القابلة والقطة والشياطين
اشتهرت عائلة يهودية في زاخو بثروتها. قيل إنها قد ورثتها عن جدّةٍ لها كانت قابلة.
ذات ليلة، كان الإرهاق قد نال من القابلة عند عودتها إلى البيت بعد يوم حافل بالولادات. ولما شارفت على النوم رأت أمام سريرها قطّة حمراء الوبر، تتمهّل في مشيتها، حبلى وقد اقتربت ساعة ولادتها. فملكت هذه القطة الجميلة قلبها، وتمنّت على الفور هذه الأمنية: “ليتني قابلة هذه القطة”، ثم نامت.
بعد بضع دقائق، أيقظها رجلان طلبا منها أن تتبعهما. وحينما سألت: “لماذا؟” أجاباها: “لقد تمنيتِ أمنية منذ لحظات- ونودّ تحقيقها لكِ“.
فخرجت معهما، وسافروا معاً مسافة طويلة في عربة تجرّها عنزتان، حتى بلغوا جسراً حجرياً. ثم رأت احتفالاً كبيراً، وجموع الراقصين ترقص حول امرأة في غاية الجمال ومقبلة على الولادة. فأجلسوها على الفور إلى جوار تلك المرأة وطلبوا منها الاهتمام بتوليدها.
أثناء انهماكها بالتحضيرات، تناهى إليها ترنيم الراقصات: “إذا كان المولود صبياً فسنعطيها هدايا فاخرة؛ إما إذا كانت بنتاً، فجزاؤها الموت”. ففهمت القابلة إنها المقصودة بالموت. لحسن طالعها، أنجبت الشيطانة صبياً، وكان فرح الشياطين عظيماً.
شيء واحد أذهل القابلة، فقد تعرّفت في ثيابِ الراقصين إلى ثياب عائلتها هي. كانت تعرف تلك الثياب جيداً فلطّختها بالدم لتتيقّن مما رأت، بحيث يتسنّى لها أن تتفحّصها عند عودتها إلى البيت.
ولما انتهى الاحتفال، طلبت منهم إرجاعها إلى البيت، فأرجعوها، وكانت الهدايا التي أعطوها إياها حزمة من البصل والثوم. بالطبع، كانت خيبة كبرى، ولكنها لم تتجرّأ على طرح أي أسئلة أو المطالبة بهدية أخرى بديلة. وعلى الطريق إلى البيت، راحت ترمي الثوم والبصل، حبة تلو أخرى.
وعند وصولها إلى البيت، كان كل ما تبقّى معها هو بصلة واحدة، فألقتها على أرض الصالون. في الصباح التالي، عندما نهضت من سريرها ودخلت الصالون، ذهلت بأن البصلة قد تحوّلت إلى ذهب، وأدركت أيّ خطأ جسيم قد ارتكبت عند رميها بقية الثوم والبصل. ومع ذلك، فقد عادت البصلة الوحيدة المتبقّية بثروة طائلة على هذه العائلة، وعاشوا مرفّهين طوال سنين كثيرة.
كما تفقّدت القابلة ثيابَ عائلتها لتكتشف إنها ملطخة بالدم حقاً، اللطخات نفسها من دم الشيطان المولود. وهذا يبيّن أن الشياطين ترتدي ثيابنا عندما نغطّ في نوم عميق.
الفقير والثعبان
كان هناك رجل شديد الفقر معدوم الحظ. كان ينتقل من مكانٍ لآخر بحثاً عن عمل، وكل الذين قصدهم رفضوه دائماً: “مَن أنت؟ ليس لدينا عمل من أجلك. انصرفْ من هنا“.
وذات يوم، حين عدِم حتى كسرة خبز يسدّ بها رمقه، اشتدّ عليه اليأس فقال: “آه يا ربّ، أي حياة هي حياتي هذه؟ أي خطأ اقترفت؟” فغادر البلدة، وجلس في مكانٍ موحش، وشرع بالبكاء. وبعد أن بكى بعض الوقت، أخرج من جيبه ناياً مصنوعاً من القصب وبدأ بالعزف. فالناس في كردستان معتادون على عزف هذه الموسيقى في السرّاء والضرّاء على حدٍ سواء.
ولدى سماعه صوت الناي، أطلّ ثعبان من جحره، فأنصت ثم بدأ يرقص. ولما تعب الثعبان من كثرة الرقص عاد إلى جحره، وبعد حوالي خمس دقائق خرج من جديد وفي فمه ألماسة. وضع الألماسة على الأرض إلى جوار الرجل الفقير وعاد إلى جحره.
أخذ الرجل الألماسة معه إلى البيت، وهو يعلم إنها شيء ثمين، فقصد صائغاً وباعه إياها. بالنقود التي تقاضاها لقاء ثمنها، اشترى أغراضاً لبيته: طعاماً وشراباً وخزائن وطاولات وكراسيَ وأسرّةً وثيرة. كان يذهب كل يوم ليعزف على الناي أمام الثعبان، وكان الثعبان يعطيه بالمقابل ألماسة كل يوم.
وذات يوم قال الرجل لابنه: “اذهب أنت اليوم إلى المكان الفلاني، واعزف على الناي حتى ترى ثعباناً يخرج من جحره ويرقص. دعه يرقص حتى يتعب. عندئذ سيذهب ويحضر لك ألماسة. خذ الألماسة، وإياك أن تلمس الثعبان، ثم عُدْ إلي. اعتباراً من هذا اليوم، أنت مَن سيعزف للثعبان كلّ يوم، وسيكون الألماس من نصيبك“.
قال الابن: “حسناً يا أبي”. أخذ الناي وانصرف. وحين عزف على الناي رأى الثعبان إنه ليس الرجل نفسه، ولكنه فكر في نفسه: “لا بد إن هذا الشاب هو ابن الرجل الفقير، ولا بد أن أباه قد أرسله“.
وهكذا رقص الثعبان حتى تعب، ثم عاد إلى جحره وأحضر الألماسة. عاد الابن بالألماسة إلى البيت، فقال له أبوه: “أحسنتَ صنعاً. ستذهب إلى هناك كلّ يوم وتعزف على الناي“.
ولكن الابن فكّر في نفسه: “ولماذا يجب عليّ الذهاب إلى هناك كل يوم؟” وفي اليوم التالي، عندما فرغ الثعبان من الرقص وأحضر الألماسة، أمسك الابن بذيله، فانقضّ عليه الثعبان من الفور وقتله.
رسالة إلى الله
عاش في إحدى المدن رجل فقير مدقع الفقر. وعند اقتراب عيد الفصح اليهودي، لم يكن لدى الرجل الفقير طعام ولا ثياب لأطفاله الذين كانوا يرتدون الأسمال. كان يفكر، حائراً في أمر نفسه: “ماذا سأفعل؟” ثم قرّر أخيراً، “سأكتب رسالة إلى الله، وأسأله أن يمدّني بكل ما أحتاج إليه في هذا العيد“.
وهكذا كتب الفقير رسالته، ذاكراً فيها كل الأشياء التي كانوا يحتاجونها هو وعائلته، ثم طيّرها في الهواء، واثقاً في قرارة قلبه من أن رسالته ستجد طريقها إلى السماوات.
طارت الرسالة على جناح الريح حتى حطّت بالقرب من قصر الملك وعثر عليها الوزير، فقرأ محتوياتها، وتساءل: “من ذا الذي يرسل رسالة إلى الله؟” فأخذ الرسالة وأطلع الملكَ عليها. قرأها الملك وقال: “قطعاً، كان اليهوديّ يفكر بالإله على الأرض، أي بي أنا، الملك”. كان سروره عظيماً لأن اليهودي قد سمّاه الله.
وماذا فعل الملك يا تُرى؟ ملأ عربة بأطايب الأشياء من أجل عيد الفصح، ضعف ما طلبه اليهوديّ، ووصلت العربة الطافحة بالمؤن والثياب إلى باب الرجل الفقير في اللحظة المناسبة. فاحتفل مع عائلته بالعيد على نحو لائق تلك السنة، وابتهجوا به كما لم يبتهجوا قط من قبل. هذا جزاء مَن يثق بالله.
ملاحظات
الحكاية الأولى:
لهذه الحكاية روايات مختلفة، فتُروى في ديار بكر [آمد] باختلافاتٍ بيّنة: القطة المذكورة سوداء ضخمة، وتصادفها القابلة بالقرب من بئر. الجسر الحجري كل حجر فيه عشرة أمتار مربعة. يجتازونه ويدخلون كهفاً، ثم يخرجون منه ويواصلون المسير الليلي ريثما يبلغون منزلاً وحيداً في العراء، وحين يدخلونه ويصعدون أدراجه الكثيرة المدوّخة ينتهون بالوصول إلى علّية ذات نوافذ صغيرة مضاءة.
تقدم الشياطين الطعام والشراب للقابلة، ولكنها تسمع نصيحة الشيطانة الحامل فلا تقربهما خشية أن تتحول إلى شيطانة مثلهم، وترفض متذرعة بأنها لا تأكل إلا الكوشر، وأنها لم تأكل طوال حياتها إلا ما تعدّه بيديها في مطبخها. بعد انتهاء الولادة، تطلب منها الشياطين أن تسمي لهم الهدية التي تشاء، ولكنها ترفض وتقول إن جزاء العمل الصالح هو العمل الصالح، فتصرّ الشياطين على اختيار شيء معين لأن الكرم من عاداتها، فتختار القابلة حزمة الثوم التي رأتها معلّقة في زاوية العلية. أثناء العودة، تجتاز الجسر نفسه، وهي تفكر في نفسها: “ماذا سأفعل بقشور الثوم هذه؟ خيرٌ لي إلقاؤها في النهر”. ذهولها عظيم حين ترى الماء المتدفّق مغطّى بنقودٍ من الفضة تلتمع قليلاً، متلألئة تحت ضوء القمر، قبل أن يبتلعها النهر، ولا يتبقّى في حوزتها إلا قطعة فضية واحدة.
الحكاية الثانية:
الملاحظ في هذه الحكاية نهايتها المفاجئة وافتقارها إلى التفاصيل التي قد تفسّر سلوك الابن وردة فعل الثعبان، ولعل السبب المرجّح هو تعب الراوي، لأنه قد رواها في نهاية ساعات طويلة من مقابلة أجرتها معه زيبوره ليفين وتحدث خلالها عن الكثير من الذكريات والوقائع، وكان قد سمع هذه الحكاية في صباه من تجار يهود في كردستان العراق.
الحكاية الثالثة:
رواها يهودا كليمي عن والده نيسان كليمي، في كرمنشاه، كردستان إيران.
(لمن يرغب في الاستزادة الرجوع إلى المقابلات والبحوث الميدانية والدراسات التي أجراها يونا سابار ودونّا شاي)