إلى أي درجة، فعلاً، يمكن القول اليوم إنّ السينما الفلسطينية شغل أفراد؟ كما قيل مراراً على طول السنوات الأربعين من عمر السينما الفلسطينية ما بعد الثورة.
لعلّها بدأت كذلك، وهذا من طبيعة تلك البداية بعد انهيار المشروع الوطني الجمعي بانهيار الثورة أوائل الثمانينيات، وانهيار مؤسسات هذا المشروع، فحلّت الصناعة الفردية محلّ الجماعية، أو لنقل الريادة الجماعية، فالسينما في طبيعتها، أساساً، هي صناعة جماعية.
في الحديث عن السينما الفلسطينية، لا يصلح دائماً تكرار أسئلة وتناقلها كأنّها نصوص ثابتة غير قادرة على التغيّر مع السنوات، منها السؤال المُمل “هل هنالك سينما فلسطينية؟” ثم الإجابة الأشد مللاً “هنالك أفلام فلسطينية، لا سينما.” ومن بين هذه الأسئلة “هل هذه السينما شغل أفراد أم جماعات؟”
لم يصل هذا السؤال، بعد، حد الملل، فمازال مشروعاً وإن طال لكل تلك السنوات. سيبقى مشروعاً مادام الظرف المحيط به، حاضراً. وهو غياب المؤسسات التي، بهذا الغياب، تعطي شرعية لسؤال سهلَت الإجابة عنه.
الإجابة، بكل الأحوال، لا تكون بنعم أو لا. فلا هي المؤسسات غائبة ولا هو دورها حاضراً بما يحسم الإجابة. وهذا كلّة يعود، أصلاً، إلى غياب الدولة ومؤسساتها.
صيغة غياب الدولة كبنية تحتية وفوقية، وحضورها،كبنية اجتماعية محافظة، ضيّقَ على الصناعة السينمائية الفلسطينية في شقّيها الفردي (سينمائيون من داخل فلسطين ومن خارجها) والجماعي (المؤسسات المعنية بالسينما)، فزاد منسوب الفردية في هذه الصناعة، واتّخذت المؤسسات لنفسها موقع الفردي، بمعنى أنّ عملها السينمائي عصاميّ وخاص ومبادِر في الصيغة الأقرب لأي عمل فردي، فلا بنية مؤسساتية متينة دون دولة (أو ثورة). للمؤسسات هنا صعوبة الأفراد في المضي والإنجاز.
من زاوية مقابلة، قد يكون هذا الغياب، للمؤسسة بشكلها الرسمي، ما منح المؤسسات القليلة الحاضرة، مساحتَها المستقلة وموثوقيتها ونشاطها الخاص والمؤسِّس في السينما الفلسطينية (“فيلم لاب فلسطين” مثلاً)، وقد يكون هذا الغياب لصالح صناعة سينمائية، وأفلام، تؤسس لحضور فلسطيني في العالم، غير ذلك المنهار على أصعدته السياسية والدبلوماسية، وهذا يكون بالفنون عموماً وبالسينما خصوصاً (مهرجان كان حالة واضحة هنا).
اسم فلسطين نجده في مهرجانات السينما كما يجب، عموماً، أن يكون. تمثيل فلسطين كما يقدّمه الأفراد، والفِرق السينمائية بصفتها أفراداً، والمؤسسات الفلسطينية بمواقع الأفراد التي لها، مقابلَ المؤسسة الرسمية، هي الأقرب لصورة فلسطين التي قدّمتها أسماء للعالم، أبرزها درويش وسعيد وسليمان.
من بين العمل الفردي والمؤسساتي المستقل، فيلم مها حاج، «حمى البحر المتوسط»، المعروض الأربعاء في “كان”، قد يكون واحداً من هذه المبادرات التي ستقدّم (أو ستبدأ بتقديم) فلسطين، والتي تمثّل اسم فلسطين في المهرجان، بما يتلاءم مع كثير المبادرات والإنجازات الرّافعة من هذا الاسم، وطنياً وإنسانياً وجمالياً، في فنون العالم وثقافاته.