ما هو تأثير “صفقة القرن” على مستقبل القضية الفلسطينية؟ وكيف ينظر المثقف الفلسطيني إلى محاولات الإدارة الأمريكية لتمرير هذه الصفقة بالتعاون مع جهات عربيّة وبهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال عقد «ورشة البحرين» الاقتصادية في المنامة يومي 25 و26 حزيران/ يونيو الجاري؟ وما هو دور المثقف الفلسطيني في مواجهة صفقة الأوهام والعار وسبل التصدي لها؟ أسئلة وجهتها “رمان” لعدد من المثقفين الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه، وهذه إجابات عنها.
أعدّ الملف: أوس يعقوب.
شكلت «صفقة القرن» ذروة الهجوم الإمبريالي الصهيوني على قضية فلسطين والمنطقة العربية، وهو هجوم مدفوع بوهم الاعتقاد أنّ اللحظة مواتية لإسدال الستار على أكبر جريمة استعمارية نفذها الغرب، ألا وهي تدمير وطن بأكمله، وإيجاد حل لجريمة، ألا وهي إبادة يهود أوروبا، عبر ارتكاب جريمة أخرى مروعة خارج القارة الأوروبية.
«صفقة القرن» هي وصفة اقتصادية، نيوليبرالية، لقضية تحرر وطني، وقضية حقوق وطنية وسياسية، وتختزلها في محاربة المنظمات الدينية المتطرفة، وفي القوة الإيرانية. وهي تنطوي على نظرة عنصرية استعمارية كلاسيكية، واكبت العصر الاستعماري الحديث، وصولاً إلى عصر الكيان الإسرائيلي الذي حاول منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي وصولاً إلى حكم بنيامين نتنياهو الذي طرح خطة السلام الاقتصادي، عام ٢٠٠٨، كأداة ترويض، وإلهاء للشعب الفلسطيني على طريق تصفية حق تقرير المصير السياسي لهذا الشعب. ومع أن هذا التوجه الاستعماري الصهيوني ساهم، خاصة بعد أوسلو، في خلق طبقة من المنتفعين، وفي ترهل الحالة الوطنية المقاومة، إلّا أنّ الهدف الأساسي منها، أي تخلي الشعب الفلسطيني عن حقه في تقرير المصير، باء بالفشل.
ليس هناك مثال واحد في التاريخ يدل على أنه أمكن استبدال الحقوق السياسية بالمال، وأن حركة تحرر وطني قبلت برشوة من هذا القبيل.
يهدف تحالف ترامب/نتنياهو، إلى إعادة بناء وهندسة المنطقة العربية والشرق والوسط، بحيث تصبح المستعمرة الصهيونية الأمريكية الأوروبية، القائمة على أنقاض فلسطين، مندمجة في المنطقة ومتحالفة مع أنظمة عربية نفطية ساقطة وطنياً وأخلاقياً، خليجية بالأساس، والأهم والأخطر أن تكون مهيمنة ومتحكمة بالمنطقة، وبشعوبها وبثرواتها.
ما العمل؟ هو السؤال الكبير الذي يشغل الفلسطينيين، قبل قدوم ترامب بسنوات طويلة، وزاده إلحاحاً وتعقيداً، بعد وصوله إلى قيادة الدولة الإمبريالية الأكبر والأكثر شراسة، وبعد تغول المشروع الصهيوني الاستعماري، والأخطر بعد ترسخ الانقسام الفلسطيني الكارثي.
من السهل طرح التصورات النظرية لمواجهة الواقع الراهن، وهي كثيرة وباتت مكررة، دون إحراز تقدم فعلي على مستوى التنفيذ، مثل برامج ومبادرات الوحدة والمصالحة بين حركتي فتح وحماس. وبتقديري، ما يجري على الأرض خارج البنى الرسمية والتقليدية، هو أكثر أهمية، والأكثر تأثيراً في المستقبل. ففي المشهد الفلسطيني، الذي ينزف على مستوى اللحظة، هناك حقائق تتكون وتتراكم، وإن كانت وتيرتها أقل بكثير من وتيرة تقدم مشروع الهيمنة الكولونيالية الصهيونية.
وبالإضافة إلى الوجود الديمغرافي الفلسطيني الراسخ، وتعادله، عددياً، مع الوجود الديمغرافي الصهيوني، هناك الحراك الشعبي المتفرق، والمبادرات الأكاديمية، والثقافية، والأدبية، والفنية، وحركة المقاطعة. كلها تجسد حراكاً، جهداً واحداً لإعادة بناء الحلم، وصياغة رؤية تحررية، وتمثل صيرورة موضوعية نحو تشييد بنية تحتية لمشروع وطني يتجدد من تلقاء ذاته، وبمبادرة القوى الحية والدينامية في شعب فلسطين من البحر إلى النهر، وفي الشتات، والمهجر.
ستأتي اللحظة التي تلتقي فيها كل هذه الحراكات، تحت سقف وطني جامع للكل الفلسطيني، ونحسن صنعاً، جميعاً، إذا ما عملنا على تسريع هذا الالتقاء، كل من موقعه.