جديد: بلاد على أهبة الفجر… العصيان المدني والحياة اليومية في بيت ساحور

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

ولم تُهمَل التجارب التاريخية للعصيان المدني، وكذلك العصيان في الحالة الفلسطينية، وخصوصًا إضراب عام 1936، وما تلاه من مقاومات وإحباطات وإضرابات وتعبيرات عن الهوية الفلسطينية، من خلال الفعل الشعبي أو العسكري، وفكرة العصيان بشكل عام خلال الانتفاضة الشعبية (1987).

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

27/12/2021

تصوير: اسماء الغول

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

رمان الثقافية

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب للباحث الفلسطيني أحمد عز الدين أسعد، بعنوان “بلاد على أهبة الفجر: العصيان المدني والحياة اليومية في بيت ساحور”، (في 528 صفحة)، الذي يبحث في العصيان المدني في بيت ساحور إبّان سنوات الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى (1987)، ويحلل حالة البلدة وأهاليها، متناولًا أدوات العصيان التي طوّروها، والأساليب المختلفة التي خلقوها لمقاومة الهجمات الضريبية الإسرائيلية، وفرض موقف مقابل لسياسات الاحتلال في البلدة، ما سماه الكاتب بالتكيّف العصياني المقاوِم. ويورد الكتاب تحليله السوسيولوجي لمظاهر العصيان معتمدًا على مقابلات شخصية مع عشرات الأفراد من أهالي بيت ساحور، لتسجيل شهاداتهم وانطباعاتهم وتحليلهم لتجربة العصيان التي كانوا جزءًا منها، أفرادًا ومؤسساتٍ أهليةً ودينية ورسمية، مُظهِرًا من خلالها جوانب مختلفة من تجربة المقاومة الشعبية، كما خاضها أصحابها.

سوسيولوجيا العصيان المقاوم

حاول الكاتب تقديم تصوّرٍ عامّ عن العصيان المدني في السياق الفكري والنظرياتي العام. والعصيان هو مواجهة مع بنية سياسية وقانونية، وبنية استعمارية في الحالة الفلسطينية، يحتاج إلى توافر قرارات جماعية مشتركة لنضوجه، والتي تكون انعكاسًا للممارسة الهوياتية، وليست تعبيرًا عن مصالح مشتركة لجماعة ما.

وتتمثّل أكثر البيئات خصوبة لنمو العصيان أو ولادته في توافر جماعة من الناس، ووجود تجربة مشتركة، وغياب الانقسامات الأفقية والعمودية داخل الجماعة أو المجتمع، ووجود قيادة فاعلة توفّر بنيات اجتماعية وسياسية، بوصفها تعبيرات مؤسساتية.

ولم تُهمَل التجارب التاريخية للعصيان المدني، وكذلك العصيان في الحالة الفلسطينية، وخصوصًا إضراب عام 1936، وما تلاه من مقاومات وإحباطات وإضرابات وتعبيرات عن الهوية الفلسطينية، من خلال الفعل الشعبي أو العسكري، وفكرة العصيان بشكل عام خلال الانتفاضة الشعبية (1987).

حاول الباحث أن يقدّم قراءة نظرية جديدة للعصيان المدني، تَخرج من رتابة المقولة السياسية أسيرة ثنائية الاحتلال – الاستقلال، لتفتح الباب واسعًا على قراءة متعددة الأبعاد، فتوظّف نظريات علم الاجتماع، والفكر، والفلسفة، وعلم الإنسان، والتاريخ الاجتماعي، والنظريات البينية المتداخلة الحقول، مثل: دراسات الاستعمار الاستيطاني، ومدرسة التابع، والدراسات الثقافية والنقدية. بعد الحصيلة النظرياتية السابقة، يمكن القول إن العصيان المدني في الحالة الفلسطينية له شكل مختلف عن العصيان المدني في تجربة مجموعات أو حركات ضد حكومة أو دولة ليست دولة استعمارية، وإنما دولة متسلّطة على شعبها؛ فالعصيان المدني في الحالة الفلسطينية ذو بُعدٍ انتفاضي ثوري، مرتبط بالتحرر وتقرير المصير ودحر الاستعمار وإقامة الدولة الفلسطينية.

وما يميّز الحالة الفلسطينية أن العصيان المدني كان ضد الاستعمار الاستيطاني وحكومته اللذين يهدفان إلى محو السكان المستعمَرين وإزالتهم، واستغلال السكان الناجين من المحو، لذلك استخدم مفهوم العصيان الوطني البنيوي، حتى لا يكون العصيان موجّهًا لتحقيق مجموعة مطالب وأهداف عاجية، وإنما يكون مرتبطًا بالنضال لتحقيق مطالب هوياتية وسياسية. إن العصيان الوطني البنيوي يهدف إلى تحقيق إزالة المستعمِر، وتحقيق حقّ تقرير المصير للمستعمَر الفلسطيني. ومن أهم شروط نضوج العصيان الوطني البنيوي المقاوم توافر فواعل اجتماعية وثقافية وسياسية تكون رافعة لفكرة العصيان المدنية، ومنفّذة لبرنامجه المرتبط بتحقيق الهوية المستعمَرة أو جزء منها. ومن الجدير أن يشتمل على الشروط الأساسية التي تتمثّل في أن يكون مبادرة جماعية، وأن يكون علنيًا ومرتبطًا بقرارات وأهداف مشتركة، وليست مصالح مشتركة، وينطلق من برنامج سياسي توافقي للشعب.

وفي المبحث السادس من الفصل الأول في الكتاب مقاربة عامة حول الفكرة، حيث أورد الكاتب مفهَمة للانتفاضة والثورة، كالشروحات التي وردت في موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، أو التوصيف الذي قدّمه عزمي بشارة الذي يرى فيه أن أهم ما يميّز الانتفاضة الشعبية الفلسطينية (1987 (من عناصر القوة هو: “جماهيرية الانتفاضة وشعبيتها، شمولية الانتفاضة كحالة تلازم نواحي الحياة الفلسطينية كافة، الصدامية مع الاحتلال، ورفض الوضع القائم والوضوح في هدف التخلص من الاحتلال، تسييس الجماهير الفلسطينية في الداخل ونشوء جيل جديد فولذته عملية الصدام مع الاحتلال، وجود برنامج سياسي واضح تتبناه الانتفاضة منذ الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني”.

من هنا نستنتج أن الثورة هي المسار الكبير لمشروع المقاومة والتحرر في داخل الأرض المستعمرة وفي الشتات، مثل الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ عام1965 وما بعدها، أو الثورة الجزائرية في المدة 1954-1962. أما الانتفاضة، فهي حالة ثورية محددة زمانيًا ومكانيًا، ولها أفق وبرنامج سياسي يخدمان مشروع الثورة الكبير، مثل الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في عام 1987، وانتفاضة الأقصى في عام 2000. وأما العصيان المدني، فهو أداة أو برنامج أو استراتيجية، يجري تبنّيه خلال الانتفاضة، أو قبلها أو بعدها أو ضمن مسار الثورة ككلّ، من أجل تحقيق الأهداف السياسية لحركة التحرر الوطني؛ أي إن العصيان المدني جزء من الحالة الانتفاضية والثورية وتعبير عنهما.

أقانيم الروح الساحورية

أدّت مجموعة من البنيات دورًا أساسيًا في نهوض مجتمع بيت ساحور وتقدّمه على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، ونالت بيت ساحور حظًا وافرًا من المدارس والتعليم، فكان فيها في وقت مبكر مدرسة لتعليم أبنائها، وكان للإرساليات التبشيرية دور في ذلك من خلال توفير بنية تحتية تعليمية في المدينة. وساهم نمط الإنتاج الحِرَفي، المرتبط بخشب الزيتون والنسيج والحياكة والحدادة والنجارة، في نشوء طبقة عمالية ساهمت في تحسين الوضع الاقتصادي في المدينة، وخلق حراك تجاري صناعي سياحي فيها. وكان للوفرة الاقتصادية دور في استكمال تعليم أبناء المدينة الجامعي والشهادات العليا، كما ساهم عدد من العوامل في تعليم أبنائها، منها علاقات أهلها بالدول العربية والأجنبية، ما سهّل إرسال أبنائها للدراسة في الخارج، وافتتاح جامعة بيت لحم في عام 1973؛ إذ تلقّى عدد من أبناء المدينة تعليمهم في تلك الجامعة وفي جامعات فلسطينية أخرى.

أما العلاقات الاجتماعية في بيت ساحور، فظلّت قوية ومترابطة ومرتبطة بقيم القرية التعاضدية والتضامنية، ويعود ذلك إلى مساحتها الصغيرة نسبة إلى المدن حولها، وإلى عدد سكانها القليل، فيُلمس في المدينة الحميمية الاجتماعية والتقارب الاجتماعي. إلى جانب ذلك، نمت فيها حركة جماهيرية وطنية، قوامها العمل الطوعي والتطوّعي، فلم تُبنَ المؤسسات الجماهيرية على رابطة الدم أو الطائفة، على الرغم من أن بعضها حمل أسماء طائفية؛ إذ إن عضويتها ونشاطاتها كانت عابرة للطائفة والطبقة الاجتماعية، وهو ما عزز من روح بيت ساحور.

ما يمكن قوله عن بيت ساحور أنها مجتمع متمرّد ومتعاون ومتكاتف وغير مهادن، له مزاج خاص في الحياة والمقاومة والعصيان، وتلك السمات، أو ما سماه الكاتب “الروح الساحورية”، كانت دينامية مهمة في تدحرج العصيان المدني مثل كرة الثلج في بيت ساحور، وهي تقوم على مجموعة من الأقانيم المتمثّلة في: الحركة الجماهيرية والتنظيمية، ونمط الإنتاج والحياة اليومية النشطة بأنساقها كلّها، والوعي الوطني والسياسي، والالتزام بالموقف العام، وقوة المبنى الاجتماعي، وعصبية أهل بيت ساحور التضامنية التي تأخذ تجلياتها في التعاضد العائلي والمؤسساتي والحزبي؛ فالكل في بيت ساحور يتوحّد ويتعاضد من أجلها.

ومن مظاهر الحراك الاجتماعي المتميزة في بيت ساحور، الحراك النسوي المؤسساتي، الذي يُشار إليه من خلال شواهد عدة، منها ما جاء في صحيفة الفجر، مثلًا، عن إدانة الاتحاد النسائي العربي في بيت ساحور اعتقالَ سلطات الاحتلال للمناضلة سميحة خليل، رئيسة جمعية إنعاش الأسرة – البيرة. إن هذا المؤشر مهم في توضيح أمرين رئيسين، وهما: وجود بنية مؤسساتية نسوية في بيت ساحور تتمثّل في مؤسسة الاتحاد النسائي العربي – بيت ساحور؛ وانخراط نساء المدينة في الشأن العام والشأن السياسي والوطني النضالي، باعتراضهن على اعتقال المناضلة سميحة خليل، ويمكن تفسير هذا الاستنكار بتطوّر الحركة الجماهيرية في الأرض المحتلة وتبلور وعي سياسي ثقافي اجتماعي بضرورة العمل والخروج عن حالة السكون وضرورة التمرّد الجماهيري، وهو جزء من الشعور بالهوية الجماعية الفلسطينية الذي نما بتطوّر الحركة الوطنية الفلسطينية والجماهيرية.

يبيّن هذا المؤشر وغيره النسق الاجتماعي العام لمدينة بيت ساحور، المتمثّل في نسق شخصية أهاليها الحاد والعنيد والمقاوم، والنسق الثقافي الذي يقوم على ثقافة وطنية مقاومة، تهتم بالإرث الوطني ورفض الاحتلال والاستعمار، والنسق العضوي الذي يُعنى بالمحافظة على الروابط العضوية المجتمعية في بيت ساحور وتوظيفها لتوليد مثقفين عضويين ومؤسسات عضوية جماهيرية، وفق منطق غرامشي لمفهوم المثقف العضوي. يمكن تخيّل بيت ساحور في تلك المدة، 1980-1993، مدينة متمرّدة وفق منطق ديفيد هارفي، تحاول انتزاع الحق وامتلاك سلطة تشكيل ذاتها وطنيًا جماهيريًا. كانت بيت ساحور متمرّدة على الخوف والكسل واللاانتماء، وتمرّدت على أفكار الإدارة المدنية الإسرائيلية وأدواتها المتمثّلة في روابط القرى، وشكّلت نموذجًا وطنيًّا مبادرًا ومتقدّمًا، وكثّفت أنساقها المتعددة لتكون طليعة حركة المقاومة والعصيان والتمرّد عند اندلاع الانتفاضة.

الانتفاضة والمقاطعة

إن العنف البنيوي الإسرائيلي قمع الانتفاضة ومظاهرها من خلال الممارسات الإسرائيلية التعسفية، ومنها فرض الضرائب الباهظة ووقف التحويلات المالية، وغيرها من الممارسات الإسرائيلية الاقتصادية، إلى جانب اتّباع سياسة القبضة الحديدية وسياسة العصا والجزرة. لقد بذلت السلطات الإسرائيلية جهدًا مضاعفًا من أجل محاصرة الانتفاضة من خلال ضرب النسق الاقتصادي الفلسطيني وإثقال كاهل الفلسطينيين بالضرائب والغرامات المالية، وبالرغم من ذلك، التزم الفلسطينيون قرار القيادة الوطنية الموحّدة بعدم دفع الضرائب الذي أُعلن عنه في شباط/ فبراير 1988. وفي بيت ساحور كانت حالة رفض دفع الضرائب قد بدأت قبل الانتفاضة لدى بعض التجّار وأصحاب المصالح الاقتصادية، وهناك تجربة في العنف الضريبي والاستغلال الاستعماري في قضية أبو عيطة وآخرين من بيت ساحور، والتي وصلت إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، فكانت بيت ساحور صاحبة تجربة سابقة في الامتناع عن دفع الضرائب وابتعاث السجال حول عدم مشروعية جبي حكومة الاستعمار الاستيطاني لها، وأجمع أهلها على عدد من الخطوات العصيانية، مثل مقاطعة الإدارة المدنية والحكم العسكري، ورمي الهويات وتسليمها إلى بلدية بيت ساحور من أجل تسليمها إلى الحاكم العسكري لمنطقة بيت لحم.

إن جباية سلطة الاستعمار الاستيطاني الاستغلالي الإسرائيلي للضريبة أمر غير قانوني، كون الأراضي الفلسطينية أراضيَ محتلة بمنطق القانون الدولي، والجباية بحسب هذا القانون تكون وفق القانون المعمول به قبل وقوع الاحتلال، وتعود الأموال التي تُجبى لصالح السكان دافعي الضرائب، وتكون الميزانيات علنية ومعروفة للجميع. وعند تناول القضية الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية بغير كونها مسائل قانونية، وتحليلها من غير منطلق القانون الدولي، بل باعتبار أن إسرائيل نظام استعمار استيطاني استغلالي يسعى لتحقيق التطهير العرقي والمكاني والثقافي والاجتماعي ضدّ المجتمع الفلسطيني بشكل عام، وتحقيق ترانسفير هادئ وبطيء من خلال ممارسات استغلالية للفلسطينيين، فإنه مقابل ذلك يشكّل الفلسطينيون شعبًا، ويشكّل أهالي بيت ساحور جزءًا من ذلك الشعب الذي أعلن العصيان المدني في إطار برنامج حركة تحرر وطني تسعى للخلاص من الاستعمار الإسرائيلي وتحقيق حقّ تقرير المصير وتجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية. كما يمكن الاستنتاج أن أي خطوة أو محاولة للعصيان المدني، إن لم تكن خطوة جماعية، فإن مصيرها الفشل، فالعصيان المدني يحتاج إلى إرادة وطنية من أجل إطلاق العنان له، ويقوم على بنيات اجتماعية ثقافية مؤسساتية، تصعّده وتقوّيه وتحميه، وتمنعه من الانتكاس أو الانكسار أو الانحراف.

لقد استخدمت السلطات الاستعمارية الإسرائيلية الضريبة أداةَ ضبط وعقاب للفلسطينيين في فلسطين المستعمَرة في عام 1948، وطوّرت إسرائيل المنظومة الضريبية والضبطية، وطبّقتها على الأراضي الفلسطينية المستعمرة في عام 1967. وتهدف الضريبة إلى فرض السيادة الإسرائيلية وتحقيق الهيمنة وإحكام تقنية الانضباط، أي إن الضريبة وُظّفت سياسة استعمارية لقمع الفلسطينيين وسرقة أموالهم من أجل دعم ميزانية الاستعمار، وهنا يظهر وجهان للاستعمار، أو يمكن القول إنه استعمار هجين يجمع ما بين الاستعمار الاستيطاني الذي يهدف إلى المحو بأشكاله الثقافية والاجتماعية والعرقية والمكانية وغيرها، ونموذج الاستعمار الاستغلالي الساعي إلى استغلال الفلسطيني واعتباره يدًا عاملة ماهرة ورخيصة الأجر، ويحقق من وراء الفلسطينيين جباية ضرائب تدرّ أموالًا طائلة، قُدّرت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بما يراوح بين 600 و650 مليون دولار في العام الواحد.

كانت سياسة جباية الضرائب في بيت ساحور عدوانية عدائية استعمارية، هدفها الهيمنة وكسر أهالي بيت ساحور، فحاولت القوة الاستعمارية فرض الطاعة والخنوع عليهم، لكن تلك السياسات الاستعمارية فشلت نوعًا ما. وأكّد أهالي بيت ساحور عبر ممارساتهم السياسية والثقافية والعصيانية والوطنية على الهوية الفلسطينية التي تتصارع مع هوية استعمارية استشراقية، فقصة الامتناع عن دفع الضرائب والمطالبة الإسرائيلية بالضرائب أعادت الصراع إلى منابته الأولى؛ صراع بين حركة تحرر وطني ودولة استعمار استيطاني واستغلالي.

العصيان البنيوي بؤرة القوة

ساهمت بنيات أساسية في توليد العصيان المدني في بيت ساحور، من رحم الحالة الانتفاضية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهناك عوامل ساهمت في تأسيس العصيان المدني في المدينة. ومن خلال تقديم تفسير سوسيولوجي، يتضح غياب هذا العصيان في مناطق أخرى في الأراضي المحتلة بصورة بنيوية ومنظمة. فقد ظهرت محاولات لعصيان مدني، لكنها كانت قصيرة النفس وتلاشت بسرعة. هناك تفاصيل متعددة عن إبداعات سكان بيت ساحور والحياة اليومية فيها، والتكيّف العصياني المقاوم من خلال مظاهر عصيانية عدة.

إن الظاهرة العصيانية في بيت ساحور ظاهرة جماعية وعابرة للحزبية والعائلية والطائفية، وهي رابطة طوعية بين أهاليها؛ فالعصيان كان مظلّة كل سلوك مقاوم ووطني فيها. يقول أحمد جرادات، وهو باحث ميداني في مؤسسة الحق، وثّق بعض الانتهاكات وقت العصيان: “كانت بيت ساحور مثل باقي المدن والبلدات الفلسطينية، وقد انخرطت في الانتفاضة الأولى بشكل قوي جدًا، وكانت تشهد كل مظاهر الانتفاضة من الإضراب والإطارات المشتعلة والاشتباك مع الجنود …إلخ. وصدر البيان الثالث عن القيادة الوطنية الموحدة التي كانت تحدّد المسارات النضالية لمدة أسبوع أحيانًا، أو لمدة أسبوعين، في كل فلسطين، الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس. ودعا البيان إلى مقاطعة البضاعة الإسرائيلية، وخاصة تلك التي لها بديل محلي. وصدر [البيان] في 18/1/1988، يعني بداية الانتفاضة، وقد التقط الناس الإشارة من البيان. واضح أن النشطاء في بيت ساحور التقطوا الفكرة، ولم تأخذ وقتًا طويلًا جدًا، واشتغلوا عليها في مدينة بيت ساحور وامتنع الناس عن دفع الضرائب. وكانت إرهاصات الفكرة قائمة، وترافقت مع عمل كثير من نشطاء بيت ساحور على إنتاجات البيت المنزلية والاكتفاء الذاتي، وما سُمّي إنتاج المقاومة. [كما] التقط أهالي بيت ساحور الفكرة، وبدؤوا يعملون [بها]، وهذه أعطت الثقة لعمل توعية في بيت ساحور. والفكرة التي كانت موجودة في بيت ساحور، ما كانت موجودة في باقي المناطق. أنا برأيي الشخصي يعني، كانت هذه الفكرة تعبيرًا عن الوعي للحركة الوطنية في بيت ساحور، وكان لديها إرهاصات جدية من قبل. وأنا أذكر أنه في بيت ساحور كان هناك أكثر من شخص معتقل من أفراد الجبهة الوطنية في السبعينيات، وكانت توجد حالة من الإبداع [لدى] القيادة”. يتضح من قول جرادات أنه يُرجِع ظاهرة العصيان المدني في بيت ساحور إلى قوة الحركة الوطنية في البلدة وقدرتها على التنظيم والإبداع والقيادة، في حين يرجعها آخرون إلى أسباب اجتماعية وسمات تخصّ المدينة.

وتبيّن الحكايات والقصص والوقائع السابقة أن أهالي بيت ساحور أبدعوا في توظيف فنون المقاومة بالحيلة، أو ما يمكن تسميته العصيان بالحيلة؛ فأهالي بيت ساحور مارسوا سلطتهم الاجتماعية والثقافية والحياتية على الجنود ورجال الضرائب، ولم ينكسروا، رغم شدة القمع والحصار، وطوّروا أدوات مقاومة بسيطة من خلال حياتهم اليومية ساهمت في تعزيز صمودهم وتقديم صورة بطولية وأسطورية عن واقعهم وصبرهم وعيشهم تحت الحصار الطويل والقمع. وأساليب العصيان بالحيلة كانت أشبه بالحيل الدفاعية، وفق منطق علم النفس، وكان لها وقعٌ وتأثير على تحطيم معنويات القوات الاستعمارية الإسرائيلية ووزير الدفاع يتسحاق رابين الذي زار المدينة وذُهل من سلوكها في الحياة اليومية المقاومة.

عند الوقوف على أهم العوامل التي ساهمت في تصليب عود العصيان المدني الوطني في مدينة بيت ساحور، يمكن القول إن غالبية العوامل بنيوية ترتكز أساسًا على البنيات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في المدينة. وكون أهالي بيت ساحور حملوا لواء العصيان المدني بنهج جماعي علني وطوعي، فقد كان سرّ تميّز العصيان وقوته أنه بنيوي يعتمد على أهالي المدينة جميعهم، ما يمكّننا من القول إن مدينة بيت ساحور تحوّلت إلى بنية عصيانية واحدة متكاتفة ومتماسكة في وجه البنية الاستعمارية الإسرائيلية. وكون البنية العصيانية في بيت ساحور عُمّدت بالدم والانتماء والكرامة، واستندت إلى أبنية صلبة، مثل الحركة الوطنية والحركة الجماهيرية والبنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فقد اكتسبت قوة تلك البنيات وسماتها.

تمثّلت بؤرة قوة العصيان في بيت ساحور في أنه وليد بنيات اجتماعية وسياسية وثقافية نضالية، اتّسمت بالتنظيم والخبرة في العمل الجماعي العلني الطوعي والنضال المشترك. واعتمد، أيضًا، على مظاهر عصيانية متعددة، مثل: مقاطعة الإدارة المدنية والامتناع عن دفع الضرائب، والزراعة المنزلية، وتعاونية الأبقار، واتساع الانخراط الجماهيري في العصيان، ومشاركة غير المحزبين والأهالي جميعًا، على اختلاف انتماءاتهم. تلك المظاهر العصيانية كلها مثّلت نقطة قوة للعصيان، كونه مثل البنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا؛ فالمؤازرة الجماعية ولّدت الصبر الجماعي وطول النفس، وهذا ما حاولت القوة الاستعمارية الإسرائيلية ضربه، وخصوصًا النسيج الجماعي وطاقة التحمّل والجَلَد العصياني لدى أهالي بيت ساحور، جماعةً وفرادى. وتمتّعت الممارسة العصيانية بصلابة بنيوية جماعية لكونها اكتسبت سمة جماهيرية عامة فوق حزبية، فلم تكن حزبية ذات أفق ضيّق؛ وإنما تجاوزت الحزبية وصهرت طاقاتها في ممارسة جماعية تعبّر عن الهوية الفلسطينية، ووظّفت الممارسة الهوياتية الأساليب العصيانية والمقاومة كلها لتعزيز الصبر الجماعي والصمود العصياني، مثل المقاومة بالحيلة، وغيرها من الأساليب. خلاصة القول، إن العصيان المدني وُلد من رحم الأبنية الاجتماعية والسياسية والثقافية والوطنية والجماهيرية في بيت ساحور، واكتسى ثوبها وعقليتها وهويتها، وأضحى بنية وطنية في المدينة وسِمة من سماتها المهمة، والتي باتت تسمّى منذ ذلك الوقت مدينة العصيان المدني.

سوسيولوجيا التضامن والتلاحم

عند الحديث عن سوسيولوجيا المقاومة والعصيان المقاوم، يُشار إلى أنه من شروط العصيان أن يكون جماعيًا وعلنيًا وطوعيًا. في بيت ساحور وتجربتها، كان من مميّزات العصيان فيها أنه بُني على قاعدة صلبة من التضامن والتلاحم الاجتماعي والسياسي، وكانت له روافع بنيوية، مثل الحركة الوطنية والمؤسسات الجماهيرية والمثقفين العضويين. ولكن خلال العصيان المقاوم تطوّرت علاقات مقاومة جديدة؛ إذ توسّع التضامن الوطني الاجتماعي والتلاحم العصياني، وهو تطوّر شبيه بتطوّر شبكة العلاقات السلبية لدى آصف بيات، إلا أنه في حالة بيت ساحور هناك معرفة بين الأهالي إلى حدٍ بعيد، وهو ما ساهم في التكيّف العصياني الجماعي المقاوم، وقد ساعدت مجموعة من الفواعل في ذلك، مثل: الأطر النسوية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والبلدية، والمؤسسة الدينية، والأطفال.

كان التلاحم الاجتماعي السياسي في بيت ساحور قويًا، وهو ما ساهم في استمراريتهم وقدرتهم على أحوالهم المعيشية، رغم الإغلاق والحصار والتنكيل المستمر بهم. وقد ساهمت مجموعة من الروافع والبنيات الاجتماعية في الصمود العصياني، فكان للاتحاد النسائي العربي في بيت ساحور والأطر النسوية الأخرى دور في صياغة خطاب إنساني أخلاقي لمخاطبة مراكز قوى متعددة في العالم عن واقع بيت ساحور ونسائها وأطفالها وأهلها، وعن ممارسات السلطة الاستعمارية، وساهمت تلك الرسائل والخطابات في تعميم حكاية بيت ساحور وإيصال صوت أهالي المدينة المحاصرة، فكان لهذا الخطاب دور في خلق حالة من التضامن الدولي والإقليمي معها.

ومثّلت المرأة في بيت ساحور متراس العصيان المدني، فناضلت نضالًا مزدوجًا؛ داخل البيت، في التكيّف المقاوم وتأمين احتياجات المنزل وإدارة شؤون البيت بحكمة وباقتصاد منزلي مقاوم، وخارج البيت في الممارسة العصيانية الميدانية إلى جانب الرجال والشباب في المظاهرات والاعتصامات والوقفات. وأدّت المرأة الساحورية دورًا بطوليًا في تخليص الشباب من بين أيادي الجنود ومنع اعتقالهم، وكان لبعض النسوة دور تنظيمي حزبي، مثل طباعة البيانات وتوزيعها. كما ساهم أطفال بيت ساحور بمرح الطفولة وبراءتها في تعزيز البعد العصياني، وأحد أوجه ذلك كان التزامهم التعليم الشعبي، وكان لهم دور في مساعدة شباب الانتفاضة في الفعاليات الانتفاضية، فكانوا يؤدّون بعض المهمات التي يصعب على الأهالي القيام بها، مثل: توصيل الدواء إلى المرضى، ونقل الاحتياجات اليومية مثل الخبز وغيرها من الأمور، ما يؤكد دورهم المهم في الصبر الجماعي وتحمّل المسؤولية الوطنية أو المسؤولية العصيانية باعتبارها واجبًا أخلاقيًا.

أدت العائلة في بيت ساحور دورًا مهمًا في التعاضد الاجتماعي، فهي مكوّن مجتمعي مركزي في الحياة الاجتماعية في المدينة، نظرًا إلى الثقافة الفلاحية السائدة؛ إذ ساهمت في تأمين احتياجات أفرادها وأنجحت تشكيل لجان الحارات على نحو طوعيّ، من دون الارتهان لعقد القبيلة والعشيرة والطائفة، إضافة إلى كون العائلة الساحورية مسيّسة وتحترم التعددية السياسية؛ فالأسرة الواحدة داخل العائلة كانت تضم انتماءات سياسية وحزبية عدة. وشاركت العائلة في بيت ساحور في صيانة العصيان المدني وحمايته، إلى جانب الحركة الوطنية والجماهيرية في المدينة، فكانت مكمّلة لدور تلك المؤسسات، شريكة وداعمة لها، ورافدة من روافدها العصيانية والتعاضدية التي ساهمت في التناغم والحميمية الاجتماعية.

وكان لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها المؤسسة الممثّلة للشعب الفلسطيني، دورٌ سياسي ومعنوي وإعلامي في دعم بيت ساحور والتضامن معها؛ إذ تقاطع توجّهها مع برنامج العصيان المدني وقتما كانت في الشتات، وانسجمت معه خلال الانتفاضة، إلا أنه وُظِّف ونتائج الانتفاضة في مسار سياسي هشٍّ وغير ناضج، ما أهدر الإنجازات الفلسطينية الكبرى. وساهمت المؤسسات الدينية في بيت ساحور، سواء الكنيسة أو المسجد، في دور إيجابي في العصيان، وكان لها دور في تجميع الناس أيام الأحد والجمعة، إلا أن دورها في المبادرة العصيانية كان محدودًا، ويعود ذلك إلى غلبة الطابع العلماني في المدينة، بتأثير نشاط الأحزاب اليسارية فيها، إضافة إلى نسب المتعلمين والجامعيين والمثقفين وذوي المهن العلمية. وكان للمؤسسات الجماهيرية دور فاعل في تعزيز الترابط بين أفراد المجتمع، إلى جانب نمط الإنتاج والاقتصاد في المدينة، ما ساهم في استقرار الحالة الاقتصادية للأهالي.

لقد مثّل خليل خير موقف البلدية الصلب منذ بداية المواجهة في معركة الهويات، وكان موقف رئيس البلدية، حنا الأطرش، مهمًّا على المستوى السياسي والإعلامي في مخاطبة عدد من القناصل ونقل معاناة بيت ساحور وألمها. ودعمت بلدية بيت ساحور العصيان المدني منذ اللحظات الأولى للامتناع عن دفع الضريبة، وتابعت القضية وأعدّت إحصائيةً تضمّ الورش والمصانع والمحالّ التي ترفض دفع الضريبة للسلطات الإسرائيلية، كما التزمت، مجلسًا وأعضاء، بقرارات القيادة الموحدة بمقاطعة الإدارة المدنية الإسرائيلية، وعند إجبارهم على حضور اجتماع مع الإدارة المدنية الإسرائيلية، لم تطرح البلدية القضايا الخدماتية التي تحتاج إليها، ولم تقدّم أي مطالب أخرى إلى الإدارة المدنية، التزامًا منها بالواجب الوطني والأخلاقي الجماعي ببرنامج العصيان المدني. وعندما ظهرت بعض الأصوات من داخل أعضاء مجلس البلدية تطالب بالتراجع عن العصيان المدني، ردّت “قاوم” ببيان صارم وشديد شرح القضية للمجلس البلدي، مشيرًا إلى أنها قضية سياسية، وأن أي تراجع أو أي خروج عن موقف الإجماع، فإنها ستتولى محاسبة تلك الشخصيات المسؤولة عن ذلك.

ساهم نجاح أهالي بيت ساحور في المعركة الإعلامية على المستويين المحلي والإقليمي الدولي في تضامن واسع معها، إذ تضامن الفلسطينيون معهم في القدس والضفة الغربية وفلسطين المستعمَرة في عام 1948 تضامنًا سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، أخذ شكل زيارات ميدانية ومؤتمرات صحافية ومظاهرات. وقد عزّز هذا التضامن روح العصيان المدني والمقاومة لدى أهالي بيت ساحور، وشكّل خيبة أمل للسلطات الاستعمارية التي أرادت وأْد العصيان، لكنها بممارساتها الاستعمارية الفاشية ساعدت في أن يعَمّم ويأخذ صدى واسعًا تفاعل طرديًا مع محاولات الوأد. وقد شمل ذلك التضامن تفاعل قادة وسياسيين ودبلوماسيين وصحافيين ورجال دين وطلابٍ ونشطاء سلام يهود.

إن الدرس المستخلص من التضامن مع بيت ساحور هو درس سياسي وطني يتمثّل في أن العصيان المدني الفلسطيني عند اندلاعه يحتاج إلى روافع إعلامية وسياسية، وإلى تضامن محلي ودولي؛ إذ لا يمكن لعصيان أن يحقق أهدافه المركزية دون تضامن واسع وشامل يترجَم إلى ممارسة سياسية. ومقابل ذلك التضامن الواسع كله مع بيت ساحور ومع القضية الفلسطينية، إلا أن هناك انحيازًا من الإدارة الأميركية للمشروع الاستعماري المتمثّل في إسرائيل، ما يعني أن التضامن وحده لا يكفي، وهو ما أثبتته تجربة التوجّه إلى مجلس الأمن باعتبار ذلك تضامنًا تُرجم إلى ممارسة سياسية، أفشلها الفيتو الأميركي.

ما بعد العصيان عصيان

يتبيّن أن هناك جملة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ساهمت في انتصار بيت ساحور، إضافة إلى استمرار إصرار أهالي المدينة على العصيان المدني، رغم الهجمة الاستعمارية الشديدة والقوية. وتتلخّص تلك العوامل التي وُجدت أثناء عملية البحث والتوثيق والتحليل، في أن الظاهرة العصيانية في بيت ساحور كانت جماعية اشترك فيها المجتمع كله، وكانت ميدانية عمادها الحركة الوطنية بتشكيلاتها كلها، والحركة الجماهيرية بمؤسساتها وأطرها كلها، وكانت، أيضًا، عابرة للحزب والطائفة والمهنة والعائلة والحارة، فغلب عليها طابع الحركة الاجتماعية وفق منطق تشارلز تلي Charles Tilly للحركات الاجتماعية، والتي لديها ثلاثة أنواع من المطالب، تتمثّل في برنامجٍ وهوية ومكانة.

وساهم وجود نسق شخصية لأهالي بيت ساحور ذات مزاج عنيد ومقاوم وذكي وخلاق في انتصارها، إضافة إلى التناغم بين مكوّنات النسق الاجتماعي فيها، والمستوى الثقافي العالي لأهاليها، الأمر الذي انعكس على الحالة الإعلامية الواسعة الصدى؛ فقد ابتدع أهالي بيت ساحور تشكيلات عصيانية شبكية مَثّلت قاعدة صلبة للعصيان المدني، وكان للثقافة الفلاحية أو النمط الفلاحي المعيشي لسكان بيت ساحور دورٌ في صمودهم وتحمّلهم فترة الحصار الطويلة التي دامت 42 يومًا؛ فكانت كل أسرة تخزّن المواد الغذائية. وقد تضامن مع بيت ساحور كثيرٌ من القرى والبلدات المجاورة ومناطق مختلفة من فلسطين، ما ساعد في تزويد الأهالي بالمواد الأساسية والأدوية ودعم صمودهم. وكان لانكشاف جزء من أهالي بيت ساحور على تجربة العصيان المدني والمقاومة الشعبية من خلال الأطر النظرية المتعددة، والخبرة التي اكتسبوها من زيارتهم لأهالي الجولان السوري المستعمَر في عام 1967، دورٌ في انتصارهم وتعزيز قوة العصيان المدني المتمثلة بالصمود والتحدي وعدم التراجع عن الخطوات التي تتخذها الجماهير. وكان للمساحة الصغيرة للمدينة دورٌ في صمود الأهالي وقربهم من بعضهم، وخلق حالة من التضامن العصياني والحميمية العصيانية والصبر الجماعي، فتقاسَم الأهالي المعاناة والحصار والصمود والانتصار.

وفي المبحث السابع من الفصل السادس من الكتاب يقدّم الكاتب تصوره نحو “مقاربة لعصيان مدني وطني راهن”، خلص فيها إلى وضع برنامج مرحلي لاستمرار النضال الفلسطيني في سبيل التحرر الكلي من الاستعمار. وكذلك توصيات لبعث الروح الفلسطينية النضالية مجدّدًا، من مخيمات الشتات التي شهدت مخاض ميلاد الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. وأنه لا بد لنجاح برنامج العصيان المدني الوطني البنيوي المقاوم أن يكون هناك إرادة رسمية وشعبية لتطبيق الانفكاك عن الاستعمار، وتعميم فكرة الحياة اليومية باعتبارها عصيانًا مقاومًا ومقاومة بنيوية، ويجب أن يكون العصيان المدني الوطني جزءًا من استراتيجية مقاومة جماعية، تجمَع إلى جانبه ما أمكن من أساليب المقاومة الأخرى، وفق ظروف كلّ تجمّع فلسطيني وإمكانياته الذاتية والموضوعية، وأن يعتمد برنامج العصيان الوطني على النضال المشترك، ويبتعد عن لغة المصلحة والمنفعة والربح والخسارة بمعناها المادي والسياسي السطحي.

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع