القصة حقيقية، لامرأة اسمها هيلدا كوبي، من المقاومة الشيوعية للنازية في برلين، في عز الحرب العالمية الثانية. يبدأ الفيلم مع اعتقالها، ويمتد باسترجاعات زمانية، حتى إعدامها.
يتمحور الفيلم حول هيلدا، ضمن خلية للمقاومة السرية. دخلت إليها بعفوية، أصدقاؤها كانوا ضمن الخلية، منهم حبيبها وزوجها المستقبلي. في التحقيق تُسأل لماذا فعلت كل ذلك، من تمرير رسائل إلى معدات وغيرها. تقول ببساطة لأنها أحبت زوجها. اعتُقلت، كانت تحمل جنيناً أنجبته في السجن، وأُعدمت.
“من هيلدا، مع الحب” (From Hilde, with Love) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، صوّر ما عرف بالأوركتسرا الحمراء، هليدا ورفاقها ونشاطهم السري، صورها من خلال العلاقات الإنسانية، تحديداً الحب بين هيلدا وزوجها، هانس، ضمن حالة الترهيب النازي والشرطة السرية، الغيستابو، تقابلها شجاعة للمقاومين، مبرزاً، الفيلم، من بينها كلها، الشخصية الاستثنائية لهيلدا التي احتمت بالحب وتقوّت به، تجاه زوجها ثم، بعد إعدامه، تجاه ابنها وأمها، ورفاقها.
العنوان توقيع هيلدا لرسائلها، وفي الفيلم تهرّب رسائل المقاومة. تشترك في تشفير رسائل بجهاز الراديو إلى السوفييت. تكتب من سجنها إلى زوجها، إلى أمها، ثم أخيراً، رسائل إلى ابنها ليقرأها لاحقاً. في “من هيلدا مع الحب”، العبارة والعنوان، الرسائل، بالتالي إيثار هيلدا تجاه الآخرين وتضحيتها من أجلهم، وفيها القيمة الإنسانية العليا التي أنقذتها من الانهيار في سجنها المريع.
الإعدام حتمي، ندركه ضمناً من لحظة اعتقالها، ليس المآل هو الغاية من الفيلم بل الإرادة في مقاومته. إدراك لهيلدا ولنا بأنها ستُعدم بكل الأحوال، لم يمنعها من الكفاح من أجل ابنها أولاً، ثم بلدها الذي ابتلى بالنازية. ليس الفيلم عن اعتقال في بدايته وإعدام في نهايته، بل عن الحب طريقاً للمقاومة، ممتداً بصلابة من هذه البداية إلى تلك النهاية.
الفيلم للألماني أندرياس دريسين، المعني في عدة أفلام له، بالتاريخ القريب لمدينة برلين، الشرقية تحديداً، مبتعداً في فيلمه الأخير إلى زمان الحرب العالمية. صوّر المدينة في حالات متنوعة لشخصيات متباينة، كأنّه يؤرّخ للمدينة على امتداد زماني منذ السيطرة النازية عليها إلى تقسيمها لشرقية وغربية حتى توحيدها. سيرة برلين في مراحلها هذه وثقها روائياً المخرج المشغول بشخوصها وتناقضاتها.
في الفيلم شغف بالحب، بقدرته على دفع المقاومة السياسية إلى ما لا يستطيع غير الحب عليه. ما بدت سذاجة في شخصية هيلدا ستنتهي إلى صلابة، وهذه الصلابة لم تمحُ رقّة الفتاة التي عرفناها من خلال الاسترجاعات. هذه الأخيرة اعتمدها الفيلم لا ليحكي قصة ببداية ونهاية، بل لإحاطة المُشاهد بالقصة برمّتها على طول الفيلم.