في فيلمها، تستعيد البريطانية أندريا أرنولد ما يمكن تسميته اليوم بالإرث السينمائي الاجتماعي في بلدها، المتأسّس على أفلام كين لوتش ثم مايك لايه، تصوير شخصيات بحالات فقر مدقع واستخراج عوالمها وهمومها الخاصة غير المدرَكة بالضرورة لآخرين، وبموثوقية شهدنا مثيلها في هذا الفيلم.
“طَير” (Bird) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، والبديع في عناصره الثلاثة، السيناريو الواقعي، الرث بواقعية شخوصه، والصورة بكاميرا كانت لتكريس الواقعية مهتزةً محمولة على الكتف تلحق الشخصيات كأنها أخرى، والصوت، الموسيقى منه تحديداً، في انسجام للمسموع، بأعمال “إلكترو” لا تخلو من دراما صوتية.
استعاد الفيلمُ إرث التيار الاجتماعي في أوروبا، وأقواه في بريطانيا، مدمجاً إياه بالفانتازيا. نخرج، فجأة، من حقيقية الحاصل أمامنا إلى خيال بعيد، فور تحوّل مباغت لرجل إلى طير كبير، ثم إيحاءً إلى ثعلب أليف، ثم، بانتباه لاحق، إلى ذلك الغراب الذي ساعة الفتاة بيلي. قبل أن يطمئنها بأن لا تقلق وأن كل شيء سيكون على ما يرام، ما يجعل منه، الإنسان الطير، عالَماً موازياً جوانياً، أو تأمّلاً للفتاة بمَخرج “سينمائي” خيالي لحالها.
بيلي تحب الطيور، تصورها بكافة حالاتها، تعيش مع أبيها، شاب عاطل عن العمل قليل المسؤولية، يمضي الوقت مع أصدقائه، جسده مليء بالوشوم. هو، بمعزل عن التوصيف أعلاه، محب لمن حوله، ومرح. أمها تعيش في بيت آخر مع صاحبها الذي يعنّفها وبناتها، جسدياً ولفطياً. لبيلي إخوة من الطرفين، لكنها وحيدة، نلمس ذلك من كلامها وملامحها، باحثة عما لا تعرف ماهيته. فضولها يقربها من “طَير”، وهو شاب غريب الأطوار وشديد اللطف، تحاول أن تساعده في البحث عن عائلته التي عاشت مرة في حيّها.
لاحقاً سيتحول هذا اللطيف إلى طائر ينقذها وأمها من عنف شديد وقاتل، بالفانتازيا غير المقحَمة على السياق، بل التي فتح لهذا السياق الواقعي نفسيةَ المُشاهد، ليتقبّل مَخرجاً وإن غير واقعي، لواقع ظالم تعيشه الأم. هنا، وبذلك، كان للتقديم شديد الواقعية مآل خيالي، ومرحَّب به إن جاز القول. وكان أقرب لخلاص تأمّلي للفتاة من القساوة التي تعيشها. بذلك أيضاً أعطت أرنولد بفيلمها هذا بعداً جديداً للواقعية الاجتماعية البريطانية.