هذا العام وصلتني عدة رسائل من أصدقاء مخرجين ومنتجين عرب يرغبون في خوض تجربة الإنتاج المشترك من خلال سوق مهرجان مالمو السينمائي وطرحوا العديد من الأسئلة التي رأيت أن هذا الحديث مع مدير المهرجان يمكنه أن يجيب عليها من خلال حديثه عن طبيعة السوق وشرح آليته وطريقة عمله وما يقدموه كسوق سينمائي للمنتج والمخرج العربي لتحقيق شرط الإنتاج المشترك والحصول على الدعم.
يتحدث المخرج محمد قبلاوي عن بدء العمل على فكرة السوق بقوله: انطلق سوق مهرجان مالمو السينمائي في الدورة الخامسة للمهرجان عام 2015، عندما رأت إدارة مهرجان مالمو للسينما العربية أنه قد ترسّخ كمهرجان سينمائي، واستطاع خلال الأربع دورات أن يعرض في السويد سنوياً ما بين 100 و 120 فيلماً عربياً ما بين وثائقي وروائي طويل وقصير، وأصبح كذلك مستشاراً للسينما العربية، ليس سويدياً فقط بل اسكندنافياً، تعود إليه المؤسسات والشركات الدنماركية والفنلندية والآيسلندية في كل ما يخص عروض الأفلام العربية، ولذلك لا بد من تطويره باتجاه يجعله أكثر من مهرجان لعرض الأفلام العربية في السويد.
فجاءت الخطوة التالية في تطويره في الدورة الخامسة للمهرجان، لينتقل من مرحلة ما بعد عرض الفيلم العربي وترويجه، إلى مرحلة دعم إنتاجه، وهذا جاء متزامناً مع موجات الهجرات العربية لاسكندنافيا ومنهم كثير من الفنانين وصناع الأفلام والصحافيين، وصار الجمهور العربي وكذلك الاسكندنافي، يبحث أكثر عن الفنون من دول القادمين الجدد لسماع قصص جديدة، فانتقلنا من مرحلة استضافة الأفلام في المهرجان وعرضها في المدن السويدية، إلى مرحلة دعم صناعة السينما عبر تحقيق الإنتاج العربي السويدي المشترك، الذي نؤمن أنه يحملنا للبحث عن قصص جديدة أكثر تنوعاً، تضخّ دماءً جديدة للسينما العربية والإسكندنافية وتغنيهما، وتخلق هذا التلاقح بين ثقافتين أو عالمين مختلفين، لإنتاج قصص جديدة مشتركة.
دعم لتطوير الأفلام
وعن مصادر هذا الدعم لصناعة الأفلام وقيمة جوائزه، يقول قبلاوي: بعد نقاش في هذا الموضوع مع المعهد السويدي للأفلام ومؤسسة فيلم سكونة، بدأنا العمل على مشروع السوق، الذي كان شرط نجاحه؛ وجود صندوق لدعم أفلام الإنتاج المشترك، حتى لو في مرحلة التطوير في المرحلة الأولى، وبعد عام كامل من النقاشات، أقنعنا شركاءنا الداعمين بإيجاد هذا الصندوق من خلال السوق السينمائي في المهرجان، ليدعم أفلاماً طويلة وقصيرة، ووثائقية في مرحلة التطوير، بمبالغ مالية ليست بالكبيرة، تصل تقريباً إلى 17 ألف يورو للفيلم الطويل، 6 آلاف يورو للفيلم الوثائقي، 3200 يورو للفيلم القصير في مرحلة ما قبل الإنتاج. ولاحقاً استجد لدينا آلية دعم الأفلام الوثائقية في مرحلة ما بعد الإنتاج، ليس مادياً إنما من خلال تقديم خدمات ما بعد الإنتاج مثل المونتاج، تصحيح الألوان، هندسة الصوت وغيرها، أو من خلال إيجاد جوائز تقدمها الشركات والمؤسسات السويدية.
هذا كان يتطلب جهداً كبيراً لتحقيقه، وبدأنا نرسم ملامح هذا السوق وخصوصيته لمهرجان مالمو، الذي لا يعد كبيراً بمفهوم المهرجان السينمائي الضخم، إنما بالنسبة للمقاطعة الأكبر في جنوب السويد “سكونة” التي تضم 18 مدينة صغيرة، يعد أكبر حدث سينمائي سنوي، وحاولنا الاستفادة من تجارب الأسواق السينمائية العالمية، فيما يمكن أن يجعل من السوق ملتقى دولي حقيقي يجمع صنّاع الأفلام الاسكندنافيين والعرب ليحققوا شراكات إنتاج. وكذلك دعوة صناديق دعم الإنتاج في شمال أوروبا، وأيضاً العربية المهمة مثل “معهد الدوحة للأفلام”، “إنجاز” التابع لمهرجان دبي، صندوق “آفاق” للثقافة والفنون، سابقاً شارك “سند” التابع لمهرجان أبو ظبي، وغيرها، ليكون السوق ملتقى يجمع هؤلاء لتحقيق كل الظروف الملائمة لإنتاج سينما مشتركة.
وعما يميز سوق “أفلام مهرجان مالمو” عن غيره من أسواق الأفلام العربية والعالمية، يقول قبلاوي: إن ما يميزه هو أن الحاضرين فيه هم غالباً ذات الأشخاص الذين تراهم في المهرجانات الكبرى مثل مهرجاني كان وبرلين، ولكن فرصة اللقاء بهم ضئيلة، وهو ما نجحنا في تحقيقه في مالمو بأن يكون السوق السينمائي وقاعة الطعام في نفس الفندق الذي يقيم فيه المشاركون سواء ممثلي صناديق الدعم أو المنتجين أو المخرجين، بالتالي فرصة لقاء صناع الأفلام والمنتجين لأكثر من مرة ومع أكثر من شخص تصبح أسهل بكثير، فمن لم يتمكن مثلاً من مقابلة منتج أو ممثل لأحد الصناديق في وقت السوق يمكنه مقابلته وقت الإفطار أو الغداء أو في المساء، وهو ما يصعب تحقيقه في مهرجانات كبرى.
تجارب نجاح للإنتاج المشترك
وعن نتائج هذا السوق بعد دورتين من عقده، يشير قبلاوي إلى فيلم «على كف عفريت» (Beauty and the Dogs) للمنتج التونسي حبيب عطية وبشراكة إنتاج مع شركة “لايكا فيلم” السويدية، موضحاً أن السوق أتاح لهم فرصة التواصل والتعرف ببعضهم وعرض مشروعهم في السوق، وبالنتيجة ساعدتهم جائزة دعم التطوير الصغيرة (17 ألف يورو) التي فازوا بها، في الوصول لإنتاج مشترك حيث استطاعت “لايكا” الحصول على دعم للإنتاج من “المعهد السويدي للأفلام” ومؤسسة “أفلام في الغرب”، وأيضاً استطاعوا التواصل مع مؤسسة “الدوحة للأفلام” وحصلوا على دعم منها، والمحصلة النهائية كان فيلماً بجودة عالمية استطاع المنافسة في مهرجانات كبرى مثل دخوله مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان “كان” الدولي للأفلام هذا العام.
لا يحقق دعم صندوق “سوق مهرجان مالمو” الشراكة المادية فقط بالأفلام، بل يسعى لتحقيق شرط الشراكة الإنتاجية الحقيقية، وهو اشتراط فني يقضي في حال الحصول على دعم في مرحلة الإنتاج، يجب أن تذهب ما قد يصل إلى 60% من هذا الدعم -بحسب بعض المؤسسات- لسويديين عاملين بالفيلم، ما يفرض على المنتج العربي الاستعانة بجزء من طاقم الإنتاج من السويديين، الأمر الذي يقول محمد قبلاوي أنه حاول في البداية إسقاط شرط المنتج المشارك السويدي للحصول على الدعم، لكن الداعمين أقنعوه بالنظر للجانب الإيجابي في الأمر، فرغم أنه يقلل من فرص من يحاولون التقدم، لكنه يعطي نتائج أفضل حين تتحقق الشراكة، فتصبح تمازج خبرات. ويضيف: ربما هذه المرة الأولى التي يكون فيها مدير التصوير و(الستادي كام) في فيلم عربي هم سويديون، ربما هذه من أوائل التجارب المشتركة الكبيرة على مستوى الإنتاج.
«على كف عفريت» في الصالات السويدية
ويكشف قبلاوي لأول مرة أنه تحدد موعد عرض الافتتاح السويدي لفيلم على كف عفريت في الثامن من ديسمبر القادم، وهو الأمر الذي كان متعاقداً عليه من قبل أن يُنتج مع شركة توزيع سويدية اسمها “فولكتس بيو”، لتوزعه في صالات السينما في كل أنحاء السويد كأحد شروط الحصول على الدعم في مرحلة الإنتاج، الأمر الذي لا يخدم فقط في تسويق الأفلام العربية تجارياً بالسويد، بل ينقل خبرة تسويق الأفلام السويدية إلى السوق العربية ويمنح الأفلام فرص العرض التجاري عربياً كذلك.
وينقل قبلاوي عن حبيب عطية حين التقاه في مهرجان “كان” عن انطباعه عن النجاح الذي حققه الفيلم، بأنه لن يقبل بأن ينتج فيلماً جديداً دون وجود مدير تصوير سويدي، المتعة التي عشناها مع السويديين في طاقم عملنا والنتيجة التي خرجنا بها على مستوى الصورة تجعلنا ندرك أهمية العمل المشترك.
آلية التقديم لدعم الإنتاج المشترك
يشرح قبلاوي آلية التقديم للاستفادة من الدعم، بأن أول الشروط الأساسية وجود شريك إنتاج سويدي، والشريك السويدي ممكن أن يكون شخصاً أو شركة أو جمعية، موضحاً أن في السويد عدة أنظمة للشركات، مثل الشركات الفردية لشخص واحد، الشركات المساهمة وغيرها.
وعن كيفية التواصل مع منتج مشارك سويدي، بالنسبة للمنتجين العرب، يقول: حين تخطط كسينمائي بالحصول على دعم إنتاج مشترك، فتبدأ تفكر بالمنتج الشريك الذي ستبحث عنه بداية في المهرجانات والملتقيات السينمائية التي تشارك بها، تعود لعناوينك القديمة وعن الأشخاص الذين التقيتهم في مناسبات سابقة ربما يكون أحدهم سويدياً، وفي حال تعذرت في الوصول لها المنتج الشريك من خلال معارفك، فيمكن طلب قائمة بعددٍ لا بأس به من المنتجين السويديين، عبر التواصل باللغة الإنجليزية مع إدارة السوق الموجودة عناوينهم على صفحة الدعم على موقع المهرجان، أو لمديرة السوق مباشرة ليسا أندرشون.
من يقدم المشروع للدعم؟
بعد الحصول على موافقة أحد المنتجين السويديين بالشراكة على المشروع، يقوم إما المنتج السويدي أو العربي بتقديم المشروع رسمياً للسوق. العام الماضي تقدم لنا للسوق 88 مشروعاً، عرضناها على لجنة خاصة لتقوم باختيار ما بين 10 و 15مشروع فيلم عن كل فئة فيلم، تعرض بعدها لجنة ثانية تحوي ممثلاً من مهرجان مالمو، ممثلاً عن مقدمة هذه الجائزة.
في المرحلة الثانية، في فئة الفيلم الطويل، الذي يدعم جائزته المعهد السويدي للأفلام، تقوم لجنة مشكّلة من المعهد السويدي ومهرجان مالمو باختيار خمسة مشاريع، وتقوم بدعوة المنتج والمخرج لعرض مشاريع أفلامهم أمام لجنة ثالثة حيادية تتشكّل عادة من مختصين عرب وسويديين. وعن فئة الفيلم القصير والوثائقي، فتقوم لجنة من فيلم سكونة ومهرجان مالمو باختيار 3 مشاريع أفلام عن كل فئة ودعوة المنتج والمخرج لعرض مشاريعهم.
ويضيف قبلاوي: بالنسبة لنا المشاريع التي اجتازت هذه اللجان ووصلت لمرحلة تقديمها النهائية أمام لجنة منح جوائز التطوير، سواء المشروع الذي فاز بالجائزة النهائية أو المشاريع التي لم تفز، كلها فازت بتحقيق الخطوة الأولى في الشراكة الإنتاجية، فكل هذه المشاريع حققت الشروط الكافية لتؤهلها على الحصول على دعم إنتاج من مؤسسات دعم الأفلام السويدية حتى من غير المشاركة في السوق، تبقى خطوة إعادة التقديم من خلال الشريك السويدي على الدعم لكافة مراحل الإنتاج. ولأنه برأينا هذه المشاريع الخمسة التي اخترناها مع شركائنا الداعمين، ودعوناها لتقديم مشاريعها فهذا يعني أن هذه المشاريع الخمسة فائزة، وسنسعى في السنوات القادمة لزيادة عدد الجوائز.
الفكرة من تقديم الطلب ليس الحصول على جائزة التطوير الصغيرة من سوق مالمو، إنما تحقيق شروط الإنتاج المشترك، وبعد تحقيق الشراكة يبقى أمام المتقدم 365 يوم ليقدم وشريكه السويدي على طلبات لدعم الإنتاج في كل مراحله. وما لا تعرفه الناس أن المتقدم لطلب الدعم في السويد ممن له شريك سويدي فرصته للحصول على الدعم أكبر بكثير من فرصة السويدي حين يقدم منفرداً، حيث أن هنالك ميزانيتين مختلفتين لدعم الأفلام في السويد: صندوق لدعم أفلام الإنتاج السويدي المشترك وصندوق للإنتاج السويدي فقط. وفي حال تقدم السويدي في طلب للدعم فإنه سينافس مع 3500 منتج آخرين للحصول على الدعم، لكن حين تكون أجنبياً ولديك شريك سويدي فأنت تنافس 1 من خمسة فقط، وفي بعض السنوات لا يتقدم أحد لطلب الدعم للإنتاج المشترك.
اشتراك بلا رسوم
يوضح قبلاوي بأن ليس هنالك أي سوم مالية لتسجيل الأفلام في السوق السينمائي، والمشاريع التي تفوز يدعى منتجها ومخرجها على حساب السوق الذي يغطي تذاكر سفرهم وإقاماتهم، أما إن كان هنالك شخص مهتم بالحضور للسوق أو للمهرجان بشكل فردي، ففي هذه الحالة يدفع فقط رسوم 90 يورو مقابل حضور جلسات السوق وكذلك أفلام المهرجان، ونحن نساعده في حجز الإقامة في الأوتيل مع ضيوف السوق والمهرجان إذا احتاج لذلك.
تمديد موعد تقديم الطلبات
وأخيراً، فقد أعلن السوق السينمائي لمهرجان مالمو للأفلام العربية تمديد فترة تقديم طلبات الدعم حتى 15 أب أغسطس الحالي، بعد أن كان من المفترض أن تغلق أبواب قبول الطلبات في نهاية الشهر الحالي يوليو تموز. معللاً سبب التمديد بوقوع بمشكلة الإجازات الصيفية، حيث عانى الكثير من المتقدمين من عدم إمكانية التواصل مع المنتجين السويديين بسبب وجودهم في إجازاتهم الصيفية، فقرروا التمديد لخمسة عشر يوماً أخرى.