ما هي الأنواع الروائية الثلاثة التي يندر وجودها في الأدب العربي؟

Crane, book and oil lamp, Pablo Picasso

أحمد مجدي همام

روائي وصحافي من مصر

أو "الميتا رواية" كما يحلو لبعض الكتّاب العرب أن يصفوا هذا النوع، ونحن هنا نتكلم عن الرواية التي تتخذ من الكتابة موضوعًا لها، فتتناول فنّياتها وتقنياتها وتوغل في تناول بعض الحيل السردية، وتشير إلى أشهر الافتتاحيات الروائية. باختصار فإن هذا النوع من الأدب يمكن وصفه بأنه "كتابة نخبوية"، إذ يصعب أن تجد شخصًا مهمومًا بالكتابة كموضوع روائي إلا إذا كان كاتبًا، أو قارئًا خبيرًا متمرّسًا.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

22/09/2021

تصوير: اسماء الغول

أحمد مجدي همام

روائي وصحافي من مصر

أحمد مجدي همام

نشأت الرواية في الغرب، هي منجز ثقافي أوروبي في الأساس، استورده العرب، طعّموه بما في رصيدهم التاريخي من سرد، فنتجت الرواية العربية التي تظل القطعة الأولى منها محل خلاف، بين النقاد والمؤرخين الأدبيين حول ما إذا كانت قد صدرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أو النصف الأول من القرن العشرين.

تفجر بعد ذلك نبع الرواية العربية، ويمكن اعتبار القرن العشرين قرن الرواية بامتياز، إذ تمكّنت في الشطر الثاني منه على الأقل من مزاحمة القصة والشعر وإزاحتهما لتتبوأ موقع الصدارة من حيث الإقبال على كتابتها وكذلك حجم المبيعات.

وفي تلك الفترة، كتب الروائيون العرب أشكالًا وأنواعًا عدة من الرواية، بدأت بالاجتماعية الواقعية فالتاريخية ثم تشعّبت وطرقت أنواعًا أبعد كالرواية البوليسية والفانتازية… إلخ ثم أنواع أكثر حداثة كالرواية المعرفية في أوروبا وغيرها من الأنواع. 

وهكذا يمكننا القول إن العرب كتبوا الرواية بكافة أشكالها وأنواعها، حتى أن هناك أنواعًا (من حيث الموضوع) قد أبدع فيها العرب أكثر من سواهم، مثل روايات (الشرق والغرب) التي تمثل مرآة يقف فيها العربي متضائلًا ومهزومًا أمام نظيره الغربي وربما كان أبرزها “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، و”الحي اللاتيني” لسهيل إدريس، و”قنديل أم هاشم” ليحيى حقي.

إلا أن هذا لا ينفي مسألة أن هناك أنواع روائية بعينها، يندر وجودها في الأدب العربي، لأسباب متعددة ومتداخلة، بعضها فني وبعضها اجتماعي وبعضها ثقافي وبعضها مرتبط بطبيعة التلقي والتفاعل معها.

نخصص هذه المساحة لنتحدث عن 3 أنواع روائية، يندر وجودها في الأدب العربي، على الرغم من السنوات الطويلة التي كتب فيها العرب الروايات.

الرواية الرياضية ضحية “أفكار نمطية متعالية”

وفقًا للتعريف المطروح في قاموس موقع www.book-genres.com تُعرّف الرواية الرياضية بأنها: “القصص التي يكون للرياضة فيها تأثير كبير على الحبكة أو الشخصية الرئيسية”.

ووفقًا لهذا التعريف، يمكننا القول إن الرواية الرياضية مزدهرة في الولايات المتحدة الأمريكية، لقد كتبوا عن كل شيء: كرة القدم وكرة القدم الأمريكية والبايسبول والهوكي والغولف ومصارعة الثيران والملاكمة وسباقات الخيول وتسلق الجبال وكرة المضرب والتزلج على المياه والتزلج على الجليد والشطرنج وسباقات السيارات… إلخ. وعدد غير قليل من تلك الروايات جرى تحويلها إلى أفلام. الرواية الرياضية شائعة في الغرب وخصوصًا في أمريكا الشمالية وبشكل أقل في أوروبا، حد أن الباحث عبر فضاء الإنترنت سيجد موضوعات كثيرة من نوعية: “أفضل الروايات الرياضية لعام 2020”.

أما على مستوى الرواية العربية، فلم يصادف كاتب هذه السطور سوى نص واحد أو نصين كتبهما كتّاب عرب عن الروايات الرياضية، وهي بطبيعة الحال روايات حديثة الصدور، نذكر منها هنا رواية “كل المعارك” للكاتب الأردني معن أبو طالب والصادرة عن دار الكتب خان في مصر العام 2016، وتتناول رياضة الملاكمة، ورواية “يوميات رجل يركض” للروائي المصري فريد عبد العظيم، وهي عن لعبة كرة القدم، وصدرت في مصر العام 2019 عن منشورات إيبيدي.

يقول فريد عبد العظيم: “جوهر الرياضة هو الصراع البشري، التنافسية والكفاح من أجل الظفر بتحقيق الفوز، استخدام كل السبل الممكنة لإيقاع الهزيمة بخصمك، أعتقد أن أي رقعة لعب تحوي متنافسين يلتف حولهما جمهور متحمس هي نموذج مصغر ومكثف للحياة بكل تعقيداتها، المنافسات الرياضية وما تحويه من صراع ومصالح متناقضة ورغبات متعارضة هي أرض خصبة لأي روائي. أبطال حقيقيون ومزيفون وصراع متعدد المراحل، شخصيات ثانوية مؤثرة وضيوف شرف يظهرون بالوقت المناسب ليقلبوا الأحداث رأسا على عقب ثم ينسحبون، نهايات درامية و مظاهرات فرح ودموع حزن. أعتقد أن أفكارنا النمطية المتعالية عن الرياضة هي السبب الرئيسي في قلة الأعمال الأدبية ذات السمة الرياضية، ينظر المثقف أحيانا نظرة دونية إلى الرياضة، يعتبر أن الرياضة ما هي إلا وسيلة للإلهاء، الكتب والتعمق في التجربة الإنسانية هي الأهم ومشاهدة مباراة لكرة القدم تعني مضيعة للوقت، يرى البعض أن الرياضي هو مجرد شخص صاحب جسد ممشوق مكسو بالعضلات وعقل فارغ، يعتقد في غالب الوقت أن الممارسات الرياضية لا تحتفي بالعقل، مجرد سمات جسدية والكثير من القوة البدنية. أعتقد أن توظيف المنافسة الرياضية في عمل أدبي فكرة موفقة للغاية، بالملعب تتضح السمات الخفية للشخص، يظهر الشجاع والأناني والماكر والمندفع، يفضح الجبان والكاذب والمدعي، لكل شخص على أرضية الملعب وحولها قصة، حلم، مخاوف وآمال، طموح.

ويضيف: “عندما شرعت في كتابة “يوميات رجل يركض” لم يكن هدفي هو كتابة عمل يصنف كرواية رياضية، أردت كتابة سيرة شخص تعرض لمنعطفات بحياته أثرت على شخصيته وطريقة تفكيره ورؤيته للآخرين، في البدء كانت كرة القدم في الخلفية، مجرد وظيفة للبطل، فالشخصية الرئيسية بالرواية لاعب كرة قدم متقاعد، كلما تقدمت في الكتابة زادت مساحة كرة القدم رغما عني، اكتشفت أنها مناسبة للغاية في توضيح ما أريد قوله، مثلا، لو أردت أن أوصل للقارئ الشعور بالخيانة سأحتاج لخمس أو ست صفحات على الأقل من الميلودراما الفجة، لكن بملعب كرة القدم من الممكن أن تستعيض عن كل تلك الصفحات بمشهد لاعب يهدر هدفا متعمدا ليطيح بمدربه الذي اكتشفه”.

“الكسل العام” يعرقل روايات “الميتاليتراتورا”

أو “الميتا رواية” كما يحلو لبعض الكتّاب العرب أن يصفوا هذا النوع، ونحن هنا نتكلم عن الرواية التي تتخذ من الكتابة موضوعًا لها، فتتناول فنّياتها وتقنياتها وتوغل في تناول بعض الحيل السردية، وتشير إلى أشهر الافتتاحيات الروائية. باختصار فإن هذا النوع من الأدب يمكن وصفه بأنه “كتابة نخبوية”، إذ يصعب أن تجد شخصًا مهمومًا بالكتابة كموضوع روائي إلا إذا كان كاتبًا، أو قارئًا خبيرًا متمرّسًا.

أبرز روايات الميتاليتراتورا عالميًا هي رواية “أوباباكواك” للإسباني الباسكي برناردو أتشاغا، وأيضًا رواية “لو أن مسافرًا في ليلة شتاء” للإيطالي إيتالو كالفينو.

أما عربيًا، فنستطيع رصد رواية مثل “ورّاق الحب” للسوري خليل صويلح، و “رجوع الشيخ” للمصري محمد عبد النبي، ولا نستطيع أن نزعم أن الأخيرة موهوبة بشكل كامل لهذا الصنف الروائي، ولكن يمكن إدراج مساحات وخطوط درامية منها ضمن هذا النوع. 

يقول الروائي المصري محمد عبد النبي: “metaliterature [حسب أوكسفورد] هو أي نص أدبي يتناول طبيعة الأدب وموضوعاته. وهو بهذا المعنى الدقيق ليس نادرًا في الأدب العَربي وحده، بل في الأدب العالمي كله، لأنَّ تناول الكاتب لكتابته أو لطبيعة الكتابة الأدبية عمومًا في عمله الأدبي، كثيرًا ما اعتدَّ علامة عدم نُضج أو تقوقع وانغلاق على الذات، وخصوصًا في السرد، فما أكثر القصائد التي تحتفي بالشِعر والشاعر والقصيدة نفسها. يتحوّل النص الأدبي إلى نوعٍ مِن نَرجس (نارسيوس)، ذلك الفتى الجميل الذي يتأمّل صورته على سطح الماء حدَّ الافتتان. لا أظن أنَّ لديَّ عمل كامل يندرج تحت هذه الفئة، وإن كانت رواية رجوع الشيخ تحكي بالأساس عن رجل يكافح لإنهاء روايته الأولى ويحاول الدخول إليها من أكثر من باب مرة بعد أخرى، فإنها لا تعكف كثيرًا على مناقشة طبيعة الرواية، إلَّا عبرَ تعريفات الرواية والروائي التي يطرحها الشيخ أحمد رجائي، وبعض فقرات أخرى عن الكتابة عمومًا وتداخلها مع الواقع. غيرَ أنَّ هذا الخيط، الكتابة تتأمل ذاتها، له وجود عندي، بدرجة أو بأخرى، حتَّى في رواية في “غرفة العنكبوت”، الأشد إخلاصًا للشكل التقليدي للسرد، حينما يتأمّل هاني محفوظ رحلة كتابته لحياته قرب نهاية الرواية، ويعي بالكتابة كعلاج واعتراف وتخفف، متخيلًا نفسه شهرزاد، هنا أيضًا الكتابة تتأمل ذاتها وإن في مستوى آخر. أظن أنَّ الرواية الوحيدة التي قرأتها وكانت شديدة الإخلاص لهذا التقليد هي رواية مليون نافذة للأسترالي جيرالد مرنين (الكرمة، 2014)، التي سعدتُ بترجمتها. وفيها لا حكاية ولا شخصيات بأي معنى مألوف أو تقليدي، لكن طَرح لأكثر جوانب اللعبة السردية وخلخلتها والسخرية منها وتجاوزها، هذه هي الميتا-رواية بألف لام التعريف، ولا أظن أن القارئ العادي قد يستسيغها بسهولة، أقصد القارئ الكسول المعتاد على الحكايات الآمنة المطمئنة، بل هي مكتوبة لقارئ مهموم بالأدب وعنيد ومستعد للقتال، سواء كان كاتبًا أم غير كاتب. لعلَّ ذلك سر ندرة هذا الشكل من الكتابة لدينا، من ناحية ليس لدينا الكاتب القادر على طرح أسئلة الكتابة، صراحةً وبوعي حاد، عبر نص أدبي، مع الإبقاء على أدبية نصّه وعدم الوقوع في جفاف التناول النقدي المعتاد. ومن جانب آخر الكسل العام الذي نسبح في بِرْكته وبَرَكته جميعًا من عشرات السنين”. 

“المحاكم المجتمعية” تمنع ازدهار “رواية البيكارسك”

وتسمى عربيًا بالرواية “الشُطّارية” أو الرواية “الصعلوكية”، حيث يكون البطل خشنًا لئيمًا في العادة، يكاد يكون محتالًا، رجل أرغمته الحياة على أن يكون بمخالب وحراشف.

ظهرت روايات البيكارسك في إسبانيا في القرن السادس عشر، ويمكن القول إن القطعة الأدبية الأولى منها كانت عند صدور رواية مجهولة المؤلف تحمل عنوان “حياة لاثاريو دي تورميس وحظوظه ومحنه”، ونشرت تلك الرواية في إسبانيا عام 1554، وعلى الرغم من ذلك لم يُصك مصطلح البيكارسك إلا في العام 1810، أي بعد ما يقارب قرنين ونصف من مراكمة هذا الصنف الروائي. غير أن هذا لا ينفي أن بعض الأعمال الأقدم من هذا التاريخ أطلق عليها معاصروها لفطة “بيكارسك” مثل رواية “غوزمان دي ألفاراتشي” للروائي الإسباني ماتيو آليمان والصادرة في 1599.

وللرواية الشطارية أو رواية البيكارسك عدة ملامح رئيسية، لا يجب أن تجتمع كلها في النص ليتم إدراجه تحت هذا التصنيف. وأبرز تلك الملامح تتمثل في:

  • استخدام ضمير المتكلم “الـ أنا” في السرد.

  • تبدو الرواية أقرب إلى الأوتوبيوغرافيا أو السيرة الروائية.

  • استخدام لغة شعبية أقرب للغة الشارع في الحكي.

  • يحمل بطل الرواية بعض المفاهيم اللاأخلاقية والرافضة للأعراف المجتمعية.

  • ينتمي البطل عادة إلى عوالم الهامش وإلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمعدمة.

  • يندر أن يمتهن البطل وظيفة ثابتة.

  • تحمل لغة خشنة وتجنح الرواية للهجاء والانتقاد بشكل قاسي وحاد، كما تحمل بعض شذرات من الكوميديا.

  • يندر وجود حبكة رئيسية للعمل، وإنما تتعاقب الأحداث على شكل مغامرات مسلسلة أو رحلة محفوفة بالمخاطر.

ومن أبرز روايات البيكارسك العالمية: “مغامرات هيكلبري فين” للأمريكي مارك توين، و “باودولينو” لإمبرتكو إيكو” وغيرهما.

أما عربيًا، فيظل المثال الأبرز لهذا النوع الروائي، رواية “الخبز الحافي” للكاتب المغربي محمد شكري، والتي أثارت ضجة كبرى عند صدورها.

يقول الروائي المصري أحمد صابر: “أعتقد أن الرواية الشطارية لا تنفع في مصر، تحتاج شجاعة، وقدرة على تحمل الأذى من المجتمع. بعد انتهائي من قراءة رواية الخبز الحافي لمحمد شكري، فكرت أنه لو صاحب الخبز الحافي كاتب مصري، ونشرها في زمننا هذا، لحوكم بكل التهم الممكنة، ولأمضى سنواته القادمة في التبرير والسجون بتهم مختلفة، تبدأ من خدش حياء المجتمع. إذ أن التعري هكذا في المجتمع المصري جريمة، جريمة لا تغتفر، لا أحد يريد أن يقرأ عن الصعلوك الفقير اللاأخلاقي، نحن نحب الصعلوك المطيع، البعيد عن الإجرام، الزاهد في متع الحياة، وصاحب الأخلاق رغم وجوده في بيئة صعبة. لأجل كتابة رواية شطارية في مصر، تحتاج أن تكتبها على لسان بطل وهمي، المجتمع لا يغفر ولا يحب الحقائق والاعترافات”.

ولعل ما يعضد وجهة نظر صابر، الخط الزمني الذي سارت عليه رواية مثل “الخبز الحافي”، فقد كُتبت الرواية بالعربية في 1972، بعدها تُرِجمت إلى الإنجليزية في 1973. وفي 1981 نُشرت ترجمتها الفرنسية، أما نسختها العربية فلم تُنشر إلا في العام 1982، أي بعد عقد كامل منذ لحظة انتهاء محمد شكري من كتابتها باللغة العربية.

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن “الخبز الحافي” ليست رواية البيكارسك العربية الوحيدة، وإنما هي الأشهر، ففي السنوات الأخيرة نشر بعض الكتاب العرب – الشباب – رواياتهم التي تعكس قسوة العوالم التي عاشها الأبطال ما اضطرهم إلى التحول إلى ذلك البطل الخشن المحتال، منها مثلًا “الحي الخطير” للمغربي محمد بنميلود، و “كيس أسود ثقيل” و “قانون البقاء” للمصري عمرو عاشور. 

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع