أغنية “فيريتايل أوف نيويورك”، Fairytale of New York، من أغاني عيد الميلاد التي تكاد تقتحم كل مقهى أو متجر في بريطانيا. صدرت الأغنية عام 1987 عن الفرقة الإيرلندية “The Pogue” وما زالت تقتحم معظم المحال التجارية والمقاهي في بريطانيا بعيداً عن أغاني عيد الميلاد الغربية التقليدية والدافئة. تأتي هذه الأغنية بدفء من نوع آخر، دفء لاذع لكنه قريب من قلوب الجموع. في كانون الثاني 2020، حصلت الأغنية على مرتبة “كوادروبل بلاتينيوم” في بريطانيا لحصدها مليوني وأربعمائة ألف مبيعاً، كما حصلت الأغنية على لقب الأغنية المفضلة للشعب إثر استفتاءات مختلفة على مر السنين، حتى وصفتها إحدى التعليقات على اليوتيوب “هذه الأغنية مثل النبيذ الجيد، تصبح أفضل كلما تقدم العمر”.
خرافة الأغنية
هذه الأغنية ليست عن شجرة عيد الميلاد ولا عن سانتا كلوز ولا عن الهدايا أو الأضواء ولا عن فرح العائلة أو دفئها ولا عن المحبة. هي نقيض كل ذلك، هي أغنية عن غياب الدفء والمحبة وعن فشل الأحلام.
أغنية “فيريتايل أوف نيويورك” هي قصة مهاجر إيرلندي في نيويورك يجد نفسه مُلقى في زقاق السكارى ليلة عيد الميلاد ليستمع إلى رجل عجوز يردد أغنية إيرلندية فلكلورية، ما يثير مخيلة المهاجر لتَذَكُر محادثة بينه وبين حبيبته. تبدأ المحادثة بالحبيبة حيث تُردد خساراتها وتُلقي اللوم على حبيبها بالفشل في الوصول إلى الحلم الأمريكي. تتحدث الحبيبة عن الحياة الوردية التي كانت تتخيلها حيث السيارات الكبيرة والمال الوفير وتُذكّر حبيبها بأنه وَعَدها بالوصول إلى المسارح العالمية مثل برودواي. تُذكرُه بليالي الغناء حيث “سيناترا كان سعيداً وحتى السَكارى كانوا يُغنّون” وتُذَكِرُه بقُبلَتِهم ورَقصِهِم طوال الليل، وتستمر المحادثة بالسباب واللوم المتبادل بين الحبيبين.
العبث بموسم عيد الميلاد
تُحطم الأغنية إذن مشاعر الوصل والدفء التي يتّسم بها موسم عيد الميلاد إذ يهيمن الانفصال والجفاء بين الأحبة، حيث تعبث الأغنية بنمطية موسم العيد. تقترن المواسم بمظاهر معينة ومتكررة تشكل هويتها فمثلما يقترن الربيع بالحياة التي تنعكس في تفتح الأزهار ونمو الثمر والشتاء بالموت الذي ينعكس بتساقط الأشجار وموت الجذوع، كذلك يقترن موسم عيد الميلاد بمظاهر وطقوس معينة تعطيه هويته فعدا عن المظاهر الخارجية للعيد من زينة وهدايا وألعاب، تُهيمن على موسم عيد الميلاد حالة معينة من المثالية حيث اكتمال الأشياء، والحب، والنجاح. هو موسم دفء القلوب ورجائها والاقتراب من الأحلام، هو موسم حصد الثمار والاحتفال بنهاية السنة، هو موجة دافئة تُلَطّفُ غضب الأشهر الماضية بمسك الختام.
ماذا تبقى ليربط هذه الأغنية بآخر خيوط عيد الميلاد؟
إنه اللحن. يأتي اللحن الفولكلوري الإيرلندي (Irish Folkstyle Ballad) ليُفعِم الأغنية بكلاسيكية ودفء الموسم ويحافظ على إيقاع العيد. يَحضُر اللحن ليغلف هذا الخراب المفجع بحلاوة عذبة ومن ثم يُطلق الأغنية في تركيبة جديدة تجعل الواقع أقل قسوة وتنادي الجموع كافة بالانضمام والاحتفال بالعيد. إنه احتفاء بـ “الخراب الجميل” على حد تعبير أصدقاءنا الشعراء، حتى يُعلّق الكثير من المستمعين على مواقع الاستماع الإلكترونية بأن “الأغنية تصلح لبقية أشهر السنة”.
ربما نالت هذه الأغنية إعجاب الجموع لواقعيتها ولقربها من الحقيقة المؤلمة. “فيريتايل أوف نيويورك” هي صديقة اللاجئين بلا بيوت، والقلوب الخالية من الحبيب، ورفيقة الأرواح التي لا يزورها الحظ أو النجاح، وونيسة النفوس التي خُذِلت آمالها وفشلت في تحقيق أحلامها، لتعزيها وتخفف ثقل الخذلان في حياتها.
لنجدد الأمل…
يحضرني صدى هذه الأغنية في زمن الجائحة أكثر من أي وقت مضى حيث تجمدت أحلامنا، تأجل بعضها، ومات البعض الآخر، فأصبح الخذلان واليأس حَليفَي المرحلة التي نعيشها لكن ما أضيق العيش لولا فسحة أمل.
عَلّه يكون آخر عيد ميلاد نعيشه بخذلان ومع أن هذه الأمنية قد تكون غير واقعية إلا أننا ننتمي إلى المواسم أيضاً فلنضم آمالنا وأمنياتنا إلى المواسم. رغم ما حصل مع الحبيبين، يتمسك الحبيب ببعض الأمنيات للمستقبل فيقول:
“لدي شعور أن هذه السنة لي ولكِ
ف عيد ميلاد سعيد
أحبكِ يا حبيبتي
أستطيع رؤية وقت أفضل
حيث تتحقق فيه جميع أحلامنا”
ولأننا محكومون بالأمل، لا يسعني إلا أن أضم أمنيتي إلى هذه الأمنيات: علّ العيد المقبل يأتي بأيام أفضل وعلّ أحلامنا المؤجلة والعالقة تلملم نفسها، تخيّط صبرها وتواصل سعيها بتحقيق نفسها، فكل عام ونحن إلى الحلم أقرب.