مرافعة على شكل كتاب، هذا ما يتبادر إلى ذهن أحدنا خلال تصفّحه لكتاب “استشهاد شيرين أبو عاقلة: سجل توثيقي” الصادر قبل أشهر من اليوم، وبعد أشهر من الاغتيال. مرافعة موثَّقة ومفتوحة، بلا محكمة ولا قاض. لا حدود زمانية ولا إجراءات إدارية لهذه المرافعة، لكنها هنا، مثبَّتة، مسجَّلة وموثَّقة.
يُستشهد الفلسطينيون يومياً، من دون نقطة بدءٍ لهذه الـ “يومياً”، كانت دائماً كذلك ولاتزال. تُستعمَر الأرض وتُستوطَن كذلك يومياً، منذ ما قبل النكبة إلى ما بعد هذه اللحظات والأيام. انتهاكات واعتداءات نسمع شرَّ ابتكاراتها أخيراً، من تقليل المياه الضرورية لكل أسير إلى أخذ مقاسات شقة في بناية لتفجيرها، يتناوب عليها الجندي والإداري والمستوطن، والدولة ومواطنوها. بتلاحق الاعتداءات وتراكمها، بالكاد يلتقط الفلسطيني أنفاسه لينهض مجدداً، ليستوعب ما يحصل، ليقاوم اعتداءاتٍ يومية وشخصية، وليردّ الضربة، ثم ليستعدّ ويتصدى للاعتداء اللاحق. كثرت الاعتداءات وضاعت بعضها بين بعضها الآخر، أو صارت كلّها اعتداءً واحداً شاسعاً، فصعبت المحاسبة، أو الاستدراك، لاعتداء واحد محدَّد قد يصبح في سياقه العادي، في بلد عادي، قضيةَ رأي عام، ممتدّة لعامٍ وأكثر.
واحدة من هذه الاعتداءات صارت اليوم موثَّقة، مسجَّلة، صار لها ملفّاً ادّعائياً متكاملاً، أنجزه ما بدا فريق طوارئ في “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” وأصدرته المؤسسة بعد أشهر من الاغتيال، ليكون داعماً متكاملاً لكل متابع للقضية أو رافع لها أو باحث فيها، اليوم وغداً ودائماً.
يحوي الكتاب حقائق وبيانات، ومقالات وتحقيقات، ومسرداً زمنياً، حول استشهاد أبو عاقلة، مقدّماً المادة الضرورية للوقوف عند اعتداء محدَّد، وتسجيله بصفته جريمة موثَّقة، قد يكفيها لاحتمال إدانتها، وضعُ الكتاب في ظرف ولصق عنوان محكمة الجنايات الدولية، أو أي محكمة أو مؤسسة، على ظهره.
نقترب من الذكرى الأولى لاستشهاد شيرين أبو عاقلة (١١ أيّار)، الوجه والصوت المرفقين، في أذهاننا، بالقضية الفلسطينية ويومياتها، بتقارير شيرين الإخبارية الشجاعة والصلبة، السياسية والحقوقية والإنسانية، فيها الخبر بما يتطلبه من اختصار والتعليق بما يتطلبه من إسهاب، بنظرة مازجة بين الحزن والغضب، ونبرة الحكّاءة، كأنها تقول إن ما أرويه هنا، في تقرير بدقائق قليلة، على “الجزيرة”، هي حلقة من حكاية طويلة لمأساة شعب. ظلّلَت، المأساةُ، النبرة، وأنارت، مقاومةُ الشعب ذاته، النبرة ذاتها. وكلّه بمهنية المراسلة الصحافية القريبة من عقولنا وقلوبنا بالدرجة ذاتها.
مع هذا الكتاب الذي حرّره خالد فرّاج، سيبقى ملف أبو عاقلة مفتوحاً، ستبقى القضية حاضرة، وسيبقى واحد من اعتداءات الاحتلال على الفلسطينيين، موثَّقاً ومسجَّلاً، لأن يوماً ما سنعود إلى ذلك كله.
يوماً ما، مهما ابتعد أو اقترب، سنبحث عن هذا الكتاب لأنّ حساباً طويلاً سيكون قائماً مع الاحتلال، وسنكون، مسبقاً على الأقل، وثّقنا واحداً من ملفّاته.