تأسست فرقة ”أيد واحدة“ في العام 2016، وأقامت محترفها في مخيم شاتيلا في بيروت، وكنوع من توظيف الفن في مجال التنمية، عمل أعضاء الفرقة على تدريب محركي دمى من سورية وفلسطين ولبنان، تم تدريبهم على تقنيات مسرح الدمى، هذا النوع المسرحي الذي يتضمن كامل تقنيات ومهارات المسرح الدرامي مضافاً إليها ما يتعلق بتحريك الدمى، ومن هنا فإن مواد التدريب المسرحي لهذا الفن تشمل: تمارين الأداء التمثيلي، تمارين الصوت، تمارين الكتابة وبناء الحكاية، تمارين تصميم الدمى وصناعتها، وأخيراً تمارين خاصة بحركة الدمى، نطقها وتقنيات التعامل معها على المسرح.
رغم قرار الفرقة في الانطلاق من مرحلة تأهيل محركي الدمى وصولاً إلى تحقيق العروض، وهي نقطة بدئية صعبة، تمكنت الفرقة من تحقيق عدد من العروض قدمتها في المخيمات والمدارس والمسارح، ومنها: ”فنان ونص“، 2017، عن تعلق الأطفال بالفن وصعوبة الأوضاع التي تمنعهم من تطوير مهاراتهم الفنية، ”الحيوانات بدها حرية“، 2017، حيث تعالج حقوق البشر مرمزة بقصص للحيوانات، ”ضيعة راس الجبل”، 2018، وهي مسرحية عملت على موضوعة التعددية، وقدمت نموذجاً في استخدام مسرح الدمى في حل النزاعات الأهلية.
على مسرح ”مترو المدينة“، وليومين متتالين، قدمت فرقة ”أيد واحدة“ مؤخراً عرضها الأخير، الذي حمل عنوان ”دمى Autoportrait“، والـ Autoportrait مصطلح مستمد من عالم الفن التشكيلي في القرن الخامس عشر حيث اللوحة، الصورة الفوتوغرافية، أو المنحوتة تمثل شخصية الرسام نفسه، أي أن الفنان يحقق هذا العمل الفني كتجسيد لشخصه.
تستعمل فرقة ”أيد واحدة“ هذا المفهوم لتسقطه على مسرح الدمى، على اعتبار أن تنفيذ أي دمية يمر عبر مراحل. بداية يتم تخيّل الشخصية وخصائصها، ثم تأتي مرحلة التصميم ورسم الدمية، ومن ثم تبدأ مرحلة نحتها من الإسفنج، ومن ثم تنفذ من مادة الطين. يقدم المخرج عبد العزيز العائدي فكرة العرض بالقول: ”ظاهر العرض هو مجموعة من السير الذاتية للدمى، ولكن في الحقيقة ما هي إلا سير ذاتية وقصص معاشة لمحركي الدمى. هكذا يحاول العرض أن يظهر أن المحركين أنفسهم ليسوا إلا دمى بيد أقدارهم.“
تتألف المسرحية من 12 مشهداً، ولتأليف نصوص المشاهد، تم الطلب من كل محرك دمية الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 29 سنة، كتابة نصوص مشاهدهم بأنفسهم. كانت الغاية من إتباع هذا الأسلوب هو فتح المجال للمشاركين في العرض للتعبير عما يسم حياتهم وأفكارهم الذاتية، يقول العائدي حول ذلك: ”بهذه الطريقة، أصبحت الدمى هي غطاء يجعل المحركين أكثر جرأة وشجاعة لكي يبوحوا بتفاصيل تجاربهم وما تتضمنه هذه التجارب من أفراح واحزان ومعاناة. الدمى تمنح الفرصة لإعادة معالجة الواقع من منظور مختلف.“
تتنوع الموضوعات التي شكلت مشاهد المسرحية، فاختار مؤيد المحمد (الدمية مؤيد) أن يتحدث عن الإهمال والتجاهل الذي يمارسه عليه أفراد الأسرة، وذلك بعدم الاهتمام بآرائه أو رغباته. في السكيتش الثاني تشترك غزل محمد (الدمية دنيا) وجودي عيسى (الدمية فوفو) في تجسيد شخصيتين لفتاتين هربتا من الحرب الدائرة في وطنهما وصولاً إلى المخيم، الدميتان هنا تجسدان واقع حياة الفتاتين في ظل اللجوء، الخوف من الحرب، والاعتراض على الدمار.
سيخسر عمر باكير سنتين دراسيتين بسبب الاختلاف بين المناهج التعليمية السورية واللبنانية، ها هو عائد من اللقاء مع إدارة المدرسة ليعثر على إعلان يتعلق بتجربة أداء (Casting) لمسرح الدمى فيخطط للتقديم، هذه الحكاية يرويها عمر مع ”الدمية موفق“. أما المحركة دالين نخلة، فتبتكر لمشهدها قصة مركبة، حيث الدمية سلمى تنصت إلى أحلام ماضيها عبر شريط صوتي مسجل، تقارن أحلام الماضي بما حققته في الحاضر، وتكتشف أنها لم تحقق أياً منها، تعيد الإنصات للشريط المسجل، وهنا تبرع المحركة في الأداء الحركي والصوتي لتحقق هذا التكرار الصوتي من تسجيل في الماضي، ليروي المشهد في محصلته الإخفاق في تحقيق الأحلام، والمرواحة في المكان بسبب الظروف الإجتماعية القاهرة التي تعيشها كل من الدمية والمحركة.
أيمن المحمد مع الدمية شارك Shark، يجسدان مشهداً عن فتى معاقب وممنوع الخروج من المنزل بينما دميته تشتاق إلى ورشات وعروض مسرح الدمى، تشتاق لزميلاتها من الدمى. أولى الدمى التي تدخل في صراع واضح مع محركتها بيسان أحمد، هي الدمية صوفية المدافعة عن حقوق الدمى، والتي تطلق خطابات لتوعية الدمى بحقوقهم أمام محركيهم، تتمكن الدمية من التحكم بمحركتها أمام الجمهور على المسرح، ولكن حالما ينتهي المشهد يتبدل ميزان القوى وتعود المحركة والتي هي الحقيقة الوحيدة للتحكم بالدمية.
الدمية زوربا أيضاً يتمرد على محركه، ويصل النزاع بينهما إلى صراع هويات. يسرق الدمية زوربا هوية محركه أحمد شوا، في رمزية درامية إلى تبادل الهويات وتداخلها بين كل من الدمية ومؤديها. في مشهد تال يتجرأ المحرك أحمد الحسين الحديث عن همه الشخصي، فيدور مشهد مع الدمية حاجي في المطعم، يتناول موضوعة الشره والسمنة. لكن أنس يونس أول من يطرح موضوعة سياسية، مع الدمية أبو جندل، الذي يجبر محركه بين الحين والآخر على التطرق إلى موضوع الحرية، وانتقاد تقديس الفرد الحاكم، وطرق التعليم في الأنظمة الشمولية.
موضوعة الحجاب، تتكرر مؤخراً بكثرة في العديد من العروض المسرحية اللبنانية والسورية، إجبار الأهل للفتيات على ارتداء الحجاب، ووقوف الفتاة في وجه ما لا تراه مقنعاً أو مناسباً لها، هذه هي موضوعة المحركة أماني محمد، ودمية الأم. عمالة الأطفال أيضاً موضوعة مسرحية حاضرة بقوة في فنون منطقة الشرق الأوسط، هذا ما عمل عليه المحرك حسين الحسن في مشهد يوصف الصراع الذي يعيشه بين شعوره بضرورة مساعدة والده في العمل، وبين رغبة دميته في المشاركة في ورشات مسرح الدمى وعروضه، ليطالعنا المشهد الأخير من لمى القاسم عن صعوبة الأداء المسرحي أمام جمهور، وضرورة تخطيها لحاجز الخجل الذي يقف عائقاً أمام نجاحها كمحركة دمى.
هكذا تشكل موضوعات المسرحية المتعددة عينة مخبرية موسعة لقضايا ومشكلات الطفولة والمراهقة التي تعايشها أعضاء الفرقة المسرحية من قاطني مخيم شاتيلا في بيروت، قدمت في سينوغرافيا لساري مصطفى، أما في تصميم الدمى وأنواعها فقد انقسمت إلى تلك الدمى الواقعية التي تكون أقرب ما يمكن للحضور البشري، ودمى أخرى تنتمي في أشكالها إلى عالم دمى الأطفال وأبطال الشخصيات الكرتونية، تقول المصممة مريم سمعان: ”في هذا العرض اعتمدنا بشكل أساسي على الدمى القريبة من الهيئة البشرية والواقعية، لأن المحركين سيستعملونها في الحديث عن أنفسهم وحياتهم“، أغلب الدمى مشابهة للواقعية البشرية مع بعض المبالغات في أحجام عضلات الوجه لكي تمنح الدمية تعبيراً معيناً تريده المصممة وتعمل على تحقيقه عن طريق الأزياء أيضاً.
تنتهي المسرحية بأغنية توجهها الدمى معترضة على الحال الذي تعيشه مع محركيها وساخرة من حاجتهم إليها: ”جاية تحرك براسي، وكلّون بيحركوك، روح استقوي على غيري، روح هلق يا صعلوك.“
في مسرحيته ”سبع شخصيات تبحث عن مؤلف“، 1921، قدم الحائز على جائزة نوبل للآداب الإيطالي لويجي بيرانديللو (1867 – 1936)، شخصيات مسرحية Characters انفصلت عن مؤلفها بسبب وفاته، وهي تحاول البحث عن مؤلف جديد، هذه الفكرة التخييلية بامتياز كان تجديداً كبيراً في تاريخ المسرح، وهي استمرارية الشخصيات المسرحية باستقلالية عن مبدعيها. أما في فيلم ”2001 أوديسة الفضاء”، 1968، للمخرج ستانلي كوبريك (1928 – 1999)، فيتمرد أول جهاز كومبيوتر (هال) على رواد سفينة الفضاء راغباً الخروج عن سيطرتهم.
في مسرحية فرقة ”أيد واحدة“ الحالية، يطبّق المخرج عبد العزيز العائدي هذه الحبكة القصصية، ليتابع المتلقي عملية معقدة من صراع الدمى مع محركيها، انفصال الدمى عن مؤديها المسرحيين، واستقلالية الدمى عن مبتكريها، وصولاً إلى ثورة الدمى على العالم البشري منتقدةً شروط العيش الإنسانية.