إيزابيل الليندي: أين هي جذوري؟ هي في كتبي (ترجمة)

عبد الغني بومعزة

كاتب من الجزائر

شعر نيرودا يرافقها دوما: "أعيش اللّغة الانجليزيّة منذ 32 سنة، وأكتب بالإسبانيّة، إذن، قبل بضعة أسابيع من بدء كتاب جديد، أبدأ في قراءة نيرودا، يعيدني هذا إلى اللغة، أقصد لغتي، الاستعارات والمناظر الطبيعيّة لتشيلي."

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

21/01/2021

تصوير: اسماء الغول

عبد الغني بومعزة

كاتب من الجزائر

عبد الغني بومعزة

قابلتها كارتين كونروي لجريدة The Irish Times.

 

الكاتبة التشيليّة النّاجحة إيزابيل الليندي هي أحد أكثر الكتّاب الإسبان قراءة على نطاق واسع في العالم، لكن غالباً ما يتم رفض عملها باعتباره “تجاري جدًا” أو “كتب موجّهة للنساء”، تقول: “يحدث هذا لجميع النساء الكاتبات|، متحدّثة بلهجة موسيقيّة في منزلها بكاليفورنيا: “يستغرق الأمر وقتا  طويلا للحصول على نصف الاحترام الذّي يحصل عليه كلّ رجل لنصف العمل الذّي يقوم به، هناك، فكرة أنّ النساء يقرأن الكتب للرجال وأنّ الرّجال يقاومون قراءة الكتب للنساء، ما لم يكن الموضوع يهمهم، لأنّ النساء يهتممن أكثر بالقصص الشخصيّة، نريد الآن نسمع قصص من النساء والرّجال، وهذا ما يهمّنا أكثر، نتعلم من هذا”.   

وما الذي يبحث عنه الرّجال؟ .. 

التأكّد من صحّة أفكارهم، التأكّد من تجربتهم الخاصة، أنهم يريدون معرفة المزيد عن السّياسة، يقرؤون السّير الذّاتيّة ومعظمها خيالي.”

“انظر، لقد بعت 75 مليون نسخة من كتبي، هل تعتقد أنّه يزعجني إذا قال شخص ما أنّه لا يقرأني؟، أو، لأنّه في بعض الأحيان يقول شخص ما، أعرف انّك كاتبة لكنّني لا أقرأ كتب النساء، ويقولون ذلك في وجهي !، هل تصدّق هذا؟”، تقول ضاحكة، تضيف:”هل يمكنك أن تتخيّل العكس؟ إذا قلت هذا لرجل، أعرف أنّك كاتب، لكنّني لا أقرأ كتب الرّجال!”، الليندي لديها القليل من الوقت لمثل هذه السّخافات، هي الآن مشغولة بكتابة روايتها القادمة، في سن السّابعة والسّبعين، هي دائما غزيرة الإنتاج، لكن  طريقها إلى النجاح لم يكن بدون صعوبة. في أعقاب الانقلاب الدّموي الذي قام به بينوشيه سنة 1973 والذّي أطاح بابن عمّها (من الدّرجة الثّانيّة) سلفادور الليندي، أوّل رئيس اشتراكي منتخب لأمريكا اللاّتينيّة، واجهت إيزابيل مخاطر كبيرة بتنظيم عمليّات مرور لمواطنيها الشّيليين قبل أن تُجبر على الفرار، كتبت لحد الآن  أكثر من عشرين كتابا وفي سنة 2014 حصلت على ميداليّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة للحريّة، روايتها الأخيرة، بتلة البحر الطويلة مبنيّة على موضوعة متكرّرة في عملها، ترحيل النّاس، تهجيرهم القسري، قصّة هروب زوجين من الحرب الأهليّة الاسبانيّة إلى تشيلي على متن باخرة “وينيبيغ”، باخرة للاّجئين مستأجرة من الشّاعر الحائز على نوبل بابلو نيرودا، لينتهي بهما المطاف تحت رحمة ديكتاتوريّة بينوشيه، في مناسبات عدّة، يقلب العسكر حياتهم رأسا على عقب، بحيث تحوّلت منازلهم إلى غير دائمة، متنقلة، وحياة عائلاتهم ينهشها الخوف والقلق الدّائمين. في النّهاية شعرت الليندي بأنّها مضطرة لكتابة هذه القصّة والتّي حكاها لها زميل لها منفي في فنزويلا قبل أربعين سنة، هو نفسه سافر على باخرة “وينبيغ”، تقول: “الجميع يتحدّث عن هذا، إنّه شيء حاضر بقوّة، ولأنّني واجهت كلتا الحالتين، عشتهما، أوّلا كمهاجرة ولاجئة، أستطيع أن أفهم المشاعر.”  

التّاريخ يعيد نفسه

تقول بأنّ قصّة لاجئي باخرة “وينيبيغ” هي”نوع من النهايات السّعيدة”، نظرا للطريقة التّي تمّ استقبالهم فيها في تشيلي، وفي نفس الوقت الطريقة التّي ساهم فيها اللاّجئون في إثراء الثقافة المحليّة، مع ذلك، تصرّ “ليس في نيّتي تقديم المواعظ، أريد فقط أن احكي قصّة”، رغم ذلك، من الصعب أن لا ترى هذه  الرّوايّة كتذكير لتكرار الظاهرة التّاريخيّة التّي لا تنتهي، ما يقارب نصف مليون لاجئ ناطق بالفرنسيّة فرّوا من إسبانيا مع وجود هذا العدد منهم في محتشدات بفرنسا، أشخاص هربوا من بلدان أصبح اللجوء إليها اليوم ممكنا ومطلوبا. ما الذّي تشعر به الليندي عندما ترى فاشيّة زاحفة في بيتها بالتبني الولايات المتّحدة الأمريكيّة؟ تقول: “لقد عشت طويلا بما يكفي لأعرف أنّ هناك دائما، في كلّ بلد، جزء من السّكان يعتنقون المبادئ الفاشيّة، وأنّه نظرا للظروف السيّئة فإنّها تظهر”، تتذكر أنهّا انتقلت للولايات المتّحدة الأمريكيّة عام 1987 وأنّها قالت لزوجها في ذلك الوقت  وليام جوردون: “بأنّها عملياً دولة فاشيّة، قال:

ـ عن ماذا تتحدّثين؟ إنها مهد الدّيمقراطيّة.

ـ إنها خرافة، قلت.”

“الولايات المتّحدة الأمريكيّة قبليّة في العمق، لديك أمم داخل أمم، في هذه اللّحظة، الانقسام قوي لدرجة أنّ النّاس لا يتحدّثون مع بعضهم البعض، إنها”مرعوبة” من احتمال بقاء ترامب في السّلطة لأربعة سنوات أخرى، لكن ليس لديها رؤيّة “ديستوبيّة” لما سيحدث في المستقبل: “لقد عشت طويلا بما فيه الكفاية لأعرف أنّ الإنسان يتطوّر، وأنّ الأمور ستتحسّن دوما، حتّى ولو لبعض الوقت، يبدو أنّنا نمتلك ردّة فعل عنيفة، ونعود للأوقات العصيبة، المنحنى هو نحو مزيد من الدّيمقراطيّة والمزيد من الشّموليّة، المزيد من التّعليم، قليل من الفقر، لقد ولدت في منتصف الحرب العالميّة الثّانيّة، لقد كانت فترة مروّعة، لم تكن الأمم المتّحدة موجودة، النسويّة كانت في بدايتها، لم يكن هناك وسائل لمنع الحمل، لم يتم بعد اختراع حبوب منع الحمل.”

تصف نفسها بأنّها نسويّة منذ كانت في الخامسة من عمرها عندما كانت الكلمة غير معروفة في شيلي، هي أسيرة ومنجذبة نحو المظاهرات الجماهيرية الأخيرة في بلادها ضدّ عدم المساواة الفظيعة ومن قبل النساء المحتّجات ضد ثقافة الاغتصاب: “لديك عدد قليل من النّاس لديهم ثروة  غير مشروعة، هناك أربعون بالمائة من السكّان عاجزين عن دفع تكاليف الخدمات الأساسيّة لأنّه تمّ خصخصة كلّ شيء نحن نعيش بموجب دستور وضعه نظام بينوشيه سنة 1980 سمح لمجموعة من النّاس المحظوظين من تملّك البلد، فجأة، هناك هذا الانفجار الغاضب.” 

رجال وسلطة

يائسة من”التأثير الشّديد والمستمر للكنيسة الكاثوليكيّة” في بلادها على الرغم من فضائحها من ظاهرة التحرّش بالأطفال، تخبرني كيف تمّ  تشريع الإجهاض مؤخّرا فقط، وفي ظروف محدودة للغايّة، بعد سنوات من الاحتجاجات: “أكره الدّين المؤسّسي، كلّ ما له علاقة بالدّيانة الرسميّة”، كما تضيف: “هم أبويون، يحطّون من قيمة النّساء، يجب أن تؤمن بعقيدة تفيد دائما الرّجال الذّين يملكون السّلطة”، عندما توفيت ابنتها باولا في التّاسعة والعشرين من عمرها، أسّست الليندي مؤسّسة خيريّة تحمل اسمها، مهمّتها تمكين النساء والفتيات من المسؤوليات، الحق في الإنجاب في رأس قائمة جدول الأعمال: “المرأة التّي ليس لديها السّيطرة على خصوبتها لا تملك الحقّ في السّيطرة على أيّ شيء، لا تملك جسدها >> . 

تصف روايتها الجديدة بأنّها “تكريم لبابلوا نيرودا”الذّي جعل تاريخ الباخرة”وينبيغ”ممكنا عن طريق ترتيب تمويل سفينة اللاّجئين، كان قد التقت بالشّاعر مرّة واحدة ولفترة وجيزة عام 1973، هذا قبل الانقلاب: “كنت مراسلة صحفيّة سيّئة، أدرك ذلك على الفور، قال أنّني أعاني الكثير من المخيّلة، سأفعل أفضل بالخيال”، مع ذلك، تعرف أنّ بابلو نيرودا لا يحظى بتقدير كبير من قبل جميع الشّيليين، تذكر أنّه كان هناك مشروع إعادة تسميّة مطار سنتياغو باسم الشّاعر فقوبل بمعارضة شديدة. حركة مي توو في الشّيلي، النساء الشّابات اللّواتي أكنّ لهن احتراما كبيرا هاجموه، تعرّض تقريبا للرقابة لأنّه اعترف في مذكّراته بأنّه اغتصب امرأة في تايلندا، نعلم أنّه تخلّى عن ابنته المريضة نفسيا، لكن إذا قمنا بممارسة الرّقابة على عمله، فلن يتبقى شيئا منه، لأنّ البدء في النظر إلى الرسّامين والموسيقيين، حتّى العلماء، الجميع، بالنسبة لي أفرّق بين حياتهم وعملهم. 

شعر نيرودا يرافقها دوما: “أعيش اللّغة الانجليزيّة منذ 32 سنة، وأكتب بالإسبانيّة، إذن، قبل بضعة أسابيع من بدء كتاب جديد، أبدأ في قراءة نيرودا، يعيدني هذا إلى اللغة، أقصد لغتي، الاستعارات والمناظر الطبيعيّة لتشيلي.”

تجلب الكتابة النظام إلى عالم إيزابيل الليندي: “هذا يساعدني على فهم فوضى الحياة”، توفيت والدتها العام الماضي، ومع موتها وضعت حداً لطقوسها الليليّة بحيث كانت تكتب إليها حول أحداث اليوم، أفكارها وأحلامها: “كان الأمر أشبه بتتبّع حياة داخليّة لم أعد أفعلها الآن، أفتقدها بشكل رهيب، أعتقد أنّ هذا هو السّبب في أنّني أقترب من 8 يناير ولا أعرف ماذا سأكتب”، هناك تقليد راسخ لديها وهو أنّها تبدأ كتابة كلّ كتاب في 8 يناير، تاريخ الذي بدأت فيه أوّل رواياتها «بيت الأرواح»، إنّه أشبه بخرافة ذات عنصر عملي: ” أحتاج إلى القليل من الانضباط، إذا لم يكن لديّ وقت للبدء، فسأماطل للأبد”. وإذا لم تتمكّن من كتابة الخيال فسوف تهب نفسها لمهمّة صحفيّة: “عليّ أن اكتب، إذا لم أكتب، أجعل الجميع يشعرون بالجنون، أنا مفرطة ومغالية ومتسلّطة.”

“الألم أمر لا مفر منه لكن المعاناة اختياريّة”، وفقا لشخصيّة روايتها الجديدة، ينطبق هذا الموقف عليها ممّا يحفزها من خلال الاضطرابات السّياسيّة والزّوجيّة وموت ابنتها: “في عائلة أمّي، يمكن القول أنّ 90 ٪ من أفرادها يعانون من الاكتئاب بطريقة أو أخرى، وأنا لست كذلك، لم أشعر قط بشلل له علاقة بالحزن أو التشاؤم، آمل أن تتغيّر الأشياء، ربّما للأفضل”. 

موت ابنتها

 تتذكّر، رواية «باولا» كتبتها على جانب سرير ابنتها عندما كانت هذه الأخيرة في غيبوبة بفعل البُرْفيرِيَّة، بحيث يعتبر الكثير بأنّها تحفة روائيّة: “عرفت أنّه بعد موت باولا، سأعيش مع هذا لبقيّة حياتي وما كنت أعرفه، أيضا، هو أنّه لن يكون هناك ألم مماثل، لذلك، على سبيل المثال، عندما انفصلت عن ويلي منذ أربع سنوات، قال لي الجميع كيف يمكنك أن تكوني مستعدّة للطلاق في سنّك -كان عمري حينها 72 سنة- وستقضين بقيّة حياتك وحيدة، أنت فعلا شجاعة، قلت أنّ الأمر يتطلّب شجاعة أكبر للبقاء في علاقة سيّئة بدلا من الانفصال”، تضيف: “كنت أعرف أيضا أنّ هذا النوع من الألم والإجهاد لم يكن مماثلا لما حدث لي مع باولا، لم يكن حتى عشرة بالمائة، إذن، كيف يمكن أن يحطّ من قيمتي ويهينني؟ إنه غريب جدا، ألم فقدان طفل، تصف الذكرى الأخيرة لوفاة باولا والرّسائل التّي تلقتها من القرّاء: “أحبّ ذلك لأنّني لا أريد النسيان، يجعلني هذا شخصا أفضل لأنّني أستطيع أن أفهم الحزن وفقدان الآخرين”، العقل الغامض وانفتاح إيزابيل ساعداها دائما في عملها، تتحدّث عن الوسائط الرّوحيّة التّي تتحدّث إليها وتستخدمها (أيهواسكا، اياهواسكا أو ياغي، خلطة نباتات تزوّد مستخدمها بهلوسات بصريّة وهي شائعة لدى قبائل غابات الامازون): “لا أتعاطى المخدّرات في العادة، لكنّني تناولتها مرتين تحت المراقبة، المرّة الأولى من أجل  صفاء الذّهن من أجل كتابة كتاب رائع للمراهقين، المرّة الثّانيّة؟ كنت أعاني من أزمة سيّئة في زواجي وكنت أعتقد أنّ ذلك سيساعدنا.” 

لم تنجح خلطة “شاي أيهواسكا”معها وبعد طلاقها من ويلي، التزمت بحياة وحيدة، لكن حب جديد ظهر منذ ثلاث سنوات، سمعها تتحدّث على الرّاديو وبدأ الكتابة إليها كلّ يوم: “عندما التقينا، سألته بصراحة، ماذا كانت نواياه لأنّني كبيرة السنّ، ليس لديّ وقت لأضيّعه، تزوجنا قبل أربعة أشهر، إنّه رجل لطيف للغايّة، هذا ما كنت أبحث عنه، اللّطف، إنّها جودة إنسانيّة نادرة”. منزلها الآن في كاليفورنيا، لكن عينيها لا تزال دائما على تشيلي، وذلك يعطيك، بطريقة ما، الانطباع بأنّك في المنفى: “أشعر وكأنّني غريبة في كلّ مكان، غريبة عن الحياة، لأنّ حياتي متوقفة على الانتقال من مكان إلى آخر، وأين هي جذوري؟ أودّ أن أقول أنّها في كتبي، هي في النّاس الذّين أحبّهم، لن أنتمي أبدا إلى مكان ولن أفهم كلّ القواعد، تعقيدات القواعد، هي جيّدة للكاتب، تواصل الاستماع والمراقبة وطرح الأسئلة”، سوف تستمرّ في العودة إلى تشيلي من خلال قصصها: “إذا كتبت عن مكان آخر، يجب أن أقوم بالبحث، أمّا الشّيلي فهي في عروقي.”

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع