلّ شيء، أطفال كانوا آباء رجال أشيب الشّعر الآن وهكذا، بعد أن لم يكن فضوليا لمعرفة من هو والده، أثار القلق بشأن معرفته كما سنلتقي بكامو نفسه، الرّجل الذّي يحب الحياة قبل كلّ شيء، إنّه الشّيء الوحيد الذي يؤمن به، العيش واللّعب والحلم . 

 نشأ ألبرت وشقيقه الأكبر لوسيان على يد والدتهما كاثرين هيلين سينتيس كامو وهي أميّة وصمّاء من أصل إسباني. كتب أوليفييه تود في سيرته الذاتيّة الموسومة Albert Camus :Une vie: “على الرّغم من أنّها كانت قادرة على قراءة شفتيها إلا أنّ بعض النّاس وجدوها غبيّة أو متخلفة عقليا”،وفقا لكامو فمفرداتها الخاصة تتكوّن من أربعمائة كلمة فقط، عندما كان ألبرت صغيرا انتقلت العائلة إلى شقة في 93 شارع ليون في حي بلكور بالجزائر العاصمة، حّي خاص بالطبقة العاملة، هنا، العرب والأقدام السّوداء يعيشون جنبا إلى جنب لكن نادرا ما يختلطون ببعضهم، تشارك ألبرت مع عائلته ثلاث غرف، غرفة له ولشقيقه لوسيان، واحدة لعمّهم إتيان والثالثة للجدّة والأم كاثرين هيلين التّي كانت تعمل عاملة تنظيف، البيت صغير بشكل لا يصدّق، يحتوي على مطبخ وثلاث غرف صغيرة ضيّقة في ممرّ مظلم، كان كامو معجباً برزانة والدته، ما يشبه الرّواقيّة الأموميّة فشكلت لديه حالة تعاطف لا مثيل لها مع الفقراء والمضطهدين، توضّح ابنته كاترين: “أراد دائما التحدّث نيابة عن أولئك الذّين ليس لديهم صوت”، بالإضافة إلى ذلك، قال أوليفيه تود: “لقد كان مخلصا لها بشكل غير عادي”، مازال البيت الذي أقامت فيه عائلة كامو قائما إلى اليوم، مبنى مكوّن من طابقين مع محل لبيع الفساتين في الطابق الأرضي، مالك البيت هو حميد حاج عمار، ثمانيني حذر بسبب تاريخ البيت وقاطنيه القدامى، يربط المحل والطابق العلوي سلم حلزوني عتيق باهت، الغرفة المشتركة بين كامو وشقيقه لوسيان بمساحة 10 × 10 أقدام مع أبواب فناء تفتح على شرفة مشتركة، شارع مزدحم، أشجار مضللة تختبئ خلفها كتلة من المباني المكوّنة من ثلاثة أو أربعة طوابق بواجهات بيضاء قديمة متدهورة،أسطح مكسوة بالبلاط البرتقالي والشّرفات مغطاة بحبال تجفيف الغسيل، على بعد بضعة شوارع شمالا يمكن رؤيّة شاطئ “السّابلات”، الشّاطئ الشّهير الذّي كان كامو يقضي فيه العديد من أيّام الصيف، كتب مستحضراً طفولة السّباحة والشّمس وكرة القدم: “لقد عشت في فقر لكن أيضا في نوع من المتعة الحسيّة”، في الجزء السّفلي من 93 شارع ليون، توجد مدرسة كامو الابتدائيّة، بوابة معدنيّة ثقيلة ومن خلفها تستقبل الزّائر سلالم خارجيّة منحنيّة تخريمية، واجهة الجص مقشّرة، في هذه المدرسة التقى بأستاذه الحنون لويس جيرمان، كتب اوليفيه تود أنّه “رأى ولداً صغيراً لامعاً”، قام بتدريسه خارج ساعات العمل العاديّة، ساعده في الحصول على منحة دراسيّة في الثّانويّة وقدّمه إلى “عالم الكلمات”. 

يعود كامو إلى طفولته البائسة في الجزائر، الشّوارع الجافة والمتربة، قيلولة مفروضة مع جدّته، كانت تضربه طوال الوقت و نظرة والدته اللطيفة والجميلة ومع ذلك، لا تنقذه من العقوبات القاسيّة للجدّة العجوز المتسلّطة، هناك أصدقاء يلعب معهم أو يتشاجر معهم،هناك عم شبه صامت وحياة، بشكل عام، فقيرة، حزينة ومخزيّة من عار طبقته الاجتماعيّة، على الرغم من صرخات الليل الصّامتة واليأس اللامحدود الذّي يشعر به، هناك شيء ينقذه، إنّه لويس جيرمان، في القسم يشعر أنّه “موجود بالفعل”وأنّه موضوع يحظى بأعلى درجات الاعتبار، علاوة على أنّه يستحق اكتشاف العالم، هذا ما يغرسه هذا المعلم في الطفل، التعطش لاكتشاف العالم، لن ينساه كامو أبدا لأنّه يشعر بالامتنان الأبدي لتعاليمه، لدرجة أنه بمجرّد حصوله على جائزة نوبل، كتب له رسالة: “بدون تعليمه ومثاله،لا شيء على الإطلاق ما كان ليحدث”، لكن شيئا مخيفا يتسلل إلى مرحلة الطفولة، حيث يلجأ البالغون، سواء أكانوا آباء أم مدرّسين أم قساوسة إلى العقاب البدني مرارا وتكرارا، أمّا لويس جيرمان فكان يعاقب كامو بقواعد صارمة على الأرداف وكان ألبرت يخفي دموعه، يرتجف دون أن ينبس ببنت شفة، أحد الجوانب الأكثر إثارة في روايّة الرّجل الأوّل هو وصف كامو للبؤس والفقراء، يكتب: “الفقر بمثابة أسرة وتضامن”، وعالم الفقراء “بريء و دافئ”، نسير في غرف الجهل شبه الفارغة ولكن النظيفة في هذه الجزائر التّي باعوها كأرض الميعاد، أرض ذات مسافات غير محدودة، فضاء خالي ومهجور برائحة غريبة من السّماد والتوابل، مستعمرة حيث وُعد الوافدون الغرباء من أصقاع أوروبا الفقيرة والجائعة بمنزل و بضعة هكتارات وهم لم يكن لديهم شيء لمغادرته سوى المعاناة، الاضطهاد والحرب، يخرج هؤلاء الرّجال و معظمهم من العاطلين عن العمل في فرنسا، من براثن الفقر للوصول إلى مكان بائس ومعاد، حيث تصرخ النساء في الليل من التّعب والخوف وخيبة الأمل .

كانت تيبازة في السّابق مستعمرة فينيقيّة في الأصل واستولى عليها الرّومان وتمّ تطويرها لتصبح ميناء بالغ الأهميّة منذ ألفَي سنة، كانت واحدة من أكثر الوجهات شعبيّة لدى كامو، في سن المراهقة والعشرينات، كان برفقة أصدقائه يسافرون إليها بالحافلة من العاصمة ويقضون نزهة بين المعابد والفيلات الرّومانيّة القديمة من القرن الأوّل وكنيسة مسيحيّة من القرن الرّابع، كتب عن رحلته المنتظمة إلى تيبازة من الجزائر العاصمة: “بالنسبة لي، لا يوجد أي واحد من تلك الـ 69 كيلومترًا لا يملؤه الذّكريات والأحاسيس. طفولة مضطربة، أحلام اليقظة في سن المراهقة على متن الحافلة، مشاهد الطّبيعة الخلاّبة، الصّباح، الفتيات اليافعات، شواطئ، عضلات شابة دائماً في ذروة جهدها، قلق مسائي طفيف في قلب يبلغ من العمر ستّ عشرة سنة…” (أعراس تيبازة). احتفل بعالم من الشّمس والمتعة الحسيّة، كتب: “في الرّبيع تعيش الآلهة في تيبازة، متحدّثة من خلال الشّمس ورائحة الأفسنتين، البحر بدرعه الفضّي وفقاعات كبيرة من الضّوء في أكوام الصّخور”، وعندما شخّص لديه الأطبّاء مرض السلّ وكان عمره آنذاك سبع عشرة سنة انتهت سنوات الوفرة واجبر على التخلّي عن مسيرة واعدة في كرة قدم وسيعاني من انتكاسات طوال حياته، على الرغم من مرضه المنهك في كثير من الأحيان، تخرّج عام 1936 من جامعة الجزائر دبلوم فلسفة، بعد وظيفة مكتبية رتيبة، وجد سنة 1938 وظيفة أخرى في جريدة الجزائر الجمهوريّة، قام بتغطيّة كلّ شيء، محاكمات القتلى والمجاعة في منطقة القبائل، أثار هذا الكشف عن إهمال الحكومة غضب السّلطات الفرنسيّة، فصدر قرار بإغلاق الجريدة ووُضع كامو على القائمة السّوداء، ممّا جعله عاطلا عن العمل مرّة ثانيّة . 

بعد ظهر أحد أيام صيف عام 1939، على شاطئ بويسفيل غرب وهران، تشاجر أحد معارف كامو اسمه راؤول بن سوسان مع اثنين من العرب اللذين حسب قوله أهانوا صديقته، عاد راؤول برفقة شقيقه للتحدّث مع العربيين، بعد مشاجرة أصيب أحدهم وهو يحمل سكينا، ذكر في سيرة كامو الذّاتيّة أنّ راؤول عاد غاضبا ومتوتّرا وهو يحمّل مسدّساً من عيار صغير، لكن في نفس الوقت كان تمّ اعتقال العربيين قبل أن يقدم على ارتكاب جريمة بإطلاق النّار عليهم، بعد هذه الحادثة صاغ ألبير كامو الرّوايّة التّي جاءت لتترجم فلسفته عن الحياة، في الصّفحات الافتتاحية من الرّوايّة والتّي تعتبر أحد أكثر الألغاز الأدبيّة من حيث المحتوى والمعنى و السّياق والقصد جعلت من النصّ أحد أعظم روايات القرن العشرين، نشيده عن الوجوديّة والاغتراب والعبث، كتب كامو في الصّفحة الأولى “ماتت أمّي اليوم. ربّما أمس، لا أدري، لقد تلقيت من الملجأ الذي كانت تقيم فيه برقية هذا نصها”. “أمكم توفيت، الدفن غدا، خالص تعازينا!.. لم أستطع أن أفهم من ذلك شيئا”، ميرسو، المضاد للبطل المنفصل بشكل غريب عن كامو، ينضم إلى جنازة والدته في إقامة خاصة بالمسنّين في الرّيف الجزائري، أثناء وقوفه على قبر أمّه لم يحتمل حرارة الشّمس، لهيبها: “كان سطوع الشّمس لا يطاق، شعرت بالدمّ ينفجر في صدغي” (رواية الغريب، ترجمة محمد غطاس، الدار المصرية اللبنالنية)، تحوّلت شمس تيبازة إلى قوّة شريرة في عالم ميرسو، محفز على العنف ورمز لكون مشبّع بالمعاني، فيما بعد، على شاطئ مثل شاطئ بويسفيل الذي وقعت فيه حادثة راؤول بن سوسان والعربيين، يلتقي ميرسو بعربي يحمل سكّين، يجهز عليه بدون سبب واضح، غير سطوع الشّمس الملتهب والحرارة التّي لا تطاق وغليان رأسه إلى حد الألم، كتب كامو: “كانت نفس شمس اليوم الذي دفنت فيه أمّي، جبهتي تؤلمني بشكل خاص، كلّ الأوردة تنبض تحت الجلد” (رواية الغريب).

اليوم، الشّاطئ البكر الذي ألهم دراما كامو بالكاد يمكن التعرّف عليه، الشّمس التّي دفعت ميرسو للهو والمتعة ثمّ القتل، مدفونة اليوم خلف غطاء غيوم كثيف، مشهد نموذجي لشتاء البحر الأبيض المتوسّط، تغطّي النفايات المسح المنحني للرّمل، وجود رائحة بول وعفن خفيفة في الهواء والواجهة البحريّة محاطة بفيلات فرنسيّة متداعية، الكثير منها مهجور ومغلق، يخبر رجل أشيب الشّعر يؤجّر المظلات لأحد الصّحفيين الذّي سأله إن كان يتذكّر رؤيته لكامو: “اعتاد والدي رؤيّة كامو وزوجته هنا طوال الوقت”، ثمّ يوجّه على الشّاطئ نحو حليّة ضيّقة من مياه الصّرف الصحّي متدفقة إلى البحر، يقول: “قبل سبعين سنة، كان من الممكن أن يكون هذا التيار هو الرّبيع الصّغير المتدفق في الرّمال حيث التقى ميرسو بالعربيين وأصدقائه”، الرّجل الأشيب موظف متقاعد و مولع بكامو، يختتم الغريب في فصول الرّواية الأخيرة مع ميرسو في زنزانته، محضّرا نفسه للإعدام، بعد دعوى قضائيّة يُدان فيها بنقص العاطفة والمشاعر في جنازة والدته كدليل على فساده، في مواجهة الموت الوشيك للمقصلة، يدرك ميرسو متأخّرا بانّ الوجود لا معنى له، كذبة، خديعة، لكنّه في لحظته تلك، لحظة الحقيقة المطلقة يتمتع بشعور نقي بأنّه على قيد الحياة وانّه مستعد أن يبدأ الحياة من جديد، ثمّ يفتح عيوننا على السّعادة التّي تنجم على حالة اللامعقول، معلنا في السّطور الأخيرة من الكتاب عن صرخة تحدّ وتأكيد بهيج لإنسانيته فيقول: “في ذلك الليل الذي يفيض بالنجوم، أحسست للمرّة الأولى بعذوبة واللامبالاة، أحسست إنّني كنت سعيدا في يوم من الأيّام ولا زلت حتى الآن”، (رواية الغريب)، صدرت الرّوايّة سنة 1942، ونالت احترام وتقدير سارتر فيلسوف الضفّة الأخرى الذّي أقام معه كامو صداقة مضطربة، ووجد كامو نفسه بين عشيّة وضحاها تقريبا، من صحفي من غامض وغير معروف إلى اسم أدبي كبير، في سنة 1944، عثر اولييفه تود (كاتب وصحفي فرنسي) عندما كان في الخامسة عشر من عمره في خزانة سيّدة يهوديّة تركت شقتها لوالدته الواقعة في باريس على نسخة من روايّة الغريب، كتب في مذكّراته: “ذهبت مسرعا إلى حديقة ليكسمبروغ وبدأت في تصفّح محتواها صفحة صفحة، وليس بعيدا كان هناك جنود ألمان يقومون بدوريتهم الرّاجلة” يتذكّر كاتب سيرة ألبير كامو، انّه مأخوذ بطبيعة الكاتب ذات الوجهين الذّي عثر على الظلام والرّعب تحت شمس الجزائر: “سيذكر الجميع بأنّه كاتب نثر رائع”.

في مارس من سنة 1940 قرّر الانتقال إلى فرنسا، عشيّة الغزو النّازي لفرنسا، وجد وظيفة مراسل صحفي في ليون، مدينة تحت سيطرة حكومة فيشي المتعاونة، وفي جانفي 1941 تزوّج فرانسين فور، عازفة البيانو الجميلة ومعلمة الرّياضيات من وهران، لكن في نفس الشّهر وفي مواجهة الحرمان من الحرب، الرّقابة والتّهديد بفقدان وظيفته، عاد مع زوجته إلى الجزائر، وهران مدينة المليون ونصف المليون نسمة والواقعة بالقرب من الحدود المغربية، الشّارع الضيّق الذّي عاش فيه كامو وفرانسين خلال فترته الجزائرية تصطف على جانبيه المباني البيضاء الباهتة، غالبا ما كان يقضي ساعات اليوم في مطعم”لاسنترا” القريب من شارع محاط بأشجار النخيل، فوق المدينة ينتصب مرجاجو، قلعة حجريّة بناها الغزاة الأسبان الذّين حكموا المنطقة بين عامي 1509 و 1708 عندما سقطت المدينة في أيدي العثمانيين، وعلى الرّغم من تاريخ المدينة وتعدّد الأعراق النابض بالحياة، وصف كامو وهران بعاصمة الملل، بحيث كره أحواض السّفن الرّديئة والكريهة والأعمال الصّناعيّة التّي تفصل المدينة عن البحر، كان عاطلا عن العمل، عليلا بسبب مرضه القديم، مذعور من تصاعد العداء لليهود في حكومة فيشي، أكثر من 110 ألف يهودي جزائري فقدوا جنسيتهم الفرنسيّة، وصلته أخبار طرد أحد أصدقائه من منصبه كمدرّس في الثّانويّة لأنّه يهودي، تمّ استبدال عبارة “مواطن فرنسي” بيهودي أصلي في جواز سفره، في ماي من سنة 1941 كتب كامو في يومياته معبّرا عن مرارته: “ان العودة لوهران بالمقارنة بظروف حياتي، ليست خطوة إلى الأمام”، لكن أولييفيه تود كتب بأنّه أحبّ المدينة حقا، يقول: “الطابع الإسباني للمدينة عنى له الشّيء الكثير، العمارة الاسبانيّة، الطريقة التّي يأكل بها النّاس، الطريقة التّي يعيشون بها”، في أوت 1942، عاد وفرانسين إلى فرنسا، حيث قضى فترة وجيزة في الجبال بعدما تعرّض إلى انتكاسة صحيّة، لم يطل بها المقام فعادت مرّة ثانيّة إلى وهران بينما بقي كامو لفترة واعدا إيّاها بالانضمام إليها، لكن في نوفمبر، غزا الحلفاء شمال إفريقيا فوجد كامو نفسه عالقا في فرنسا.

أصبح رئيس تحرير صحيفة المقاومة الفرنسية Combat برفقة سارتر، أندريه مالرو و ريموند آرون، كتبوا مقالات تدين النّازيّة، طبعوا منها سرّا عشرات الآلاف من النسخ أسبوعيا في مطابع مخبّأة في أنفاق باريس، كان عملا محفوفا بالمخاطر والمهالك، وأثناء إجراء مكالمة عام 1943 ألقت الغستابو عليه القبض لكنه نجح في التخلص من نسخة تخطيطيّة من الصّحيفة قبل تفتيشه، أثناء الحرب بدأ العمل على ما يعتبره الكثيرون ثاني أهم عمل روائي، الطاعون، تأمّل في المنفى والاحتلال والمقاومة، تحكي الرّوايّة عن وباء الطاعون الذي يقتل مئات الأشخاص يوميًا وتجبر السّلطات على إغلاق الأبواب لمنع انتشاره، تبرز العدوى مثل الاحتلال النّازي لفرنسا، الصّفات الفاسدة والنبيلة لشعب وهران، الطبيب برنارد ريو والصّحفي ريموند رامبرت يعالجان بشجاعة المرضى والمحتضرين، كلاهما منفصلان عن زوجتهما اللواتي يحبهن، لكن يضعان شعور الإحساس بالمسؤولية الأخلاقيّة على حساب السّعادة، في موضوعيته الهادئة والدّقيقة، كان كامو منزعجا ومنهارا كما هو الحال بالنسبة للطبيب ريو الذي وجد نفسه وحيدا وبعيدا عن زوجته: “هذه الذّكريات الحيّة التّي تلسع كالنّار”، أيضا كامو في ظروفه القاسيّة والشّعور بالغربة والابتعاد عن زوجته جعل منه شخصا غير مخلص لها خلال فترة انفصالهما الطويلة.

 تمّ لم شمل كامو بفرانسين في باريس بعد الحرب وتمّ نشر الطاعون وحققت نجاحا كبيرا سنة 1947، بعد عامين من ولادة توأم كامو، جان وكاترين، كانت العلاقة بين الزّوجين تمرّ بأسوأ حالاتها، لكنّه بالمقابل طوّر علاقة وثيقة مع أطفاله، تقول كاترين: “كان مليئا بالحياة، يضحك كثيرا، متواضع، كان أبّا حقيقيا”، تتذكّر بعمق رحلات عودته إلى الجزائر في الخمسينات مع والدها، تقول بأنّه” لم ينقل أي فكرة عن أهميته” حتّى بعد فوزه بنوبل الآداب ، فقط بعد موته بدأت تفهم أهميته وقيمته في عين العالم.

ظهر كامو دوما في كثير من الأحيان معارضته لانتهاكات النظام الاستعماري، من خلال مقالاته التي كتبها عن المجاعة في منطقة القبائل وهذا في رحلته الاستقصائيّة في شهر ماي من سنة 1945، ودعا في العديد من المرّات إلى جانب مثقفين يساريين آخرين لإجراء إصلاحات اقتصاديّة وسياسيّة ولم يكتفي بهذا، بل دعم في الأربعينيات فرحات عباس الذّي دعا إلى التّمثيل السّياسي للجزائريين وهذا في اتّحاد مع فرنسا، وعندما تمّ إفشال مثل هذه الاقتراحات المتواضعة من قبل المستوطنين الفرنسيين المتشدّدين والحكومة الفرنسيّة،تحوّلت السّلطة من الجزائريين المعتدلين إلى جيل جديد من المناضلين خلص أنّ العمل الثوري المسلح وحده هو الذّي يمكّن الجزائريين من نيل الاستقلال، كان الجميع يدور في فكي كماشة العنف، كانت دائرة مميتة ضحيتها المدنيين وكان النصيب الأكبر لسكان الأرياف والمداشر والقرى النّائيّة الذّي كان يتمّ تصفيتهم بدمّ بارد وصمت (اليوميات، 1955 – 1962، مولود فرعون، دار تلانقيت)، ومع تصاعد الحرب ، شاهد برعب الهجمات على المدنيين من قبل القوميين الفرنسيين والجيش، لكن بينما كان في دخيلته مع كثير من القناعة يؤيّد فكرة الحكم الذّاتي للجزائريين، كان وهذا ما أظهره من خلال مواقفه من أكبر الرّافضين لفكرة انفصال الجزائر عن فرنسا، رافضا فكرة الاستقلال، كما شعر بالاشمئزاز من التفجيرات المقاهي والحافلات و المطاعم في فترة ما يعرف بمعركة الجزائر، سنة 1956، وصل الجزائر العاصمة على أمل إبرام هدنة بين جبهة التحرير الوطني والقوات الفرنسيّة: “جاء كامو كشخصيّة سلطويّة معنويّة كبيرة، منحتها له إيّاها مكانته ككاتب عالمي ودوره في المقاومة الفرنسيّة وافتتاحياته في كومبا ووقائع جزائريّة في الجزائر الجمهورية”، كانت المبادرة فاشلة ومذلّة بالنسبة له، لقد تجاوز الجانبان نقطة المصالحة وحتّى القادة الجزائريين المحايدين الذين رافقوه إلى الاجتماعات كانوا مناضلين وطنيين وأعضاء في جبهة التّحرير الوطني، محاصر بصرخات “الموت لكامو” من اليمين الفرنسي المتطرّف عاد إلى فرنسا مهتزا وحزينا، بالرغم من التجربة المؤلمة التّي عاشها واصل البحث عن طريق وسط، تدخّل لدى السّلطات الفرنسيّة لإنقاذ حياة العشرات من المناضلين الجزائريين المدانين، لكنّه رفض دعم الكفاح المسلّح: “الناس يزرعون القنابل في ترام الجزائر”، قد تكون أمّي في إحدى عربات الترام هذه، إذا كانت العدالة، فأنا أفضّل أمّي”، لم تغفر له جبهة التّحرير قط موقفه السّلبي من فكرة الكفاح المسلّح، أخيرا، توقف عن التعليق تمامًا على الحرب وهو تراجع اعتبره البعض جبنا، برّر ذلك بقوله إن أي تعليق يدلي به سيشتعل من جانب أو آخر، وفي رسالة إلى مناضل جزائري وهو مولود فرعون، يقارن الألم الذي شعر به بسبب حرب الجزائر بـ”الجرح في الرّئتين”، بحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب في مارس 1962 قُتل ما بين مليون ومليون نصف جزائري من اجل الحريّة، بالإضافة إلى ما يقرب من 40.000 جندي فرنسي ومن الأقدام السّوداء فيما اختفى آخرون (توفيت والدة كامو لأسباب طبيعيّة في الجزائر العاصمة في سبتمبر 1960).

 لم يتوقف دوره الغامض خلال الحرب الجزائرية عن إثارة الجدل، إدوارد سعيد في كتابه “الثقافة والإمبرياليّة” انتقد كامو على “حساسيّة استعماريّة غير قادرة”، الأمر المريع على وجه الخصوص بالنسبة لنقّاد كامو هو عدم وجود شخصيات عربية متطوّرة في روايته، في إشارة كاشفة، كما يقولون، على أنه بينما تعاطف مع العرب بشكل عام، كان يهتم بهم قليلا كأفراد، تقول الباحثة الأمريكيّة اليس كابلان أستاذة تاريخ الأدب بجامعة ييل بأنّ كامو مجرّد نتاج عصره والمجتمع المنفصل بشدّة الذّي قدم منه، مع ذلك، فإن العديد من الكتّاب الجزائريين منخرطون بعمق مع كامو، بالنسبة لأوليفييه تود، الميزة التّي يتردّد صداها بالنسبة له هي “صدق كامو ورفضه الإصرار على الحقيقة المطلقة” و”إنه يشك باستمرار، لديه شكوك حول الشّيوعيين ومستقبل الجزائر، حتّى حول نفسه”، استغرق تود عقودا من الزّمن حتّى يستوعب كامو كانسان ومفكّر، التقى به مرتين، مرّة في مقهى باريسي عام 1948 عندما جلس كامو يطالع جريدة ووجّه نظرة على زوجة تود الصّغيرة، يقول تود: “كنت غاضبًا”، قلت بصوت عالٍ من هذا الأحمق؟ من يظنّ نفسه؟” بعد عقد من الزّمن، تمّ تقديمه إليه في شارع سان جيرمان فكرهه بشدّة، كانت ملابسه صاخبة للغاية وكان عدوانيًا معي، لقد دافع كثيرا عن الأقدام السّوداء، لكن بعد خمس سنوات من انغماسه في حياته وأدبه، بعد مئات المقابلات والرّحلات المتكرّرة للجزائر، يقول تود: “لقد تغيّرت مشاعري اتّجاهه تماما، انتهى بي الأمر بحبه كثيرا، بالنسبة لكابلان والمعجبين الأخرين فلقد كان كامو قبل كلّ شيء إنسانيا، آمن بقداسة الحياة، ضرورة التعايش السّلمي، توضّح: “يوجد كامو لكلّ مرحلة من مراحل الحياة”، في محاولة لتفسير إصرار وأهميته اليوم: “يمكن للمراهقين أن يتماثلوا مع اغتراب ميرسو”. 

في حقل قريب من البحر يوجد شاهد قبر نصبه أصدقاؤه بعد وفاته في يناير 1960، وعلى الشّاهد كتابة منقوشة هي اقتباس من نص صدر عام 1938 بعنوان “أعراس تيبازا”، كتب قبل أهوال الحرب والصّراعات الشخصيّة التّي من شأنها أن تحجب صعوده إلى العظمة، يمكن قراءة “هنا أفهم ما يسمّونه المجد”، يقول تكريما لأطلال البحر حيث أمضى بعض من أسعد لحظاته:”الحق في الحبّ بلا حدود”.

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع