تتميز الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت بطليعيتها على الصعيدين النقابي والسياسي

"الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة": الطلّاب ركيزة وطنية

2022-04-04 00:00:00

Sliman Mansour, Mother and child, 2009

أما فيما يتعلق بالعمل النقابي، فإن نضالات الحركة الطلابية في الجامعات تلخصت في الأقساط الجامعية، وفلسفة التعليم، وديمقراطيته، وتأميم مرافق الجامعة، وتمثيل مجلس الطلبة في دوائر إدارة الجامعة وهيئاتها، واعتصامات ضد فصل بعض الطلبة بسبب نضالهم النقابي.

يمكن اعتبار دراسة "الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة"، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 2021، للباحث "أحمد حنيطي"، واحدة من الأدبيات القليلة التي تناولت الحركة الطلابية، وهي أدبيات تنظر إلى الواقع الحالي للحركة نظرة سلبية، إذ ترى أنها تفتقد إلى الدور المتوقع منها، وقد أغفلت هذه الأدبيات البنية الاجتماعية التي تعمل فيها الحركة الطلابية الحالية.

في المدخل النظري لفت الباحث إلى أنّ الأدبيات نظرت إلى الشباب على أنهم عماد التحرير من الاستعمار، من هنا يرى أن تناول الشباب كفئة متجانسة يعد أمرًا سطحيًّا وليس تحليليًّا، لأنهم يتنوعون وفقًا لبعض الاختلافات وذلك من حيث الفئة العمرية والجنس والطبقة ومستوى التعليم والموقع السكني والانتماء السياسي والتوجهات الفكرية والاجتماعية، وهذه الإشكالية هي نفسها فيما يتعلق بالطلبة، إذ نُظر إلى الحركة الطلابية ودورها المتوقع منها، باعتبارها قوى "خارقة"، الأمر الذي أدى إلى اتهامهم بالتقصير وتحمل مسؤولية الوضع الراهن في المجتمع الفلسطيني. 


الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية قبل أوسلو


انسجمت النشاطات التي نفذتها الحركة الطلابية في الجامعات مع القضايا التي تبنتها مختلف الأطر الجماهيرية، إذ ساهم الدور الوطني للجامعة في انفتاحها على المجتمع، وقد أخذت هذه النشاطات، قبل الانتفاضة الأولى طابعًا ثقافيًّا واجتماعيًّا هدفه الحفاظ على الهوية الفلسطينية. وقد حرصت الحركة الطلابية على العمل التطوعي من خلال المشاركة في قطف الزيتون، ومقاومة هدم المنازل، والتضامن مع أصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة. وساهم الاستقطاب والتنظير الحزبي داخل الجامعة، في رفع مستوى الطلبة الثقافي، وخصوصًا من خلال انتشار ظاهرة المناظرات الطلابية. 

خلال مرحلة السبعينيات، كانت قيادة الحركة الطلابية تتشكل من خلال الإطار الطلابي للحزب الشيوعي، بسبب الثقل الذي يتمتع به الحزب الشيوعي في جامعتي بيرزيت وبيت لحم، وقد كان الأكثر اهتمامًا بالعمل الجماهيري، ومع غياب المنافسين سيطرت كتلته الطلابية على مجالس الطلبة في جامعتي بيرزيت وبيت لحم، بينما اقتصر التنافس في جامعتي الخليل والنجاح إلى حد كبير على كتلة الشبيبة والكتلة الإسلامية. مع بداية الثمانينيات، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، بدأت المرحلة الثانية التي شهدت تنافسًا واستقطابًا شديدين أديا إلى مواجهات دموية بين الأطر الطلابية، وخصوصًا بين الكتل المنضوية في منظمة التحرير والكتلة الإسلامية، وبالتحديد في جامعتي بيرزيت والنجاح.

أما فيما يتعلق بالعمل النقابي، فإن نضالات الحركة الطلابية في الجامعات تلخصت في الأقساط الجامعية، وفلسفة التعليم، وديمقراطيته، وتأميم مرافق الجامعة، وتمثيل مجلس الطلبة في دوائر إدارة الجامعة وهيئاتها، واعتصامات ضد فصل بعض الطلبة بسبب نضالهم النقابي.


الحركة الطلابية في التسعينيات


يشير الباحث إلى أن اتفاقيات أوسلو أنتجت حالة التفسخ والتشرذم في المجتمع الفلسطيني، فعلى المستوى السياسي، تفسخ الجسم السياسي بين حركة "فتح" صاحبة مشروع أوسلو، وفي الجانب الآخر المعارض معظم الحركات السياسية الفلسطينية، كما أوجدت إرباكًا فيما يتعلق بموضوع الهوية، وقد عزز النهج الليبرالي الذي تبنته السلطة الفلسطينية الاندماج الاقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي، وعمّق الفردانية والثقافة الاستهلاكية، وسيطرة المصالح الشخصية على الهم الجماعي. كما ساهم في تعزيز التحول البنيوي الانتشار الكبير للمنظمات غير الحكومية التي حاولت إعادة صوغ المفاهيم الوطنية بما ينسجم مع التوجهات السياسية التي تبنتها اتفاقيات أوسلو. بذلك أدت البنية الاجتماعية التي ولدتها أوسلو إلى توسيع تناقضات الحركة الطلابية مع محيطها، وتدهور نشاطاتها وفعالياتها. 

شهد النصف الثاني من التسعينيات العديد من الممارسات التي قامت بها السلطة الفلسطينية ساهمت في تجذر التحالفات الداخلية في الحركة الطلابية، خصوصًا بعد أن حاولت فرض هيمنتها على الجامعات من خلال انخراط بعض الكوادر الطلابية في الأجهزة الأمنية، والاعتقالات المتكررة، واقتحام الجامعات، وواصلت الحركة الطلابية فعالياتها الوطنية في هذه المرحلة، إذ لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن استهداف الشعب والأرض الفلسطينيين. أما فيما يخص العمل النقابي، فقد تمكنت الحركة الطلابية من إقرار التمثيل النسبي الذي ساهم في توحيد الجسم الطلابي وتقويته، كما ناضلت ضد ارتفاع الأقساط الدراسية، وصدرت عنها بيانات تدعو فيها إلى تعزيز النهج الديمقراطي وحرية الرأي والتعبير.


الحركة الطلابية بعد سنة ٢٠٠٠


عملت الانتفاضة على توحيد الصف الفلسطيني، مما ساهم في تقليص الخلاف بين الحركة الطلابية التي انخرطت في العمل المقاوم بعدّة أشكال، منها العمل الجماهيري والعسكري والمشاركة في الفعاليات الوطنية، إلا أنّ هذه الحالة لم تستمر طويلًا، إذ أدى الانقسام بين حركتي "فتح" و "حماس" عام 2007 إلى تعميق الخلافات بين الطلبة وتراجع الحريات وارتفاع القمع تجاه الفاعلين والناشطين السياسيين من الطلبة في كلا الطرفين، والإحباط من الخطاب الرسمي الفلسطيني، وفقدان الثقة بالأحزاب، وتراجع العمل الوطني الجماهيري. 

من ناحية أخرى، تبنت السلطة الفلسطينية في أنظمتها المفاهيم الليبرالية والعولمة، الأمر الذي دفع الجامعات الفلسطينية إلى التشبيك والانفتاح على المؤسسات العالمية، وقد اتخذ هذا الانفتاح اتجاهات عديدة منها الانفتاح على الدعم المالي السياسي من المؤسسات الدولية، الأمر الذي يؤثر في فلسفتها ودورها الوطني على صعيد بناء الثقافة الوطنية لدى الطلبة، ومحاولة الجامعات فصل الحركة الطلابية عن بعدها السياسي، مثلًا، بمنع ما تسميه "مظاهر العسكرة". هذا وقد عمّق السعي نحو خصخصة الجامعات التناقض بين إدارة الجامعات والحركة الطلابية التي تنظم الفعاليات بهدف توفير المستلزمات الدراسية بأسعار مخفضة.


الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت 


تتميز الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت بكونها تعتبر طليعية على الصعيدين النقابي والسياسي، كما تستخدم الجامعة أسلوب الحوار والنقاش، مع استثناءات قليلة جدًا، في الأمور التي تختلف فيها مع الحركة الطلابية، وقد تركزت مطالب الحركة الطلابية، في معظمها، على النواحي المادية، وبشأن إضرابات الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت، تتنوع الآراء، وهو نقاش مستمر يسود الحركة الثقافية والسياسية والمؤسساتية في المجتمع الفلسطيني بصورة عامة، بيد أن الحركة الطلابية تحاول تخطي هذا النقاش، معبّرة في مواقفها عن رؤية شاملة في عملية التغيير والتحرر الوطني والنقابي.


وضع المرأة في الحركة الطلابية 


تتبنى حركة الشبيبة والكتلة الإسلامية توجهًا متقاربًا إلى حد كبير في النظرة إلى المرأة، وهي نظرة محافظة، بينما تحمل الكتل اليسارية نهجًا فكريًا متقدمًا إزاء المرأة، إذ تحرص على تمثيل المرأة في جميع مستوياتها الإدارية، وشغلت الطالبات منصب رئاسة هذه الكتل في أكثر من دورة. وتتعرض الطالبات الفاعلات في الحركة الطلابية لكثير من التحديات إذ ينظر إليهن نظرة دونية وذكورية، بسبب المرجعية الفكرية المحافظة التي تسيطر على الفاعلين فيها، كما أنهن يواجهن تغييبهن واستثنائهن من الاجتماعات والحوارات بين الكتل الطلابية.


الحركة الطلابية في قطاع غزة


تعتبر الجامعة الإسلامية أقدم جامعات القطاع، وتهيمن عليها الكتلة الإسلامية منذ تأسيسها، وتتنافس معها الكتل الطلابية جميعها إما موحّدة وإما بتحالف ثنائي أو فردي، بينما تهيمن الشبيبة الطلابية على جامعة الأزهر، وبعد سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، زادت التوترات والاشتباكات بين أنصار الحركتين، ما دفع الجامعات إلى حظر النشاطات الطلابية، لكن الظروف الاقتصادية السيئة في قطاع غزة دفعت الطلبة للالتفات حول الحركة الطلابية التي تساهم أنشطتها في تخفيف الأعباء المالية على الطلبة، والنضال ضد رفع الأقساط الذي يواجه بالقمع من "أمن الجامعات" والأجهزة الأمنية التابعة لحكومة "حماس".

وأشار الباحث إلى مسألة تشكيل جسم طلابي موحد باسم "سكرتاريا الأطر الطلابية" عام 1998، وقد أوكل إليه حل المشكلات بين مختلف الأطر الطلابية، وتخفيف حدة الصراع بين الشبيبة والكتلة، وما له علاقة بالمنح والمساعدات الطلابية. وفيما يخص وضع الطالبات في الحركة الطلابية في قطاع غزة، يقوم التعليم العالي على الفصل بين الجنسين، والتقييدات على الحريات الشخصية التي تتمثل في الصورة الشخصية للفتيات، كما تغيب الطالبات عن الحوارات والنقاشات الوطنية التي تتعلق بالانتخابات والشؤون الطلابية، وكذلك الحال مع سكرتاريا الأطر الطلابية، إذ تقتصر عضوية السكرتاريا على الذكور.