انقطع الابن عن أبيه لما يزيد عن عشرين عاماً، يعود إليه بعد تلقيه مكالمة من الشرطة تخبره بحالة الأب الحرجة ذهنياً، صار المدرّس الجامعي فاقداً لصوابه وذاكرته، محتجَزاً في مأوى صحي. يعود الابن المنقطع عن أبيه منذ طلاق والديه، وموت أمه، ليتعرف عليه مجدداً، إنساناً آخر غير ذلك الذي نفرَ منه الابن بعد الزوجة.
فيلم المخرج الياباني كي تشيكا-أورا، “الغياب الكبير” (Great Absence) المنافس في المسابقة الرسمية لمهرجان سان سيباستيان السينمائي، يقدّم اكتشاف العلاقات المتأزمة بل المنقطعة بين الولد وأبيه، ثم إمكانية إعادة هدم وتأسيس هذه العلاقة من الأول، في ما ستبدو الأيام الأخيرة للأب. طيف المعلّم الياباني ياسوجيرو أوزو يحوم على طول الفيلم.
الغياب الكبير هو انقطاع الابن مكاناً وزماناً، ولم يدرك الابن، المنشغل بمهنته في التمثيل في المسلسلات، ذلك الغياب، ولا معناه، إلا بعودته الاضطرارية التي ستقدم له حالةً جديدة من الأب، مثيرة للشفقة نوعاً ما، تستعيد الابن وتوصله مجدداً بأب يحتاج إليه أكثر من أي وقت مضى. الابن الذي بان بارداً بليداً بداية الفيلم، تجاه أبيه، تكشّف على مشاعر وعلاقة جديدتين مع أب دخل حالة محزنة تسترعي التعاطف، تبدّى ذلك، مثلاً، في مشهد حسّاس لاعتذار الأب من سوء معاملته لابنه الذي ردّ بأن ليس هناك ما يستوجب الاعتذار. لكن الأب أصرّ على سماع “أسامحك” من ابنه.
الفيلم حميمي، هادئ، تأمّلي، للعائلة مكان مركزي فيه، وهي سمات في الفيلم الياباني عموماً، أسّس لها ياسوجيرو أوزو في أفلامه منتصف القرن الماضي، في “قصّة طوكيو” تحديداً والذي يحكي كذلك عن زيارة بعد انقطاعات بين الوالدين وابنتهما. وزادت قصة “الغياب الكبير” من هذه السمات ومنحتها تأثيراً درامياً في تحوّل الشخصيات، برويّة لكن بتحوّل كبير، بحجم الغياب وما تطلّبه من مشاعر تعوّض بعض ما فات الابن والأب خلاله.