مأوى بندر

جولان حاجي

شاعر ومترجم سوري كردي

نستكمل مشينا الهادئ أنا وبندر، ملازمين الظلال في شوارع قلب دمشق. خطواته الثقيلة تريح القلب وتزيد من اتساع المدينة التي تخنقنا. لم يبدأ بعد جنون أبواق السيارات والسرافيس. نصل إلى ساحة عرنوس وننعطف يساراً باتجاه شارع الباكستان، ثم ندخل شارعاً فرعياً إلى اليمين. بعد مطعم إسكندرون الصغير المعروف بالمشاوي،

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

19/02/2020

تصوير: اسماء الغول

جولان حاجي

شاعر ومترجم سوري كردي

جولان حاجي

مقيم في فرنسا

تحت جسر الرئيس

وسط الدخان والضجيج، بندر عبد الحميد يستطلع عناوين الكتب المرمية أو المصفوفة تحت جسر الرئيس في دمشق. وراءه مجنّد داخل كولبة هاتف “براق” يتّصل بأهله، ناظراً إلى الركاب الذين يصعدون إلى باص باب توما. يتصفّح بندر كتاب “المرفأ المظلم”، قصائد مارك ستراند التي ترجمتُها ونشرتها وزارة الثقافة بتوصية من نزيه أبو عفش. يبدأ بندر كتابة تحقيق صحفي حول الفنادق والأدباء لملحق “نوافذ” في بيروت، مطلع الألفية الثالثة، بعدما قرأ قصيدة ستراند “فندق على الساحل” التي اختتم بها مقاله:

 

آه، انظرِ السفينة تبحر من دوننا! والريح

تهبّ من الشرق، والسفينة الأخرى ستغادر في عام آخر.

لنعُدْ إلى الفندق الساحلي حيث لا يتوقف المطر عن الهطول،

حيث الحديقة، خضراءَ ومليئة بالظلال، تهمس

أندر الهمسات: “حذارِ الانتهاك”. بوسعنا أن نتجوّل،

ونزورَ الموتى الأنيقين في بيجاماتهم الرّماديّة، وبعد نزهة

بين أشجار البتولا، نستطيع الاستلقاء وسط تجاعيد السرير، ونرى

ضوءَ القمر العتيقَ يزحفُ على الأرضيّة. سيرتجُّ

إطارُ النافذة، وأمواجُ الظلام التي ما ناداها أحد، باردةً، ضاريةً،

ستغطّينا. وسنتهاوى في سراديب النوم الموصَدة

كثيرة المرايا. وهناك، في الضوء الخافت، سنكتشف العظامَ

والغبارَ، البقايا المريرةَ لشخصٍ

ربّما أخذنا مكانه.

 

الهادئ في وحدته

ستعرّفني تلك القصيدة إلى بندر. ألتقيه في دار المدى. أراه يصعد متمهّلاً من القبو إلى المكتبة. فوزي كريم يحرّر مجلة “اللحظة الشعرية” في القبو، نزيه أبو عفش وفؤاد التكرلي متقابلان يتصامتان. خالد سليمان الناصري يصمم الأغلفة، أنطون وريما يهندسان التتمات. فاتن تدير المكتبة. ابتسامة بندر ناجعة أكثر من مصابيح النيون، تضيء القاعة الظليلة وتبدّد القلق الطفيف في الهواء وتفضّ الخلافات الصغيرة بين العاملين في الدار. ابتسامة تشيع هدوء لا أفهمه، يزيدها لطفاً بياض شعره وتمهّله في الكلام والمشي. كل الصفات التي قد نتردّد في استخدامها لوصف بني آدم تناسبه: السماحة، الحِلم، السخاء، سعة الصدر.

أدقّق مختارات من الشعر السوري خلال القرن العشرين أنجزها محمد جمال باروت، مكتوبة بخط اليد في كلمات مرصوصة مروّسة، ولم تصدرها دار المدى أبداً. أصادف في واحدة من أوراق باروت العبارة التالية: “إنّ نزيهاً أبا عفش”، فتستفز نزيه هذه القاعدة النحوية التي لا لزوم لها. لا نكمل الكلام، وأنتقل إلى “النورس الأسود” لمنذر مصري. “لماذا لا تترجم دكتور جيكل ومستر هايد؟” يقول بندر، وأتحمس للاقتراح. أحبّ أعمال ستيفنسن كثيراً. أعلم لاحقاً أن المدقق اللغوي في دار المدى هو الشاعر غياث المدهون، نتجادل حول قواعد التمييز في النحو، ولماذا استخدمت تعابير معينة عندما ترجمت هذا العمل السكوتلاندي الكلاسيكي، وكل منا يستشهد بآيات قرآنية تدعم رأيه. بندر يسقينا الشاي، مضيفاً يصون لطافته دوماً، مبتسماً على عادته حين يتجادل الآخرون ولا يعلق بشيء.

على الرصيف العريض لشارع 29 أيار، بعد المركز الثقافي الروسي، يلوح بندر بقامته الطويلة عند ناصية المقهى الذي جعلته “مسيرة الإصلاح والتحديث” بنكاً. في شارع كرجيه حدّاد، أزاح الغصون المتدلية لأشجار الفلفل الكاذب، تتوقّف ليشمّ التربنتين حين فرك بكفيه غصناً من أوراقها وعنقوداً من ثمارها الحمراء الصغيرة، وصادف على الرصيف هالا محمد وهيثم حقي ولقمان ديركي معاً فثلاثتهم مقيمون هنا في عين الكرش. يذهب بندر مشياً إلى مكتبه في المؤسسة العامة السينما. أزوره هناك. لديه دائماً اقتراحات للمترجمين، ولا يميّز بين كبير وصغير. “أنت تحبّ هيتشكوك. خذ سيناريو “النافذة الخلفية”. صالح علماني ترجم “المدرعة بوتمكين” ونسي ترجمته حتى أخذتها منه، وممدوح عدوان أخذ “المواطن كين””. أفكّر بترجمة مقابلات بيتر غريناواي من أجل سلسلة “الفن السابع” نفسها التي كان يشرف على تحريرها، بعد عدم موافقة الرقابة على نشر مذكرات كييسلوفسكي.

متمهّلين نهبط الشارع الظليل الضيق الذي تقع فيه مؤسسة السينما، ومعي عددٌ من الكتب التي أهداني إياها. ننعطف يساراً ونقصد قصّاباً يعرفه بندر. يطلب منه “قطعة لحمة هبرة كبيرة”، ويرسمها في الهواء بيديه. يضعها القصاب على لوح الخشب المشقّق فيطبطب بندر عليها، ويومىء برأسه موافقاً. يضعها في كيس ثانٍ ونواصل مشينا البطيء. نقطع شارع هوغو شافيز باتجاه حديقة السبكي. الحرّ مبكر هذه السنة. بدأ أيار ساخناً. يحبّ بندر ارتداء القمصان المقلمة وقمصان “الكاريهات”، ومعه غالباً أوراق أو كتب أو كيس يحمل فيه أشياء قد لا تخطر على بال أحد، سارحاً في مدينته دمشق التي يحبّها كثيراً، متمشياً داخل مساحة محدودة لا يغادرها إلا نادراً، من دار المدى في عين الكرش إلى مكتبه السينمائي في الجسر الأبيض، عبوراً بشارع العابد والصالحية. “تعال، سأريك شيئاً”، يقول. ندخل الحديقة من جهة مختبر القطرنجي للتحاليل الطبية. نتوقف أمام مقعد قرب بركة الماء. إنه حائل اللون، وقد شحب احمراره أكثر في الحرّ. تحت شجرة صنوبر بحري، محاطين بالوخم المنبعث من ماء البركة الراكد ودخان السيارات الدبق، يقول مبتسماً، مشيراً بيده فتبرق ساعته، وتهتزّ سيجارة الجيتان الأبيض بين أصابعه دون أن يشعلها: “على هذا المقعد نامت دعد حدّاد. كانت قيلولتها هنا. كانت ترتدي معطفاً بلون… القرفة. لا. مثل لحاء هذه الشجرة”، فيلوح الوشم البدويّ على ظاهر معصمه كالوشم على يد محمد الماغوط- غصن مدقوق بإبرة في سمرة الجلد، ترجمة لوقوف طرفة بن العبد على أطلال خولة. كتاب سوريون عديدون يتحدّرون من بلدات الجزيرة وباديتها وقراها: خليل النعيمي، خليل صويلح، بشير البكر، إبراهيم الجرادي، صبحي حديدي، سليم بركات…إلخ. أمضى بندر شتاءات طفولته في تل براك قرب الحسكة، غير بعيد عن قرية جدّي، وأضفى هذا على المودّة والحميمية بعداً خفياً. كلانا كبرنا مع الشيوخ وصاحَبْنا منذ صغرنا الذين يكبروننا سنّاً. لديه ولدى نزيه أبو عفش العديد من مخطوطات دعد حداد الشعرية والمسرحية. أعلم منهما أن دعد كانت تتنزّه وحدها من الشعلان إلى المزرعة، ومعها سلة خيزران صغيرة تحوي خبزاً وخضاراً نيئة. كانت تقشّر حبة بطاطا أو حبة كوسا وتقطّعها تحت أشجار السبكي أو حديقة المدفع، ثم ترش قليلاً من الملح والفلفل الأسود على تلك الشرائح وتقضمها نيئة. كانت تستغرب من يستغرب وجباتها: “ألا يأكلها الأطفال نيئة أيضاً؟” كانت تنام لياليها أحياناً وسط الآلات في مطابع وزارة الثقافة. هناك من رأوها تستعطي رغيف خبز من فرن في ساحة التنابل، كما شوهدت مشعثة الشعر ترتدي ثوباً ممزقاً ذات مساء ممطر في سوق الصالحية. ذات مساء ممطر في بدايات 2001، سأقرأ قصائد غير منشورة لدعد في أسبوع المدى الثقافي، تحت خيمة واسعة في المكان الذي كان معرض دمشق الدولي. المخطوط مدوّن بالخط الجميل لبندر، وفيه قصائد قليلة عنونها “ثمة ضوء”. أجلس على المنصة برفقة ميسون صقر القاسمي، وأقرأ من قصائد دعد:

ما هذه المسافات والفراغات؟
وأنا وحدي أركض بلا نهاية
لا شيء سوي الذهول واللامعقول
لا شيء يحدّ من هذه المسافات
لا يد صديقة
لا يد محبة
لأتوقف
آه… أيتها الحياة المتسعة
أين جدرانك
وبواباتك؟
أين حراس الأرض الطيبون؟
أين الملائكة المبتسمون؟
وأنا أنمو تارة وأصغر تارة…
حتى السياجات والأشواك
اختفت
وانطفأت الأنوار
أهي صحراء وبلا رمال؟
أهي أحلام ونستيقظ؟
وأنا طفلة ذات شرائط ملونة
أحوك ثوبي
وأصنع دميتي
لمن أهدي كل هذا الجمال؟
والعالم مقفر… ومتسع
.وأنا أركض بلا نهاية

 

ندماء الغرفة الصغيرة

نستكمل مشينا الهادئ أنا وبندر، ملازمين الظلال في شوارع قلب دمشق. خطواته الثقيلة تريح القلب وتزيد من اتساع المدينة التي تخنقنا. لم يبدأ بعد جنون أبواق السيارات والسرافيس. نصل إلى ساحة عرنوس وننعطف يساراً باتجاه شارع الباكستان، ثم ندخل شارعاً فرعياً إلى اليمين. بعد مطعم إسكندرون الصغير المعروف بالمشاوي، نصل إلى غرفة بندر التي لا يعلم أحد كم آوت من صداقات وأسرار حب ونقاشات جادّة ونمائم، وكم احتملت من فظاظات وشجارات، وكم استضافت من مسافرين وضائعين وصعاليك وعشاق مخذولين. يدفع الباب الذي لم يكن مقفلاً. دفعة صغيرة بالكتف تكفي لفتحه. المكان صغير لا تدخله الشمس، وظلاله ملاذ حقيقي في هذا الحرّ. ألوان الجدران زاهية وديكور الجبصين أليف. ابتسامة صاحب البيت تكفي لتُرسي الانسجام مهما تنافرت الموجودات، وتقلب الجحيم نفسها إلى حديقة. يبقى الباب مفتوحاً. يقطّع اللحم وينقعه في نبيذ أبيض ويضيف كبش قرنفل. “اسكب العرق لنفسك. هناك “البطة” والموالح”. تتوسط الغرفة طاولة مستديرة تحت زجاجها صور وبطاقات عناوين وقصاصات كثيرة، في إحداها يركض بندر الشابّ وفتاة قصيرة التنورة في مكانٍ ما من هنغاريا أيام حقبتها الشيوعية. تسريحته نفسها، براءته نفسها، والفارق الوحيد هو بياض الشعر الذي صنعته السنين، البياض وربما شيء كثير من الحزن والتعب. يقول إن طبخاته تقلق البعض: “يظنونها عشوائية. أنا أطبخ بقلبي”. بعد قليل، يقرع الباب ويدخل برهان بخاري، ثم يأتي نوفل نيوف وثائر ديب، ثم عابد إسماعيل وشاكر الأنباري. لا مفرّ من احتدام الأحاديث. بندر يعود إلى المطبخ ويتفقد الطنجرة. يستمع إلينا ويباغتنا أحياناً بملاحظات قصيرة تبين دقّة ما يتذكّره وتفشي عكس ما قد يوحي به طبعه. النقاشات الغاضبة لا تخترق ابتسامته المحصنة ضد الانفعالات وضد الحسد والكراهية. مائدته مفتوحة للجميع كمائدة وولت ويتمان (الذي أعاد عابد إسماعيل نقله إلى العربية، متجنّباً المآخذ على ترجمة سعدي يوسف المجتزأة)، مائدة “مهيّأة للجميع […] المحظيّة والانتهازيّ واللصّ مدعوّون، العبد ذو الشفتين الغليظتين مدعوّ، مريض السفلس مدعوّ؛ لن يكون هناك فرق بينهم والباقين”. 

تحت ساعة الحائط نسخة من ديوان بندر “مغامرات الأصابع والعيون” منزوعة الغلاف، تُسمَع في بساطة قصائده وإنسانيتها أصداءُ العالم، وأصداء الشعراء الذين اقترنوا في ذاكرتي باليساريين: نيرودا ولوركا، ناظم حكمت وماياكوفسكي وأراغون… بالنسبة إلي، الشعر في مكان آخر. هذه فكرة لا تطعن في رسوخ المحبة التي أكنّها لمن ينادون بالبساطة بين “شعراء الحياة اليومية”. أدرك المكانة الأثيرة لصالح الرياض الحسين. أحب مدائحه لغرف أصدقائه، وأظّن أن بندر قد نشر له بعد رحيله مجموعة “وعل في الغابة”. تتشعب الأحاديث الجانبية حول المائدة المستديرة. يقول ثائر ديب ضاحكاً إن بندر الطيّب أبو الطيّب رفيق سبّاق، فقد كان سجيناً سياسياً في سجن الشيخ حسن مطلع السبعينيات. برهان بخاري، بلسان أسلسه الكحول، يروي نكات يشفعها بقهقهات بطيئة، استهلها بطرائف عن مدير مركز ثقافي كان معروفاً بالسكتات في المواضع غير اللائقة، مثل الوقوف عند الباء في اسم “زبير”، أو الدال في كلمة “فقدْناك”، أو الكاف الوسطى في “بيكنيك”. يسترجع مرة أخرى حكايات زقاق شيكاغو، شارع الخمارات الدمشقي، وكيف حوّرها المحررون في جريدة “الدومري”، ثم يرفع كأس عرقه نخبَ السكران الذي خرج من خمارة هناك ليبول تحت المزراب في ليلة ماطرة ولم يعُدْ.

أعود إلى دعد حداد وفكرة طباعة أعمالها المبعثرة بين أصدقائها القليلين. لم أكن أعرف أن مروان حدّاد، مترجم مذكرات بونويل، شقيقها. لا أعرف تفاصيل قصتها العائلية وخفاياها ولا أستقصيها. ماتت وحدها داخل غرفة مستأجرة في شارع بغداد، محاطة بأدوية اكتئابها وأشباح وحشتها. ماتت رجاء طايع وحدها أيضاً، بعد رواية يتيمة هي “مانيفست الهذيانات”، طبعتها دار المدى. كنت قد سمعت أنها تربي قططاً كثيرة في عزلتها الطويلة، مثل أسماء عبد الوهاب البياتي في حي المهاجرين. قيل عنها ما يُقال عن دعد: إن قصة حب قد دمّرت حياتها. رأيتُ رجاء مرة في باص باب توما. باستعجال يلفت النظر، سارعتْ إلى الركوب وجلست على مقعد منفرد. في حضنها حقيبة سوداء ضخمة ثقيلة، أخرجت أوراقاً وبدأت تكتب وتشاجر الكلمات، بالمعنى الحرفي للمشاجرة. رأيت يديها ترتجفان، وكأنها تستعدّ لشتيمة مزلزلة، ثم سكتت وأغمضت عينيها. مات غالب هلسا أيضاً وحده في دمشق. يقول بندر: “سأريك في المرة القادمة الصورة التي التقطتها لغالب هلسا حين ذهبنا في الصباح الباكر لنفطر لدى بوز الجدي، آخر شارع الشيخ محي الدين”. أتخيّل غالب هلسا برأسه الأبيض تحت الخروف المرسوم في لافتة المحل، وأتخيّل نوم دعد حدّاد ذات مساء على الممسحة أمام باب بندر. كانت قد أتت على غير موعد كمعظم المتردّدين على المكان. حين سمعتِ الساهرين ونقاشاتهم الصاخبة وقرقعة الصحون والملاعق والكؤوس، خافت أن تقرع الباب. جلست بصمت وظلّت تنتظر حتى نامت على العتبة، قبل أن يتعثّر أول المغادرين من الندماء والسهارى ويرتطم رأسه بالجدار في الممر المعتم الضيق، وتوقظه الخائفةُ النائمة من سَكْرته.

 

قصائد مختارة لبندر عبد الحميد

 

النوم الكبير

 

لماذا كل هذا العواء

لا فائدة

كلمة مفيدة تكفي

انتهى النهار

وبدأت أوهام الليل

أستمع إلى موجز الأنباء

مئة مليون

في سجن صحراوي كبير

مساحته ثانية ضوئية واحدة

وعند البوابة الضيقة طائر ميت في قفص.

 

حلم في جفن

 

العواصف الصغيرة

مرت على الوجه واليدين

كحلم في جفن مسافر

وهذه يد دافئة

كجناح طائر غريب

تلملم أضلاعك المتناثرة

وتقرأ لك الأوراق البيضاء

وأمواج البحر

باللمسة الساحرة على الخد

وأنت نصف نائم

بالقبلة الصامتة بين الجفن والحاجب

بالكلمة التي تكشف اللغة

والحركة التي تصل الماء بالنار

حيث يتسع العش الصغير

ويصير الشتاء قميصاً دافئاً

شفتاك ثمرة يانعة

في شجرة وحيدة

في جبل صغير

في صحراء لا يعرفها أحد.

 

صمتاً

 

ما أجمل هذه الصخور المتكسرة

فوق المنحدرات الخضراء

أسمع الأغاني القديمة

للطبيعة المتجددة

وعشاقها الرائعين

صمتاً

لا تعترف بأخطائك 

لأنك ستكذب مرة أخرى

أيها الولد البائس الدبق

الناشف المتذبذب الكسول الجاهل الأكول

الراشي المتجاهل المرتشي المفسد المتنمّر المائع الفاسد

المتكبّر السارق الغبي الثري المنافق

صمتاً

ما أجمل هذه الصخور

فوق المنحدرات

عُدْ إلى الوراء

هذا طريقي

وقد لا تستحق صفعة

على قفاك

الذي يشبه وجهك.

 

حصار

 

في الداخل محاصرون

في الخارج محاصرون

والذي يرمي حجراً

يدعم الآخر 

والصامت مهزوم

في ظل الحصار

الطويل

في الأرض القديمة

الطيبة.

 

الرحلة القادمة

 

قليلاً قليلا

سأبتعد عن أصدقائي القدامى

عن الراقصين والنائمين

عن الملائكة والمشاغبين

عن المغامرين والمهزومين

الذين يتغيّرون مع الطقس

والذين لا يتغيّرون

سأرمي كتبي في الهواء

وأمدّ يدي إلى يدك

ونطير بين الناس

والأشجار.

 

حبة قمح

 

أظنّ أنّ الطقس يتغيّر قليلاً

بعد أيام

إنني أشمّ رائحة المطر

ما زلت أعمل في هذا السيرك اللعين

لست مدرّباً عجوزاً

ولا حيواناً أليفاً

عندي فكرة صغيرة

كحبة قمح

تنمو بين الصخور.

الكاتب: جولان حاجي

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع