نظّمت جمعيّة الثّقافة العربيّة بمناسبة يوم العمال العالمي، ندوة خاصة يوم الأربعاء 1/5/2019 في مقهى ليوان الثقافي في سوق البلدة القديمة في مدينة الناصرة تحت عنوان “يوم العمال العالمي: تجارب نضاليّة ملهمة”، والتي تناولت قضايا عماليّة محليّة فلسطينيّة وعربيّة وعالميّة.
افتتحت الندوة الصحافيّة سناء حمود باستحضار قضايا عماليّة آنية مختلفة وطرحت أسئلة في محاور عدّة، منها: ما هي أدوات النضال العمالي في القرن الواحد والعشرين؟ هل ما زال بالإمكان الحديث عن طبقة عاملة؟ كيف يتقاطع النضال العمالي في فلسطين مع النضال ضد الاحتلال ونظام التمييز العنصري؟ ما هي التقاطعات بين النضالات العماليّة المختلفة حول العالم؟ أين تقع أبرز حركات الاحتجاج العماليّة وما هي النجاحات التي حققتها؟ ما هي القضايا التي يناضل من أجلها العمال وما هي الحقوق؟
وهبة بدارنة: غالبية قضايا حوادث العمل لدى العمال العرب في البلاد يتم إغلاقها
في المداخلة الأولى تحت عنوان “نقابة العمال العرب في الناصرة – أول تجربة نقابيّة بعد النكبة”، تحدث المحامي والمستشار القانوني وهبة بدارنة عن تاريخ الحركة العماليّة والنقابيّة في فلسطين ونشوئها قبل النكبة كحركة تناضل ضد الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونيّة ولمقاومة الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين. ومن ثم تحدث عن تأسيس نقابة العمال العرب بعد عام 2000 وذلك في أعقاب انتفاضة أكتوبر والاعتداءات التي تعرض لها العمال العرب. وأشار بدارنة إلى نشاطات النقابة والاعتراف الدولي التي حظيت بها. كما تحدث بدارنة عن قضايا عمال البناء وسلامة العمال في الورشات والإهمال الذي يسبب حوادث العمل حيث العمال العرب هم أغلب الضحايا.
وتطرق إلى إغلاق قضايا الانتهاكات في سلامة العمل في الكثير من الحالات التي لها أبعادًا عنصريّة، وتقصير نقابة الهستدروت في هذه القضايا رغم أن العديد من العمال العرب يدفعون رسوم اشتراك في الهستدروت. وأكد بدارنة على ضرورة أن يكون هناك نقابة عمال عربيّة من أجل تنظيم العمال ومن أجل الحماية القانونيّة التي يفتقدها العمال العرب خصوصًا أن غالبية الملفات المتعلقة بسلامة العمال وحوادث العمل يتم إغلاقها.
كما ذكر بدارنة في حديثه عن اتّباع بلدية حيفا لسياسة تدفيع العمال بشكل شهري مبلغ 5 شيكل التي تذهب للجنود حيث تُخصم شهريًا من الراتب وبعض العمال العرب لا يعرفون عن ذلك أو يترددون في الاعتراض خلال توقيع عقد العمل خوفًا على خسارة العمل، الأمر الذي اعتبره بغير القانوني. كما أكد أن النضال القومي إلى جانب الطبقي في حالتنا الفلسطينيّة أمر غير منفصل مع ضرورة الانفتاح على نقابات حول العالم والتشبيك معها من أجل قضايا العمال العرب في البلاد، كما حصل مثلا مع قضية عمال سكك الحديد الذين طلب منهم شهادة قناص كشرط للتشغيل الأمر الذي يستهدف العمال العرب، فخرجت إحدى النقابات البريطانية في مظاهرة أمام السفارة الإسرائيليّة في لندن وضغطوا من خلال حملات منظمة مما دفع سكة الحديد الإسرائيليّة إلى التراجع عن هذا الشرط في بنود التشغيل وأعادوا العمال العرب.
أبو بكر عبد الرازق: الحركة العماليّة في السودان في صلب الثورة السودانيّة
في المداخلة الثانية تحت عنوان “الحركة العماليّة في السودان والثورة السودانيّة”، تحدث الكاتب والباحث السوداني أبو بكر عبد الرازق عن تاريخ يوم العمال في السودان، وعن معنى يوم العمال هذا العام في ظل الانتفاضة السودانيّة الحالية التي انطلقت منذ أشهر وأطاحت بالرئيس عمر البشير.
وتطرق أبو بكر في حديثه للاحتجاجات العماليّة والمواكب التي خرجت في يوم العمال هذا من المعامل والمصانع والمؤسسات إلى ميادين الاعتصام للمطالبة بتحقيق مطالب الثورة بتسليم السلطة لقيادة مدنيّة وليس عسكريّة. وتطرق إلى خلفية هذه الثورة بسبب السياسات الحكوميّة والخصخصة وبيع المشاريع الإنتاجيّة الكبرى لشركات أجنبيّة وتضرر العمال جراء هذه السياسات.
وتحدث أبو بكر عن تجربة عمال السكك الحديديّة في الثورة واشتراكهم في تحرير السكك الحديديّة وخروجهم بمسيرة قطارات من مدينة عطبرة إلى مدينة الخرطوم بمسافة 600 كيلو متر، حيث وتوقف القطار في ميدان الاعتصام في العاصمة السودانيّة وجرى استقبالهم من الثوار وأهالي المدن المختلفة خلال طريقهم، وهو حدث مهم ومؤثر بحسب عبد الزاق وأثار مشاعر المواطنين وشكّل التحامًا بين الحركة العماليّة والثورة السودانيّة ومحطة وعلامة فارقة.
وتطرق عبد الرازق للتدخلات السافرة من دول مثل مصر السعودية والإمارات بما أسماه “محور الثورة المضادرة” بهدف إجهاض الثورة السودانيّة ولاستدامة الحرب في اليمن حيث يشارك فيها الجيش السوداني. كما تطرق إلى الدور النسائي البارز في الثورة محيلًا ذلك إلى كون أن غالبية النساء السودانيات عاملات وهن أكثر من ذاق هضم حقوقهن، معتبرًا أن المشاركة النسائيّة تدل على أهمية دور المرأة في المجتمع الأمر الذي حاول النظام السياسي تحييده بحجج الشريعة الإسلاميّة.
إيفا شافيفتش: من حق العمال السيطرة على أجسادهم ووقتهم وأمنهم
في المداخلة الثالثة تحت عنوان “نقابات العمال البريطانيّة والحراك الراديكالي”، تحدثت الصحافيّة والناشطة في مجال حقوق الإنسان إيفا شافيفتش عن العمل النقابي في بريطانيا وتحدّياته خصوصًا في هذه الأيام التي تشهد فيها بريطانيا نقاشات حول البريكست والخروج من الاتحاد الأوروبي وأثر ذلك على العمال.
وأكدت أن أكثر شريحة عماليّة متضررة من النظام الرأسمالي في الغرب هم المهاجرين واللاجئين لما يعانوه من حوادث عنصريّة. وتطرقت شافيفتش إلى تجربتها في النشاط في ثلاثة نقابات عمال بريطانيّة خصوصًا في مجال الفندقة والتربيّة والتعليم وللحملات الكبيرة والمؤثرة التي نظّموها لتحصيل حقوق العمال وشروط عمل أفضل. كما أشارت للتحديات التي تواجه العمل النقابي حتى داخل النقابات نفسها على صعيد البنى البطرياركيّة والأبعاد الجندريّة والعرقيّة.
وتحدثت شافيفتش عن التقاطعات في قضايا العمال حول العالم والقواسم المشتركة مثل من أن يتمكن العمال من السيطرة على أجسادهم وأوقاتهم وأمنهم وسلامتهم، وعن ضرورة هذه النضال في مكان العمل من أجل كرامة العمال. وأكدت أن النضال يجب ألا يكون مقتصرًا على شروط العمل، بل على معنى وثقافة العمل والاحترام.
وتطرقت لنماذج نضاليّة وأصوات راديكاليّة ويساريّة رغم أنها في بعض الأحيان تكون صغيرة الحجم إلا أن تأثيرها كبير.
يذكر أن هذه الندوة تأتي ضمن برنامج ندوات جمعيّة الثقافة العربيّة في البلدات العربيّة تحت إسم “حديث الأربعاء” الذي يسعى إلى طرح قضايا ثقافيّة وسياسيّة وفكريّة متعددة للنقاش، وكذلك إلى إعادة الاعتبار لمكانة الندوات الثقافيّة في مجتمعنا كمرتكز أساسي في تشكيل الفضاء العام، بالإضافة إلى المساهمة في إنتاج المعرفة الفلسطينيّة من خلال تشجيع الكتّاب والأكاديميين والناشطين والفنانين على ذلك.