حميد دباشي: كيف ألهم الفن والأدب والسينما الوعي العالمي الفلسطيني (ترجمة)

Graffiti in Beirut depicts Palestinian poet Mahmoud Darwish in January 2014

مها زياده

كاتبة فلسطينية

اليوم، لم تعد فلسطين مجرد قضية فلسطينية. فالعالم كله له مصلحة في انتصارهم النهائي. ولا يوجد مشروع حقيقي صائب، أخلاقي أو سياسي في أي مكان في العالم دون أن تكون قضية فلسطين في صميمه. 

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

06/05/2024

تصوير: اسماء الغول

مها زياده

كاتبة فلسطينية

مها زياده

وباحثة, حاصلة على درجة الماجستير في الأدب المقارن من معهد الدوحة للدراسات العليا، مهتمة بقضايا الأدب وتحليل الصورة المرئية.

نشرت في “ميديل إيست آي” في 29 نوفمبر 2022.

دُعيتُ مؤخرًا إلى الدورة التاسعة من مهرجان أيام فلسطين السينمائية، الذي أقيم في رام الله من 1 إلى 7 نوفمبر. وبسبب قيود السفر المختلفة، لم أتمكن من السفر إلى فلسطين شخصيًا واضطررت إلى تقديم حديثي عبر زووم. 

تم إطلاق أيام فلسطين السينمائية في عام 2014، وهو المهرجان السينمائي الدولي الوحيد الذي يُقام داخل فلسطين. إنه ليس “تضامناً” مع الفلسطينيين؛ بل من قبل الفلسطينيين أنفسهم. انتشر الحَدث الذي طال انتظاره في مدن متعددة، بما في ذلك القدس ورام الله وحيفا وبيت لحم والناصرة وغزة. 

في الذكرى الأربعين لخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في عام 1982، عرض المهرجان هذا العام أفلامًا مختارة تصور هذه الفترة المهمة، إلى جانب سلسلة من حلقات النقاش التي أعادت النظر في الحدث. في الإطار الأكبر والصاخب للساحة السياسية العالمية، أُعطي القليل من الاهتمام لهذه المناسبة، ولكن بالنسبة لأولئك الملتزمين منا بالقضية الفلسطينية، كان للحدث أهمية تاريخية بالغة. 

كيف نقيس صعود القضية الفلسطينية من مجرد حركة تحرر وطني إلى وعي عالمي كبير بصدى أخلاقي وسياسي واسع النطاق؟ في عرضي التقديمي، أعدت النظر في بعض اللحظات الرئيسية والبارزة في السينما الفلسطينية والعربية، والأدب والفنون، والتفكير النقدي في تبعات أحداث بيروت في عام 1982، والتي نقلت القضية الفلسطينية جذريًا على مستوى عالمي على مدى العقود الأربعة الماضية. إنها ليست شاملة أو موسوعية بأي حال من الأحوال، لكنها تمثل شيئًا أكبر من تراكمها الجمعي. 

يمكن القول إن الصدمة التاريخية للخروج من بيروت آب/أغسطس 1982 كان لها تأثير محفز على الوعي الوطني الفلسطيني، مع تبعات اجتماعية وسياسية واضحة. لكن هذا الصعود في الوعي لم يقتصر على وعي الفلسطينيين بأنفسهم، وكان له تداعيات عالمية واسعة النطاق فيما يتعلق ببنية واتجاه القضية الفلسطينية.

صدمات تاريخية

تتكون الدراما الفلسطينية المستمرة من صدمات تاريخية متعددة، بما في ذلك النكبة عام 1948، والنكسة عام 1967، وأيلول الأسود عام 1970، وحرب أكتوبر 1973، وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في عام 1982، ومذبحة صبرا وشاتيلا التي حدثت بعد أسابيع فقط، والانتفاضتين اللتين اندلعتا في عامي 1987 و 2000. 

يمكن النظر إلى هذه الأحداث الحاسمة على أنها هزائم متتالية وتوسعات متعاقبة للقضية الفلسطينية. بدون هذه الصدمات، يمكن للمرء أن يتخيل سيناريو تظهر فيه فلسطين بعد سقوط الدولة العثمانية كواحدة من بين الدول العديدة الأخرى المجاورة لها. ولكن مع هذه الصدمات، برزت فلسطين كجرح متدفق واستعارة جامعة للنضالات العالمية الأوسع ضد الاحتلال الاستعماري وغياب العدالة. 

تشير بعض المؤشرات المهمة على مدى العقود الأربعة الماضية إلى تحول القضية الفلسطينية إلى استعارة عالمية، وهو ما يعد نعمة ومأزقًا في آنٍ واحد. إذ ساعدت هذه الأحداث على إضفاء طابع عالمي على القضية الفلسطينية، ولكنها في ذات الوقت أخرت تحررها النهائي والحاسم. 

تأمل على سبيل المثال مقال إدوارد سعيد الشهير “إذن بالرواية” (1984)، الذي يبدأ بتقرير اللجنة الدولية المكونة من ستة قضاة برئاسة شون ماك-برايد للتحقيق في مزاعم الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي خلال غزو لبنان عام 1982، ويختتم بالتماس بعيد النظر يضم الروايتين الفلسطينية واليهودية معًا في فضاء ثالث يتجاوز الهويات القبلية. 

ربما كان يمكن تقديم هذا الموقف كموقف أكثر واقعية للتخلي تمامًا عن جميع الروايات الوطنية. ولكن منذ نشره، قُرءَ المقال على نطاق واسع على أنه مقدمة نظرية لاستيعاب روايات ما بعد الاستعمار للمستلبين، الذين لم يُسمح لهم حتى الآن بأخذ مكان الصدارة. 

وبنفس القدر من الإبداع في هذه الفترة كان نص جان جينيه “أربع ساعات في شاتيلا” (1983)، والذي كان من بين أقدم روايات شهود العيان عن الفترة المباشرة التي أعقبت مذبحة صبرا وشاتيلا. وأصبحت الصور الشهيرة التي استوحاها رمزًا للإرهاب الذي ارتكبته الكتائب اللبنانية ومؤيدوها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين العُزّل: “في بعض الأحيان يغلق طفل ميت الشوارع؛ كانت صغيرة جدا، ضيقة جدا، والموتى كثيرون جدا. ربما الرائحة مألوفة لكبار السن؛ إنها لا تزعجني. ولكن كان هناك الكثير من الذباب. إن رفعت المنديل أو الجريدة العربية الموضوعة فوق الرأس، أزعجتهم. ولأنهم غضبوا من أفعالي، احتشدوا على ظهر يدي وحاولوا إطعام أنفسهم هناك”. 

لقد أصبح سرد جينيت رمزًا للوعي العالمي بالمعضلة الفلسطينية. 

إعادة تصور الرعب

ولكن لعل الصورة الأكثر شهرة لهذه الفترة كان العمل المذهل للفنان العراقي ضياء العزاوي “مذبحة صبرا وشاتيلا” (1982-1983)، الذي خلد مذبحة الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في بيروت. وبتداعي الرسومات التجريدية والمجازية معًا، أعاد العزاوي تصور أهوال قتل الفلسطينيين الأبرياء على نطاق كوني، وهو ما يذكرنا كثيرًا بلوحة بيكاسو “غيرنيكا” (1937). لقد قفزت كل من تأملات جينيت الشعرية وفن العزاوي بحالة الفلسطينيين إلى حقيقة ميتافيزيقية تقريبًا، بعيدًا عن متناول آلات الدعاية الصهيونية. 

وخلد اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي في عام 1987 إبداعه المتخيل “حنظلة”؛ الذي تم تصويره حتى الآن كشاهد قدير وعليم وموجود على تحدي ونضال الفلسطينيين. ولاحقًا، قامت المخرجة الفلسطينية الرائدة مي المصري بفلمها الوثائقي “أطفال شاتيلا” (1998) بوضع عدستها الحريصة والواثقة في خدمة أصغر ضحايا التهجير والاحتلال. 

وتميزت هذه الفترة أخيرًا بقصيدة محمود درويش الأسطورية اليوم “كيف نشفى من حب تونس”، وهي رسالة حب إلى العالم الأكبر، بدءًا من تونس التي استضافت الفلسطينيين في واحد من أصعب الفصول في تاريخهم. وكانت تلك القصيدة وحدها ذات أهمية حاسمة فيما يتعلق بوضع فلسطين في قلب حركات التحرر الوطني في جميع أنحاء العالم. 

قبل مطلع القرن، قدم إلياس خوري في كتابه “باب الشمس” (1998) انعكاسًا مستدامًا على مكان الذاكرة في التاريخ، حيث زرع الحقيقة الفلسطينية في قلب الخيال الأدبي العالمي في ضربة واحدة من الإبداع الأدبي. وكان كتاب رضوى عاشور “أطياف” (1999) حاسماً بنفس القدر في هذه اللحظة، حيث قرأنا روايتين متزامنتين؛ إحداهما أدبية والأخرى تاريخية، إحدهما لروائي والأخرى لمؤرخ، كل منهما نظيرة للأخرى، فيما يتعلق بإبادة الفلسطينيين كمركز للروايتين بين الواقعي والمتخيل. 

بين خوري وعاشور، أصبح ما نظّر له سعيد على أنه “الرواية” الفلسطينية حقيقة واقعية. 

صورة للإنسانية

لم يمض وقت طويل، حتى جعلت المؤلفة المسرحية والأديبة والكاتبة الفلسطينية الرائعة عدنية شبلي في روايتها “مساس” (2001) فتاة فلسطينية صغيرة مركز العائلة والأمة والأرض، حيث أصبحت رؤية متغيرة لكل النور والظلام، ومجمل إيقاع وصراخ أمتها، وأحداث صبرا وشاتيلا طاغية على خيالها المصاب بالصدمة. 

لاختتام حديثي في أيام فلسطين السينمائية، أشرت إلى مصور الفيديو الإيطالي ماريو ريزي وعمله الأخير “الفانوس الصغير” (2019)، الذي يروي قصة آني هوفر كنفاني، وهي امرأة دنماركية تبلغ من العمر 85 عامًا انتقلت إلى لبنان في الستينيات لتكون مع الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، ولم تترك أبدًا التزامها بالقضية الفلسطينية. وقد سُمّيَ على اسم قصة خيالية كتبها كنفاني، ويجمع الفيديو بين الحقيقة والخيال لسرد حكاية ذات رمزية خالدة. 

من الفلسطينيين إلى غيرهم من عرب، إلى عدد لا يحصى من الآخرين حول العالم، فإن نتاج هذه الأحداث البارزة وما يشابهها في الفن والأدب والتفكير النقدي هو لتمكين وإثراء حالة فلسطين لتصبح شيئًا يتجاوز حدود أهدافها المباشرة. 

إن الهدف من هذا التأمل في تاريخ النضالات الفلسطينية على مدى العقود الأربعة الماضية هو أن نعرف الإطار الدقيق لتحويل مسار نضالهم المستمر ضد اضطهاد مصيرهم إلى صورة عالمية أكبر لإنسانيتنا. 

اليوم، لم تعد فلسطين مجرد قضية فلسطينية. فالعالم كله له مصلحة في انتصارهم النهائي. ولا يوجد مشروع حقيقي صائب، أخلاقي أو سياسي في أي مكان في العالم دون أن تكون قضية فلسطين في صميمه. 

الكاتب: مها زياده

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع