العلاقة والوجود لدى مهدي عامل

"Transverse Line" . للروسي واسيلي كاندنسكي

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

27/04/2017

تصوير: اسماء الغول

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

رمان الثقافية

خالد فارس*

تطرح مقالة سلامة كيلة المنشروة بتاريخ 13 أبريل 2017، اشكالية فلسفية تتعلق بمنطلقات المنهج الماركسي. تَرتكز المقالة على نقطة جوهرية تتعلق بأسبقية الوجود على الوعي. ويسوق من هذه النقطة أن العلاقة الاجتماعية هى من مخرجات الوجود، وليست هى الوجود. من هنا وقع مهدي عامل، كما يقول كيلة، فى هذه المعضلة، سبقها إليه السوفييت، وأن ماركس أيضاً كان حدسياً فى مسألة التاريخ “ماركس وهو يحاول التأكيد على أن التاريخ يتطور وفق أنماط إنتاج تقوم على نمط الاقتصاد، حيث كان يريد التمثيل على ما يقول دون أن يكون قد درس التاريخ جيداً، ولهذا غلّب حدسه… لقد انحكم فهم التاريخ بالتالي لمنظور مثالي..”.  

النقطة المركزية فى مقالة كيلة هي أنه “لا يمكن تحديد نمط الإنتاج دون البدء من وسيلة الأنتاج والعمل (قوى الانتاج) قبل تحديد الطبقات والتكوين المجتمعي”. 

محاولة البدء فى تحديد قوى الإنتاج لوحدها، أو أولاً، سوف تؤول إلى تجريد للواقع، لأن قوى الإنتاج الرأسمالى لا توجد دون سيطرة العلاقات الطبقية عليها، وثانياً، يُصبح تحديد الوجود خارج الممارسة المجتمعية، وهو مثالية، أو تَفَوّق وتَغَوّل الإبسيتيمولوجيا على الوجود. 

وفى رأينا، لا يمكن تحديد أحدهما دون تحديد الآخر، بل هى عملية تزامنية، دياليكتيكية. قوى الإنتاج هى بُنْيَة فى المجتمع، وعلاقات الإنتاج الاقتصادية هى الممارسة الاقتصادية للإنتاج والاستهلاك والتوزيع. نمط الإنتاج هو مركز الجاذبية والحقل الذى تتكون فيه كتلة المجتمع من قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج. قوى الإنتاج هي البنية تمارس سطوتها على علاقات الانتاج، وعلاقات الإنتاج تفرض تناقضاً على قوى الإنتاج، ترتد على البنية ذاتها. يَنْجم عن ذلك إنتاج أو إعادة إنتاج للبنية وللعلاقة. 

تُعَرّفْ قوى الإنتاج الاقتصادية كونها منظومة أو نظام بُنْية يتكون من قوة العمل التى يملكها الانسان (المفاهيم والإمكانات الحرفية والتقنية والعلمية التى تتكون عند الإنسان)، تتفاعل مع وسائل الانتاج (الأشياء التى سيعمل بها وعليها الإنسان من مواد خام أو من الطبيعة، وأدوات الانتاج/التكنولوجيا)

أما علاقات الإنتاج فتُعَبّرْ عن كيفية ونوعية الوجود الإنسانى فى المجتمع، فى عملية الإنتاج الاجتماعي، فى عملية تحويل الأشياء. أين موقع الانسان، أو ممارسة الفاعل الاجتماعي؟ 

لا يختلف الأمر فى السياسة والثقافة، فهناك دوماً بنية وعلاقة فى وحدة دياليتيكية. لهذا فالحديث عن البنية المجتمعية وعلاقات السيطرة، يطرح المسألة من منظور مستوياتها، وليس من نزعاتها الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية، المنفصلة إرادوياًّ.  

مَيّزَ ماركس بين مراحل التاريخ الإنسانى. ففى مرحلة ما قبل الرأسمالية (القديمة أو الإقطاعية أو القبلية) وسيلة الإنتاج كانت الأرض، لذلك كانت العلاقة مع وسيلة الإنتاج (الأرض) تتوسطها عملية احتلال أو استحواذ عليها. وذلك ما شكل مفهوم المجتمع الطبيعى أو الطبيعة هى المجتمع الذى يقوم الإنسان  بتحويله. 

يتشكل تعريف الإنسان فى العبودية أو فى الإقطاع، من حيث هو “Thing”, كونه آلة/حية (labour machine) فى العبودية، أما فى الإقطاع فالإنسان هو جزء/عنصر من الأرض/التربة. فى الحالتين، هو شيء، وليس كونه قوة عمل، هو الشيء بذاته الذى يتم تبادله واستخدامه، قوة عمله غير منفصلة عنه.  

فى الرأسمالية، أثناء إنشاء مصانع وماكينات إنتاج متعاظمة (وسيلة الإنتاج)، تزامن مع فصل الانسان عن وجوده فى الطبيعة، وأصبح وجوده الحقيقى فى المجتمع، كفاعل، فى كونه يعمل مأجوراً، الإنسان هو قوة عمله. 

لم يتحقق ذلك إلا من خلال علاقات الإنتاج للعمل المأجور (شراء قوة العمل، وليس الإنسان كما كان قديماً). تزامن نشوء هذه العلاقات مع نشوء وسائل الإنتاج والعمل المأجور. هذا التزامن هو شرط تَحَقّقْ واكتمال انفصال الإنسان عن الطبيعة، الذى لم يكن ليحدث أو يتطور (ولم يكتمل لغاية الآن)، إلا فى نشوء علاقات بين العمل المأجور ورأسمال. 

هل يمكن نشوء وسيلة الإنتاج دون علاقات الإنتاج؟ الجواب بالنفى. 

نمط الإنتاج عند ماركس هو وحدة علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج. بلغة أخرى، وحدة اتصال دياليكتيكي. فمن أجل إدراك كيفية وجود النمط، يجب النظر إلى العلاقات الطبقية (علاقات الإنتاج) ومنظومة قوى الانتاج، وحدة دياليكتيكية.   

لا يقتصر فهم تناقضات نمط الإنتاج على الاقتصاد (تجزئة المادى وبتره فى الاقتصادى/وسيلة الإنتاج الاقتصادية)، فالسياسي والثقافي هو وجود مادى أيضًا (بُنْيَة وعِلاقة). وهذه نقطة لن نفصلها هنا، ونعتقد أن عدم إدراكها جيداً، أصاب اليسار فى عقم فك معضلة البناء الفوقى والتحتي. بل أخطر من ذلك، عدم تفنيدها يثير التباساً فى مسألة علاقة الوجود والوعى.  

العلاقات الاقتصادية هى ذاتها علاقات الإنتاج المادية، والتى تشمل: رأس المال، الأجور، السلع، الأسواق، الطبقات وتبادل القيمة. الرابط بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج  تزامني، تبادلي، تعاونىي، يفرض كلاهما الآخر. علاقات الإنتاج تعتمد على قوى الإنتاج (تنظيم وسائل الإنتاج والعمل)، وبناءً على علاقات الإنتاج تتطور قوى الإنتاج. علاقات الإنتاج هى التى تستثير تناقضات عمل قوى الإنتاج، كيفية تَمَثّلْ وسيلة الإنتاج، توزيعها، تَمَلكها وتنظيمها. المجتمع هو علاقة مزدوجة (قوى مجتمعية وعلاقات مجتمعية).  

هل بالفعل أن مهدى عامل، كما يقول كيلة “وكل انطلاق من العلاقة كأساس يعني الانتقال إلى الفهم المثالى. هذا ما وقع به مهدى عامل،… حيث أصبح “الثقافوي” والسياسي هما أساس الرؤية وليس الوجود المادى… وترتفع من الاقتصادى (الذى بات متجاهلاً) إلى اأايديولوجي أو السياسي. لتصبح البنية الفوقية… هى أساس الوجود المادي، أي أساس وجود “البنية التحتية” (الاقتصاد والطبقات).”؟

ينطلق فكر مهدى عامل من مسألة مركزية وهى الممارسة فى نمط الإنتاج الرأسمالي عموماً، التي هى ممارسة طبقية اجتماعية (اقتصادية/سياسية/ثقافية). ضمن هذا المنطق: يُصْبِحْ هَمَّهُ الأكبر، كيف يمكن أن نَفْهَم ونُدْرك ونُظْهِرْ منطق البنية الكولونيالية. ففى صفحة 97 من كتابه «مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكى فى حركة التحرر الوطنى» (دار الفارابى). يقول عامل “… فى إطار الصراع الطبقي الذى يجد فى التناقض الاقتصادي المحدد أساسه المادي، إلى مختلف التناقضات الاجتماعية،… إن تطور التناقضات الاجتماعية… يتحدد كتطور للممارسات الطبقية نفسها للصراع الطبقى، حتى التناقض الاقتصادي نفسه يظهر فى تطوره كتطور للممارسة الاقتصادية للصراع الطبقي”.

لاحظ أن مسألة الممارسة (أساسها المادي)، هى الواقع والوجود، لأنه لا يوجد ممارسة خارج الوجود. فنقطة الانطلاق عند عامل، هى الممارسة، وهذه الممارسة هى طبقية لأنها علاقات رأسمالية، ولكنها أيضاً ليست موجودة خارج البنية، فهي حركة البنية، منطقها الداخلى أثناء اتصالها العلائقى، أو مع العلاقات المجتمعية. 

عندما يبدأ عامل من مسألة الممارسة، يريد أن يكتشف الرباط بين البنية والعلاقة، يريد فحص نوع الممارسة فى الواقع، لأنها هى التى تقدم الفهم العيني الملموس، عندها يستطيع “تَلمس وتشخيص” تَعّقْد العلاقة الترابطية بين مختلف المستويات. لهذا يصل إلى استنتاج حول وحدة علاقات السيطرة فى إطار بنيوي.

يقول عامل فى صفحة 57 “إن ممارسة الطبقة المسيطرة لسيطرتها الطبقية هى أن تفرض بالعنف على الصراع الطبقي للطبقات التى تسيطر عليها إطاراً بنيوياً من التطور هو إطار علاقات الإنتاج القائمة… أن تمنع هذا الصراع من أن يخرج عن الإطار البنيوي لتطوره”. 

يوظف مهدى عامل “الإطار البنيوي”، كلما أراد أن يشير إلى عملية قوى الإنتاج (تنظيم وسيلة الإنتاج والعمل)، ويستخدم العلاقات الطبقية كلما أراد أن يشير إلى علاقات الإنتاج. يريد أن يقول أن هناك عملية إكراه للإنسان للتموضع داخل الإطار البنيوي (بنية قوى الإنتاج)، شريطة أن يكون هو ذاته الصفة المُجَسِّدَة (Personification) للعلاقات الاقتصادية.  

السيطرة عند مهدى عامل هى نظام مادي (قُوى إنتاج وعلاقات إنتاج): “الطائفية هى نظام السيطرة السياسية والأيديولوجية للبرجوازية الكولونيالية”. يشير بذلك إلى أن السيطرة مادية كلية، اجتماعية (سياسية أيديولوجية واقتصادية). فهى ليست بناءً فوقياً يتحدد على أنه علاقة تسبق الوجود، بل علاقات سببية دياليكتية، تصبح فيها الطائفية نظام سيطرة شمولى (مستويات من العلاقات المجتمعية والقوى المجتمعية).  

يرفض مهدى عامل مصطلح الأيديولوجية الدينية عند الحديث عن الطائفية، لأنها لغة لا تاريخية/أنثروبولوجية تتحدث عن علاقات منفصلة أو عابرة أو سابقة للوجود. فالطائفية هى أيديولوجية البرجوازية، لأن البرجوازية مفهوم تاريخي مادي (بنية وعلاقات)، يتميز فى نمط كولونيالي.  

فى صفحة 58، بشأن الوجود، فهو اجتماعي كلي ” فالعملية الاجتماعية لإعادة الإنتاج هذه عملية اقتصادية تتحقق فى عملية الإنتاج الاجتماعى نفسها، أي على المستوى الاقتصادي فى البنية الاجتماعية… بفعل الممارسة السياسية”. 

ما يشير له هو أن العملية الاجتماعية لإعادة الإنتاج تشترط وجود قوى المجتمع الإنتاجية (وسائل الإنتاج وقوة العمل)، ولا تتحقق إلا بالممارسة التى مصدرها علاقات مجتمعية. لن يتم اكتشاف الأفكار أو تأهيلها، إلا بعد أن يتم اكتشاف حركة الوجود وهى تنتقل من مستوى إلى آخر، فى نمط الإنتاج الاجتماعي.  

عندما أفصح عن قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج فى نمط الإنتاج الكولونيالي، قدم فَتْحاً فِكْرِياًّ, لم يُعْطَ حقه عند المثقف العربى، خاصةً عندما أشار إلى الترابط بين مستويات البنية الاجتماعية ” من بنية اجتماعية إلى أخرى”، ص 192. 

أحدث مهدى عامل اختراقين في الفكر اليساري، أولاً أن السياسي ليس مجرد بناء فوقي بالمفهوم الميكانيكي، ولكنه مادىي بالمفهوم الدياليكتيكي. وهنا مسألة محورية، لم تأخذ حقها إلى الآن فى الأبحاث، وثانياً: أن مسألة الترابط بين المستويات، تُحْيي من  جديد مسألة الحركة (Motion) التى تبناها ماركس فى تحليله للرأسمالية من ناحية تاريخية. 

الوجود عند عامل هو “الوجود المسيطر”، أي الحقيقى العيني فى الممارسة. ولم يختزل الوجود في وسيلة الإنتاج الاقتصادي أو في علاقة، بل حَرَّرَ الوجود فى ديناميكية دياليكتيكية متداخلة بين مستويات الوجود الاجتماعي (الاقتصادي والسياسي والثقافي).  

لا ندعي أن جُلْ ما كتبه مهدى عامل يحمل وضوحاً تاماً بشأن البنية والعلاقة، بل يتطلب فهمه جُهْداً كبيراً، لكن وبسبب رصاصات الغدر، وَتَرَهّلْ المثقف اليساري الذى تَخَلّى عن مشروع نهضة يساري نقدي تنويري، يبقى مشروع مهدي عامل برسم  قوى التحرر الوطني والديمقراطي. 

يبقى أن نشير، دون تفصيل، إلى أن قراءة ما كتبه ماركس بمنطق أنثروبولوجي (تعميم المعنى)، مربوطاً بما كتبه بمنطق تاريخي (تمييز المعنى)، شرط لإدراك تمييز الدياليكتيك الوجودي فى التاريخ، وبغير ذلك قد نفهم ما كتبه ماركس على أنه حدس، يقود إلى مثالية.

*كاتب من فلسطين

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع