صدر حديثاً عن منشورات المتوسط في ميلانو كتاب «صور الجهاد – من تنظيم القاعدة إلى داعش» للمفكر الفلسطيني سلامة كيلة. وبعد ما يقارب الثلاثين كتاباً، فقد صدر للكاتب في السنوات الأخيرة ثلاثة كتب عن الدار ذاتها تتناول المسألة السورية هي «اليسار السوري في واقعه الراهن» و «الصراع الطبقي في سورية.. الثورة في صيرورتها» و «التراجيديا السورية.. الثورة وأعداؤها». وعن كتابه الأخير الذي تناول فيه المسألة الجهادية التي تتعدى الحالة السورية، وإن تركّزت فيها، فقد حاورت رمّان الكاتب لسؤاله بداية عن المقصود من كلمة “صورة” في العنوان، ليقول بأنّها فقط من أجل توضيح المنابع التي ينخرط منها من يُسموا “بالجهاديين”، وبالتالي لتجاوز عزو كل المنخرطين إلى منبع وحيد هو “المتشددين”، فقد كان ضرورياً الإشارة إلى أن هذه الظاهرة مركبة، متعددة، رغم أن المحرّك الفعلي هو ما تقوم به “أجهزة المخابرات”.
أما عن سبب تأليفه كتاباً عن الجهاد بعد سلسلة طويلة من الكتب عن اليسار والماركسية، قال كيلة بأنّها كتابة من أجل تفكيك ظاهرة، هي جزء من الصراع الراهن، وتلعب دوراً خطيراً من حيث موقعها الملتبس في تخريب طبيعة الصراع، والتمويه عليه، و”تبرير” تدخل إمبريالي، ووحشية نظم. لقد كان تنظيم القاعدة هو المبرر لتدخل عسكري أميركي لاحتلال أفغانستان والعراق، ولا زال هو، مع داعش، مبرر كل التدخلات الأميركية والروسية، ومدخلاً لممارسة وحشية من قبل النظم في مواجهة الحراك الشعبي. كل ذلك يفرض، وأنا أتناول البحث في الواقع، أن أبحث فيه لفهم الطبيعة الحقيقية للصراعات القائمة وكشف التمويه الذي يغطي على الصراع الحقيقي.
وعن كيفية رؤيته للجهاد، كظاهرة اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية، قال بأنها ظاهرة مركبة، حيث أن هنالك وضع يؤسس لوجود فئات مهمشة بالمعنى الاقتصادي و”الحضاري”، أدى إلى اللبرلة التي فُرضت خلال العقود الماضية، وانهيار التعليم المرافق لها، هذه الفئات هي من ينخرط في “الجهاد”، لكن هناك استخدام سياسي لها هو الذي يؤسس لوجود تنظيمات ولفاعلية هذه التنظيمات وليس الأفراد المنخرطين أنفسهم، إذ أن “اختراع” هذه الظاهرة هدف إلى إيجاد مبررات التدخل من قبل أميركا أولاً، ومن ثم دول أخرى، وأيضاً إيجاد وضع يخرِّب بيئة مقاومة هذه التدخلات، والآن يخرّب بيئة الثورات. وكذلك يمكن القول إنها ظاهرة تستخدم كجزء من صراعات دولية، ولتكون مبرراً للسيطرة. بالتالي لا شك في أن هنالك بيئة اجتماعية تسمح بوجود “جهاديين” لكن الأساس في وجودها الفعلي هو الاستخدام الإمبريالي الذي يريد تحضير “مبررات” للتدخل، وتخريب بيئة “الأعداء”.
ولا شك في أن الوهابية التي عملت السعودية على تعميمها منذ عقود تمثّل الأساس الذي تُبنى عليه هذه التنظيمات، وهي تنطلق منها لاستصدار فتاوى تبرر ما تفعل، لكن الوهابية هي ميل متطرف لفئات قروسطية، تريد فرض ما تبلور في مرحلة انهيار الدولة العربية الإسلامية،
وفي السؤال عن المقصود من عنوان الفصل الثاني من الكتاب، «هل أن الأصولية هي نتاج “طبيعي” في مجتمعاتنا؟» يقول كيلة بأنّه أراد هنا الرد على الذين يركزون على أن الإرهاب الذي تمثله هذه التنظيمات هو نتاج الإسلام، ويميلون إلى تتبع “الفتاوى” للإشارة إلى ممارساتها. ولا شك في أن الوهابية التي عملت السعودية على تعميمها منذ عقود تمثّل الأساس الذي تُبنى عليه هذه التنظيمات، وهي تنطلق منها لاستصدار فتاوى تبرر ما تفعل، لكن الوهابية هي ميل متطرف لفئات قروسطية، تريد فرض ما تبلور في مرحلة انهيار الدولة العربية الإسلامية، والذي مثّل الميل للانغلاق والتعصب، في مسار تطور الفكر الإسلامي، بعكس ما أتى به ابن رشد الذي كان منطلق التطور الأوروبي. لكن حتى هذه ليست إلا غطاءً لتكوين تشكَّل في أروقة أجهزة المخابرات، وكان يستلزم هذا الغطاء الأصولي لكي يبرر ذاته، ويستقطب بعض المهمشين والمأزومين، ويبرر القتل والتخريب والتخويف. توضيح هذا الأمر استدعى أولاً تجاوز الانطلاق من الفتاوى بل إخضاعها للأهداف السياسية، وثانياً عدم اعتبار أن المشكلة في الدين بل في الاستخدام الذي يوضع فيه من قبل أجهزة مخابرات بالأساس.
لقراءة جزء من الفصل الأول من الكتاب.. هنا
فهرس المحتويات:
مقدمة: زاوية البحث في «التنظيمات الجهادية» / رؤية مختلفة
الفصل الأول: صور الجهاديين – حول بنية وكيف تشكّلت تنظيمات القاعدة وفروعها؟
1) صور الجهاد
2) صناعة “الجهاد”
3) مقدمات صناعة الجهاد
ملحق للفصل الأول
الفصل الثاني: هل أن الأصولية هي نتاج “طبيعي” في مجتمعاتنا؟
الفصل الثالث: من تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين إلى داعش – تصوّر كورنولوجي تحليلي
الفصل الرابع: داعش في السياسة
الفصل الخامس: داعش كشركة مساهمة
خاتمة
ملحق:
1) الإسلام السياسي وطبيعة المقاومة في العراق
2) عن جبهة النصر