انتظر أحدنا عشرة أعوام منذ الفيلم الأسبق للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو “تمبكتو”، ليترك أخيراً الصالة بخيبة لم يرِدها. فالقصة وهي علاقة حب قلقة بين امرأة من ساحل العاج ورجل من الصين، واللقطات الجميلة كما بيّنت الصور المتاحة قبل المشاهدة، أمكن لها أن توحي بفيلم رقيق وجديد في طرحه. لكنها لم تفعل.
“شاي أسود” (Black Tea) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، فيلم تائه في ذاته، منغمس في شكله وحسب. لا معنى لقصته ولا معاني لحواراته. خرجتُ من الصالة بفكرة أن سيساكو لو اكتفى بإدارة التصوير، السينماتوغرافي الرائعة في الفيلم، ومنحَ الفيلم كمشروع لغيره، لأنقذه.
القصة كما طرحتُها أعلاه، علاقة الحب القلقة بين آسيوي وإفريقية، يمكن أن تكون أساساً لفيلم حب يتوازى مضمونه مع جماليات شكله كما أتت هنا.
الفيلم، في النهاية، خرج بوصفه ميلودراما مؤسفة، لم أُرد لفيلم لعربٍّي وصل إلى المسابقة الرسمية أن يكون بهذه السطحية، خاصة أنه جاء إثر انتظار طويل بعد فيلم بديع. تترك امرأة بلدها وعريسها مهاجرة إلى الصين لتعمل في متجر شاي، تقيم علاقة مشوشة ومجتزأة، لا لأنه حال الشخصيتين بل لأن السيناريو كما قدّمه الفيلم ناقص.
لا شيء محورياً يحصل أمامنا، لا عناصر تشد السرد هنا أو ترخيه هناك. رتابة عامة تسود على طول الفيلم، تخفّف من وطأتها، نسبياً وحسب، اللقطات الجميلة، في التصوير المكثر من خلف زجاج وبانعكاساته، وتداخل الألوان الآسيوية والإفريقية في الأزياء والديكورات، بينها وبين بعضها ومع الإنارات. ما دون ذلك كان درساً أخلاقياً مباشراً وساجذاً في انفتاح الأعراق على بعضها.
أقول ذلك بأسف لأن في الفيلم عنصر بصري يستحق الثناء. لكن السينما ليست لقطات وحسب. وليس الخلل هنا في التفاوت الثقافي، لعباس كياروستامي فيلم “ياباني” أُنتج قبل ١٢ عاماً، وكذلك لفيم فيندرز العام الماضي، وكلا الفيلمين أبدع في تصوير هذا البلد وأهله من عدسةٍ خارجية أظهرت الحب على أنواعه برقّة الغريب. خلل فيلم سيساكو أتى من المقاربة التلقينية التي وقع بها الفيلم في مسألة التفاوت الثقافي وضرورة التقارب العرقي، ومن خَلاء المعنى للحوارات المرفقة، كأنه أراد ملء الصور الجميلة بأيٍّ يكن، فقط كلام وتهيؤات وكلها مفكفكة.
كأنّ الفيلم صور مسبقة أريد لها كلامٌ ما، لا حوارات مبنية تُصوَّر جيداً.