اختتمت قبل أمس الثلاثاء، الأوّل من أيار/ مايو 2018، الدورة الثانية من معرض فتّوش للكتاب في مدينة حيفا في فلسطين. المعرض، الذي يُقام في مقهى ومتجر فتّوش، افتتح أبوابه يوم 26 نيسان/ أبريل الماضي بـ 20000 كتابًا قطعوا الحدود التي فُرضت على الداخل الفلسطيني وناسه من 20 دار نشر عربيّة، ليلتقوا بالقراء الفلسطينيّين، من أجيال مختلفة، وجهًا إلى وجه.
احتوى المعرض أيضًا على نشاطات فنيّة وثقافيّة، فافتتح مع موسيقى دي جي جبالي، كما وأقامت فرقة ولعت العكيّة عرضًا موسيقيًا في اختتامه، إلى جانب أمسيات توقيع كتب صدرت حديثة لكتّاب وشعراء ومترجمين فلسطينيّين، وهم؛ د. هشام روحانا، الشاعر علي قادري، المترجمة والشاعرة ريم غنايم، والكاتبان امطانس شحادة وأنطوان شلحت.
ألقى حجرًا في مياه راكدة
كانت قد شاركت الشاعرة والمترجمة ريم غنايم في المعرض من خلال ندوة حواريّة مفتوحة وتوقيع لترجمتها رواية «المدمن» للكاتب الأمريكي وليام يوروز الصّادرة عن دار الجمل، وعن مشاركتها، تقول ريم: “من خلال هذه المشاركة، قدّمت مداخلة متواضعة حول مفهوم الأدب الأمريكيّ مموضعةً حركة ”جيل البيت“ ووليام بوروز في سياقهما التاريخيّ والاجتماعيّ والنفسيّ. كان الحوار الذي أجرته معي الباحثة الشابة بكرية مواسي عبارة عن حديث انسيابيّ نهريّ متواصل كشف عن الجوانب الحميميّة وساهمَ في رفع سقف النقاش إلى ما هو أبعد من ترجمة كتابٍ لكاتب يجهله الجمهور”.
وفي حديثها عن أهمية معرض فتّوش للكتاب، قالت ريم غنايم: “لا يختلف هذا المعرض كثيرًا عن مؤسّسيه ومؤسّساته.. فكرة نشطة تتشابك فيها الطاقة الشبابيّة مع التلقائيّة الحميميّة التي يتجدّد فيها دم الأدب والفنّ ويثبت قدرته على تفكيك مقولات تقليديّة في تنظيم المعارض وما يحتاجه من جهود جبّارة ووكلاء داعمين وأسماء لامعة. دون هذا وذاك: لقد انتزع معرض فتّوش للكتاب مكانته وألقى حجرًا في مياه راكدة”، وتتابع: “معرض فتّوش للكتاب، معرض يتحدّث إلى الناس، لا يقيمُ وزنًا لمعايير المعرض التقليديّة، كلّ ما فيه ينضح بالتفاؤل ومئات الكتب تصطفّ منتظرة من يلتقطها. خلطة سحريّة، تفاعلتُ معها. هكذا نريدُ فلسطين الحداثيّة، فلسطين قارئة حرّة، تقدّم وتحاور جيلاً شابًا من الكتّاب بنفس القدر الذي تقدّم به أجيالًا مخضرمة في الأدب والسياسة والفكر والفنّ”.
إعادة الحبّ والثقة بالكتاب
يرى الكاتب علاء حليحل بأن أهمية المعرض لا تنحصر في توفيره لحيّز نادر لمُحبي القراءة والثقافة لاقتناع الكتب النوعيّة والجديدة في شتى المجالات، ويتابع: “فحسب، بل تنسحب هذه الأهميّة كذلك على طرح نموذج مختلف عن الوضع المخزي القائم في الداخل الفلسطينيّ، وهو تزوير الكتب واللصوصيّة الممأسسة عند الموزعين والطبيعة المحليّين. آفة التزوير قاتلة لعالم الكتب، وللأسف التجار المزوّرون عندنا يفعلون ذلك محتمين بإسرائيل ووجودهم فيها، عارفين أنّ الناشرين العرب لن يلجؤوا إلى المحاكم الإسرائيليّة خشية الاتهام بالتطبيع. ما يفعله هذا المعرض هامّ على هذا الصعيد، إلى جانب الجو الاحتفاليّ الذي يبثّه والذي يعيد الحب والثقة بالكتاب إلى نفوس القارئات والقراء”، ويضيف: “أنا أومن ككاتب بأنّ القراء كثر والوضع ليس مأسويّا كما يتبرّم البعض، وحجم المبيعات في المعرض يدلّ على ذلك بلا أدنى شك”.
جمهور متنوّع من حيث الأجيال والاهتمامات والمناطق
في حديث مع الباحثة همت زعبي حول معرض فتّوش للكتاب، تطرقت بداية إلى فتّوش ودوره كمقهى وفضاء ثقافي، وقالت: “فتّوش ساهم في نهاية التسعينات في تطوير مشهد ثقافيّ فلسطينيّ يسعى إلى الاستقلاليّة من سياسات التهميش الإسرائيليّة من ناحية، ولمّ شملنا مع العالم والعالم العربيّ من ناحية أخرى، وما زال يلعب دورا مهمًا في هذا المضمار”، وتتابع: “كان فتّوش من الرائدين في استغلال (بالمعنى الإيجابيّ) للسياسات النيوليبيراليّة، حين نجح في جعل الاستقلاليّة الماديّة من خلال مقهى ومطعم فتّوش رافعة للثقافة الفلسطينيّة. وقد تجسّد هذا، مرة أخرى، من خلال معرض فتّوش للكتاب الثّاني. 20 دار نشر من العالم العربيّ، 20 ألف عنوانًا بالعربيّة يعتبر إنجازًا لا يمكن الاستهانة به، وهو يساهم بشكل جدي في تعزيز موجة ثقافيّة تنشط في مدينة حيفا”.
وترى همّت زعبي بأنه ربما أجمل ما في المعرض، إلى جانب التشكيلة الغنيّة من العناوين في الأدب والشعر والفكر والفلسفة وترجمات من كافة هذه المجالات، هو إقبال الجمهور للمعرض، وتتابع: “جمهور متنوّع من حيث الأجيال والاهتمامات ومن جميع قرى ومدن فلسطين توافد إلى المعرض ليشارك في نشاطاته واقتنى كتبًا بالعربيّة. أن تصادف جمهورًا من الشباب والشابات من طلبة مدراس، جامعيّين، عاملين وعاملات يهتمون في الفكر، التاريخ، الفلسفة والأدب، يبحثون عن مصادر معرفة عربيّة أو مترجمة للعربيّة في دولة تعادي اللغة العربيّة في الحيّز العامّ، تهمّشها في مناهج التعليم، هذا ببساطة يدعو إلى التفاؤل”.
انتقاء موضوعات ذات وزن فكريّ
يرى الكاتب نواف رضوان بأن أهمية المعرض لا تكمن في أنه من أكبر معارض الكتاب في الداخل الفلسطيني فحسب، ويتابع: “إنّما في انتقائه موضوعات ذات وزن فكريّ وتفضيل المضمون على الـ”ريتنغ” والأكثر مبيعًا. يختلف المعرض في دورته الثانية، بإبراز الكتب الفكريّة والفلسفيّة، بالإضافة إلى عرضه لعناوين حديثة ومختلفة في الرواية والشعر والأدب العربيّ والمترجم، بالتعاون مع العديد من دور النشر العربيّة، وكان اللافت إقبال الجمهور على اقتناء الأعمال الأدبيّة الجديدة للكتّاب الشباب، على حساب أسماء كبيرة لامعة، والتي يمكن القول عنها إنّها عكست توجّهات الجمهور، وهي دليل على أنّ المهرجانات الشبابيّة التي تعقد في المدينة بدأت تأتي أكلها عند الناس”، ويضيف: “استقطب المعرض كذلك جمهورًا غير قارئ، حيث نجح في الوصول إلى هذه الشريحة من الناس، كما لم يقدّم أسماء كتّاب معروفين على حساب المضمون، إذ حصل القرّاء الذي انكشفوا للمرة الأولى على الكتاب، على عناوين جيّدة وجدّية و”غير رخيصة”.
أهمية وجود المتطوعين والمتطوعات
الكاتبة تمارا ناصر، والتي أيضًا كانت ضمن الطاقم الذي عمل يوميًا في المعرض، قالت: “إلى جانب معرض فتّوش، أقيم معرضان للكتاب في منطقة الشمال، وهذا طبعًا مبارك دائمًا، لكن من الطبيعي أن يُسأل السؤال: لما نذهب إلى معرض فتّوش في وجود معرضين آخرين؟ ما هي أهميّة وخصوصيّة معرض فتّوش للكتاب؟ خلال تجوالي في المعرض، سمعت بعض الأحاديث حول زيارة معارض أخرى، وأنهم جاؤوا من هناك إلى هنا، وسمعت آراء متفاوتة ومختلفة، لكن أبرز ما سمعته وأكثره شيوعًا هو أنه في معرض فتّوش كان هنالك تنوع أكثر وعناوين أكثر”، وتتابع: “جزء كبير من الناس ارتاح لتقسيمات الغرفة حيث سهّلت عليهم عملية انتقاء الكتب، كما أن وجود متطوعين قارئين لمساعدة الناس والحديث معهم واستشارتهم بالنسبة للكتب الموجودة، هذا مهمّ جدًا، خاصّة عندما يتعلّق بخوف الناس من قراءة أعمال لكتّاب محليّين، فأحيانًا مع اقتراحي لكتاب كاتبه محليّ، قسم من الناس لا يرغب بشرائه، وفي كثير من الأحيان أناقشهم على مبدأ رفض كتاب لكاتب محليّ، ليس بهدف جني الأرباح، إنما لأني أفكر بنفسي مستقبلًا، عندما أُصدر كتابًا، هل لن يشتري الناس كتبي لأني كاتبة محليّة؟ ويشمئزون منه؟ أفكر بالأصدقاء الذين نشروا كتبًا جميلًا وتستحق القراءة. على أي حال، هذا موجود في أماكن عديدة بالعالم وبتفاوت، وبالتأكيد يعود لأسباب كثيرة وعوامل مؤثرة سياسيًا، اجتماعيًا وثقافيًا، لكن بالضرورة من المهم إشراك متطوعين قارئين للكتب، للإجابة على أسئلة الناس وفتح حوارات معهم، بما في ذلك عن الأدب المحليّ”.
تحويل الحُلم إلى حقيقة
أما جنان عبده من حيفا، ففي حديثها عن معرض فتّوش للكتاب، قالت: “فتّوش، هذا المقهى الصغير الذي حوّل فيه وديع شحبرات الحُلم إلى حقيقة، تحوّلت إلى بيت وساحة نجتمع فيها حيفاويّين وقادمين إلى حيفا، وسط شارع سميناه عمدًا شارع أبي نواس، رافضين التسمية الصهيونيّة له. إنّ فتّوش بأجوائه الحميميّة الدافئة تحوّل إلى حاضنة للفنون والفنانين والأدباء ومتذوقي الفنّ ومحبّي الحياة، وقد احتضن لثاني مرة معرضًا للكتب من العالم العربيّ متحديًا الحواجز والموانع والحدود. ننتظره بشغف ونشعر أننا في بيتنا وبين أصدقاء وشركاء هذا العمل الجميل”، وتتابع: ” كالنحل في الخلية ومعهم القيّمة على المعرض الشاعرة أسماء عزايزة، يلبسون البلوزات الصفراء وقد كُتبت عليها عبارة لطيفة تدل على الأجواء هناك، وهي “ورا كل كتاب حلو حدا بدلّك عليه”، حيث يتجول طاقم المعرض بالمتطوعين والمتطوعات بين الناس، يعرضون مساعدتهم بابتسامة لطيفة. كلما زرتُ المعرض، شعرتُ أني في متحف، واقتناء كتاب كاقتناء لوحة من المتحف، فتّوش أتاح لنا هذه الفرصة، متحف في مقهى كل ما فيه جميل”.