عشرون عاما على رحيل إدوارد سعيد

الأدب العالمي ما بعد جوته: إدوارد سعيد ومطرقة العلمانية والحداثة

تيسير أبو عودة

كاتب من فلسطين

ومن المفارقة، أن صديق إدوارد سعيد، الناقد الإنجليزي اللامع تيري إيغلتون، قد ألّف كتابًا في العام نفسه الذي توفي فيه سعيد، والموسوم بـ "ما بعد النظرية" (2003)، ويذكرنا في فصله المعنون بـ "سياسات فقدان الذاكرة"، بنبرة لا تخلو من الكوميديا السوداء، قائلًا: 

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

29/01/2024

تصوير: اسماء الغول

تيسير أبو عودة

كاتب من فلسطين

تيسير أبو عودة

ومترجم وناقد أدبي

تمهيد

جاء صعود نجم المفكر الجماهيري إدوارد سعيد في الغرب المركزي، خصوصًا في حقل النقد الأدبي والنقد المقارن في جامعة كولومبيا، متناقضًا وصارخًا، وضاربًا ضربة موجعة لغطرسة النظرية الفرنسية في الستينيات والسبعينيات، خصوصًا بعد هزيمة حزيران 1967، ووسط ضجة عازفي جوقة النظرية الأدبية في السياق الأميركي الأنغلو -ساكسوني، وصعود النظرية الأدبية في سياقها الأوروبي القارّي، بكل مفاعيلها اللسانية والأسلوبية والفلسفية والسوسيولوجية والأيدولوجية، وظهور مدرستي شيكاغو وكيمبردج وتغوّلهما، والبنيوية بقضها وقضيضها، وبداية تقهقر مدرسة النقد الجديد – التي تؤمن بمركزية النص الأدبي، بنيويًا وأسلوبيًا ولسانيًا – على لسان روّادها كلينث بروكس، ونورثروب فراي، و آي. أيه. ريتشاردز، وآخرهم الناقد اليهودي الموسوعي هارولد بلوم، وروّاد التفكيكية، وعلى رأسهم جاك دريدا، وما بعد البنيوية ومدرسة التلقي وما بعد الحداثة، وعلى رأسهم مارتن هايدغر وميشيل فوكو وجان فرانسوا ليوتار وغيرهم، ورواد النقد الثقافي أمثال تيري إيغلتون، وستيوارت هول. 

كان كتاب سعيد “الاستشراق” المحاولة النظرية والفلسفية الأولى التي قلبت الطاولة على النظرية الأدبية، وقبلها مدرسة النقد الجديد في الوعي الغربي الأوروبي، في نسختها النصية المغرقة في اختطاف التاريخ من النص، وتحييد السياسي في الخطاب المعرفي وعلاقته بالسلطة، وتحيّزات العقل الأوروبي المركزي في ما يخصّ جُلّ ما كتب عن الشرق وتمثيلاته، بدءًا بالأدب والرواية والفن وأدب الرحلات، وحتى الخطابات السياسية والفلسفية التي مثّلت الشرق بوصفه مهنة وجوهرًا للمعاينة والتخيّل والفانتازيا والغرائبية. هو سعيد، الفلسطيني المقدسي المسكون بمدينة نيويورك، والمتصالح مع تناقضات المنفى؛ هو المرتحل بين العربية والإنجليزية كتابةً وتفكيرًا وثقافةً؛ هو المسيحي من حيث المنشأ، والعلماني فكرًا ورؤيةً؛ هو العربي تاريخيًا وثقافيًا، والأوروبي من حيث التكوين المعرفي؛ هو الكونيّ المقيم بين الحدود، والمنشقّ المقيم بين تخوم القوميات المتداخلة، والهويات والثقافات الهجينة، كما يصفه صديقه محمود درويش:

 يقول: أَنا من هناك. أَنا من هنا
ولستُ هناك، ولستُ هنا
لِيِ اسمانِ يلتقيان ويفترقان
ولي لُغتان، نسيت بأيَّهما
كنتُ أَحلُمُ،
لي لُغَةٌ إنجليزيَّةٌ للكتابة،
طيِّعةُ المفردات،
ولي لغةٌ من حوار السماء مع
القدس، فضيَّةُ النَّبْرِ، لكنها
لا تُطيعُ مخيّلتي!

ومن المفارقة، أن صديق إدوارد سعيد، الناقد الإنجليزي اللامع تيري إيغلتون، قد ألّف كتابًا في العام نفسه الذي توفي فيه سعيد، والموسوم بـ “ما بعد النظرية” (2003)، ويذكرنا في فصله المعنون بـ “سياسات فقدان الذاكرة”، بنبرة لا تخلو من الكوميديا السوداء، قائلًا: 

“إن العصر الذهبي للنظرية الأدبية قد أصبح طيّ الماضي منذ زمن بعيد. ولا شك أن أعمال الرواد الأوائل، أمثال جاك لاكان، وليفي شتراوس، ولويس ألثوسير، ورولان بارت، وميشيل فوكو، قد صمدت عقودًا طويلة. ولا شك أن الكتابات المبكرة الأصيلة والرائدة لريموند وليامز، ولوس إريغاري، وبيير بورديو، وجاك دريدا، وهيلين سيكسوس، وهابرماس، وفريدريك جيمسون، وإدوارد سعيد، كانت لا تقل أصالة وإبداعًا عن سابقاتها. ليس هنالك كتابات هذه الأيام تضاهي أصالة وتميز هؤلاء الأمهات والآباء المؤسسين. بعضهم قد أفل نجمه، لكن القدر قد اختار رولان بارت ليقضي نحبه جراء حادث شاحنة باريسية لغسيل الملابس، وأنشب أظفاره في لحم ألتوسير ليقضي بقية عمره في مستشفى للمجانين جراء قتله زوجته، وابتلى ميشيل فوكو بالإيدز، واختار بورديو ولاكان ووليامز في صحبة ملك الموت. يبدو أن الخالق لم يكن منظرًا بنيويًا”(1). 

يبدو أن سعيد قد راكم إرثًا نقديًا ومعرفيًا كونيًا لا يمكن محوه عبر العقود الطويلة، وكأنه يحاكي مقولة المتنبي قولًا وفعلًا: 

إذا غامرت في شرف مروم   فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر صغير   كطعم الموت في أمر عظيم

النقد الأدبي المقارن: الأوروبية المركزية والعالم الثالث 

يعرف الدارسون لتاريخ الاستعمار الحديث أن عبارات مثل العالم الثالث، والشرق الأوسط، والعالم الأول، والمركز والهامش، والتقدم والنكوص، والإسلام والليبرالية، والبرابرة وصراع الحضارات، هي إحدى مخرجات الخطاب المعرفي الاستشراقي بعد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، سواء كنا نتحدث عن ثنائيات العلم وما قبل الحداثة، أو التهديد الإسلامي لقيم الغرب الليبرالية، كما يراها برنارد لويس وصامويل هنتنغتون وفرانسيس فوكوياما وسام هاريس. وبناء عليه، ظلّ سعيد متيقظًا لخطابات الاستشراق الإنجليزي والفرنسي والأميركي، لأنها تشكّل حضورًا جيو-سياسيًا وثقافيًا، وهيمنة ثقافية طاغية في تاريخ دول ما بعد الاستعمار في الشرق الأوسط والعالم العربي، وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

لنعود مرة أخرى للنقد الأدبي في سياق الأدب الأنغلو-ساكسوني والعالمي، كما يبصره سعيد المرتحل بين ثقافة القاهرة والقدس وبيروت ونيويورك، وهو المترجم الثقافي الأدبي بين الشرق المتخيّل والغرب المركزي، فملأ الدنيا وشغل الناس بنقده الشرس والأصيل لروايات عراب الإمبريالية الجديدة ونبيّها، روديارد كيبلنغ، خصوصًا رواية “كيم”، وتشريحه النقدي العلماني لخطابات الاستعمار والإمبريالية والأيدولوجية المضمرة التي تتوارى في نصوص جين أوستن، خصوصًا رواية “مانسفيلد بارك”، كذلك راوية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”، التي يقول فيها مصطفى سعيد في المحكمة على لسان الراوي: “أنا لست عطيلًا! عطيل كان أكذوبة”، وقصائد محمود درويش “أحد عشر كوكبًا”، التي قدمها سعيد في سياق النقد الموسيقي، ما اصطلح عليه بالأسلوب المتأخر. ثم وجد سعيد نفسه متشابكًا مع رواية “قلب الظلام”، وكأنه وجد في جوزيف كونراد نافذة مهمة لفهم علاقة أفريقيا الكولنيالية والثقافية بخطاب الاستعمار والهيمنة، ومركزية نهر التيمز الأوروبي ورمزيته، مقارنة بنهر الكونغو الصاخب والمظلم والمخيف صورةً لأفريقيا التي صورها كونراد، وبدت في نظر العرب صورة عنصرية واستشراقية متحيزة.

وفي ملة سعيد واعتقاده، فإن النقد الأدبي يمارَس في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم ضمن شعب أربع: 1- النقد التطبيقي، الذي نجده في معظم الأحيان في الصحافة الأدبية، وأدبيات مراجعات الكتب؛ 2- النقد الأدبي الأكاديمي، وهو تقليد نقدي عُرف أيضًا في القرن التاسع عشر بين أوساط النقاد المتخصصين، وبين أروقة ما يسمى بالدراسات الكلاسيكية وفقه اللغة المقارن (الفيلولوجيا) ودراسات علم التأويل (الهيرمونيطيقيا)، والتاريخ الثقافي والأنثروبولوجي؛ 3- ثم يحيلنا سعيد لماهية التذوّق الأدبي والتأويل ولكنه على نقيض المدرستين السابقتين، ليس حكرًا على المتخصصين والكتّاب المكرّسين؛ 4- أما النوع الرابع من النقد الأدبي كما يراه سعيد، فهو النظرية الأدبية التي ولدت في سياق الحروب الثقافية والأدبية في السياق الأمريكي والأوروبي، على يد كبار النقد الثقافي والأدبي، أمثال والتر بينجامين، وجورج لوكاش، وبول ريكور. ولا ننسى أن النظرية الأدبية الأميركية جاءت في أعقاب الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، في محاولة للتشابك مع النماذج الأوروبية المركزية، بما فيها البنيوية، والسيميائية، والتفكيك، وما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة، ونظريات ما بعد الاستعمار(2).

يتبيّن لمتتبع مشروع إدوارد سعيد في النقد الأدبي والنقد المقارن، في سياق ما يسمّيه المفكر الأميركي إمانويل وولرستين “العالمية الأوروبية”، والنظام العالمي المتشظّي بين مركز أوروبي تؤّبده علاقة رأس المال بقوى الإنتاج، ومركزية النظام الأميركي والعولمة، وعلاقة آمري السياسة بإنتاج المعرفة وسياسات التدخّل في فيتنام وأفغانستان والعراق، وبين هامش لا أوروبي تتوسطه آسيا وأفريقيا، والهند والصين والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، على اختلاف تأثيرها الاقتصادي والسياسي والجيوسياسي، أن سعيد كان يخوض حربه الثقافية والنقدية من جوف بطن الحوت الأوروبي المركزي، وكان يتوسل بآلاته النقدية الفيلولوجية، وتراثه الحداثي ومشروعه الطباقي الحالم، ولكنه تراث أعمل فيه سعيد مطرقته العلمانية الإنسانوية بين نقد علماني إنسانوي مناهض لكل أشكال القهر السياسي والاجتماعي والبيداغوجي، وتفنيد نقدي صارم ومستقل لكل ما يدّعيه نقّاد مدرسة النقد الجديد والبنيوية، من مركزية النص، ومصادرة المعنى على حساب السياق، واكتفاء النص بذاته، ولا-تاريخية النص، وإقصاء السياق السياسي والتاريخي من قلب النص والتأويل، انتصارًا للجمالي على حساب التاريخي والسياسي. 

مثال بسيط على تبصّر سعيد للنص الأدبي يجلي لنا منهج سعيد في التأويل للنص الأدبي المقارن، بطريقة أكثر وضوحًا من إبهام النظرية الأدبية التي تضرب بحجر النرد في خضم البحث عن معنى مفقود لا مركز له، ولا بوصلة أخلاقية في ما يسمى بالنقد ما بعد الحداثي. فيرى سعيد أن فكرة هايدن وايت عن قراءة التاريخ الواقعي بصورة مباشرة من خلال النص أمر حتمي، ولكن لا بد للناقد من فهم سياق الحدث والظرف التاريخي وتشرّبهما، بصفتهما يشكلان جوهر النص الأدبي وغرضه الاجتماعي؛ فسعيد ينظر إلى هذه الأحداث والظروف التاريخية باعتبارها جزءًا عضويًا من قراءة تأويل النص، فهي نصيّة أيضًا. ها هو سعيد يجلي موقفه النقدي العلماني بوضوح وبلاغة لا مثيل لهما:

كل حكايات جوزيف كونراد ورواياته تعرفنا على موقف ظرفي تاريخي- لنقل إن رهطًا من الأصدقاء يجلسون على ظهر السفينة، وهم يشنّفون آذانهم لحكاية سردية تشكل روح النص، وجل ما يحدث في النصوص يحال لهؤلاء، ويصير امتدادًا لحكايتهم التي ينصتون لها. وفي منظوري الخاص، فتلك النصوص هي نصوص دنيوية (تنتمي للعالم الأرضي)، وهي أحداث تاريخية إلى حد ما، وحتى عندما يتم إنكارها، فإنها جزء أصيل من العالم الاجتماعي، والحياة البشرية، والزخم التاريخي الذي يتم من خلاله تأويل هذه الأحداث وتموضعها(3).

ثمة تقاطع مذهل بين هذه القراءة للنص بوصفه حدثًا تاريخيًا وظرفًا دنيويًا، لا ينبت من أصله التاريخي والزمني، ولا يمكن فصله عن العالم الاجتماعي والحياة البشرية، وسيرة سعيد “خارج المكان”، وفيها فكرة الأوامر الأبوية الصارمة والقاسية، خصوصًا تلك التي شكّلت وعي سعيد ولا-وعيه تجاه ذاته الطفولية، التي كانت فريسة تربية توسلت بالرقابة والعقوبة تجاه جسد سعيد، ومحاولة أبيه تصحيح جسده وسلوكه بصورة هستيرية طاغية، ساهمت في تكوين سعيد النقدي المركّب والطباقي لاحقًا، وبصورة متناقضة بعض الشيء؛ إذ ظلّت عبارة والده وديع، وهو يوبّخه بقسوة ألّا يحني أكتافه وظهره مهما كلفه الأمر، ملازمة له طيلة حياته، حتى صارت جزءًا عضويًا من استقامة سعيد الأخلاقية لاحقًا تجاه القضية الفلسطينية، ودور المثقف من السلطة، وكل خطابات القهر والاستلاب والهيمنة. لكن التناقض الأكثر وضوحًا في سيرته الذاتية يكمن في العوالم التي شكّلت وعيه النقدي، ورسّخت في وجدان سعيد توترًا ولّادًا واستثنائيًا بين الذاتي والجمعي، وبين الخاص والعام، وبين السياسي والوجداني، وبين المعرفي والأيدولوجي، وبين التراثي والحداثي، وبين الأصالة والإبداع، والكتابة وفرادة النص الأدبي المرتحل عبر الزمن والأمكنة. 

خاتمة

ثمة معضلة أساسية في فهم مشروع إدوارد سعيد النقدي والفكري والأدبي والإبداعي، وهي أنه في معظم الأحيان يُقرأ وتُؤوّل طروحاته عن الصهيونية الاستيطانية، وتاريخ الأفكار، وخطاب الاستشراق المؤسساتي والأيدولوجي والأكاديمي، وفقه اللغة المقارن (الفيلولوجيا)، والنقد الأدبي المقارن والأدب العالمي، والنقد العلماني الإنسانوي، في دوائر كتبه “الاستشراق” أو “الثقافة والإمبريالية”، أو “تغطية الإسلام”. بينما قلة من النقاد تشابكوا مع تأصيل سعيد لخطاب كوني راسخ ومستقل في النقد الأدبي والأدب العالمي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما بعد الحرب الباردة. كذلك في مرحلة ما بعد الحروب الثقافية التي نشبت بين نقاد مدرسة النقد الجديد، والشكلانية الروسية، والنقد التفكيكي وما بعد التفكيكي، وانفجار سرديات مدرسة النقد ما بعد الاستعماري ودراسات التابع، وصولًا إلى تقليعات ما بعد الحداثة وما آلت إليه ماكينة الأدب العالمي التي يحكمها الآمر الرأسمالي والآمر التاريخي والآمر الأيدولوجي والمؤسساتي، والمركز الأوروبي والأميركي على وجه الخصوص.

ولكن لماذا يتجاهل كثير من نقاد الأدب العالمي والأدب المقارن التشابك مع كتب سعيد الأخرى، منها: “بدايات: القصد والمنهج” و”تنويعات موسيقية”، و”تأملات في المنفى”، و”العالم والنص والناقد”، و”ما بعد السماء الأخيرة”، و”الأسلوب المتأخر”، و”خارج المكان”؟ ليس هنالك إجابة واضحة، سوى أن كثير من النقاد قد استسهلوا قراءة مشروع سعيد النقدي من خلال كتاب “الاستشراق” الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وصار إنجيلًا لدى جُلّ كتّاب دراسات ما بعد الاستعمار والدراسات الثقافية، جنبًا إلى جنب مع كتابات دراسات ما بعد الاستعمار التأسيسية، وعلى رأسها كتابات إيمي سيزير، وريموند وليامز، وفرانز فانون، وهومي بابا، وبارثا تشاترجي، وغياتري سبيفاك، وحميد دباشي، وجوزيف مسعد، وتيموثي برينان، وعامر مفتي، وغيرهم.

هل نستطيع أن نقرأ إرث إدوراد سعيد النقدي والفكري بعيدًا عن كليشيهات التمثيلات المركزية الأوروبية التي وُصم بها سعيد عبر عقود من الكثير من النقّاد والكتّاب، محبّيه وكارهيه على السواء، أمثال إعجاز أحمد، وفريدريك جيمسون، ومهدي عامل، وجيمس كليفورد، وبرنارد لويس، وروبرت إيروين، وتيموثي برينان، التي جعلت من إدوارد سعيد إما ناقدًا أدبيًا (محاصرًا بدائرته الأدبية الأنغلو-أميركية والقارية)، فهو لا يجيد قراءة التاريخ بمنطق هيغل، حسب رأي برنارد لويس وروبرت إيروين، أو أنه المفكر العلماني الحداثي الذي تورّط في فخ الحداثة البرجوازية، ودخل حقل الألغام الاستشراقي الأوروبي، إذ اختزل نصوص نيرفال وإدوارد لين وسيلفستر دي ساسي وأنطوان غالان واللورد كرومر وبلفور، في الدائرة المفاهيمية والإبيستمولوجية نفسها، حتى جعل منهم السحرة الأيديولوجيين الذين تلتهم عصيهم المعرفية والميكافيلية، كل ما نعرفه عن ماهية الشرق المتخيّل، وجغرافية الشرق، وسحر الشرق الغرائبي، وجنوسة الشرق الأنثوي، وغواية الشرق، وتخلّفه ورجعيته، أمام آلة التنوير الغربي بكل ما تضمنته من يوتوبيا ظلّت تحاكي يوتوبيا ثوماس مور عن العالم الجديد والكومونولث الأوروبي. ولماذا لم يكن سعيد معنيًا بقراءة التاريخ الإسلامي العربي بالمقارنة مع التاريخ الغربي التنويري؟ ربما كان عثور سعيد على ضالته في كتابات المؤرخ فيكو صدى لاكتشافه المتأخر لمنهج ابن خلدون في قراءة التاريخ والعالم. 
 

الهوامش:
  1. Eagleton, Terry (2003). After Theory. New York: Basic Books. P. 1.
  2. Said, Edward (1983). The World, the Text, and the Critic. Cambridge: Harvard University. P. 1
  3. Said, Edward (1993). Culture and Imperialism. New York: Verso. P. 4. 

هوامش

موضوعات

للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع