كتبتها Maaza Mengiste ونُشرت في الغارديان في ٨/١٠/٢٠٢١
تحدثنا الروائية الإثيوبية الأمريكية مازا ماغنيتس تكتب عن تجليات أشكال المنفى في أعمال الحائز حديثا على جائزة نوبل عبد الرزاق غورنه من خلال استعراض مساره المهني.
بقناعة راسخة وثابتة كتب عبد الرزاق غورنه لأكثر من ثلاثة عقود، عن أولئك الذين يقبعون في ظلال التاريخ المنسية. وُلد غورنه في زنجبار عام ١٩٤٨ وهرب من الاضطهاد السياسي ليستقر في إنجلترا في سن الثامنة عشر. وهو مؤلف للعديد من القصص القصيرة والمقالات، بالإضافة إلى عشرة روايات في رصيده الأدبي. وقد كرس حياته المهنية في الكتابة عن اختلاف المساعي التي يمكن للإنسان أن يسلكها في سبيل تحقيقه لذاته في المنفى، من خلال تجسيده للأوطان، والعائلات ومجتمعاتهم، وربما الأهم من ذلك، تجسيده للأفراد في تحقيق ذواتهم من خلال أنفسهم. ينكشف ستار الحميمية في رواياته من خلال المساحات العائلية والرفاق والصداقات التي أنشأتها هذه العائلات، تلك المساحات التي يغذيها الحب والواجب ولكن لا تلبث تأكلها الهشاشة بطبيعة الحياة. ورغم ما تراكمه أعماله من لحظات تاريخية كان لها آثار كارثية وانقسامات مجتمعية مدمرة، يعرض غورنه بسلاسة الجوهر الحقيقي في استمرارية وسلامة تلك العائلات والصداقات ومساحات الحب من التذرر والاندثار.
ترتكز بنية العديد من أعماله ، بما في ذلك روايته الأولى Memory of Departure (ذاكرة الرحيل)، ١٩٨٧ على تصوير كم الخديعة والوعود الكاذبة التي تمارسها الدولة أو من هم في السلطة، وفي انعكاس ذلك على الأفراد الذين يغادرون أوطانهم بحثًا عن حياة أفضل. روايته الثانية Paradise (الفردوس) التي تم ترشيحها في القائمة القصيرة لجائزة بوكر عام ١٩٩٤، تدور أحداثها قبل الحرب العالمية الأولى مباشرة، وهي عبارة عن تمظهر صادق -ومفجع- لآثار الاستعمار الألماني والعدوان السياسي. ويظهر ارتباط هذا العمل فيما بعد وكأنه مقدمة لأحداث روايته Afterlives (بعد الموت)، والتي تبدأ في خضم انتفاضة عام ١٩٠٧ ضد المستعمرين الألمان وتتكشف من خلال شخصيات معقدة نفسيا، تتبلور مصائرها على مر الأجيال ومن خلال الانتقال من الحكم الألماني إلى الحكم البريطاني. شخصيات تكافح من أجل الحفاظ على عائلاتها ومحيطها الاجتماعي في بلدة ساحلية صغيرة في البر الرئيسي لتنزانيا.
روايتاه The last gift (الهدية الأخيرة)، ٢٠١١، و By the Sea (على الشاطئ)، ٢٠٠١، وهما العملان اللذان تم إدراجهما في القائمة الطويلة لجائزة البوكر للعام ٢٠٠٢، وتم ترشيح ذات الروايتين لجائزة الكتاب في “لوس أنجلوس تايمز” عن الأعمال الروائية. وهي أعمال تجسد حياة اللاجئين الذين يحاولون بناء أوطان لهم في إنجلترا. من خلال هذه الأعمال ، يطرح غورنه سُؤاله المُلح عن معنى الانتماء وما إذا كان بإمكان المرء أن يترك الماضي حقًا وراءه.
تفرض كل رواية من روايات غورنه سردها الخاص من خلال قصص أولئك الذين قد لا تكون حيواتهم قد وصلت إلى الأرشيف. أولئك الذين لا تجسد معاناتهم وثائق تستحق الذكر في العالم الأكبر. فأصحاب البقالات، وربات البيوت، والعسكريون -الجنود المحليين الذين يخدمون في الجيوش الاستعمارية- والطلاب واللاجئون، هم أبطاله الذين منحهم استحقاقاً سردياً يذكرنا بثراء وتعقيد حياة كل فرد في هذا الوجود.
وبعد أن أصبحت أوروبا مركزا للجوء في السنوات الأخيرة، وحيث تحاصر سلسلة الأزمات الإنسانية الأفراد بشكل بائس وتحثهم على المخاطرة بحياتهم بحثاً عن أمل في بعض من الاستقرار وايجاد مستقبل أفضل، اكتسبت أعمال غورنه صدى وأهمية أكبر. في مقال نشره عام ٢٠٠١ في صحيفة “الغارديان”، كتب: “لا بد للنقاش حول اللجوء أن يتزاوج مع سرد يمسه هوس عرقي، وهو نقاش مقنَّع ومغلف في عبارات ملطفة عن الأراضي الأجنبية والتكامل الثقافي”.
تصر أعمال غورنه على تجريد هذا السرد “المذعور” من سلطاته، لكن ليس بالصراخ أو إلقاء المناظرات، ولكن من خلال منح صوت ثابت، لا هوادة فيه ولا يزعزعه وقت، صوت سوف يغدو هو الصوت المسموع.