أعلنت “مؤسسة الفيلم الفلسطيني” عن مشاريع الأفلام التي ستشارك في القسم الوثائقي لمهرجان كان السينمائي، CannesDoc، لهذا العام، وسوف تضم المشاركة أربعة أفلام وثائقية تضيء على مختلف جوانب التضامن والحياة الفلسطينية كذلك والتعامل مع الصورة كأرشيف، وهذا ما يميز مشاريع هذا العام؛ تقديم الصورة التي يتعامل بها المضطهَد مع مضطهِده ولكن بنظرة شاملة تقدم التضامن كعدوى عالمية لا تخضع لضوابط أبداً، وتقديم فلسطين كفكرة تتضامن بإطار عالمي مع كل لاجئ عبر السينما المصنوعة للتغيير ومن خلال طرح أربعة أفلام تتحدث عن أشكال مختلفة من الاضطهاد والتضامن التوثيق.
أكدت المؤسسة أن 80% من الإنتاج السينمائي الفلسطيني هو وثائقي ويندرج في إطار التوثيق للممارسات اليومية، ولكن ما يميز الأفلام الأربعة المشاركة لهذا العام هو قدرتها على النظر إلى الزمن، لأن الاحتلال لن يستطيع القبض على المكان إلا من خلال القبض على الزمن، ومن هنا تأتي السينما لاستعادة الثقة ولتبني تراتبية مع الزمن للتحكم به، وحول الجهود التي تقدمها المؤسسة للمشاركين أكدت أنها حرصت على تقديم إطار للبحث والتطوير من خلال تمكين العلاقات التي يتمكن من خلالها المشارك من تعزيز فكرة فيلمه والعمل عليها، والتدريب والتوجيه لكي يصدر الفيلم بالصورة التي يستطيع من خلالها المشاركة في المهرجان.
CONCRETE LAND
يوثق فيلم concrete land للمخرجة أسمهان بكيرات حياة عائلة بدوية فلسطينية لاجئة من بئر السبع وتسكن حالياً على أطراف مدينة عمان، يضيء الفيلم على الحياة بكل معانيها ضمن صراع البقاء والحفاظ على الهوية، ويصور من جهة أخرى التصادم الرهيب بين حياة البداوة والتحضر، كما يستعيد بجزئه الكبير صورة الإنسان في مرحلة التناقضات الكبيرة التي تبلورت في الفترة الأخيرة من حياة المدينة، ويسلط الضوء على التغييرات الصغيرة التي تحدد حياة الأسرة وتفرض عليها نمط عيش مختلف عن ثقافتها ودورها في الحياة، الأمر الذي يفرض على أفراد العائلة تحدياً كبيرة في المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم وحدود هويتهم، كما يضيء على الجانب الإنساني منهم وعن علاقتهم بالآخر ومع أنفسهم وعن صراع الأجيال فيما بينهم، وكذلك عن علاقتهم بالطبيعة كمصدر أساسي للتوافق مع الحياة.
قالت المخرجة أسمهان بكيرات لـ “رمان” حول فكرة الفيلم “إن أساس الفيلم هو التصادم بين التحضر والبداوة، ولكن أسئلة الهوية والعادات والتقاليد استيقظت من سياق الفيلم، إن ظروف التأقلم في عالم ضيق هي ما تفرض على العائلة رغبة التعايش، ولكن ما يحد العائلة من صعوبات يعطي الفيلم بعده الحقيقي الذي يمكن من خلاله فهم علاقة الإنسان مع محيطه، كما يمكن اعتبار الفيلم توثيقاً لنهاية البداوة، خاصة الفلسطينية التي أتت لاجئة إلى الأردن وتعايشت مع ظروف صعبة، وأكدت أنه كان لا بد من إضاءة على هؤلاء الناس في إطار الممارسة التي تشكل توزعهم وحياتهم، ويمكن إسقاط مضمون الفيلم على فكرة اللاجئ أينما كان في محاولته الدائمة للتعايش”
وحول مشاركتها في مشاريع المهرجان، أكدت “أنها مشاركة تنعكس على الأفلام الوثائقية في المنطقة، وتضيء على جانب إنساني في إطار عالمي، تفتح الأبواب للمشاركات العربية، ويمكن من خلالها فهم الجانب الإنساني لفئة موجودة بيننا في الحياة وتعيش ظروفاً طارئة، وفهم الإنسان بشكل أدق وأوضح، وتستعيد الوعي الجماعي للمشاركة والتفاهم”
THREE PROMISES
بنظرة استرجاعية يستعيد مخرج فيلم three promises يوسف سروجي أحداث الانتفاضة الثانية من خلال عائلته التي تعايشت مع لحظة الانتفاضة من خلال الأم التي تصور لحظات المواجهة من داخل المنزل، وتعيد صياغة المشهد ولكن لعائلة تتفاعل مع الحدث الكبير وكيف تؤثر هذه التغييرات على الأفراد.
يكتسب فيلم سروجي أهميته من كونه أول فيلم خالٍ من صور الجنود عن الانتفاضة، ويضيء الفيلم على الجانب الداخلي من التأثيرات التي فرضتها الانتفاضة على العائلات، كما يقدم الفيلم الاحتمالات التي حاصرت عائلته في عالم منتفض يفتح أبواب المواجهة مع الاحتلال.
ويعود الفيلم بالزمن ليقدمه الآن كلحظة مستمرة وأن الذاكرة لا يمكن تقدمها كمادة متقطعة بل هي سلسلة تستعيد وعيها من خلال الحاضر، وتنبض تأثيراتها في المستقبل، فمن خلال مشاهد التصوير التي التقطتها عائلة السروجي في الانتفاضة طرحت أسئلة الزمن وعن تأثيرها في اللحظة الحالية، وأن الفيلم هو لحظة استعادة للأسئلة والاحتمالات التي أضاءت عليها الانتفاضة.
كما يطرح الفيلم مسألة النجاة والسفر من وجهة نظر الأم التي شاركت الانتفاضة من خلال تصويرها اليومي للأحداث وتأثيرها على العائلة، وبذلك يدور الفيلم حول ثلاث لحظات حاسمة في حياة العائلة التي عاشت الانتفاضة لكن من زاوية أخرى غير التي اعتدنا على رؤيتها في غالباً.
وكان قد حاول مخرج الفيلم التعامل مع الصورة التي يقدمها من منطلق التأمل لما حدث، وكيف تقود التغييرات الأثر الحقيقي للحاضر، والتعامل مع الزمن كمرآة كبيرة يمكن من خلالها البحث عن الصورة الأكبر لحقيقة ما حدث، ومن هنا تأتي أهمية مشاركة الفيلم في مشاريع المهرجان، كونه يعيد اللحظة في بحثها عن الحاضر التي وصلت إليه، وكيف يمكن التعامل في إطار عالمي عن سبيل النجاة في واقع محاصر تعيش العائلات فيه هيمنة الخوف والنجاة والهجرة.
ALPES
يقدم فيلم alpes للمخرج نائل خليفي صورة التضامن الكبيرة التي تضمنها فلسطين للعالم، من خلال قصة فيلم يشرح معاناة اللاجئين الذين يعبرون الحدود الفرنسية الإيطالية من جهة جبال الألب، ويعيد صياغة معاني التضامن من خلال الأشخاص الذي يعبرون ليلاً لمساعدة اللاجئين في عبورهم المحتوم والخطير جداً، ومن خلال مساعدتهم ينجون في رحلة لجوء تمتد لأشهر.
يصور المخرج من خلال الفيلم صور اللجوء الكبيرة التي تحاصر الإنسان، التي تسلط الضوء على معاناة اللاجئين في العالم، كما تضيء من خلال فلسطين على القيم التي يحتاجها الإنسان للنهوض في عالم متوتر يرفض الآخر، وينفتح من جهة أخرى على مفهوم التضامن الذي نرى من خلاله الزمن وهو يصيغ من جديد معاني التهجير واللجوء في مراحله المختلفة.
كما تأتي المشاركة بوابة لإظهار الدور الذي تلعبه السينما لنقل المعاناة اليومية للاجئين، وصورة كبيرة لضرورة تأمل أحوال اللاجئين وسبل نجاتهم.
وحول هذه المشاركة التي تأتي من زاوية فلسطين تقول “مؤسسة الفيلم الفلسطيني” إن هذه المشاركة هي رسالة مفتوحة لنقول أننا متضامنون مع كل لاجئ، ونرى في المعاناة رسالة يمكن نقلها من خلال السينما.
THE LAST PROJECTIONIST
بهدوء يصور فيلم the last projectionist للمخرج ألكس بكري فكرة موت السينما في مجتمع يتطور عبر الزمن، من خلال شخصية حسين الذي يعتبر آخر عارض أفلام في مدينة جنين ويحاول استعادة وظيفته بعرض الأفلام في سينما تحاول استعادة دورها، يعتبر الفيلم لحظة تأمل دقيق بحياة السينما في المجتمع الذي يفرض عليه الزمن شروطه، ويعيد صورة المهن السينمائية اليدوية التي كان يتعامل معها حسين في سينما العرض اليدوية التي يتقنها وكان شغوفاً بها، ومن خلال هذه الشخصية نرى تكثيفاً واضحاً لمهنة اندثرت مع الزمن، وماتت في مجتمع يتعامل مع السينما في سياقها التجاري، ومن هنا تأتي أهمية الفيلم من سياق تأمل الزمن في معاني دوره في السينما وفهم التطورات في مجتمع تموت فيه السينما ببطء ولا تستعيد دورها كأداة اكتشاف للعالم.
وحول الفيلم أكدت المؤسسة “أن الفيلم يعيد سياق حياة السينما في المجتمعات، ويسلط الضوء على موتها المتأصل في زمن يتطور، وشخصية حسين هي مثال عن هذا التطور، وصورة عن موت السينما في المجتمع الذي يجب أن تكون فيه أداة للمعرفة.”
تستعيد السينما صورتنا الكاملة في المشاركة العالمية، وتوثق حكايتنا التي لطالما حرصنا على سردها، لتتحول الصورة إلى شكل من أشكال التواصل والنضال، وتمثل العبور المفتوح على جميع احتمالات التغيير والتضامن، لنقدم في كل عام في مهرجان كان السينمائي، بأقسامه المتنوعة، فكرة فلسطين الشاملة التي تنهض لتقديم صورتنا إلى العالم من الباب الكبير الذي نرى من خلاله مشاركتنا كأداة تنقل ثقافتنا التي لطالما حرصنا على حمايتها مع الزمن، وتحرص “مؤسسة الفيلم الفلسطيني” على التعامل مع السينما كإرث، تستلهم من مؤسسات السينمائية النضالية دورها، من خلال الربط بين العمل السينمائي والنضال ليكون عملها متمركزاً حول الحفظ والنشر والإنتاج والدعم المستمر للسينما الفلسطينية لتقديمها إلى العالم.