احتضنت مدينة مالمو عاصمة الجنوب السويدي، خلال الأسبوع الماضي فعاليات أيام السينما الفلسطينية التي نظمتها الجمعية الثقافية الفلسطينية بالشراكة مع مهرجان مالمو للسينما العربية في سينما بانورا، من 12 وحتى 14 من شهر أيار الحالي، كواحدة من الفعاليات الثقافية والسياسية الفلسطينية التي تحييها الجالية الفلسطينية في المدينة السويدية التي تحتضن أكبر جالية عربية في السويد، تزامناً مع إحياء الفلسطينيين حول العالم الذكرى 69 للنكبة.
وعرضت خلال ثلاثة أيام، مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، وكذلك الوثائقية، عالجت موضوعات مختلفة من واقع حياة الفلسطينيين، كما قال مصطفى قاعود مبرمج أيام السينما الفلسطينية، والذي أشار إلى أن تنظيم أيام السينما الفلسطينية جاء لأكثر من هدف في آن واحد، فهي من جهة محاولة لتكريس أيام خاصة بالسينما الفلسطينية لتصبح دورية، وأيضاً تزامن في هذه الأيام مع ذكرى النكبة وإضراب الأسرى البواسل.
وأضاف قاعود: إن اختيار الأفلام المعروضة حاول تلبية الحاجة إلى تسليط الضوء على معاناة الأسرى، فكان فيلم «ثلاثة ألاف ليلىة» للمخرجة ميّ المصري في الافتتاح، وحاجة الناس إلى بسمة وضعت «إيدول» لهاني أبو اسعد في الختام، أما «فلسطين ستريو» لرشيد مشهراوي فجاء في الوسط كتعبير عن حجم التناقضات التي يعاني منها الفلسطيني، كما اخترنا مجموعة من الافلأم الوثائقية لتلبي الأوجه المختلفة من حياة الفلسطينين فكان لشريحة مهمشة هي شريحة الصم حضور مع فيلم «أقوى من الكلام»، وحضرت الهجرة الجديدة لفلسطيني سوريا بفيلم «بيروت مولهولاند» لفجر يعقوب، كما حضرت معاناة أطفال غزة تحت الحصار في «رسالة إلى أوباما»، ولم يغب موثّق السينما الفلسطينية الناقد بشار ابراهيم عن “الأيام” رغم أن الموت قد اختطفه من بيننا.
ليلة الافتتاح:
أفتحت الأيام السينمائية عروضها بفيلم «3000 ليلة» للمخرجة ميّ المصري، وتلى عرضه مناقشة مع الناقد والمخرج الفلسطيني فجر يعقوب عن تجربة ميّ المصري التي تابعها فجر منذ بداياتها مع زوجها المخرج اللبناني جان شمعون، ووثق جزءًا من متابعته في كتابين «مندوبة الأحلام: سينما ميّ المصري 2005» و«الرجل المهرجان/ جان شمعون2007». كما شهدت الحضور الكبير افتتاح معرض تشكيلي للفنانيّن مأمون الشايب ويحيى عشماوي، استمر طيلة أيام الفعاليات، بالإضافة لبازار للتراث والفلكلور.
بعد ظهر اليوم الثاني بدأت الفعاليات بندوة “سينما المرأة ودورها في المجتمع الفلسطيني”، وتحدث فيها المخرج فجر يعقوب عن المرأة في السينما الفلسطينية، وتطور دورها لصانعة أفلام ومصورة ومطوِّرة في السينما الفلسطينية الحديثة.
بينما تحدثت المخرجة خديجة حباشنة “أبو علي” القادمة من الأردن، عن تجربتها في سينما السبعينيات والثمانينيات، التي كان زوجها المخرج الفلسطيني الراحل مصطفى أبو علي أحد مؤسسيها في نهاية الستينيات، وتحدثت عن تجربة مميزة في تلك المرحلة عن خريجة المعهد العالي للسينما في القاهرة في الستينيات، سلاف جاد الله التي بدأت عام 1967، بالتقاط صور للثورة الفلسطينية خاصة بشهداء الثورة، وتحميضها وحفظها في بيتها، ونجحت بعدها بعام بمشاركة مصطفى أبو علي وهاني جوهرية بتأسيس قسم التصوير الفوتوغرافي التابع لحركة فتح، وكان مقره العاصمة الأردنية، بهدف توثيق الأحداث المتعلقة بالثورة الفلسطينية وتقديم الخدمات للصحافة، رغم ذلك فقد صوروا أفلاماً بالكاميرات التي كانت بين أيديهم، بالإضافة لتوثيق الأحداث من اجتماعات ومظاهرات ونشاطات اجتماعية وسياسية، وبذلك بدأت وحدة السينما داخل قسم التصوير، وقد أعيد تسمية هذه الوحدة لاحقاً لتصير وحدة أفلام فلسطين.
كما تحدثت الفنانة نسرين فاعور من خضم تجربتها الخاصة عن الفنانين الفلسطينيين في مناطق الـ 48 المحتلة، والمقاطعة والإقصاء الذي يواجهون من المهرجانات العربية، وإغلاق الأبواب في وجوههم بسبب حملهم لجواز السفر الإسرائيلي الذي فرضه الاحتلال على المواطنين الفلسطينيين الذين صمدوا في أراضيهم بعد النكبة، وأصبح يشكل عائقاً بالنسبة لهم بالتواصل مع محيطهم العربي ومع السينما العربية، وعمّق من عزلتهم على مدى السنوات الماضية، مشيرةً لما حدث معها في مهرجان القاهرة الذي حرمت فيه من دعوة حضور المهرجان بسبب جواز سفرها، رغم أن الفيلم الذي شاركت فيه حاز على جائزتي أفضل سيناريو وأفضل فيلم.
وتحدثت المخرجة وفاء جميل عن السينما الفلسطينية ما بعد عام 2000، وهي المرحلة التي تنتمي لها وفاء، المولودة في مخيم الشاطئ في قطاع غزة، والمقيمة حالياً في العاصمة السويدية ستوكهولم.
وقد تلا الندوة عرض لفيلم وفاء الوثائقي «قهوة لكل الأمم» الذي يتتبع رحلة حياة عبد الفتاح الذي تم تهجير أسرته عام 1948، عن قريته الولجة إلى مخيم الدهيشة، والذي لم يتوان طوال 22 عاماً عن الوصول إلى هذه الأرض، ومحاولة زراعتها، حتى جاءته فكرة تحويل كهف كنعاني عمره آلاف السنين، إلى مقهى يزوره الناس من مختلف البلاد والجنسيات، في حالة بحث عن السلام بين البشر بمختلف معتقداتهم وأعراقهم وجنسياتهم، حول فنجان قهوة على أرض مهددة بالمصادرة بحجة كونها منطقة عسكرية.
تبعه عرض فيلم تسلق الأمل للمخرجة أمل اليعقوبي، الذي يوثق رحلة شابين فلسطينيين فقدا ساقيهما، ويقومان برحلة لتسلق جبل كلمنجارو في تنزانيا.
كما عرضت مجموعة أفلام قصيرة أخرى، فيلم «السلام عليك يا مريم» لباسل خليل، فيلم «آفي ماريا» لرمزي مقدسي، فيلم «منشر غسيلو» للمخرجتين عالية الدسوقي وأريج سلامة، فيلم «إليا» للمخرج سميح سالم، فيلم «كابوس غزة» للمخرج سامر القطاع، وفيلم «رسالة إلى أوباما» للمخرج مهند صلاحات.
وفي ختام اليوم عرض الفيلم الروائي الطويل «فلسطين ستيريو» للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، حيث يروي الفيلم قصة الشقيقين ميلاد وسامي اللذين يقرران العمل على تأجير معدات الصوت لجميع المناسبات السعيدة والحزينة في فلسطين، كوَسيلة سهلة لتوفير المال بهدف الهجرة من مخيم جنين إلى كندا، حيث فقد الأخ الأكبر ميلاد زوجته جراء القصف الإسرائيلي لمنزل عائلته، ما دفعه إلى التفكير في الهجرة، بينما فقد سامي حاستَي السمع والنطق جراء القصف نفسه، وألغى مشروع الزواج من حبيبة طفولته ليلى، ليضمن استمرارية مشروع الهجرة. تلا عرض الفيلم حوار مع الفنان الفلسطيني المقيم في هولندا صلاح حنون، الشخصية الرئيسية بالفيلم.
أما اليوم الثالث فبدأ بندوة استذكار للناقد والكاتب الفلسطيني الراحل بشار إبراهيم ودوره في حفظ وأرشفة السينما الفلسطينية، وتحدث فيها أصدقاء الراحل، محمد قبلاوي مدير مهرجان مالمو للسينما العربية، المخرجة وفاء جميل، المخرج فجر يعقوب، المخرج مهند صلاحات، وأدارها المخرج مصطفى قاعود. سبق الندوة عرض فيلم عن حياة الراحل «بشار إبراهيم حارس السينما الفلسطينية» للمخرجة امتياز مغربي.
كما تلا الندوة عرض للفيلم الوثائقي أقوى من الكلام للمخرج مصطفى نبيه، والذي يتتبع فيه قصص مجموعة من الصم في قطاع غزة خلال أيام الحرب الأخيرة. كما عرض الفيلم الوثائقي «الطريق إلى بيروت مولهولاند» للمخرج فرج يعقوب تلاه نقاشٌ مع المخرج.
وكان الختام مع الفيلم الروائي الطويل للمخرج هاني أبو أسعد، «محبوب العرب» والذي يروي قصة حياة المغني الفلسطيني محمد عساف الذي خرج من قطاع غزة رغم الحصار ليتقدم لمسابقة أراب أيدول ويفوز فيها. تلا عرض الفيلم فعاليات الختام حيث قام مدير المهرجان يحيى أبو وطفة بتكريم للعاملين على تنظيم الأيام السينمائية، وللضيوف.