ثمة نظرية بديلة من بين عديد النظريات التي تناقش تاريخ نشوء العلمانية في العالم الغربي تعتمد في طرحها على أن العلمانية قامت في بنية أفكارها التي قدمت على الافتراضات المسيحية، حيثُ تجادل هذه الفكرة التي قدمها أستاذ اللاهوت غرايم سميث في كتابه “تاريخ موجز للعلمانية” الصادر مطلع العام الجاري عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للمترجم مصطفى منادي إدريسي بأنه لا يمكن قراءة الأخلاق الليبرالية والأخلاق الغربية معًا إلا باعتبارها إرثًا مسيحيًا من خلال تناوله الأنماط الرئيسية للانخراط الديني وفك الارتباط بين الكنيسة والفرد في المجتمع الغربي.
الأسس الأولى لنشوء العلمانية الغربية
منذ الفصل الأول في الكتاب يتخذ سميث موقفًا مدافعًا – كما يؤكد – على أن “العلمانية لا تمثل نهاية المسيحية، ولا تدل على إلحاد الغرب”، فهو ينظر إلى العلمانية على أنها التعبير الأحدث عن الديانة المسيحية، إلا أن ذلك لا يتضح مباشرة أمام المهتمين بهذه النظرية لأنه “يفتقر إلى العناصر المعتادة التي نربطها بالدين المسيحي”، إذ أنه من الشائع عند النخبة الفاعلة في المجتمع الغربي (الزعماء الدينيون، كتاب وكاتبات الصحافة..إلخ) أن تصف الغرب بأنه مجتمع علماني، رغم أن الإحصائيات التي أصدرتها الحكومة البريطانية مع بداية القرن الـ21 تشير إلى أن ما بين 78 – 80 بالمائة من البريطانيين قالوا عن أنفسهم إنهم مسيحيون.
وهو يرى في هذا الجانب أنه عندما يوصف الغرب بأنه علماني يكون مرجع هذا الوصف ثلاث نقاط يستند إليها، إذ بينما تقول الفكرة الأولى إن الغرب يعرف بفكرة العلمنة بسبب مزاعم أن المسيحية المؤسساتية في تراجع نظرًا لانخفاض أعداد الذين يترددون إلى الكنيسة، فإن الفكرة الثانية ترى أن الغرب مجتمع علماني من خلال حديثه عن النقاشات التي تجري في المنتديات العامة، والتي تفترض أن أسس هذه النقاشات علمانية، مما يجعلها تنظر إلى الدين على أنه “رأي شخصي وليس حقيقة عامة”، أما النقطة الأخيرة فإنها تجادل بهذه الفكرة من خلال التعليقات النقدية التي تصدرها الهيئات الدينية.
تقود هذه المقدمة المختصرة سميث إلى القول إن دراسة العلمانية المعاصرة تقتضي دراسة هوية المجتمع الغربي الثقافية والدينية، ويرى في هذا السياق أن الكثير من النظريات الثقافية أو التحليل التاريخي قد أنجز سابقًا، وهو ما جعله يعتمد في مقاربته لقراءة تاريخ العلمانية على أربعة أفكار أساسية، أولها أن المسيحية ظلت دائمًا ديانة ذات هوية مرنة ومتطورة لأن “نمط تاريخها متغير”، وثانيها أن المسيحية القروسطية كانت “تعمل بطرائق مشابهة تمامًا للدين الغربي المعاصر – والتشابهات كالاختلافات”، أما الثالثة فهي انفصال الأخلاق المسيحية عن العقيدة المسيحية، والتي يعتبرها “أهم حدث ثقافي وفكري في عصر التنوير”، أما ما تبقى فكان “الأخلاق التي تمارس بطريقة مسيحية”، وأخيرًا الحقبة الفيكتورية التي ينظر إليها على أنها “استثنائية في ما يخص النشاط الديني” لأنها “لم تكن على الإطلاق زمنًا عاديًا بالنسبة إلى الكنيسة”.
يعطينا ما سبق دلالة على المنهج الذي استخدمه سميث في مناقشته لظهور العلمانية في الدول الغربية، فهو يشير إلى أنه تمت رواية تاريخ العلمانية من منظورين أن العلمانية تاريخًا اجتماعيًا، بمعنى أنها “ظهرت متزامنة مع المجتمع الحديث” باعتمادها على ظروف هذا المجتمع كـ”تمدنه وتعدديته الدينية وتفككه الاجتماعي” أولًا، وأن العلمانية كسبت النزال بين الأفكار من ناحية ظهورها وتطورها لأنها “كانت متفوقة، فكريًا، على المسيحية. ومن ثم أقنعت المزيد من الناس بحقيقتها” ثانيًا.
عند البحث في التاريخ الحقيقي لبداية ظهور العلمانية، فإن سميث يرى بأنها ملامحها الأولى جاءت مع بداية عصر النهضة والمراحل الأولى لنهاية العصر القروسطي، حيثُ ساد في تلك الفترة الاكتشافات الفنية على مختلف أنواعها، فضلًا عما كان من تضافر “القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع الخلاف اللاهوتي لتساهم في تفتيت وحدة الكنيسة الغربية”، ويضيف في هذا الجانب موضحًا أن الحروب الدينية التي تلت الإصلاح الديني ساهمت بالتحفيز على “هجر ما هو إلهي للسعي وراء المعرفة الإنسانية”، ولعل أكثر ما جرى هنا هو أن “تفوق اللاهوت المسيحي الذي لا جدال فيه باعتبارها ملكة العلوم، كان قد ولى بلا رجعة”.
ويبرز هنا طريقة ثانية تعتبر الأكثر شيوعًا لبحث تاريخ ظهور العلمانية في الغرب تتمثل في “قدرة المسيحية على الدفاع عن صدقيتها الفكرية ضد إغارات الأفكار العلمانية (كانت) أقل من قدرتها على الصمود في وجه التغيير الاجتماعي”، ويعتمد سميث في طرحه لهذه النظرية على كتابات البروفيسور ستيف بروس بتأكيده أن “تراجع الانتساب إلى الكنيسة والذهاب إليها يمكن تفسيره بالتغيرات التي صاحبت ظهور المجتمع الحديث”، وهو ما كان مرافقًا للتحول من “جماعات مغلقة ومتماسكة بإحكام في القرى إلى مجتمع مفكك ومتنوع”، وما يقصد به هنا ظهور الدولة القومية المعاصرة، نظرًا لأن الطبقة الاجتماعية أصبحت أوضح بعدما كانت طبقات المجتمع في الحقبة الإقطاعية ثابتة وواضحة.
بالاستناد إلى كتابات بروس فإن سميث يرى أن تفكك الجماعات المغلقة التي كانت تقوم على غياب التعددية جعلها تنظر إلى المعتقدات الدينية على أنها حقائق، أي أن “المعتقد الديني ما عاد مسألة ضرورية، بل بات، عوضًا عن ذلك مسألة تفضيل”، لأن ما يتغير هو “العلاقة بين المعتقدات الدينية والمجتمع الذي تهيمن عليه”، وإلى جانب ذلك كانت فكرة العقلانية عاملًا أساسيًا في تراجع دور الكنيسة لأن ما حدث هو أنها “همشت الدين” بعدما أمعنت الاهتمام في البحث عن السبب والنتيجة بابتعادها عن تفسيرات ما فوق الطبيعة التي كانت تستند على “عالم الأسطورة”، وهو ما أفضى في النهاية إلى “إقصاء الدين” خارج المجال العام.
من الحياة المسيحية القروسطية إلى الحياة المسيحية المعاصرة
يؤكد سميث على أن البراهين تتحدث عن إعادة ابتكار المسيحية تاريخيًا من قبل الناس العاديين بـ”خضوعها للصياغة وإعادة الصياغة في ثقافات مختلفة”، وهو ما يعني أن للمسيحية “هوية مرنة، غير مستقرة”، يمكننا هنا أن نسوق أحد الأمثلة التي استند إليها سميث نقلًا عن البروفيسور أنطون فيسلز الذي يؤكد على فكرة “التأقلم الثقافي المستمر” في المسيحية، فقد وجد الأخير أن كلمة Easter “عيد الفصح” في اللغتين الألمانية والإنكليزية لا صلة لها في الكلمة اليونانية، على عكس اللغتين الفرنسية والهولندية.
ويرجح فيسلز أن الاسم جاء من اسم الآلهة السكسونية “Easter” أو “Ostara” المعروفة بأنها “إلهة البيض والربيع”، ويضيف مؤكدًا على هذه الفكرة أن “عيد أوستارا كان منتشرًا إلى حد أنهم لم يرغبوا في إزالته أو اعتباره من عمل الشيطان”، لكن بدلًا عن ذلك “تبنى المسيحيون الأوائل الطقوس ببساطة وأعادوا وصفها بخطاب المسيحية الجديد”، من هذا المنطلق فإن سميث يرى في خلاصة فكرة فيسلز المثيرة للجدل أنه “لا هوية ثابتة للمسيحية، وأن التعبيرات المحلية عن الدين قالها ناس عاديون، تتحدى بشكل عميق ما يفترض عن طبيعة اللاهوت”.
عند التعمق أكثر في فهم الهوية الدينية للمجتمع العلماني الغربي يبيّن سميث أن الحياة الدينية في المجتمع المعاصر “رجع، بطرائق مهمة، إلى المعتقدات والممارسات المسيحية القروسطية”، على أن يستثنى من ذلك الدور الذي مارسته المسيحية باعتبارها التقنية العلمية للعصر القروسطي، لذلك ينطلق سميث في مقارنته بين الغرب في العصر القروسطي وعالمنا المعاصر من تردد الناس إلى الكنيسة في العصر القروسطي أولًا، ومكانة الإيمان بما فوق الطبيعة في الحقبة عينها ثانيًا، وهنا يجب الإشارة إلى أن الفترة التي تناقش فيها مسيحية العصر القروسطي تقع ما بين عامي 700 – 1500.
في حديثه عن النقطة الأولى يؤكد سميث على أن المجتمع القروسطي لم تكن إدارته تتم من “الدولة الكنسية الشمولية الديكتاتورية”، كما أنه لم تكن وجهة النظر المسيحية للعالم راسخة جدًا إلى درجة أن الناس كانوا يذهبون إلى الكنيسة في أيام الأحاد، ويدلل سميث كلامه هذا بالقول إن: “هناك من ما يكفي من الاستثناءات للبرهان على أن الإيمان والممارسة العامين لم يكونا متوقعين ولا مفروضين من السلطات الكنسية أو نابعين من قلق الفرد الديني”، أما على الجانب الآخر فإنه يرى أن الإيمان القروسطي بقوى ما فوق الطبيعة كان منتشرًا انتشارًا واسعًا، إلا أن هذه النقطة فقدت دورها الخاص تدريجيًا عندما استبدلت بالعلم والتقنية، بمعنى أن “ما تغير هو فاعلية التقنية الإنسانية”.
وعلى عكس ما ذكر في النقطة الأخيرة من سلبيات كان لها تأثير على ظهور العلمانية مع نهاية العصر القروسطي الغربي، فإن سميث يرى في جانب آخر مجموعة من الفوائد التي كان لها أثر إيجابي على ظهور العلمانية، والتي يعتبر بأنها تتشابه في ممارساتها الدينية المعاصرة مع المجتمع الغربي العلماني، حيثُ يأتي في مقدمتها “انتشار المعرفة المتعلقة بالإيمان المسيحي بين أغلبية سكان العصور الوسطى”، وهذا لا يعني أن الناس العامة في تلك الحقبة كانوا يملكون معرفة وجهتي النظر الأكاديميتين اللاهوتية والكنسية، إنما كانوا “يتفاعلون مع الكنيسة من أجل إنجاز الدين الشعبي الذي يفهمونه فهمًا ممتازًا”، أي أنهم “كانوا مهرة في ممارسة الدين الشعبي الذي يخدم حاجاتهم”.
أما الفكرة الثانية فتقوم على النظرية التي اقترحتها غريس ديفي المرتبطة بأن الدين بالنسبة للكثير من الناس “دين بالإنابة”، من حيثُ أن “الذين كانوا يدعمون الكنيسة بالإنابة يحتاجون إلى أن تكون الكنيسة حية ومستمرة، لكنهم لا يرون أنهم مسؤولون عن المشاركة في حياتها العادية”، لكنهم يشعرون في مقابل ذلك بالصدمة في حال لم تريد الكنيسة القيام بمهمات طقوسية معينة، وتأتي في المرتبة الأخيرة الأخلاق التي كان لها اعتبارات أساسية في المسيحية القروسطية، إذ يرفض سميث هنا الفكرة التي تقول إن المسيحية القروسطية “دين أناني صرف”، وبدلًا من ذلك يؤكد على أنه كان لديها “عنصر أخلاقي قوي”، وهو عنصر كانت تحكمه “المخاوف المتعلقة بالفشل الأخلاقي وتداعياته بعد الموت”.
تأثر العلمانية الغربية بالتنوير وفلسفة الأخلاق
يتميز المجتمع العلماني الغربي وفقًا لنظرية سميث بهوية مزدوجة، أي أنها “ذهنية علمية حلت محل المسيحية باعتبارها تقنية الغرب المسيطرة، وهي ذهنية موجودة جنبًا إلى جنب مع أخلاق مسيحية يدعمها إيمان شعبي راسخ بالله”، تقود هذه الفكرة صاحبنا أستاذ اللاهوت إلى أنه من أهم إنجازات حقبة التنوير 1688 – 1789 كانت حياة السير إسحاق نيوتن (1643 – 1727) الذي كان تأثيره عالميًا لأن “منهجه العلمي واستعماله الرياضيات والملاحظة والتجربة، قُلِّد في جميع حقول العلم الطبيعي والاجتماعي الناشئة”، كما أنه عمل على إلغاء هيمنة المنهجية التي ابتكرها رينيه ديكارت (1596 – 1650) باستعماله الاستدلال الاستنباطي، وعمل بدلًا من ذلك على تفسير الظواهر الطبيعية تفسيرًا تجريبيًا واستقرائيًا.
كذلك ينظر إلى الموسوعة التي كتبها دنيس ديدرو (1713 – 1784) المكوّنة من نحو 17 مجلدًا من النصوص، إضافة لـ11 مجلدًا من اللوحات الفنية، على أنها من أهم إنجازات عصر التنوير، فهو يصفها بأنها كانت تجسيد لـ”جوهر حلم التنوير”، فقد انعكست الأساسية في محاربة المعتقدات والممارسات البالية، ونشر المعرفة في أبعد مستوى وعلى أوسع نطاق، لكنه في هذه الحقبة برزت أيضًا فكرة حقد الفلاسفة على الكنيسة التي اعتبروها في مطارح عديدة “عدوة للتنوير”، وجادلوا بأنها “متورطة عمدًا في القمع الممنهج على الناس وفاسدة”، إلا أنه ورغم الهجوم على الكنيسة فإن كثيرًا من الفلاسفة أفردوا حيزًا لشكل من أشكال الدين المدني في المجتمع.
على هذا النحو عند عقد المقارنة بين الذهاب إلى الكنيسة الغربية في عالمنا المعاصر بصفتها عادية نسبيًا، وبين الذهاب إلى الكنيسة في الحقبة الفيكتورية (1837 – 1901) المتميزة بمستوياتها المرتفعة، وهي مرتبطة بإحصائيات أوردها سميث في الكتاب، والتي يعلق عليها بالقول إن التركيز كان في هذه الإحصائيات على إحصاء أعداد الناس الذين كانوا يذهبون إلى الكنيسة أثناء الصلاة، يرافقها حملة الدعاية المسيحية التي اتسمت بها الحقبة الفيكتورية، لكن سببها الأساسي كان استهداف الناس بالدعوة لحضور مدرسة الأحد، كما أن هذه الحقبة اتسمت بتوزيع كتيبات الدعاية الدينية، والزيارات المحلية.
لذا يلاحظ سميث أن ظهور ما يصفه بـ”علمانية منظمة” كان نتيجة للحملة المكثفة التي كان هدفها تحويل الناس إلى الكنيسة، ما يدفعه يرجع بأصل الاستعمال المعاصر لمصطلح علماني إلى منتصف القرن الـ19، وذلك على الرغم من ظهوره تدريجيًا في المجتمع البريطاني من خلال الجمعيات العامة، إلا أنها اصطدمت بعدم استطاعت العلمانيين على “التطور إلى حركة جماهيرية تجتذب دعمًا واسعًا”، وذلك سببه وفقًا لما يؤكده بعض الباحثين أنها كانت “مفرطة في جفافها وفي طابعها الفكري بالنسبة إلى معظم الناس”، أي أنها افتقرت إلى “الطقوس والجاذبية العاطفية التي من شأنها أن تجتذب الناس وتحتفظ بهم”.
ولعل أكثر ما يثير الاهتمام بالتحديات الفكرية التي واجهت المسيحية في القرن الـ19 كان مدى قبول الكنيسة بكثير من الحجج وتبنيها، فقد “أدى ما كان يجب أن يكون ضربة قاتلة للمسيحية من الإلحاد إلى جعلها تتجدد ولا تقوم إلا بإصلاح”، وهو ما يعيدنا إلى فكرة فيسلز التي طرحناها سابقًا حول “مرونة التأقلم الثقافي المستمر”، والتي كانت سببًا أساسيًا في فشل فكرة الإلحاد عند الغرب، ويرجع ذلك إلى “القدرة اللافتة للمسيحية على تبني تقريبًا أي مجموعة من الأفكار والمعتقدات وتحويلها”.
يتطرق سميث في نهاية كتابه البحثي “تاريخ موجز للعلمانية” إلى النظرية الليبرالية التي تأسست على فكرة الأنانية والفردانية، وهو يرى أنها “أخفقت في أن تقدم للناس فكرة أكيدة على أسس الخير المشترك”، في مقابل ما مثلته المسيحية كـ”جماعة تزود الناس بالمهارات والفضائل التي يحتاجون إليها ليحيوا حياة أخلاقية”، ويؤكد هنا على أن المجتمع الغربي هو “مجتمع أخلاق، لأن الأسئلة الأخلاقية تشغله بشكل أساسي”، بينما يرى أن “الليبرالية فقدت، أو لم يكن لديها، ركيزة لما يؤسس السلوك الخيّر، وتمنح الأفراد الآن إذًا أن يفعلوا كل ما يرونه أفضل”.
إلا أن سميث ينطلق من هذه الثنائية إلى فكرة يتساءل فيها إذا ما كانت الليبرالية شكلًا من أشكال المسيحية أم تعبيرًا عنها، وهو يجيب عليها بالقول إنه يرى: “أن الليبرالية هي التوجه الأخلاقي الذي بواسطته يمنح معظم الناس في الغرب معنى لإيمانهم بالله”، ويضيف مدللًا على كلامه “يؤمن الناس بالله ويسعون إلى أن يكونوا خيرين. والليبرالية هي الطريقة التي يحققون بها ثاني هذه الأهداف”، لكنه ينوه هنا إلى أنه لا يقترح أن جميع المدافعين عن النظرية الليبرالية هم مسيحيون قطعًا، وكذلك ليس جيمع المسيحيون ليبراليين.
وهذا ما يقودنا نهاية إلى تلخيص هوية المجتمع العلماني الغربي الثقافي والدينية بحسب سميث، الذي يرى أن الناس الذين يعيشون في المجتمع العلماني الغربي المعاصر يملكون ذهنية مزدوجة، إذ بينما تقوم الأولى على اقتناعهم بتفوق المنهج العلمي في ما يتعلق بوظيفته بحل المشاكل بالعلم، وهو الأمر الذي يشكل التزامهم بالعلم، فإنهم يدركون أيضًا أن التقنية العلمية لا يمكنها معالجة المسائل الأخلاقية، لأنه إذا كان العلم يعتبر تقدمًا تقنيًا غير محدود، فإنه لا يمتلك وسائل أساسية للحكم على بعض خطوات التقدم بأنها صحيحة أو خاطئة، وهذا السبب الذي يجعلهم “يرجعون إلى وسائلهم التقليدية لاتخاذ قرارات أخلاقية”، والتي يقصد بها المسيحية.