World War Z: نهاية العالم على يد الزومبي و”وحشنة” إسرائيل للفلسطينيين “الآخرين”

حنين شفيق الغبرا

باحثة من الكويت

لقد اتخذت دراسات الوحوش عدة اتجاهات مختلفة، لكنها هنا مهتمون بكيفية تركيز بعض هذه الدراسات على وتيرة التدفقات، والخلاف الوطني، وانتقال الأشخاص، والانتشار الملحوظ للعدوى. يقتنع الباحثون متعددو التخصصات بأن انتشار القلق المجتمعي ينعكس في انتشار الوحوش في النصوص المكتوبة والمرئية.20 على سبيل المثال، يتمثل وحش العصر الحالي غالبا في المخاوف المتعلقة بمقاومة التغيير المجتمعي أو احتضانه.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

30/07/2021

تصوير: اسماء الغول

حنين شفيق الغبرا

باحثة من الكويت

حنين شفيق الغبرا

عضو هيئة التدريس في جامعة الكويت، دكتورة في التواصل والثقافة.

المقال بصيغته الإنكليزية منشور في مجلة الاتصال والدراسات النقدية/الثقافية.

شارك في الكتابة معروف أ. حسيان

نبذة مختصرة عن المقال

ينشر المؤلفان نقدًا ثقافيًا يعد امتدادًا لعمل الباحثين المهتمين بتطبيق تحليلات نهاية العالم على يد الزومبي على الخلافات القومية والاجتماعية المعاصرة. يطلق فيلم “World War Z” سلسلة من الديناميكيات السينمائية التي تدعو الجمهور إلى التفكير في كيفية إضفاء الطابع الأمني الإسرائيلي على الوحشنة والنزاع في القدس، وربما يكون الأمل الأخير لاحتواء دراسات ما بعد الاستعمار، والحرب العالمية المبنية على العِرق. من خلال فك شفرة “الوحوش” في الفيلم، يلاحظ المؤلفان القيمة الاستكشافية لفهم كيف توسط خطاب تأثيرات المناعة الذاتية في تصورات الصراعات الإسرائيلية والفلسطينية.

صدر الفيلم عام 2013، وهو من بطولة براد بيت وإخراج مارك فورستر، ويحكي قصة جيري لين (براد بيت)، المحقق الميداني السابق للأمم المتحدة، والذي يتجول في أرجاء المدينة محاولًا العثور على طريقة لإنقاذ العالم من النهاية على يد الزومبي. لا يوضح الفيلم الأصول المسببة للمرض الذي أصاب البشر وحولهم إلى مجموعة من الزومبي المفترسين الذين يهددون العالم، لكن المشاهدين يعرفون سريعًا أن على البشر التوصل إلى نوع من اللقاح إذا كانوا يأملون في منع الزومبي من السيطرة على العالم.

الفيلم من إنتاج براد بيت، وهو مقتبس عن رواية ماكس بروك التي تحمل الاسم نفسه، والتي كُتبت في عام 2006. جزء من التناقض المحيط بالفيلم يأتي من حقيقة أن كلًا من الزومبي والبشر الذين يطاردونهم في حالة حركة مستمرة، وأنه في سبيل إنقاذ عائلته، يدرك لين أن عليه المغامرة بـ “آخر حضارة بشرية قائمة حتى الآن: القدس”. 2

هناك العديد من الطرق التي قد يتعامل بها علماء الثقافة الناقدون مع دراسة الفيلم، والتي تسمح للمراقبين بالتعليق على عمليات إعادة الكتابة المكثفة، وأسابيع من إعادة التصوير، وإنفاق أكثر بكثير من 200 مليون دولار المرصودة لميزانية الفيلم. نؤكد أنه من خلال الأنماط السينمائية للزومبي وخطابات المناعة الذاتية، يحاول الفيلم تهدئة المخاوف الإسرائيلية والغربية من خلال خلق شخصيات على غرار التصورات الغربية عن الإرهابيين الفلسطينيين.

نقدم هنا نقدًا ثقافيًا يلفت الانتباه إلى العواقب وأساليب الاتصال التي يسعى الفيلم جاهدًا من خلالها إلى جعل تلك الدعوات مقنعة. وبالتالي فإن احتفال الفيلم بالتعددية الثقافية أو عولمة الأمم المتحدة أو حل النزاع السلمي يشجع الجمهور على اتخاذ موقف معين، وقبول احتواء إسرائيل لـ “الفيروسات” الفلسطينية أو الإسلامية.

تحليلاتنا النقدية عن إظهار الفلسطينيين أو المسلمين بمظهر الوحوش في الفيلم توسع نطاق عمل العلماء الذين كتبوا عن سياسة “التوحيش” وأنواع السياسة الحيوية، وعلاقة نهاية العالم على يد الزومبي بالنقد الخطابي المعاصر للخلافات القومية والاجتماعية.3 نجادل هنا بأنه حين يعرض المخرج رحلة جيري لين إلى الأرض المقدسة، فإن هذا يحرك سلسلة من الديناميكيات السينمائية التي تخلق بالتالي ما أطلق عليه جاك دريدا وآخرون سمات “المناعة الذاتية” لدولة تحاول احتواء التهديدات البيولوجية أو الطبية.4 وسرعان ما يتحول الجدار الخيالي الذي يمنع تهديدات الزومبي في الفيلم إلى حائط دفاع عن الأمن الإسرائيلي.

وكما نلاحظ بمزيد من التفصيل أدناه، يستخدم فيلم “World War Z” مجموعة من الأساليب الخطابية لجعل المشاهدين يعيدون التفكير في الطرق التي ينظرون بها إلى جدار “الفصل” الإسرائيلي، الذي يفصل حاليًا العديد من العوائل الفلسطينية. وعن طريق عرض لقطات لوحوش الزومبي وهي تتسلق الجدار، وتحديد إسرائيل موضعًا لوجود “العلاج” المحتملة للزومبي، يشير منتجو الفيلم صراحة أو تضمينًا إلى أن المعارضين الفلسطينيين، أو السكان الأصليين “الآخرين”، يشكلون تهديدات سياسية وحيوية يمكن عزلها أو احتواؤها عن طريق أولئك الذين يعرفون كيفية محاربة الزومبي.

مع وضع هذا في الاعتبار، قسمنا بقية هذا المقال إلى أربعة أجزاء، نبدأها بتزويد القراء بمناقشة نظرية حول أهمية دراسات “الوحش”، وأساليب التحصين للتحليلات النقدية لأفلام نهاية العالم على يد الزومبي. الجزء الثاني من المقال يوضح كيف أن الصحفيين العاملين بالصحف الكبرى والمدونين يزودونا بالأدلة الأساسية على أن كثيرًا من المشاهدين والقراء يريدون معرفة المزيد عن علامات “التوحيش” أو “الوصم بالآخرية” أو “الموالاة للصهيونية” في الفيلم. بعد ذلك، وفي الجزء الثالث من المقال، نستكمل هذا التحليل السياقي بقراءة موضوعية لبعض خطوط الحبكة في “World War Z”، حتى يتمكن القراء من تحديد ما إذا كانت هناك علاقة حقا بين “الجدار” في هذه القراءة السينمائية وتوفير مناعة من “الوحوش” سواء كانت حقيقية أو متوهمة. وأخيرًا في الختام، نشير إلى القيمة الاستكشافية لدراستنا لمن يهتمون بدراسات استقطاب المجتمعات المتمكنة والضعيفة في أماكن مثل إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة.

نظريات الوحش، والتصورات الجماعية عن الفلسطينيين، ومخاوف ما بعد نهاية العالم

قبل أن نزود القراء بتحليل موضوعي عن فيلم “World War Z”، من الضروري أن نعترف بأن الفلسطينيين العرب قد تعرضوا للتشويه عبر التاريخ في كل أنواع الأفلام. يشرح تيم سيمرلينغ كيف اعتادت بعض وسائل الإعلام المرئية توصيل رسالة أن السماح بوجود فلسطين سيضعف الولايات المتحدة ويؤنثها.5 يوضح سيمرلينغ كيف يتمركز بناء فيلم “Black Sunday” (الأحد الأسود) على نظرية المؤامرة، إذ تدور قصته حول رجل إسرائيلي يعتبر أحد الأشخاص القلائل الذين بإمكانهم المساعدة في إنقاذ أمريكا من وحشية العرب الزومبي.6

جاك شاهين، الذي كان أحد الخبراء البارزين في مجال تصوير العرب باعتبارهم أشخاصًا “جيدين” أو “سيئين” على الشاشات الأمريكية، يكشف كيف ظهر “الآخرون” من العرب والفلسطينيين كأشرار في أكثر من ألف فيلم.7 يوضح شاهين أن هذه الصورة النمطية العنصرية اكتسبت صدى في الأربعينيات، إبان حرب الاستقلال الإسرائيلية (النكبة الفلسطينية)، ثم تطورت ونمت في أوساط الأمريكيين أثناء السبعينيات. كان شاهين مقتنعًا بأن العوامل الجيوسياسية، مثل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) والغزو الإسرائيلي للبنان، ساعدت في القبول العام لما يمكن أن نسميه سياسة الاعتراف.8

وللأسف، ساعدت حرب الخليج عام 1991 والتغطية الإعلامية لأحداث 11 سبتمبر على شرعنة كل أنواع جهود مكافحة الإرهاب، وصار من السهل إنشاء روابط رمزية سهلة بين المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والعمليات التي ينفذها تنظيم القاعدة. يؤكد شاهين أن هوليوود نادرًا ما تحاول تفكيك تلك الصور النمطية، وهذا يرجع جزئيًا إلى قلة النقاد المستعدين للتشكيك في المواقف السائدة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.9

بتطبيق دراسات التواصل والدراسات متعددة التخصصات على الوحوش والزومبي، يمكن للقراء التقاط بعض السمات الأيديولوجية للعديد من الأفلام التي تعكس طرقًا محددة للتفكير في الكيانات القوية المهيمنة. يلاحظ جيري كوهين أن “الوحش” يولد دومًا خلال منعطف ثقافي وتاريخي معين، وبالتالي فهو نتاج عصره.10 في الخمسينيات، انعكست تصورات الحرب الباردة على شخصيات “موتى أحياء” في أفلام أُنتجت خلال الفترة التي كان الرأي العام الأمريكي يخشى فيها من غزو سوفييتي.11 بحلول الثمانينيات، صار “الآخرون” من العرب والفلسطينيين هم أشرار الأفلام، بدلًا من النازيين خلال الحرب العالمية الثانية والروس أثناء الحرب الباردة.

أصبحت سيناريوهات ما بعد نهاية العالم، التي ركزت ذات يوم على تهديدات الحرب النووية، أكثر تعقيدًا خلال التسعينيات مع انتشار الخوف من فيروسات الإيدز والإيبولا والأمراض “النامية”، وارتباطها بالتهديدات الإدراكية الأخرى. أصبح الربط بين التهديدات الجيوسياسية والبيولوجية “موضوعًا رائجًا ويحقق انتشارًا مضمونًا للعلم والبحوث الطبية وأفلام الأكشن والخيال العلمي”.12 ظهرت عاصفة كاملة لتشويه “الآخرين” من العرب والمسلمين في مجالي الدبلوماسية والسينما، عندما تقاربت المخاوف بشأن “الإرهاب” في الشرق الأوسط مع مخاوف الأمراض المستوطنة و”النامية”.

لكل هذه الأسباب، حظيت “الوحشنة” بدعم خاص كمجال ناشئ في دراسات الاتصال، باعتباره نهجًا فريدًا يمكن أن يسهم في فهم السمات السياسية والثقافية للمواقف التي بما تمر في العادة دون ملاحظة. وهكذا، تعتمد دراسات الوحشنة على عناصر الدراسات الخطابية والثقافية والنظريات الاجتماعية النقدية لفهم الطرق التي تزدهر بها الأيديولوجيا والمعنى والقوة في الأفلام التي تصور الوحوش.13 تشير برناديت كالافيل إلى أن “الوحوش تحاصرنا، سواء كان ذلك في أفلام الرعب، أو ألعاب الأطفال، أو ألعاب الفيديو، أو حتى كسياسيين. الوحوش تملأ حياتنا اليومية”.14

مع وضع هذا في الاعتبار، تؤكد مارينا ليفينا أن هناك حاجة لمناقشة الوحشنة في دراسات الاتصال،15 وليس من قبيل المصادفة أن الزومبي يحتل مركز الصدارة في التحقيقات التأديبية للثقافة الشعبية.16 وقد أسهم بعض الباحثين في تشكيل فهمنا للطبيعة العنصرية والجنسية والتقاطعية لجسم الوحش،17 بينما وضّح آخرون كيف أن الوحشنة قد تكون، أو لا تكون، لها علاقة ببياض الجسم.18 كل هذا الاهتمام بالوحوش يحدث خلال فترة كان فيها الكثير من المهتمين بدراسات السكان الأصليين أو عملية التحول إلى “الآخر”، يطلبون فحوص الأصول الخطابية للعنصرية ضد المسلمين في بعض التخصصات الأكاديمية بشكل أكثر دقة.19

لقد اتخذت دراسات الوحوش عدة اتجاهات مختلفة، لكنها هنا مهتمون بكيفية تركيز بعض هذه الدراسات على وتيرة التدفقات، والخلاف الوطني، وانتقال الأشخاص، والانتشار الملحوظ للعدوى. يقتنع الباحثون متعددو التخصصات بأن انتشار القلق المجتمعي ينعكس في انتشار الوحوش في النصوص المكتوبة والمرئية.20 على سبيل المثال، يتمثل وحش العصر الحالي غالبا في المخاوف المتعلقة بمقاومة التغيير المجتمعي أو احتضانه.21 وتتمثل بعض الوحوش في “التهديدات الوجودية الآتية من الإرهاب والعولمة والتطورات التكنولوجية، والهادفة لخلق وإعادة إنتاج أشكال جديدة من الحياة”.22

يجب أن نلاحظ أن عددًا قليلًا من الباحثين في مجال الاتصال قد استخدموا دراسات الوحشنة لاستجواب مجموعة من التجمعات المختلفة المناهضة للإرهاب أو المعادية للمسلمين. على سبيل المثال، يشير معروف حسيان وشون لوسون إلى أن أفلام الزومبي الأحدث تحتوي على خطوط درامية تحاكي أو تشبه التخطيط الفعلي لمكافحة الإرهاب ضد “الآخرين” من المسلمين أو العرب. ويزعمان أن بعض المسؤولين الحكوميين الأمريكيين حاولوا استغلال الرواج الذي تحظى به الوحوش والزومبي لتعزيز أجنداتهم العسكرية في حربهم ضد أعداء ما بعد 11 سبتمبر.23 وبالمثل، تجادل حنين الغبرا بأن ما تفعله الوحوش في الأفلام يمثل أعراض القلق المستمر من الاستعمار وممارسات ما بعد الاستعمار خلال “الحرب العالمية على الإرهاب”.24

وكما قد يتخيل القراء، فالخوف من الأوبئة والحاجة الإدراكية لدى الدول المتمكنة للاستعداد لانتشار العدوى، لها علاقة كبيرة بالطرق التي يحتل بها الزومبي صدارة التصوير الشعبي والحكومي عن التهديدات الإرهابية والصحية.25 كل حالات الهلع المتعلقة بالعدوى هذه “تستدعي العرق والطبقة والجنس والنشاط الجنسي وسياسة الحدود والتاريخ الاستعماري وما بعد الاستعماري، كل هذا دفعة واحدة”،26 وتسمح لرواد السينما بالتماهي مع الوحوش التي تعكس مخاوفهم الفردية أو الاجتماعية.

وبالتالي فإن تصوير الوحوش هكذا يمكن أن يؤدي إلى مطالب مجتمعية بتشديد الرقابة على الحدود، أو أنظمة المراقبة، أو تطبيق المزيد من الأمن القومي. خلال التسعينيات، بُذلت جهود لربط الإرهاب البيولوجي والخوف من الأوبئة باحتمال استخدام الإرهابيين للأسلحة البيولوجية.27 استُخدم مصطلح “الإرهاب البيولوجي” باعتباره رمزًا مكثفًا للتعامل مع تهديدين مختلفين لكنهما مرتبطين أيضًا، التهديد الإرهابي في 11 سبتمبر وكارثة الجمرة الخبيثة، التي كانت تهدد بإصابة الجميع في الولايات المتحدة.28

لهذا تحولت هذا النوع من الأفلام الهوليوودية، أي نهاية العالم بسبب فيروسي، شكلًا تاريخيًا سمح للمنتجين والمشاهدين القلقين بالتعامل مع التهديدات الإرهابية والوبائية وغيرها.29 يذكرنا ماير ووينجارت، اللذان يطلقان على هذا اسم “التلوث الخطابي”، بأن “الفيروسات تزدهر خلال الحوارات”.30 ويصفان هذا “التلوث الخطابي” بأنه عملية ينتشر فيها الفيروس من الحقل الطبي إلى الثقافة الشعبية، والخيال، والواقع، إلخ. يظهر الفيروس بالفعل في الأوراق الحكومية والخطب وسياسات مكافحة الشائعات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر.31 الخوف من الوحشنة دفع الحكومة والمجتمع إلى الاعتماد على المصادر الثنائية، مثل “نحن” و”هم”، و”صحي” و”مريض”، و”الداخل” و”الخارج”، و”إنهم يعيشون بيننا”.32

يؤدي هذا التلوث الخطابي والجسدي إلى المطالبة بمطاردة الوحوش والتخلص منها من قبل “الحراس. هنا، نردد دعوة ماير ووينجارت لتوسيع مفهوم دريدا حول المناعة الذاتية، حتى نتمكن من دراسة كيفية استخدام أدوات لحماية “الجسم السياسي”.33 يوضح دريدا أن “المناعة الذاتية” مصطلح يُستخدم للتنظير حول كيف تحاول الحكومات القوية تحصين نفسها من الفيروسات أو الكائنات الحية التي يحتمل أن تؤدي لعدم الاستقرار.34 ونظرًا لأن الزومبي يشبه البشر أكثر من أي شخصية خيالية أخرى، فإن هذا يجعله رمزًا قويًا بشكل خاص للمخاطر السياسية الحيوية، خاصة في السياقات الجيوسياسية.

يوضح روبرتو إسبوزيتو، وهو أحد الكتاب الفلسفيين الرائدين في مجال العلاقة بين المناعة (الحماية من المرض) والمواطنة (تكوُّن المجتمعات التي تحتاج حماية)، كيف أن القلق بشأن انتشار المرض والتهديدات الأخرى لها علاقة مباشرة بالسياسة الحيوية.35 تنطوي الخطابات المناعية، وفقًا لإسبوزيتو، على تقاطع بين السيادة والتحصين.36 وتشير إيمي رو إلى أنه كثيرًا ما تُتداول التمثيلات العنصرية في خطابات المناعة الذاتية.37 ويلفت إريك واتس النظر إلى نقطة مهمة مفادها أن العنصرية الحديثة هي “وظيفة لظهور تقنيات السلطة الحيوية، والتكوينات العرقي كالتسويد (والتبييض)، وكذلك إنتاج شريحة من السكان كتهديد حيوي”.38 وفي هذا السياق، يشبه الزومبي إطلاق مجموعة من “الأجسام السوداء الخطرة حيويًا” على السكان.39 ما يقوله واتس مهمة في سياق أن مفهوم الأمن الحيوي والسيادة أصبح آلية لإخفاء العنصرية وراء خطاب “ما بعد العنصرية”. وكما يذكرنا أغامبين، فإن الاستبعاد يمكن أن يتنكر في شكل شمول حين يتعلق الأمر بهويات مهمشة معينة.40

في بقية هذا المقال، نستكشف كيف أن أفلام الزومبي مثل “World War Z”، تلك التي تحيك في مشاهدها مناظر معاصرة من القدس وغيرها من الأماكن السياسية الحيوية، تشكل صورًا لدى المشاهدين بأن الوطن اليهودي في أرض إسرائيل هو العلاج الشامل الذي يمكنه إيقاف نهاية العالم على يد الزومبي.41 سنستخدم هنا نقدنا للوحشنة لدفع الادعاء المثير للجدل بأن بعض صور الأمن الحيوي الخيالية السينمائية تخفي أهمية مادية لممارسات “الفصل العنصري” الإسرائيلية.

تحديد سياق “World War Z” من خلال دراسة ردود فعل المشاهدين على وحشنة “الآخر”

لسنا بالطبع أول من لاحظ أن الفيلم يعتبر انتقادًا للعلاقات الفلسطينية الحالية. على سبيل المثال، لم يستطع ستيفن زيتشيك مراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز، أن يمنع نفسه من ملاحظة كيف أن الجدار الأمني ​​الإسرائيلي، الذي يُنظر إليه في العادة على أنه “رمز قوي” للعنف في سياق النزاعات الإسرائيلية الفلسطينية، بدا فجأة وكأنه تحول إلى “أداة سلام” في سياقات الزومبي.42 تستفيد المشاهد الرئيسية في هذا الفيلم من الهيمنة والقومية والهيكلية، مع بعض “الآخرية” في نفس الوقت. كتب غولدبرغ على تويتر قائلًا إن “World War Z هو الفيلم الأكثر تأييدًا لإسرائيل على الإطلاق، أو على الأقل هو أكثر أفلام الزومبي تأييدًا لإسرائيل على الإطلاق”.43

من الواضح أن ردود أفعال المشاهدين على الفيلم غالبًا ما تعتمد على وجهة نظر المُشاهد نفسه في الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية الحالية، والأهداف الحميدة المفترضة للجدار “الأمني” الإسرائيلي، وتقدير الإسرائيليين في الفيلم الذين بدوا وكأنهم يعرفون عن الزومبي أكثر مما تعرفه مراكز السيطرة على الأمراض ومنظمة الصحة العالمية أو أي دولة أخرى. يرى كورنيل أن “الرحلة الطويلة إلى إسرائيل” في الفيلم كانت “أكثر مشاهده استعارة وإشكالية بشكل علني”، من حيث أنه يدعو المشاهدين إلى الاعتقاد بأن الموساد منظمة مطلعة تعرف كيفية احتواء تهديدات الزومبي.44 أحدهم كتب في صحيفة تايمز أوف إسرائيل يصف الفيلم بأنه “أعظم دعاية سينمائية لإسرائيل منذ فيلم Exodus للمخرج أوتو بريمينغر”.45

بالنسبة لبعض النقاد، أظهر الفيلم أن بصيرة إسرائيل وقدرتها على رؤية ما غاب عن الآخرين كان قارب النجاة الذي أنقذ العالم من غزو الزومبي. مشاهدون آخرون لم يتفقوا على أن الفيلم كان مؤيدًا لإسرائيل فحسب، بل أشادوا أيضًا بذلك، واتخذوا من بعض المشاهد طرقًا بناءة لتشكيل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية في القرن الحادي والعشرين. يشير زيتشيك مثلًا إلى أنه حين تمتع الإسرائيليون بالبصيرة الكافية لبناء جدار عملاق “لاحتواء الفيرو”، جاءت النتائج “ناجحة للغاية”، فالجدار لم يمنع الوباء فقط، بل أيضًا “خلق حالة من اليوتوبيا التي تجاوزت التعصب” الموجود الآن.46 من الناحية النظرية، فالمشاهد التي تصور المسلمين واليهود يغنون ويرقصون معًا تقدم رسائل أمل وصفها زيتشيك بأنها “واحدة من أقوى اللحظات الاجتماعية والسياسية في الفيلم”.47

آخرون لاحظوا أنه أثناء سفر جيري إلى أماكن أخرى من العالم، نرى العديد من مشاهد الوحشنة حول الإجراءات الاجتماعية الإسرائيلية. يكتب بنيامين عن أن الفيلم يقضي فترة قليلة فقط لإظهار مشاهد من كوريا وويلز وكندا، بينما يخصص وقتًا أكبر بكثير لإسرائيل التي هي “حصن الأرض المقدسة”، مع مشاهد تُظهر “لقطات مقربة للعلم الإسرائيلي”، و”موسيقى عسكرية منتصرة”، و”جنود واثقين من جيش الدفاع الإسرائيلي يتحدثون بالعبرية”، وذلك في أول لمحة يقدمها الفيلم عن “النظام والسيطرة العسكرية والهدوء” منذ بداية هجوم الزومبي.48

يقدم بنيامين نقدًا ذكيًا مبنيًا على زيارته للسينما لمشاهدة “World War Z”، ويوضح بعض الملاحظات الدقيقة مثل عندما يقول جيري شيئًا ما بخصوص استغراق اليهود “ألفي عام” في بناء الجدران العازلة، وأن الجدار الذي منع الزومبي من الدخول مؤقتًا كان يبدو كجزء طبيعي من تضاريس القدس.49 ويؤكد بنيامين أن كل هذا سمح للمشاهدين باستنتاج ما يلي:

“ليس فقط تبرير بناء الجدار الإسرائيلي المتعصب ضد جحافل الغزاة الموتى الأحياء، وليس فقط التباهي بالإيذاء اليهودي لتبرير تضخيم البراعة العسكرية الإسرائيلية، بل إثبات النزعة الإنسانية المفترضة والشمول متعدد الثقافات لإسرائيل، والذي يؤدي في النهاية إلى انهيار المدينة واجتياح الزومبي كل شيء. إنها أفكار رائعة حقًا.”50

وفقًا لهذا النوع من التحليل، سيستنتج المشاهدون بالتأكيد أنه إذا لم تكن إسرائيل الدولة الأكثر ديمقراطية في العالم، وإذا لم تنجح في تحصين نفسها، لم يكن الزومبي ليستطيعوا تجاوز الجدار أبدًا.

بنيامين لم يكن الوحيد الذي استخدم أطرًا تفسيرية للفيلم توحي بأن اعتدال إسرائيل يسهم في انتشار الوحوش ونهاية العالم.51 هيرتزبيرج أيضًا تساءل في مجلة النيويوركر عما إذا كان مشاهدو الفيلم قد استنتجوا أن الدول القومية التي كانت على استعداد لتطبيق سياسات قاسية كانت مجهزة للتعامل مع كارثة الزومبي.52 هل سيستنتج المشاهدون الأجانب أن “صناع الفيلم يقولون إن كيم جونغ أون وبنيامين نتنياهو هما أكثر قادة العالم حكمة”، بينما كيم أكثر حكمة بقليل لأنه “غير ملوث بالمشاعر الإنسانية”؟ أم سينتهي الجمهور إلى تفسير واحد من رسائل الفيلم بأن “الشيء الوحيد الخطأ في الجدار هو أنه ليس منيعًا بما فيه الكفاية؟”.53

حتى النقاد والمشاهدين ذوي البصيرة الذين رأوا التباسًا في الرسائل، لم ينفوا الطبيعة الأيديولوجية لـ”World War Z”. يصف كويل الفيلم على وكالة أسوشيتد برس بأنه “صورة مثيرة للاهتمام عن الجغرافيا السياسية”، تسببت في حيرة بعض المشاهدين لأنها يمكن قراءتها بطرق ملتبسة: “عبارة World War Z هو جدار الوحدة لكل من اليهود والمسلمين، هل هي تعليق مثير للسخرية على الجدار العازل الذي تقيمه إسرائيل بينها وبين فلسطين في الضفة الغربية، أم أنها مجرد “قوة إيجابية في الشرق الأوسط؟”.54

اعترف البعض بأنهم انتباتهم مشاعر متناقضة حين شاهدوا الفيلم، لكنهم رغم ذلك كان بإمكانهم أن يدركوا الطبيعة المحافظة لبعض رسائل الوحشنة التي تناولها الفيلم. على سبيل المثال، يلاحظ بودوريتز، وهو كاتب مؤيد لإسرائيل، أن الفيلم يوصل رسالة معينة مفادها كالتالي: “دندن أغنية السلام، وستجد الزومبي يتكالبون عليك … هذا الفيلم هو في الواقع أكثر الأفلام معاداة للسلام على الإطلاق … ترديد أغنية “كومبايا” سيقتلنا”.55 أما بانش فيشير إلى أن الفيلم يقضي ما بين 20-30 دقيقة في إسرائيل، على الرغم من أن “الجدار يبدو منطقيًا للغاية”، معترفًا بأن الآخرين قد يظنون أنه كان “صهيونيًا شريرًا”.56

هذه الانتقادات الموجهة لسمات الوحشنة في الفيلم لم تنتشر عبر الجرائد والمجلات الكبرى في الولايات المتحدة فحسب، بل “حظيت باهتمام واسع النطاق، كان الكثير منه في شكل مراجعات من 140 حرفًا على تويتر”،57 كما يوضح بعض الكتاب العاملين في قناة الجزيرة. يقول أفيناش ثارور في تغريدة: “انسوا الزومبي”، لأن “أكثر شيء غير واقعي في الفيلم هو دعوة إسرائيل للفلسطينيين النازحين [إلى الاحتماء بالقدس]”.58 بينما يشتكي مدون إماراتي من أن الفيلم تحول من كونه “فيلم أكشن إلى ساعة من الإباحية الصهيونية”.59 بينما تردد رانيا خالق ملاحظات مشابهة في تغريدة تقول فيها إن الفيلم يُظهر جدار “الفصل العنصري” الإسرائيلي باعتباره “يساعد في إبعاد حشد هائل من الزومبي”.60

إن رؤية العديد من المراقبين من أماكن مختلفة يلاحظون الوحشنة التي يمارسها الفيلم، والتكافؤ الأيديولوجي لتلك الوحشنة، يساعد في إثبات الحجج التي نسوقها، لكن هذا يحتاج إلى أن نلحقه بقراءة موضوعية للفيلم نفسه.

قراءة موضوعية لفيلم “World War Z” والتلفيق التأسيسي لنهاية العالم على يد الزومبي

التعاون بين براد بيت والمخرج مارك فورستر ينتج عملًا وحشانسًا قويًا، يبدأ بمشهد هادئ ودافئ لمنزل في فيلادلفيا، حيث يعمل لين على تحضير وجبة الإفطار لزوجته كارين (تلعب دورها ميرايل إينوس) وابنتيهما ريتشيل (أبيغيل هارغروف) وكونستانس (ستيرلينغ جيرينس). تغادر الأسرة المنزل وتتوقف في زحام على الطريق، وفي تلك اللحظة يهز الشارع انفجار ضخم. تتخبط الأسرة في محاولات مذعورة للهرب مما يبدو أنه هجوم قاتل من مجموعة موبوءة من الزومبي الذين يلتهمون كل كائن حي في طريقهم. وخلال الفيلم نعرف أن جسد الإنسان يستغرق نحو 12 ثانية ليتحول إلى زومبي، بمجرد أن يهاجمه أحد تلك الوحوش. هذه الوحشية اللاعقلانية التي يمكن أن تحول الحي إلى ميت في ثوانٍ، نعرف بعدها أنها مشكلة طبية حيوية تواجه العالم بأسره.

يعمل جيري لين لدى الأمم المتحدة، ويبدو أنه خبير سافر إلى العديد من “النقاط الساخنة”، ويجري استدعاؤه للعثور على وسيلة للقضاء على وباء الزومبي الذي ينتشر عالميًا بمعدل متسارع. توافق الأمم المتحدة على حماية عائلته ونقلهم على متن إحدى حاملات الطائرات، بشرط أن يساعد لين في القتال ضد الزومبي.

المفارقة هنا أن الفيلم يصور الأمم المتحدة على أنها منظمة محايدة تهتم فقط بحماية العالم من الزومبي، بينما تشير شيبرد في دراستها عن المنظمة الدولية إلى أن أتباع فوكو بحاجة للانتباه إلى “القوة والسلطة” التي يوفرها التمثيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.61 نتعلم من فوكو أن بعض الحكومات لديها طرقًا للتحكم في كل من السلطة الحيوية (السلطة على الحياة) والسياسات الثانوية (السلطة على الموت). وفي سياق سلطة الأمم المتحدة، يتجلى هذا في الطرق التي تشارك بها المنظمة في السيطرة على برامج الأمراض المعدية، وتحديد النسل والتكاثر، وتنقل السكان، وغير ذلك.62

في هذا السياق، نقدم مفهوم الباحثة جاسبير بوار عن التشويه باعتباره طريقة لتوضيح كيف أن البحث عن المناعة الوطنية من الوحوش الخطيرة بيولوجيًا لا يقتصر في كثير من الأحيان على المسائل المتعلقة بالسلطة الحيوية والسياسات الثانوية فحسب، بل مساحات من الاستعمار الإنساني واللا إنساني.63 في كتابها “The Right to Maim”، تشرح بوار كيف يمكن لمفاهيم “الضعف” أو “القدرة” أن تؤثر في كيف أن دولًا مثل إسرائيل يمكن استخدامها لإنشاء تجمعات تُستخدم بعد ذلك للسيطرة على المواطنين “المشاغبين”.64

تتبنى بوار موقفًا مثيرًا للجدل، مفاده أنه لا يزال يتعين النظر إلى إسرائيل باعتبارها قوة استعمارية استيطانية، وتستخدم مفهوم التشويه الاستعماري كوسيلة لتوسيع حدود الدراسات السياسية الحيوية، بحيث يكون بإمكان النقاد فعل ما هو أكثر من مجرد التشكيك في “حق الموت والسلطة على الحياة”. نقاشها النظري حول التشويه يعد طريقة تدخلية لإظهار بعض السياسات الحيوية غير المرئية للسيطرة، التي تعمل في الأماكن المحتلة اليوم.65 تساعد مناقشات بوار حول التشويه الاستعماري والسيطرة على المستعمَرين في التنظير بشأن تمثيلات انتقال المرض والإتجار بالبشر، والتي توفر مكانًا لنمو تخيلات ما بعد العِرق.66

ونظرًا لأن التشويه يخلق مساحة بينية تمنع المواطنين من التعافي، فإن هذا التنظير يسمح لنا برؤية من يجادلون بأنه عندما تحصن بعض الدول القومية نفسها، تكون لديها رفاهية رفض البروتوكولات الدولية بما في ذلك قصف المستشفيات وعربات الطوارئ والجهات الطبية الأخرى. نوسع هنا مفهوم بوار للتشويه، ونجادل بأنه في كثير من الأحيان يمكن استخدام الحديث عن المرض والتعافي، والضحايا والمخلّصين، والثنائيات الأخرى ذات الصلة، لتبرير استخدام طرق معينة لتحصين السكان والجهاز السياسي. نلاحظ هنا كيف أن بعض المحادثات التي تدور في الفيلم تتعامل مع مناقشات حقوق الإنسان أو الأمن البشري أو الحقوق الصحية للإنسان، على أنها مسائل غير سياسية وغير قابلة للنقاش. لكن كما يوضح دين، فهناك أوقات عمدت فيها الحكومات خلال حربها ضد الإرهاب إلى استخدام التعذيب باسم حقوق الإنسان . ولهذا يذكرنا واتس بأنه من الضروري معرفة كيف يجري إسقاط الطاقة الحيوية على الأجساد السوداء والبنية، وكيف يؤدي ذلك إلى تطبيع الممارسات العنصرية على مستوى العالم.67 نجادل هنا بأنه في حالة “World War Z”، فإن “الآخر” هو وحش يفي بالمتطلبات التي يمكن أن تضفي شرعية على الإقصاء.

بعبارة أخرى، وبصفتنا نقادًا مثقفين، فإننا حين نشاهد أفلامًا تتناول موضوعات تتعلق بالتحصين، مثل دور الأمم المتحدة في الوقاية، يجب أن نتذكر أن مفهوم “حقوق الإنسان” هو مفهوم مستحدث، وأنه لا يشمل فقط حقوق “الأمن البشري”، بل أيضًا الحق في التشويه. يمكن التستر على هذا من خلال التمثيلات الذكية التي تتبعها الحكومات، والتي تعتمد على نشر وهم له صفة تتعلق بالشرف لتبرير كلًا من الحروب ومعاملة اللاجئين بشكل قاسٍ. بالنسبة إلى بوار وراي، فإن السلطة التي تخلق الوحوش هي نفسها التي تطبّع معهم وتعاقبهم.68

ومع ذلك، فإن النقاد الذين يهتمون بكيفية تشكُّل ممارسات “الآخرين” الفلسطينيين والتشويه والتحصين في الأفلام العالمية ربما يتساءلون: كيف يتسبب تصوير منظمة الصحة العالمية في الفيلم في التطبيع مع استخدام الجدران لتحصين الدولة القومية من الزومبي والفيروسات والتهديدات الوجودية الأخرى؟

لمدة 20-30 دقيقة تقريبًا من الفيلم، يتلقى المشاهدون جرعات ثابتة من المحادثات التي تدور بين جيري وممثلي الأمم المتحدة أو الإسرائيليين، بشأن الأهمية الكبرى لإسرائيل في احتواء كارثة الزومبي. يثير هذا تساؤلًا حول الأطر التفسيرية التي يستخدمها بيت وفورستر في الفيلم، والتي تزيل الطابع السياسي والسياق عن القدس “الإسرائيلية”.

اتباعًا لإدوارد سعيد، عملنا على تأريخ بعض من هذه المشاهد كي نتساءل: ما الذي فعلته الأمم المتحدة للمساعدة في الحفاظ على حقوق السكان الأصليين الفلسطينيين، أو تقسيم القدس الشرقية والغربية، أو منع الاستيلاء على الأراضي منذ النكبة عام 1948؟69 بقدر ما يهمنا، هذا فيلم يستخدم التهديدات الطبية لتجنب مناقشة حالات التشويه الأخرى، فالأمم المتحدة تقدم أفكارًا عامة عن حقوق الإنسان، لكنها تفشل في المساعدة في حل الصراع العربي الإسرائيلي، أو على الأقل تخفيف حدة العنف الواقع على المناطق الفلسطينية. في الواقع، فإن قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في نوفمبر 1947 لتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية، تسبب في تفاقم المشاكل مع مراجعة بعض الأيديولوجيات المتعلقة به. لم يساعد قرار الأمم المتحدة على تشكيل الدولة اليهودية فحسب، بل منحها كذلك الحق في السيطرة على أرض مساحتها تصل إلى 15 مليون دونم، بينما لم تكن مساحة الأراضي المملوكة لليهود في السابق تتجاوز 1,678 مليون دونم (11.8%).70 لا عجب أنه خلال تلك الفترة وقع الكثير من “الآخرية”، التي صاغت هذا “الانتقال” باعتباره بين “أرض بلا شعب” و”شعب بلا أرض”. وهكذا يكون الجدار الفاصل هو الحد المادي الذي شكّل الحدود الأيديولوجية.

نتفق مع ادعاءات إيلان بابيه بأن الاشتباكات مع القوات الفلسطينية بعد تمرير قرار الأمم المتحدة وفرت محاكاة وأرضًا خصبة لتنفيذ رؤية أيديولوجية أسهمت في التطهير العرقي للفلسطينيين.71 من الناحية النظرية، فمن المفترض أن يحدث تقسيم القدس خلال الأيام الأولى من مرحلة ما بعد النكبة، ومن المفترض ألا تكون عاصمة دولة إسرائيل، لكن هذا لا يبدو في الفيلم، الذي يصور القدس الإسرائيلية الموحدة التي يحتاجها العالم للتصدي للزومبي.

يصور “World War Z” الأمم المتحدة كمنظمة لحفظ السلام، هدفها الوحيد هو الحفاظ على السلام والأمن العالميين أمام هجوم الزومبي. يستخدم الفيلم جيري باعتباره رمزًا للأمم المتحدة، وسفره إلى إسرائيل بمثابة وسيلة خطابية لوضع إسرائيل في طليعة القوى البشرية ضد الزومبي.

وفي سبيل حماية أسرته والعالم، يضطر جيري للسفر إلى عدة مواقع عالمية للعثور على طرق للتصدي للزومبي. وفي مرحلة من الفيلم، يزور جيري عميلًا سابقًا لدى وكالة المخابرات المركزية ويجري معه حوارًا ممتلئًا بالأيديولوجيًا: “لماذا يجب حرقهم وتحويلهم إلى رماد كي نوقفهم؟ لماذا يتحركون مثل الطاعون؟ لماذا تنتصر إسرائيل؟”. يرد جيري: “كيف تنتصر إسرائيل؟”، فيجيب الوكيل: “لقد أغلقوا بلادهم بالكامل قبل أيام من هجوم الموتى الأحياء. لقد كانوا أول من عرف بالخبر، وأول من تصرف كذلك”. ثم يستكمل جيري الحوار مع العميل مشيرًا إلى أن الناس هناك كانوا يبنون الجدران منذ ألفي عام، وهو تصريح يشير إلى أن القدس والجدران المبنية هناك كانت موجودة منذ زمن النبي داوود. وهكذا تُضاف طبقات جديدة من الجدل اللاهوتي إلى النقاش الجيوسياسي، الذي بدأ بالحديث عن الزومبي ثم تحول بطريقة ما إلى ما بعد الاستعمار وكيف ساعد الجدار الفاصل على عزل “بلادهم”.

أما العميل السابق فيستمع إلى جيري ثم يضيف المزيد إلى هذا التأطير المؤيد للصهيونية لكارثة الزومبي، حين يخبر جيري أن انتهاء إسرائيل من الجدار لم يكن صدفة، وأن العمل عليه انتهى قبل اندلاع أزمة الزومبي.72 هذا أمر مثير للسخرية، بالنظر إلى أنه يمكن استخدام الفيلم للدفاع عن حملة دونالد ترامب لـ”بناء جدار” على الحدود المكسيكية. لو أننا تعلمنا شيئًا واحدًا فقط من المنظرين في الوحشنة، فهو أن الوحوش تولد من مخاوف سياسية واجتماعية وتكنولوجية وثقافية معينة. ولو أننا تعلمنا شيئًا واحدًا من علم تاريخ الأنساب المقارن، فهو أننا ربما نشهد موجة أخرى من الوحوش ليس فقط أمام الجدران الإسرائيلية، بل الجدران الأمريكية أيضًا، فالبعض يسعى إلى إقصاء الوحوش اللاتينية “الأخرى”.

يتعرض جيري وفريقه لهجوم من الزومبي بينما يغادرون سجنًا في مكان آخر، وهنا يغرس أحد الجنود في ذهن جيري فكرة أن إسرائيل كانت آخر معقل للإنسانية، فالزومبي نجحوا في اجتياح الجنود البشرية في كل الأماكن الأخرى.

بالنسبة لمن لا يزال لديهم شك في أن الفيلم له علاقة بالوحشنة الحالية، دعونا نعيد النظر في الحوارات الأخرى التي نشاهدها بعد وصول جيري إلى إسرائيل. يلتقي جيري مع عميل في الموساد يُدعى يورغن وورمبرون (يلعب دوره لودي بويكن)، والذي يسأله جيري عن سبب بناء الإسرائيليين جدارًا عاليًا قبل هجوم الزومبي، فيرد عليه بمونولوج مشحون بالمبررات الإسرائيلية للتقسيم ما بعد قرار الأمم المتحدة. يخبر وارمبرون جيري كيف أن المجتمعات اليهودية التي واجهت معاداة السامية لمدة قرون قد تعلمت كيف تتجنب أن تكون مثالية. رواية وارمبرون للتاريخ الإسرائيلي توضح لجيري وللمشاهدين أيضًا أنه في وقت من الأوقات، لم يكن اليهود يتصورون أنهم سيوضعون في معسكرات الاعتقال. ثم يقول: “قبل شهر من أكتوبر 1973، شاهدنا تحركات القوات العربية واتفقنا بالإجماع على أنها لا تشكل أي تهديد. لكن بعد شهر كاد الهجوم العربي أن يدفع بنا إلى البحر، لذلك قررنا إجراء تغيير”.73

هذا النوع من التأطير يدعو المشاهدين إلى وضع الفلسطينيين وحلفائهم العرب خطابيًا على أنهم وحوش، وأنهم هددوا اليشوف خلال عام 1948 بالإبادة التي تشبه الهولوكوست. يصنف هذا الإسرائيليين بشكل بلاغي باعتبارهم مسالمين، لجأوا فقط إلى التحصين والدفاع عن النفس حين واجهوا العرب المعادين. تسمح السردية الخاصة بوارمبرون بوجود ارتباط بين الفعاليات الاجتماعية العربية ونشاط الزومبي، وكلاهما يُنظر إليه على أنه تهديد عدواني مستمرة يجب احتواؤه عن طريق الجدران وسياسات الفصل العنصري الأخرى. يوصف العرب والزومبي صراحة بأنهم جحافل لديها نزعة لمهاجمة الدول، وهذا يخفي حقيقة أن حرب 1973 كانت أحد أعراض محاولات سوريا ومصر لإخراج القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، أما الانطباع بأن إسرائيل كانت تحت الحصار فقد خلقته وسائل الإعلام.74

هذه الوضعية التي تصور إسرائيل كدولة سياسية حيوية ضحية، تعاملها أيضًا على أنها أمة عطوفة وإنسانية ومتعددة الأعراق، ومستعدة لمواجهة الأعداء خلال كارثة الزومبي. يُعرض هذا على المشاهدين حين يصطحب يورغن جيري إلى “بوابات الخلاص في القدس”، حيث فتحت إسرائيل أبوابها فجأة للجيران الفلسطينيين وغيرهم من الهاربين من الزومبي. يقول يورغن في هذه المرحلة من الفيلم: “يفترض الجميع أن موضوع الزومبي هذا كان غطاء لشيء آخر، وأنهم بدأوا يسمحون للناس بالدخول لإنقاذ المزيد من البشر وتقليل عدد الزومبي”.75 وفي هذا السياق، تفتح إسرائيل أبوابها بلطف لإنقاذ البشرية بينما يهدد الزومبي وجودها.

هذه النقطة مثلًا تطلب من المشاهدين التوقف عن التفكير في كيف تفكك نقاط التفتيش والبوابات الإسرائيلية النسيج الاجتماعي لهذه المنطقة في الحقيقة.76 يصور “World War Z” نقاط التفتيش باعتبارها “بوابات الخلاص”، في لقطات ربما كان الغرض منها استمالة المشاعر اليهودية-المسيحية للمشاهدين الذين تعلموا في كنائس السبت والأحد أن الإسرائيليين هم “الشعب المختار”، وأن القدس ملك لأولئك الذين حاربوا الكفار.

بينما في الواقع تُستخدم نقاط التفتيش الإسرائيلية لتذكير الفلسطينيين بمواقعهم الخاضعة للسلطة، ووضعهم كأشخاص من الدرجة الثانية محرومين من ممتلكاتهم. يتجاهل الفيلم مسألة ما إذا كان الجدار يسهم في خلق ظروف صعبة تضطر من يعيشون في الضفة الغربية إلى المغادرة للأردن. ينتظر الفلسطينيون لساعات في طوابير مزدحمة، ثم يتعرضون لسلسلة من عمليات التفتيش، والعنف أحيانًا،77 بينما يمكن للشرطة وقوات الأمن الإسرائيلية وكذلك المستوطنين المغادرة والعودة بطرق مختلفة. لقد قضى الجدار على الاقتصاد والثقافة والمجتمع، وهذا سياق لا يحتوي على أي “خلاص” بالتأكيد.

لكي نكون منصفين، نحتاج إلى القول إنه ربما يكون المخرج والمنتجون الذين صوروا بعض هذه المشاهد قد نظروا إليها كفرصة لإظهار أن القتال ضد الزومبي يحتاج إلى توحيد البشر، لكن العدسة القومية المستخدمة لترشيح هذه النزعة الإنسانية تنتقل من خلال الحكاية المجازية التي تقوض تلك الرسالة العالمية. وبينما يواصل يورغن إيضاح لجيري مدى ما فعلته إسرائيل لحماية شعبها، تركز الكاميرا على المسلمين الذين يصلون، والإسرائيليون والفلسطينيون الذين يغنون معًا وهم يلوحون بالأعلام الإسرائيلية والفلسطينية، وكل هذا يمكن اعتباره شكلًا سينمائيًا من أشكال الهسبرة (الدبلوماسية الإسرائيلية) التي تتجاهل أو تقاوم أو تحيد مواقف من يريدون تأكيد طبيعة الفصل العنصري للآخرين الفلسطينيين. تصوير الفيلم لأنشطة المناعة الذاتية في إسرائيل للمشاهدين بالتفكير في أن نجاة العالم من الزومبي قد تم من خلال احتواء المرض والوحوش، مما يؤكد تخيلات هوليوود ما بعد الاستعمارية.78

أحد أكثر الأجزاء إثارة للاهتمام في الفيلم عندما نستوعب أن كل هذه الهتافات والغناء والتلويح بالأعلام تستفز الزومبي، الذين يتغلبون على قوات الدفاع الإسرائيلية الموجودة هناك لحماية الناس من الزومبي. وبينما تتحرك الكاميرا وراء الجدار إلى المناطق الفلسطينية، نبدأ في سماع أصوات الموتى الأحياء بينما يندفع العشرات منهم نحو الجدار. آلاف الزومبي يتحركون في أكوام تشبه الموتى وهم يخرقون الجدار الإسرائيلي، وبالكاد ينجح جيري وعميل آخر للموساد في الهرب. وليس من قبيل المصادفة عدم منح المشاهدين أي مساحة للتعاطف مع الزومبي، الذين ربما يرمزون للفلسطينيين الذين يهددون أمن إسرائيل، أو الفلسطينيين الإرهابيين الذين ينتمون إلى منظمات مثل حماس. ومع تمثيل الفلسطينيين بالزومبي، نفهم أنه يمكن احتواؤهم هم وتهديداتهم الديموغرافية طالما فهم مشاهدو الفيلم والإسرائيليون الطبيعة الحتمية لجدران الفصل.

خلال الفيلم، ورغم تصوير الجدار الفاصل على أنه أداة أمنية لمنع الزومبي الهمجيين، فإنه في الواقع يسمح للجيش الإسرائيلي بتأسيس هيمنة عرقية ومراقبة التحركات اليومية للمدنيين الفلسطينيين. بعبارة أخرى، فإن القدرة على تجاوز الجدار توفر للجنود مزيدًا من المرونة والفرص لاستخدام الآليات العقابية.79

يبلغ طول الجدار الفاصل في الضفة الغربية 760 كيلومترًا، وهو يلتف ويتعمق في الأراضي المحتلة. وكما ذكرنا أعلاه، فإن الحاجز يعيق حرية التنقل بشدة، وهي أحد المكونات الأساسية للحياة المدنية.80 للأسف، وكما تشير رو، فإن هذه الحدود والحواجز لها أهمية أيديولوجية ضخمة، وتخلق خطابات البارانويا.81 بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فإن جدار “الفصل” رمز لتعزيز أمن إسرائيل وتحصينه، أما بالنسبة للفلسطينيين فإنه يرمز إلى استمرار الاحتلال، وهي مساحة يجب مقاومتها بحزم.

خاتمة المقال والهوامش في الصفحة التالية… 

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع