تعتمد أفلام السيَّر على الشخصية الرئيسية في واقعها ومشوارها المتدرج في الحياة، وللشاعر والروائي الروسي إيدوارد ليمونوف حياة صاخبة مليئة بالدراما التي أحسن المخرج الروسي كيريل سيريبرينيكوف استثمارها في فيلمه المشارك بالمسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي.
“ليمونوف: الأغنية” (Limonov: The Ballad) بدأ من الشاعر المغمور في بلده، الاتحاد السوفييتي، وصولاً به إلى اللجوء في الولايات المتحدة في السبعينيات، حتى باريس في ثم عودته إلى بلاده بعد انهيار جدار برلين. لم تخلُ حياة هذا المتمرد بكل الأشكال، من لحظات هناء أو استقرار، منعكساً ذلك على طبيعة كتابته الأدبية، في تحررها الشكلي وثورتها المضامينية، ما سبّب تعثراً في نشر أعماله، إلى أن أصبح لاحقاً أديباً بوهيمياً تماماً، يتصيده الإعلام لصراحته الفجة كلاماً وكتابة.
هرب الشاعر إلي الغرب لكن من دون أن يقبل بتسمية “المنشق”، تلك التي أطلقت على كل مثقف لاجئ من الاتحاد السوفييتي ممالئاً الغرب وحكوماته، لم تسمح له روحه المتمردة، الخضوعَ الدعائي للغرب الرأسمالي، مادحاً سماتاً اجتماعية كانت حاضرة في بلده الأم، ماراً بالشوارع في نيويورك باحثاً عمن يطلق معه ثورة على العالم كله، بمعسكريه.
يمر، في السبعينيات، بفتاتين توزعان مناشير لحزب تروتسكي في نيويورك، يقول أنا معكم ومع كل من لم يعد لديه ما يخسره فماذا أفعل؟ دعتاه إلى مظاهرة من أجل فلسطين، محذرتاه بأنها ستكون حامية، سأل: ثم ماذا؟ قالوا :اجتماع ثم مظاهرة أخرى. فابتعد غاضباً مردداً إن ثورة لا بد من اندلاعها، لا ما هو أقل من ذلك.
الفيلم كله عبارة عن امتداد لما قاله، تطبيقاً مخلصاً لرغباته الثورية، في حياة صاخبة، في تجارب متطرفة، في المجتمع وفي تصرفاته وأقواله وعلاقاته.
لم يكتف ليمونوف بتمرادته الأدبية والفكرية والحياتية، بل ابتعد في ذلك ليكون مع القرن الجديد رئيس حزب معارض، جامع بين الوطنية والشيوعية. هو بذلك، تماهى لاحقاً مع نصوصه الأدبية، سياسياً، من بعد تماهي النصوص معه هو، السابق لها، حياتياً.