حزامة حبايب تستلم جائزة نجيب محفوظ في ١١ من هذا الشهر
يمتاز أدب حزامة باتخاذه المخيمات والقضية الفلسطينية محوراً أساسياً له، ولا يمكن أن نغفل دورها في قيادة الحركة الأدبية ضد نشر أنطولوجيا للقصص القصيرة لـ كاتبات بالشرق الأوسط، حيث كان من ضمن المشاركات كاتبات إسرائيليات وعنه سحبت حزامة قصصها المشاركة بل ودعت الكاتبات العرب للمقاطعة قائلة: "لا أستطيع أن أشاطر صوتي مع كاتبتين تعكسان صوت الاحتلال البغيض“
تعلم الإدارة الأمريكية التي قرّرت مؤخراً نقل سفارتها إلى القدس، أن الغضب العربي، وربما العالمي كذلك، هو غضب وقتي وسريعاً ما سيتلاشى في خضم الأحداث المتعاقبة، وأن للشعوب العربية ذاكرة السمك، أو كما وصفها نجيب محفوظ بروايته الأشهر «أولاد حارتنا» فإن "آفة حارتنا النسيان". ولأن النسيان آفة حقيقية بإمكانها أن تأكل تواريخ الشعوب والأمم، وتلتهم ذاكرتها وماضيها وأمجادها لتتركها في النهاية فريسة سهلة المضغ بلا ماض تستند عليه أو حاضر تلجأ إليه أو مستقبل تصبو نحوه، ولعل هذا ما يعمل عليه المحتل بمنتهي الدقة والاحترافية بداية من تهويد الأراضي الفلسطينية ومن ثم تزييف التاريخ وخلق حكايات بديلة عن وطن زائف.
ولكن نسي الاحتلال، أو تناست قواته أن للحكاية قوة لا يمكن أن تهزمها أسلحة الدنيا، وأن الحكاية تتوارث كما تتوارث القضايا والهموم، وأن بالحكاية وحدها قد تحقق الأمم انتصارات، وإن اعتبرها البعض انتصارات صغيرة غير أنها فعالة، وها هي الفلسطينية حزامة حبايب تحقق انتصاراً جديداً في عقر دار عدوها الأول، بالحكاية، فلماذا الحكاية؟
تجيب صاحبة رواية «مخمل» الفائزة بجائزة نجيب محفوظ مؤخراً موضحة في خطابها بالجامعة الأمريكية: "أنا بالحكاية أرسم خريطة العودة إلى وطني، إلى بيت هناك كان لي ذات وطن.. إلى بيت هناك سيكونُ لي ذات وطن“.
والحكاية الفائزة ترصد معاناة النساء بداخل مخيم البقعة حيث حوا، البطلة الرئيسية بالنص، والتي تعاني من وحشية الأب وخنوع الأم فتجد في بيت الست قمر الشامية حصناً لها وملاذاً من عالم يعج بالكراهية. بداخل هذا البيت، تندمج في عالم الحياكة فتأسرها رائحة الأقمشة كما أسرها صوت فيروز، تكبر حوا، وتسقط في حب مراد بائع أنابيب الغاز، حب عذري يموت كما تموت الأشياء الجميلة دوماً، ليظهر بدلاً منه نظمي اللحام ويتزوج بـ حوا، نظمي نموذج للزوج المتسلط البذيء، تلجأ معه إلى الخيال أثناء المضاجعة فتنجب منه آية التي تُصاب بأمراض نفسية عدة، وقيس الكسول والعنيف والحرامي أيضاً، وكأنها تهرب من أسرة فُرضت عليها في الماضي لتقع في مظلة أسرة أخرى لا تقل عنها في السوء، وكأن حياة حوا سلسلة من الشقاء المتواصل. في النهاية تموت الست قمر وترث منها البيت والمهنة والطيبة ثم تفوز بالطلاق بعد 20 عاماً من البكاء والقهر، تستعيد حوا جمالها القديم حين تلتقي بـ منير الرجل الخمسيني الذي يبادلها العشق، يبدو أن الأمور تسير مع العاشقين إلا أن يعرف الابن -قيس- قصة عشق أمه فيقتلها!
تجسد رواية «مخمل» في لغة سردية وشعرية متفردة معاناة كل امرأة عربية وليس فلسطينية فحسب، أو كما وصفتها الكاتبة "هي رواية المرأة، عاشقة ومعشوقة، المرأة التي وإن أنهكها الضيم والمرارات وأزقة الحياة الوعرة وجبروت الرجال الذين نخرتهم هزائم التاريخ، فإنها تتقن صنع الحب وعيش الحب والموت كرمى للحب. ونساءُ مخمل قادرات على اقتناص البهجة من وسط القهر؛ وهن يشتهين الطعام والأقمشة المترفة وينتظرن رجلاً واحداً ووحيداً في فضاء عريض من البؤس والانتهاك والكبت عنوانه المخيم.“
رواية «مخمل» هي الرواية الثالثة للكاتبة وقد سبقتها «قبل أن تنام الملكة» و«أصل الهوى» بالإضافة إلى عدة مجموعات قصصية، من أشهرها: «ليل أحلى» و«الرجل الذي يتكر» و«التفاحات البعيدة».
حزامة ليست الفلسطينية الأولى التي تحصل على هذه الجائزة فقد سبقها مريد البرغوثي الذي تقاسمها مع يوسف القعيد عن كتابه «رأيت رام الله» عام 1997.
يمتاز أدب حزامة باتخاذه المخيمات والقضية الفلسطينية محوراً أساسياً له، ولا يمكن أن نغفل دورها في قيادة الحركة الأدبية ضد نشر أنطولوجيا للقصص القصيرة لـ كاتبات بالشرق الأوسط، حيث كان من ضمن المشاركات كاتبات إسرائيليات وعنه سحبت حزامة قصصها المشاركة بل ودعت الكاتبات العرب للمقاطعة قائلة: "لا أستطيع أن أشاطر صوتي مع كاتبتين تعكسان صوت الاحتلال البغيض“
تعرّف حزامة نفسها بحفل الجامعة الأمريكية قائلة: "أنا حزامة حبايب، ابنة اللاجئ الفلسطيني حامد محمد حبايب، الذي غادر قريته الفلسطينية طفلاً في السابعة، ممسكاً يد أمه، لاهياً عن مآل البلاد وناسِ البلاد، غير واعٍ أنه استحال رمزاً لأكبر نكبات العصر.. أنا حزامة حبايب إنما أستعيد البلاد وناس البلاد بالحكاية.“
أثناء إلقائها التعريف السابق لم تتمالك الكاتبة نفسها فبكت، الأمر الذي دفع الحضور للقيام احتراماً لتلك التجربة، والهتاف بـ "القدس عربية" ليعلن للعالم أجمع بأن صوت الإبداع قادر أن يخترق حصن العدو.
غير أنها تماسكت في النهاية وهي تضيف: "أنا امرأة بلا وطن. ورثتُ من أبي الفلسطيني حكايةً ناقصة عن بيت كان لنا ذات وطن، ولدتُ ونشأتُ في بيت في المنفى، بيت حاولنا أن نجعله يشبه بيتاً كان يمكن أن يكون لنا في الوطن، بيت مليء بحسّنا وحواسنا، بهمسنا، بوشوشاتنا، بضحكاتنا التي تعالقت مع عرق أكفّنا على الحوائط، بنشيجنا الخافت الذي طرّز أرق الليالي. ثم راح البيت في حربٍ، كالعادة، نحن ضحاياها الموعودون. حوائطنا تهاوت، وأشياؤنا الكثيرة التي كنا نحسبها لا غنى عنها لوجودنا ضاعت.“
فهل ضاع كل شيء فعلاً؟ تجيب صاحبة «ليل أحلى»: " شيء واحد فقط في رحلة الفقد المتتالي استبقيتُه.. شيء واحد ضننت عليه من الضياع: الحكاية! لقد كانت الحكاية هي الدليل بأني وجدت يوماً. وهي البرهان بأني عشت.. عشتُ حقاً. أنا في كل حكاية، أعود إلى وطني.. قد لا أكون منتصرة.. لكنني بالتأكيد أكون مهزومة أقل. فالمجد للحكاية، المجد كل المجدِ للحكاية"
ولكن نسي الاحتلال، أو تناست قواته أن للحكاية قوة لا يمكن أن تهزمها أسلحة الدنيا، وأن الحكاية تتوارث كما تتوارث القضايا والهموم، وأن بالحكاية وحدها قد تحقق الأمم انتصارات، وإن اعتبرها البعض انتصارات صغيرة غير أنها فعالة، وها هي الفلسطينية حزامة حبايب تحقق انتصاراً جديداً في عقر دار عدوها الأول، بالحكاية، فلماذا الحكاية؟
تجيب صاحبة رواية «مخمل» الفائزة بجائزة نجيب محفوظ مؤخراً موضحة في خطابها بالجامعة الأمريكية: "أنا بالحكاية أرسم خريطة العودة إلى وطني، إلى بيت هناك كان لي ذات وطن.. إلى بيت هناك سيكونُ لي ذات وطن“.
والحكاية الفائزة ترصد معاناة النساء بداخل مخيم البقعة حيث حوا، البطلة الرئيسية بالنص، والتي تعاني من وحشية الأب وخنوع الأم فتجد في بيت الست قمر الشامية حصناً لها وملاذاً من عالم يعج بالكراهية. بداخل هذا البيت، تندمج في عالم الحياكة فتأسرها رائحة الأقمشة كما أسرها صوت فيروز، تكبر حوا، وتسقط في حب مراد بائع أنابيب الغاز، حب عذري يموت كما تموت الأشياء الجميلة دوماً، ليظهر بدلاً منه نظمي اللحام ويتزوج بـ حوا، نظمي نموذج للزوج المتسلط البذيء، تلجأ معه إلى الخيال أثناء المضاجعة فتنجب منه آية التي تُصاب بأمراض نفسية عدة، وقيس الكسول والعنيف والحرامي أيضاً، وكأنها تهرب من أسرة فُرضت عليها في الماضي لتقع في مظلة أسرة أخرى لا تقل عنها في السوء، وكأن حياة حوا سلسلة من الشقاء المتواصل. في النهاية تموت الست قمر وترث منها البيت والمهنة والطيبة ثم تفوز بالطلاق بعد 20 عاماً من البكاء والقهر، تستعيد حوا جمالها القديم حين تلتقي بـ منير الرجل الخمسيني الذي يبادلها العشق، يبدو أن الأمور تسير مع العاشقين إلا أن يعرف الابن -قيس- قصة عشق أمه فيقتلها!
تجسد رواية «مخمل» في لغة سردية وشعرية متفردة معاناة كل امرأة عربية وليس فلسطينية فحسب، أو كما وصفتها الكاتبة "هي رواية المرأة، عاشقة ومعشوقة، المرأة التي وإن أنهكها الضيم والمرارات وأزقة الحياة الوعرة وجبروت الرجال الذين نخرتهم هزائم التاريخ، فإنها تتقن صنع الحب وعيش الحب والموت كرمى للحب. ونساءُ مخمل قادرات على اقتناص البهجة من وسط القهر؛ وهن يشتهين الطعام والأقمشة المترفة وينتظرن رجلاً واحداً ووحيداً في فضاء عريض من البؤس والانتهاك والكبت عنوانه المخيم.“
رواية «مخمل» هي الرواية الثالثة للكاتبة وقد سبقتها «قبل أن تنام الملكة» و«أصل الهوى» بالإضافة إلى عدة مجموعات قصصية، من أشهرها: «ليل أحلى» و«الرجل الذي يتكر» و«التفاحات البعيدة».
حزامة ليست الفلسطينية الأولى التي تحصل على هذه الجائزة فقد سبقها مريد البرغوثي الذي تقاسمها مع يوسف القعيد عن كتابه «رأيت رام الله» عام 1997.
يمتاز أدب حزامة باتخاذه المخيمات والقضية الفلسطينية محوراً أساسياً له، ولا يمكن أن نغفل دورها في قيادة الحركة الأدبية ضد نشر أنطولوجيا للقصص القصيرة لـ كاتبات بالشرق الأوسط، حيث كان من ضمن المشاركات كاتبات إسرائيليات وعنه سحبت حزامة قصصها المشاركة بل ودعت الكاتبات العرب للمقاطعة قائلة: "لا أستطيع أن أشاطر صوتي مع كاتبتين تعكسان صوت الاحتلال البغيض“
تعرّف حزامة نفسها بحفل الجامعة الأمريكية قائلة: "أنا حزامة حبايب، ابنة اللاجئ الفلسطيني حامد محمد حبايب، الذي غادر قريته الفلسطينية طفلاً في السابعة، ممسكاً يد أمه، لاهياً عن مآل البلاد وناسِ البلاد، غير واعٍ أنه استحال رمزاً لأكبر نكبات العصر.. أنا حزامة حبايب إنما أستعيد البلاد وناس البلاد بالحكاية.“
أثناء إلقائها التعريف السابق لم تتمالك الكاتبة نفسها فبكت، الأمر الذي دفع الحضور للقيام احتراماً لتلك التجربة، والهتاف بـ "القدس عربية" ليعلن للعالم أجمع بأن صوت الإبداع قادر أن يخترق حصن العدو.
غير أنها تماسكت في النهاية وهي تضيف: "أنا امرأة بلا وطن. ورثتُ من أبي الفلسطيني حكايةً ناقصة عن بيت كان لنا ذات وطن، ولدتُ ونشأتُ في بيت في المنفى، بيت حاولنا أن نجعله يشبه بيتاً كان يمكن أن يكون لنا في الوطن، بيت مليء بحسّنا وحواسنا، بهمسنا، بوشوشاتنا، بضحكاتنا التي تعالقت مع عرق أكفّنا على الحوائط، بنشيجنا الخافت الذي طرّز أرق الليالي. ثم راح البيت في حربٍ، كالعادة، نحن ضحاياها الموعودون. حوائطنا تهاوت، وأشياؤنا الكثيرة التي كنا نحسبها لا غنى عنها لوجودنا ضاعت.“
فهل ضاع كل شيء فعلاً؟ تجيب صاحبة «ليل أحلى»: " شيء واحد فقط في رحلة الفقد المتتالي استبقيتُه.. شيء واحد ضننت عليه من الضياع: الحكاية! لقد كانت الحكاية هي الدليل بأني وجدت يوماً. وهي البرهان بأني عشت.. عشتُ حقاً. أنا في كل حكاية، أعود إلى وطني.. قد لا أكون منتصرة.. لكنني بالتأكيد أكون مهزومة أقل. فالمجد للحكاية، المجد كل المجدِ للحكاية"