“الواقعيّة” عند لوكاش وبريشت وأدورنو

Ludwig Knaus, Die Spieler, 1853

سوار ملا

كاتب من سوريا

يسعى بريشت بوساطة تقنيّةِ التغريبِ إلى تخليص الحياة اليوميّة من طابعها الروتينيِّ التلقائيّ وعرضِ تفاصيلِها بصورةٍ تدفعُ المرءَ إلى التعجُّبِ منها وكذلك التفكّر بإمكانات تغييرها. بالنسبة لبريشت ليست الحياة اليوميّة أمراً بديهيّاً أو بالغ الوضوح إطلاقاً، لذا يُحاولُ عبر أسلوبِه التغريبيّ أن يميطَ اللثام عن التناقضات الغائصة في جوفِ الحياة اليوميّة،

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

08/09/2021

تصوير: اسماء الغول

سوار ملا

كاتب من سوريا

سوار ملا

ومترجم

تحظى الواقعيّةُ كمبدأ فنّي-جماليّ بقيمةٍ جوهريّة لدى المنظّرين الماركسيين، المُنطلقين في رؤيتهم للفنِّ من اعتباره قائماً على بنيّة تحتيّة ماديّة وابناً حتمياً لشرطه التاريخيّ – الاجتماعيّ، والرافضين للفنّ بصيغته الماورائيِّة ولفكرةِ الجماليِّ المكتفي بذاته، والمُبغضين، بطبيعة الحال، لكلِّ فنٍ “عدميّ أو اختزاليّ”. 

بتشديدهم على تاريخيّة العمل الفنّي ينطلق المنظّرون الماركسيّون من اعتقادٍ راسخ بأنّ الإحاطة بالشروط التاريخيّة التي تشكَّلَ في كنفها عملٌ فنيٌّ ما، أساسيّةٌ لفهم معناه الراهن؛ لذا اكتراثهم بالسياق الاجتماعي والثقافي وشروط الإنتاج السائدة وقتَ نشوء العملٍ الفنّي، إذ يعدُّونها متشابكةً معه بحيث تبطلُ كلّ محاولة لفصلها عن عمليّة تشكّله وإبصاره النّور. إنطلاقاً من ذلك يمكنُ القول إنّ مُعاينةَ العمل الفنّي في السياق الماركسيِّ تتمُّ، في العمق، باعتباره وسيلةً اجتماعيّةً تنويريّة وأداةً تاريخيّةً معرفيّةً تفيدُ في إزالة اللبس عن الوضعيّة السياسيّة والثقافية والاجتماعيّة لمرحلة معيّنة. بهذا المعنى تكونُ القيمة التاريخيّة للفنّ كامنةً في قدرتِه على عكسِ الواقع وكشف تناقضاته، إذ إنَّه -الفن-، بلسان برتولت بريشت، ملتصقٌ بالتاريخ وصانعٌ له. 

هذا التشابكُ الحتميُّ المفترضُ بين الفنّ والواقع أدّى لبزوغ جدلٍ فكريٍّ امتدّ أعواماً بين عددٍ من المُنظّرين والفنانين الماركسيين حول مفهوم الواقعيّة في الفنّ. 

في هذا المقال سيُسلّطُ الضوءُ على واحدةٍ من أهمّ مستويات هذا الجدل، بل وأكثرها قيمةً وحديّةً، بين ثلاثة من أبرزِ ماركسيِّ القرن المنصرم: جورج لوكاش، برتولت بريشت وتيودور أدورنو.

جدل لوكاش وبريشت حول الواقعيّة

لا بدّ في البدء من الإشارة إلى أن جدل الواقعيّة هذا منبثقٌ عن نقاشٍ ماركسيٍّ حادٍ دارَ في ثلاثينيات القرن العشرين على صفحاتِ مجلةِ المهاجرين الألمانِ “الكلمة” – الصادرة في موسكو والتي كان برتولت بريشت أحد مؤسسيها- حول معنى وجدوى “التعبيريّة”؛ حيث تمَّ في خضم هذا النقاش حامي الوطيس التطرّق في أكثر من مكانٍ إلى علاقة الفن بالواقع، ومعنى أن يكونَ الفنّ واقعيّاً، إلا أنّ مساهمة جورج لوكاش المعنونة بـ ” الواقعيّة هي المسألة” تعدُّ الحجر الأساس الفعليّ لجدلٍ سيستغرقُ سنيناً من التنظيرِ والمحاججة والقدح الفكريّ والمعنويّ، لاسيما بين لوكاش وبريشت، ولاحقاً أدورنو. ولا مناص، قبل الولوج في عمقِ هذا الجدل، من التعرّض للأرضيّة السياسيّة-الآيديولوجيّة الكامنة خلفه، إذ من المعلوم أن الباعثَ الآيديولوجيّ لكلٍّ من لوكاش وبريشت مشتركٌ من حيث الغايةِ النّهائيّةِ، لكنّهما يتمايزان، إلى حدّ التناقض في بعضِ الأحيان، لاسيما في نظرتهما لآليّة بلوغ هذه الغاية، أي في كيفيّة تحقّقها على أرض الواقع. لذا يمكن القول بأنّ جدل الواقعيّة هنا ليس جدلاً حول أسلوبٍ فنّي أو مرحلةٍ فنيّة معيّنة فحسب، إنما، في جوهره، جدلٌ سياسيٌ-آيديولوجي، إذ كان بريشت، في حينها، قد حسمَ موقفه من أن البروليتاريا الثائرة وحدها القادرة على مجابهة الفاشيّة، في حين كان لوكاش يجدُ في الثورة الديمقراطيّة – على طريقة الثورة البرجوازيّة الكلاسيكيّة – أفضل سبيل لمقارعة التمدّد الفاشي. بشيء من الاختزالِ – غير الضارِّ كما آملُ- يمكن إرجاع هذا التضاد السياسيّ بين لوكاش وبريشت، الهامِّ، بل الأساسيّ للإحاطةِ بمفهوميهما للواقعيّة في الفنّ، إلى رؤاهما حول سبلِ مجابهة الفاشيّة، فكان بريشت ذا نظرة يساريّة متشدِّدة، بينما لوكاش بقي متمسّكاً “بديمقراطيّته الثوريّة” لدرجة إغفاله، أو غضّه البصر غير مرّة في طرحه حول الواقعيّة عن مفهوم الصراع الطبقيّ ذي القيمةِ الحاسمةِ في النظريّة الماركسيّة.

تقومُ نظرية الجمال عند لوكاش في الأساس على فكرة التقدّم، فيعتبرُ، مثلاً، دعوة الأدباء البرجوازيّين إلى التقدُّم والديمقراطيّة أهمّ وأشدَّ جوهريّة من دعوتهم للقطيعة مع طبقتهم، أي أنّه يُبالي، بالدرجة الأولى، بنزعتهم الديمقراطيّة الثوريّة وأفكارهم التقدميّة وليس بمساهماتهم القائمة على أساس الصراع الطبقيّ، إذ يقومُ مرتكزهُ الفكريّ في هذه الحيثيّة على النقد لا القطيعة. كما أن لوكاش كانَ مؤمناً بالتحوّلات السياسيّة طويلة الأمد، لا القطعيّة والفجائيّة، ما من شأنه أن يفسِّر لنا، كما يذكرُ المُنظّرُ الألماني فيرنر ميتنتسفاي، نظرته للواقعيّة الأدبيّة باعتبارها امتداداً حتميّاً لواقعيّة القرن التاسع عشر الكلاسيكيّة النقديّة.

وهنا يتبدّى تعارضٌ أساسيٌّ آخر بينه وبين بريشت الذي عملَ بدأبٍ وقناعةٍ على إنجاز وسائل وصياغاتٍ فنيّة جديدة لأجل واقعيّة جديدة تناسبُ ـ”مجتمعاً جديداً”، بينما واظبَ لوكاش على رفضه لكلِّ الأشكالٍ الفنّية الجديدة، داعيّاً دونما كللٍ إلى تخليص الأدب من هذه الأعمال الذاهبة بالفنّ إلى دركٍ أسفل. وجد لوكاش في كتاباتِ كافكا وجويس ودوس باسوس “علامات انحطاط الأدب”، في وقت أن بريشت، الذي لم يكن بدوره مهووساً بها، لاحظَ فيها جوانب واقعيّة بالغة الأهميّة، كما دعا للاستفادة من الطرائق المُنتهَجة في صياغة هذه الأعمال، كأن يستفيد الواقعيّ الإشتراكيّ من المونولوجات الداخليّة الطويلة عند جيمس جويس، أو من تقنية المونتاج لدى دوس باسوس، أو “تغريباتِ” فرانتس كافكا الفذّة، وذلك بتحويرِ وظيفتها وجعلها مُساهِمةً في نشرِ القيم الاشتراكيّة، لأنّ “اتباع الطرائق والأساليب الكلاسيكيّة القديمة لن يجدي نفعاً في معالجة القضايا والتحدّيات الراهنة وإيصالها لمجتمع حديث”. بالنسبة لبريشت يتعلَّقُ الأمرُ بالغرض الذي يُستَخدَم الشكلُ الفنّي لأجله، وبالتالي فإنّ كلّ شكلٍ فنّي قابلٍ لأن يكون “واقعيّاً”، من خلال إظهارِه للناس أن شروطَ حياتهم قابلة للتغيير وليست قدراً أبديّاً محسوماً، أمّا نظيره لوكاش فظلّ طوال الوقتِ متمسّكاً بمفهومه الضيّق للواقعيِّة، إذ ليس الفنّ الحقيقيّ عنده إلا انعكاساً للواقع الموضوعيّ، مُشدّداً، كلّ مرَّة، على أنّ واقعيّة القرن التاسع عشر النقديّة الكلاسيكيّة هي الواقعيّة الحقّة الوحيدة، مادحاً بكتاباتِ بلزاك وتولستوي وتوماس مان، ورافضاً، بل مُستهزئاً بقسوة بنتاجاتِ كتّاب مطلعِ القرنِ العشرين باعتبارها مُفرطة الذاتويّة ومُرتكزة على أنانيّةٍ فرديّةٍ لا تُظهِرُ الإنسانَ إلا بوصفه كائناً وحيداً مُنعزلاً عن الشروط الاجتماعيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة المحيطة به، ما يُفقدها، بالنتيجة، كلَّ قيمةٍ نقديَّة للمجتمع البرجوازيّ الرأسماليّ. 

في مرحلةٍ لاحقةٍ من حياته أعادَ بريشت، من جهته، النّظر في واقعيّة القرن التاسع عشر وراحَ يعايُنها بعينٍ أكثر تصالحيّة، لكنّه ظلَّ مؤمناً بأنّ الجوهريّ في الفنّ الواقعيَّ هو المضامين والأغراض الاجتماعية، وليس الشكل. يعتبرُ بريشت أن نظرةَ لوكاش “للواقعيّة” شكلانيّةٌ في جذرها، لأنّها تنتبه للشكليِّ، متغافلةً الجوهرَ والغرضَ، ولعلّ من المفارقات الهامّة في تنظير لوكاش، والتي من شأنّها أن تعزّز رأي بريشت الآنف، قولُ لوكاش في معرضِ نقده للشكلانيّة إنّ السبيل الأنجعَ لمجابهة الشكلانيّة أن يكون الفنّ الواقعي شكلانيّاً بدوره، أي أن تكون الواقعيَّة شكلانيّةً لتُقارعَ الشكلانيّة، ما يعني مواجهة الشكل بالشكل، وهذا يبيِّنُ، بالفعل، انصباب تركيز لوكاش إلى حدٍّ بعيد على ما هو شكلي، على حساب المضمونيِّ.

ثنائيّة “واقعي – مُنحَط” 

يجد بريشت أنّ الأدب الواقعيّ هو كلّ أدبٍ يُوقظُ الدوافعَ الاشتراكيّة، بينما الأدب “المُنحَطّ” هو كلُّ ما يُثبّطها؛ أما الأدب الواقعيّ عند لوكاش فلا يتعدى بعض الأعمال المُختارة من القرن التاسع عشر (كأعمال بلزاك، تولستوي، مان…)، بينما الأدب المُنحطّ عنده فرحبٌ، إذ يشتملُ، عمليّاً، على كلّ نتاجٍ أدبيٍّ مُصاغٍ بأساليب حديثة وتقنيات في غالبيتها تجريبيّة (كأعمال جويس، دوبلين، كافكا …)، أي، وبلسان ميتنتسفاي، منحطٌ كلُّ أدبٍ-فنٍّ “لا يروقُه شكلانيّاً”. 

ثنائية “مظهر – جوهر”

بالنسبة لبريشت يتوجّب على العمل الأدبي أن يُبرزَ التناقضات المجتمعيّة للمتلقّي، أن يتجلّى فيه التناقضُ بين المعروضِ وصورتِه، ليتمكّن المُتلقّي من إبصارِ الحقيقة ومكامن خللها، وليستدلّ بذلك على إمكانات تغييرِها، لأنَّها بالنسبة إليه الطريقة الوحيدة للكشفِ عن قوانين السبب والنتيجة، أمّا لوكاش فينطلقُ دوماً من ضرورة أن يعكسَ الفنُّ الواقعَ، لكن شرطَ أن يقدّمَ الفنُّ الحقيقةَ في صورةٍ ينحلُّ فيها التضادُ بين المظهرِ والجوهرِ لتتبدّى للمتلقّي بهيئةِ وحدةٍ كليّةٍ. من جهة أخرى يعتبر بريشت إبراز الفنِّ للتناقضات فعلاً تنويريّاً للمتلقّي من خلال تعريفه بواقعه وظروفه الاجتماعيّة وإمكانات تغييرها في الوقتِ عينه، أي أنّ وظيفة الفنّ الأساسيّة لديه ليست عكسَ الواقع، إنما الكشف عن كيفيّة وإمكان تغييره، في حين أن مفهوم لوكاش يعجزُ في هذا السياقِ عن تقديمِ هذه الإمكانيّة بسترِه للمتناقضاتِ وتقديمه للواقع كوحدةٍ شاملة متماسكة.

فكرة “التطهير/Katharsis” عند لوكاش وبريشت

يعتبر لوكاش “التطهير” الجوهر الأعمق لأيّ عمل فنّي، بغض النظر عن زمانه، بل ويذهبُ أبعد من ذلك، فيعدّه ذا أثرٍ جليلٍ مُتجاوزٍ للجماليّ، بتغلغله في قلبِ المجتمع بصورةٍ إيجابيّةٍ باعثةٍ على التغيير، لأنّه، بالنسبة إليه، يخلق عند المُتلقّي أزمةً أخلاقيّةً أو شعوراً سلبيّاً أو حتّى إحساساً بالعارِ إذ يكتشفُ بوساطته كيف أنّه عاجزٌ في حياته اليوميّة عن إدراك الإشكاليّة المعروضة بهذه الصورة الطبيعيّة في العمل الفنّي، ما يدفعه، بالتالي، إلى إعمال عقله وإعادة التفكّر بشروطه الحياتيّة والإنسانيّة. من ذلك يتبدّى، كما يذكرُ ميتنتسفاي، أن مفهوم التطهيرِ عند لوكاش موجّه بالأساس إلى جوهر الإنسان، ما يُزيلُ اللبسَ تاليّاً عن اعتباره أنّ الجوهر الإنسانيّ أو الذات الإنسانيّة القائمة على دياليكتيك مثالي بين “الخير والشرّ” هي المُحرّكَ والمُبدّلَ الأصلَ في الحياة في مفهوم لوكاش، وليس البنيّة التحتيّة الماديّة أو الشروط الاقتصاديّة للوجود، أي أنّه يعتمد في تحليله على دياليكتيك مقتصرٍ على الأخلاقي وليس الماديّ أو الإجتماعيّ. بالنسبة لبريشت ليس ــالتطهير الأرسطي إلا عمليّة سايكولوجية تولّد لدى المُتلقّي تعاطفاً مع البطلِ في العمل الفنّي، ما يولّدُ تفاعلاً سلبيّاً لديه، لذا آثرَ بريشت على تطوير أسلوب حديث، مُغايرٍ، يعتمدُ التغريبَ بغرضِ منع هذا التعاطف الأعمى غير المُفيدِ لفهم الواقعِ وإمكان تغييره.

التغريب البريشتي

يسعى بريشت بوساطة تقنيّةِ التغريبِ إلى تخليص الحياة اليوميّة من طابعها الروتينيِّ التلقائيّ وعرضِ تفاصيلِها بصورةٍ تدفعُ المرءَ إلى التعجُّبِ منها وكذلك التفكّر بإمكانات تغييرها. بالنسبة لبريشت ليست الحياة اليوميّة أمراً بديهيّاً أو بالغ الوضوح إطلاقاً، لذا يُحاولُ عبر أسلوبِه التغريبيّ أن يميطَ اللثام عن التناقضات الغائصة في جوفِ الحياة اليوميّة، بتقديمه الواقع بأسلوبٍ يُعيقُ تلقائيّة التلقّي وسهولته الاعتياديّة، ليتمكّن المُتلقي، من خلالِ غرابةِ ما يُشاهد، الاستدلال على ما تُخفيه الحياةُ العاديّةُ عنه. يقولُ بريشت عن العرضِ التغريبيّ بأنّه ذاك الذي يزيلُ اللبسَ عن الأشياء ليُتعرّفَ عليها بوضوح، لكنّه في الوقت نفسه يجعلها تبدو غريبةً. موقفُ لوكاش من تقنيّة بريشت هذه سلبيٌّ بطبيعة الحال، إذ يجدُها غير ضروريّة البتّة، لأنّ المسرح الكلاسيكيّ، وبالتالي الأدب الكلاسيكيّ المُحبّب إليه، قادرٌ، دونما تغريبٍ بالمعنى البريشتي، على إثارة استغرابِ المتلقّي وهزّ كيانِه ودفعه للتفكّر في واقعه.

تشدُّد لوكاش وإنفتاح بريشت

واظبَ جورج لوكاش حتى النّهايةِ مُشدّداً بطريقة غير دياليكتيكيّة – بالمعنى الماركسيِّ – على مفهومِه الضيّق للواقعيّة، المُقتصِرِ على كتاباتِ “واقعيِّ القرن التاسع عشر” والنّابذ، بشكل حاسم، لكلّ شكلٍ أو تقنيّة حديثة في الفنّ، كالتغريبِ عند كافكا أو بريشت، أو المونتاج الذي عدّه لوكاش الذنب الأعظمَ لفناني العصر الحديث باعتباره “تبلوراً خاطئاً للطبيعانيّةِ والشكلانيّة”، بينما استمرّ بريشت، على الدوام، مُنفتِحاً على مختلف الصيغ والتجارب الشكليّة والتقنيّة الحديثة، إذ وجدَ فيها إمكانَ عرضِ القضايا الاشتراكيّة، بل وتمتينها بصورةٍ تُناسب وضعيّة وتحدّيات المجتمع الجديد المُتمايزة بالضرورة عن وضعيّة وتحدّيات مجتمعات القرن التاسع عشر. بالنسبة لبريشت ليست الواقعيّة سوى فنٍّ مُناضِلٍ يأخذ في الحسبان العلائقَ الدياليكتيّة-التاريخيّة، ويزيل الغبشَ عن التناقضات المجتمعيّة وكذا عن إمكانات التغلُّب على الشروط القائمة، كما يقفُ، دونما ريبٍ، إلى جانب الطبقة العاملة وكلِّ المتضامنين معها، مُدافعاً، بفنّه “الواقعيّ” المُنفتِح، عن قيم الحق والمساواة والعدالة الاجتماعيّة.

موقف أدورنو من مفهوم “الواقعيّة” عند لوكاش 

يبدأ أدورنو مقالته الشهيرة “المصالحة القسريّة” مدحاً بلوكاش الشّابِ، بوصفه ناقداً دياليكتيكيّاً فذّاً، لكن سرعان ما تتبدّل نبرته الإيجابيّة لتغدو أقرب لهجومٍ علنيٍّ على لوكاش “المتأخّر”، الذي خضعَ لسطوة الآيديولوجيا السوفيتيّة وراح يسعى بدأبٍ غريبٍ “لمُلائمة قدرته الفكريّة المهمّة مع المستوى البائس للفكر السوفيتيّ”، ما أفضى، تبعاً لأدورنو، لعدائيّة لوكاش، لاسيما في كتابه “تحطيم العقل” –(الذي تبدّى فيه تحطّم عقل لوكاش نفسه، حسب توصيف أدورنو)- تجاه كلّ المختلفين فكريّاً، وصولاً لوسمِ كلّ من لا يتوافقُ مع مع الخطاب الماركسيّ-السوفيتيّ الرسميّ بالرجعيّة والفاشيّة، ولم يستثن من تهمه المتسرّعة هذه حتّى فرويد ونيتشه. ينتقدُ أدورنو، بمرارةٍ باديّة، خضوعَ لوكاش لما “ينزلُ عليه من فوق” من أفكارٍ وتسميات مثل الواقعيّة النقديّة والواقعيّة الاشتراكيّة، والدفاعَ عنها بدوغمائيّة تعسة.

من الغريبِ حقاً كيف تحوَّلَ لوكاش من ناقدٍ حاذق في شبابه إلى إطلاقيٍّ يُلقي بعجالةٍ أحكامَه القطعيّة على مختلفِ الصيغِ الفنيّة الحديثةِ، مُنكِراً  أهميّةَ الشكل والأسلوب وطرائق العرضِ المختلفة من دون أن يُفرّقَ بأنّ هذه هي الوسائل التي تفصلُ الفنّ عن العلمِ المحضِ، بأنّها هي التي تجعلُه فنّاً، كما يشيرُ أدورنو، الذي بذلك يُسلّطُ أدورنو الضوء على استهزاء لوكاش بالعناصر الشكليّة المُستخدمة في الفنّ الحديث باعتبارها علاماتِ انحطاطٍ فنّيٍّ “لأنها لا توائمُ الصيغة التي بعترفُ بها لوكاش كفنٍ حقيقيٍّ”، أي التي لا يمكن إدراجها تحت يافطة “الفنّ الواقعيّ النقديّ أو الاشتراكيّ”. يتطرّق أدورنو أيضاً إلى سعيِّ لوكاش في تنظيرهِ الفنّي لتغييبِ التناقضِ الجليِّ بين النظريّة الماركسيّة الأساسيّة وتلك الماركسيّة المقبولة والمعترف بها سوفياتيّاً من خلال لجوئه لمصطلحات من قبيل “فن سليمٍ وفن مريض” واعتبارها مُبرّرةً اجتماعيّاً بقوله: ” السليم اجتماعيّاً اساسٌ لكلّ فنٍّ عظيمٍ بحق، لأنّ هذا السّليم يغدو عنصراً أساسيّاً في الوعيّ التاريخيّ للبشريّة”، بيد أنّه بطريقة تفكيره غير الدياليكتيكيّة هذه، كما يذكرُ أدورنو، يسهو عن أمرٍ بادٍ، وهو أنّه من غير الصحيح بل ومن غير المنطقيّ استعمال مفردات مثل “سليم ومريض” فيما يخصّ العلائقِ التاريخيّة. علاوةً على ذلك يستهجنُ أدورنو كيف أن “الطليعيّة الفنّية” لا تعني شيئاً بالنسبة للوكاش سوى “الانحطاط”، إذ يخلطُ بين أشياء “متباينة كليّاً”، فلا يجمعُ بين كتابات بروست وكافكا وبيكيت فحسب، بل يذهب أبعد من ذلك ليضيف غوتفريد بِن وإرنست يونغر وربّما هايدغر أيضاً، ومن المُنظّرين يضعُ ينيامين وأدورنو في خانةٍ واحدةٍ. إنّ نظرة لوكاش للفنّ التجريديّ بوصفه عاكساً لعددٍ هائلٍ من العوالمِ الزائفة التي لا يتحقّق منها واقعيّاً في نهاية المطاف إلا اليسير اليسير، قائمةٌ في الأساسِ على فصله التبسيطيّ بين إمكانية عرضٍ واقعيّة وأخرى تجريديّة، ما يجدُه أدورنو مغالطةً، لأنّه يرى، رغم ملاحظاتِه، أنّ الفنّ التجريديّ ممكنٌ تماماً، خصوصاً حين يستند إلى مُعادلٍ مُناسبٍ في الواقع، أي إلى “وفاءٍ براغماتيّ” بلغةِ أدورنو. وفي هذا السياق يستشهدُ أدورنو بمسرحيّة بريشت “الصعود المُمكن إيقافه لآرتورو أوي”، فهي عملٌ خياليٌ تماماً، لكنّها قائمةٌ في الوقتِ ذاته على معرفةٍ عميقة بالظروف الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، أي أنّها من نتاجِ خيالٍ عليمٍ بالواقعِ المُباشرِ، ومرتبطٍ، بطريقةٍ ما، بشروطه. كما أن نقد لوكاش للفنّ الطليعيّ باعتباره يعرضُ الانسان ككائنٍ وحيدٍ مٌنعزلٍ عن بيئتِه الاجتماعيّة وعلاقاتها، يُقابَلُ بنقدٍ “أدورنيٍّ” لاذعٍ يُبيّنُ أنّ لوكاش “الذي يعدُّ نفسه مُنظّراً يفكّر بطريقةٍ تاريخيّة إلى أقصى حد”، يغفلُ بشكلٍ غريبٍ أن هذه الوحدةَ التي يظهرُ بها الإنسانُ في أدبِ مجتمعٍ فرداني ليست إلا نتيجةً لمقدّماتٍ اجتماعيّة – تاريخيّة، أي أنّها أيضاً ابنةُ هذه الشروط وكاشفةٌ لها. بذا يحاول أدورنو أن يُبرز الجانب “الميكانيكيّ” في مفهوم لوكاش الفنّي. بالنسبة لثيودور أدورنو ثمّة تواصلٌ على أصعدةٍ متعدّدة بين الفنّ والواقع، لكن أوّلاً بوصفِ الفنّ نقيض الواقع، أو بمعنى أدق، نقيضَ ما هو واقعٌ، فالفنّ عاجزٌ عن إبرازِ المحتوى الحقيقيّ المباشر للمجتمعِ لأنّه بذلك سيفقدُ قيمتَه الجماليّة الأساسيّة. الفنّ لديه ليس مجرّد صورة أو انعكاس للواقع، إنما كيانٌ مستقلٌ، صورةٌ وجوهرٌ في الوقت عينه، وذاتُه – ذاتُ الفنّ – هي نقطة الانطلاقِ إلى الواقعِ، لذا لا يمكنُه أن يتلقّى بصورةٍ سلبيّة الواقع الموضوعيّ، لأنّ نقدَ العمل الفنّي للواقع المُغترب كامنٌ في عرضه للأشياء عبر ذاته المٌغتربة التخيّليّة، أي أنّ الجانب الذاتي التخيّلي المُغترب للفنّ محوريٌّ لأجلِ نقده الواقع الموضوعي. علاوةً على ذلك يستنكرُ أدورنو استعمال لوكاش للمفاهيم الفلسفيّة بشكل ميكانيكيٍّ في مضمارِ الفنّ، موضّحاً، على سبيل المثال، أن السولبسيّة (وحدة الأنا أو الذاتويّة) التي يستعملها لوكاش في السياق الفنّي بمعنى العودة إلى الذاتيِّ الوهميِّ ، ليست تعني، بحالٍ، فيما يخصّ الفنّ، إنكار الموضوعيّ-الخارجيّ،  بل تصالحاً دياليكتيكاً بين الذات والموضوع، إذ تتلقّى الذاتُ الموضوعَ كصورة وتتصالحُ معه بطريقة دياليكتيكيّة، فيحدثُ، في أثناء ذلك، تعارضٌ بين الشيء المُتصالَح معه داخل الصورةِ وبين الشيء الواقعي في الخارج، وتحديداً في هذا التعارض يكمنُ نقدُ الفنّ للواقع، أي من خلال ما يسمّيه أدورنو بـ “المسافة الجماليّة” من الواقع، والتي لا تغفلُها سوى نظريّات سطحيّة أو آيديولوجيّة بحتة. إذن العمل الفنّي عند أدورنو ليس انعكاساً تصويريّاً أو منظوريّاً للحقيقة الموضوعيّة، بل كيانٌ مستقلٌ يُظهِرُ ما يخفيه الشكلُ الإمبريقيُّ للواقع، أي أنّه يزيلُ الستارَ عمّا هو إمبريقيّاً مستورٌ. ومن هنا يمكنُ إيجاد تلاق أيضاً مع مفهوم بريشت للعمل الفنّي باعتباره يكشفُ “الأشياءَ خلف الأشياءِ”. 

يستفظعُ أدورنو أيضاً منهج لوكاش في إحالة الفن والعلم لمجرّد وحدةٍ تامّة، متناسيّاً العلاقة الدياليكتيكيّة بينهما، مُشدّداً في الوقتِ عينه على أنّ الفرق الجوهري بين “الفن كمعرفة” والعلم المحض كامنٌ في الانصهار الدياليكتيكيّ الحاصل في العمل الفنّي بين الذات والموضوع؛ أي، وبعبارة أخرى، الفن كمعرفةٍ يكتسبُ معناه بواسطة هذا التداخل أو الانصهارِ بين الذات والموضوع. 

وبتطرُّقه لواقعيّة لوكاش يتبدّى تلاقٍ أخر مع مفهومِ بريشت، إذ يعتبرُ أدورنو أن كتابات كلاسيكيِّ القرن التاسع عشر ليست واقعيّة كثيراً كما يظنّ لوكاش، مُضيفاً أن كتابات بلزاك، مثلاً، تحتوي ملامح رومانسية بل وحتى ما قبل برجوازيّة أيضاً. الرواية، في منظور أدورنو، كانت على الدوام واقعيّة، غير أنّها في القرن التاسع، وبسبب تعقيدِ التجربة الحياتيّة (كتشيّؤ العلاقات الإنسانيّة، مثلاً)، لم تعد قادرةً على تقديمِ صورة تفي كلّ هذا الواقع المركّب حقّه، فصنعت قطيعةً مع تراثها “الواقعيّ”. ولم تنج، بطبيعة الحال، الواقعيّة الإشتراكيّة من سهام نقده، فيذهبُ للقول بأنّ ما يُرى فيها بوصفه ملمحاً تقدّميّاً لا يني يُبرزُ بقايا المجتمع البرجوازيّ، فهي ليست إلا نتيجة لقوى الإنتاج الاجتماعيّة المتخلّفة ووعيها؛ بكلامٍ آخر، يستهجنُ أدورنو الصورة المتخيّلة حول تقدُّميّة الواقعيّة الإشتراكية، مُشيراً للملامح البرجوازيّة البادية في هذا النوعِ من الفنّ الذي يعدُّه لوكاش متفوّقاً على كلّ شكلٍ سواه. 

حريّ بالذكر أيضاً الطريقة الإشكاليّة والمثيرة للسجالِ التي يبرّرُ بها لوكاش رفضه الحازمَ للفنّ الطليعيّ أو لما ينعته بــ “الفنّ المُنحَط”، بوصفه “يقدّمُ إجابةً سلبيّة على واقعٍ سلبي”، لأنّ هذا “الفنّ مشوّه فيمنعُ تشوُّهَ واقع مشوَّه أصلاً”؛ لكن أدورنو يعترضُ على هذه الفرضيّة بقوله إنّ وظيفة الفنّ ليست بتّ الأحكام حول الواقع، بل نقده للواقع كامنٌ أساساً في عدم تعامله مع الواقع بأسلوب العلمِ، أي بعدم تناوله للواقع بصورة مباشرة وعدم تحديده بوصفه كذا و كذا، فالفنّ عنده معرفةٌ تحليليّةٌ لمكيانيزمات أسلوب الإنتاج الرأسماليّ، أي أنّه تشخيصٌ اجتماعيٌ، لكنّه في الوقت عينه مرتبطٌ بالموجوداتِ بطريقةٍ وثيقةٍ بحيث أنّه لا يعودُ قادراً سوى على معرفةِ “ما لا يمكن تحديده، ما لا يُفهَم”؛ أي ليس بوسع الفنّ سوى تهيّئة معرفة حول ما ليس هناك، ما ليس موجوداً بعدُ، بل ما يمكن له أن يوجدَ، ومعرفة حول ما هو كائنٌ بالفعل لكن يمكن تغييره. الفنُّ، بهذا المعنى الأدورنيّ، أداةٌ لتسليط الضوء على إمكانات تغيير العلائق الاجتماعيّة، وليس على العلائق القائمة ذاتها. 

يلجأ لوكاش، غير مرّة، في معرضِ نقده للفنّ الطليعي إلى نصوصٍ مُعاصرة، مثلما فعلَ مع قصيدة غوتفريد بِن “آه لو كنّا أجدادنا!” بتقديمها دليلاً على ملمحٍ رجعيٍّ لا إنسانيّ، ما أثارَ حفيظةَ أدورنو إذ وجدَ في ذلك حكماً انتقائيّاً متسرّعاً يعجُّ بمعضلاتٍ عدّة، منها أنّ لوكاش يختارُ بعنايةٍ نصوصاً حديثة ضعيفة ليُبيّن عبرها “صحّة” رأيه السلبي تجاه الأدبِ الحديث برمّته. لكن، وبالعودة لقصيدة بِن نفسها، فيجدُ أدورنو أن لوكاش يعالجُ النّص بميكانيكيّة غريبة، لدرجة أنّه يغفلُ جانب نقدِ الحاضرِ في القصيدة، مُضيفاً أن رفض لوكاش لهذه الصيغِ الفنية غير المتوائمة مع تطلّعاته وخلفيّته الآيديولوجيّة المتحجّرة، ووسمه لها بالرجعيّة والانحطاط، ليست إلا دلالةً على تضرُّر وعيه نتيجةً للتأثيرات الآيديولوجيّة الدوغمائيّة.

ولا بدَّ هنا من الاستعانة برأيِّ الباحثِ “كلاوديو كاردينالي” الذي يُلخّصُ نقدَ أدورنو للوكاش بإرجاع جوهرِه إلى سوء فهم لوكاش لعلاقة الذات بالموضوع، ناقداً استناد لوكاش غير المتفحّصِ إلى مفهوم هيغل حول تصالحِ الذات والموضوع؛ مُضيفاً أن افتراضَ لوكاش أنه على الفنّ أن يعكسَ واقعاً متواصلاً لا تتخلله فواصلٌ بين الذات والموضوع، ينطلقُ من أنّ التصالح بينهما – بين الذات والموضوع- قد أُنجِزَ سلفاً، أي أنّ المجتمع سليمٌ فعليّاً”؛ غير أنّ هذا التصالح الهيغلي المُفترَض مُضاغٌ في هذا السياقِ بشكلٍ “قسريّ”، إذ يقومُ على اعتقادٍ متسرّع بخليِّ المجتمع السوفيتيّ تماماً من تناقضات أسلوب الإنتاج الرأسمالي. ولعلِّ هذه الحيثية تُفسّرُ ذهاب أدورنو إلى أن فهم لوكاش لعلاقة الذات بالموضوع ليس دياليكتيكياً إذ ينطلقُ من مُصالحة قائمة بينهما، في حين أن أدورنو يعتقد، على العكس من ذلك تماماً، بأن هذه العلاقة ذاهبة مع مرور الزمن وتعقُّد الحياةِ في اتجاه معاكس تقلُّ معه كلُّ مصالحة.

ليس لي، في النهاية، إلا أن أجدَ نفسي مصطفّاً بجانبِ بريشت، ذي الواقعيّةِ المُنفتِحة على مختلفِ الأشكالِ والأساليبِ الفنيّة، بغضّ النّظرِ عن مصدرِها وزمنها، مع تحفُّظٍ على ضرورة أن يكونَ الفنُّ مُحفّزاً على أفكارٍ إشتراكيّة، إذ “الفنُّ الذاتويّ” أو المُلتفِت للذاتِ وهواجسها وانطباعاتِها الفرديّة، ليسَ، في نظري، مذمّةً، بل يمكنُ له أن يكونَ مُنطَلقاً هامّاً إلى رؤيّة خاصّة للوجودِ، إذ بوسعه، أن يُساهمَ في فتحِ آفاق مُغايرة في وعي المتلقّي بإشراكِه في “حدث” خاص قد لا يُتلقّى إلا بهذه الطريقةِ، كما لستُ، قطعاً، ممن يُقلّل من دورِ “الأدب الذاتويّ” بوصفه مُسليّاً، أي أدبَ تسليّة لا يُقدّمُ معرفةً، فلو تمكّن أيُّ نصٍّ من تسليّة المُتلقّي فهو قد أنجزَ، في نظري، واحدةً من مهامّ الفنِّ النبيلةِ والأساسيّةِ. كما أجدُني، بطبيعة الحال، إلى جانب أدورنو الناقدِ الحصيفِ لسطوةِ الآيديولوجيا على الفنّ، لأسرِها له، والمُنادي، ولو بشيءٍ من الغضبِ في مقالته حول واقعيّة لوكاش، إلى مُعاينةٍ حياديّةٍ للفنّ والنّظر إليه بوصفه عملاً مُستقلّاً، ذاتاً وجوهراً في الوقتِ نفسه، إلى كون الفنّ مُرتبطاً بالواقع من خلال أنّه نقيض ما هو واقعٌ، إلى ضرورةِ اتخاذِ مسافة جماليّة بين العمل الفنّي والواقع الموضوعيّ ليفلحَ الفنُّ في نقدِ الواقعِ. لكن، ورغم ذلك كلّه، لا يمكنُ النّظر إلى لوكاش، كمنظّرٍ ماركسيٍّ، فقط من بوابةِ مفهومه القطعيّ للواقعيّة، إذ ساهمَ لوكاش في تقديمِ نظريّات هامّة حول الرواية وخلّفَ في مضمار النظريّة الماركسيّة كتاباتٍ تركت أثراً لا يمكن بحالٍ تجاوزها.

الكاتب: سوار ملا

هوامش

موضوعات

...للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع