كتبتها لورينا تورد لصحيفة El comercio، ونشرت بتاريخ ٢٦/٠٨/٢٠٢٠
سنة 1977، اجتمع الصحافي البيروفي لويس إنريكي تورد مع الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. ابنة لويس أنريكي تورد الصحافية لورينا تورد تستحضر ذلك اللقاء على صفحات الأرشيف التاريخي لجريدة التجارة البيروفية بمناسبة مرور 121 على ولادة الكاتب الأرجنتيني الكبير.
في عام 1978، ذهب الصحفي البيروفي الشاب لويس إنريكي تورد (ليما، 27 يناير 1942 – 2 يونيو 2017) للبحث عن الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس (24 أغسطس 1899 – يونيو 14 يونيو 1986) بفندق في كوسكو (البيرو). عرف تورد أن بورخيس، الذي كان معجبًا به بشدة، كان في المدينة الإمبراطورية مع ماريا كوداما، وجاء إلى المكان يأمل أن يحييه ويهديه كتابه الأول “أحداث كوسكو” (1977). كان بورخيس الكبير آنذاك يبلغ من العمر 79 عامًا تقريبًا.
استقبل الأرجنتيني البيروفي بلطف، وفي منتصف المحادثة بينهما، ذكر بورخيس أنه سليل الفاتح كابريرا، مؤسس قرطبة دي توكومان. سأله تورد: “هل تعرف إذن بيت جيرونيمو لويس دي كابريرا، هنا في كوسكو؟” وهذا جعل من الاجتماع حدثاً لا يُنسى، ليس فقط للصحفي والكاتب البيروفي، ولكن أيضًا لخورخي لويس بورخيس، الذي ذكر هذا اللقاء في أكثر من مقابلة. يصف تورد المحادثة:
– انظر، لويس إنريكي، ونحن نتحدث عن الألقاب لدي أصول تنحدر من الفاتحين مثل غاراي، مؤسس بوينس آيرس، كابريرا، مؤسس قرطبة دي توكومان.
– هل تعرف إذن منزل جيرونيمو لويس دي كابريرا هنا في كوسكو؟
– منزل كابريرا؟ كيف! أين هو؟ لم يكن لدي هذا المرجع. لكن هل نتحدث عن كابريرا نفسه؟
– نعم عن نفس الشخص. السيد جيرونيمو لويس دي كابريرا Don Jerónimo Luis de Cabrera y Toledo، مؤسس إيكا في بيرو وقرطبة ديل توكومان. إذا كان لديكم وقت أستاذ، نذهب لزيارة المنزل، إنه يقع في ساحة الناصرة Plaza de las Nazarena.
– لنذهب! نسأل ماريا كم سنستغرق من الوقت. إذا قلتَ أنه خلال خمس دقائق سنصل بسيارة أجرة
– دعنا نذهب على الفور!
منزل الأجداد
قضى لويس إنريكي تورد جزءًا كبيرًا من إقامته في كوسكو في دراسة المباني الاستعمارية للمركز التاريخي للمدينة وكان هذا موضوعًا مهمًا للغاية في كتابه “أحداث كوسكو”، الذي قدمه للتو إلى بورخيس. كان يعرف جيدًا ما كان يقوله. كانت رحلة بورخيس وكوداما، التي كانت ستغادر المدينة في ذلك اليوم، قد تأخرت لمدة ساعة تقريبًا. يصف تورد تلك اللحظة التي لا تنسى في مقال نُشر في صحيفة لا برينسا La Prensa يوم الأحد 10 ديسمبر 1978:
“كان لا يزال هناك خمسون دقيقة للذهاب إلى المطار. تم تحديد الرحلة إلى الماضي. في سيارة بيضاء، مررنا أمام شوارع الشمس، القديس دومينغو، القديس أوغستين، الحدادين وشارع القصر. في ساحة الناصرة، نزلنا أمام المنزل الكبير الذي أصبح الآن مدرسة. من على الرصيف يمكنك أن تشعر بمشاعر بورخيس، من خلال اندفاعه، نبضه ويديه. طلبَ وصفًا للمنزل: طابقان مرتفعان، ونوافذ كبيرة ذات قضبان، وبوابة واسعة، وشرفة مركزية طويلة تخفي الدِّرع الحجري القديم. بدا سحر الزيارة وكأنه يغير صورة الكاتب اللامع. قرر الصعود حتى عتبة الباب.”
صباح العناية الإلهية
كان خورخي لويس بورخيس أعمى لأكثر من عشرين عامًا ولم يستطع أن يرى بأم عينيه منزل أسلافه أمامه. ساعده تورد في مد يده إلى مطرقة الباب حتى يتمكن بورخيس من طرق الباب ويصف المشاعر المختلطة عندما قرع بورخيس حلقة البوابة القديمة: “غمره الحماس. ترددت أصداء الضربات في الفراغ في الردهة وفي الفناء الرئيسي الكبير. كان ذلك يوم الأحد ويبدو أن المنزل غير مأهول. في نهاية الضربة الأخيرة، أخبرني الأستاذ بصوت ناعم: – إنه صباح العناية الإلهية: إنه لقاء مع أشباح الماضي. لقد أهديَتني ساعة لا تُنسى “
أخد تورد بورخيس داخل المنزل ووصف بالتفصيل الجولة التي قاموا بها داخل الموقع القديم وكيف “لمس خورخي لويس بورخيس السطح البارد للأعمدة الحجرية، والحوامل الخشنة، والقواعد البالية والمسامية”. أخيرًا ، صعد كلاهما إلى الشرفة في الطابق الثاني، حيث يمكن رؤية ساحة الناصرة وحيث يمكنك العثور على شعار موقع كابريرا القديم. عن ذلك يقول تورد: “بعد ذلك، وجهت يده الحساسة والرائعة -تلك التي خطَّت العديد من القصائد والقصص التي لا تنسى- على الريش والخوذة الحجرية، ثم بعد ذلك، إلى أسفل، على النقوش البارزة على شعار كابريرا: عنزة عابرة وشِعار آخر. بدت أصابع بورخيس وكأنها تنزلق، وفي ذلك الصباح العظيم، عاد الشاعر، الراوي، فجأة بموهبته القوية، من خلال الأشكال التي يقضمها المطر والوقت، ليتذكر الخطوط الهشة والمعقدة والدقيقة لرابطة الدم التي تُناديه منذ أربعمائة عام مضت”.
روح أنيقة ومتناغمة ومهذبة
من المثير قراءة هذا البيان الصحفي على ورق أصفر يتزايد اصفرارا، بعد أربعين عامًا ومع طباعة حروف بأسلوب الآلات الكاتبة القديمة في ذلك الوقت. مقال لا يُنسى يختتم بنهاية عاطفية:
“(…) ودّعت ذلك الرجل الاستثنائي الذي سافرت معه لمدة ساعة في الماضي. وجددت معه، من بين السحر المشع للمدينة الإمبراطورية، احترامي لروح أنيقة وحيوية ومهذبة، والذي، على وشك أن يبلغ من العمر ثمانين عامًا، ولم يعد قادرًا على الإعجاب بالعالم بعينيه، فهو يمشي فضوليًا ومتحمسًا ولطيفًا (…) – وداعًا أيها المعلم. أعتقد أن صباحًا واحدًا على الأقل يوحَّدني مع السيد جيرونيمو لويس دي كابريرا. – هذا صحيح لويس إنريكي، مع كابريرا … ومع بقية الكون “.