تُداخل تمام الأكحل بين سيرتها الذاتية والتاريخ الفلسطيني الجمعي منذ الخمسينيات

“اليد ترى والقلب يرسم”: في قدرة الروح الإبداعية على الاختراق

علاء رشيدي

كاتب من سوريا

المعرض الذي شهد نقلة فنية استثنائية فأقيم للثنائي في العام 1982، عرضا فيه للمرة الأولى أعمال سكيتشات بأقلام الرصاص والألوان المائية. وفي العام 1984 بدأت الفنانة الأكحل العمل على أسلوب عربي فني: "فالمعروف أن السمع والبصر أهم ما يبقى في الذاكرة،

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

13/03/2022

تصوير: اسماء الغول

علاء رشيدي

كاتب من سوريا

علاء رشيدي

مرايا الحياة الفنية والسياسية والذاتية الفلسطينية

في كتاب “اليد ترى والقلب يرسم” تداخل الكاتبة تمام الأكحل بين سيرتها الذاتية والتاريخ الفلسطيني الجمعي من خمسينيات القرن الماضي وصولاً إلى العام 2006 تاريخ وفاة شريكها الزوجي والفني إسماعيل شموط. تتجاور سيرة الثنائي العاشق مع سيرة صعود الفن والثقافة في إنتاجات الشعب الفلسطيني. في المقدمة يكتب الروائي اللبناني إلياس خوري: لا تروي الفنانة الفلسطينية تمام الأكحل حكايتها وبعضاً من حكاية زوجها إسماعيل شموط في هذا الكتاب، إلا لتروي حكاية جيل النكبة التي وجد نفسه في عراء التاريخ، فحاول أن يعيد صوغ هويته بالألوان والكلمات. كانا من أبناء تلك المرحلة التي لم تترك للفردانية متسعاً، لكن مساحة الفن كانت لهما أرضاً شاسعة وبلا حدود، فصعنا اللوحة الفلسطينية الطالعة من النكبة، ليعبّدا للأجيال اللاحقة حرية التحرر من الهوية التي صارت إنجازاً راسخاً. في هذه المذكرات نتعرف إلى بعض من ملامح امرأة، وكثير من تجربة فنانّين بحثاً عن فلسطين في كل مكان، ليجداً أن الوطن مرسوم على أرواح الفلسطينيين، وأن الحكاية حين تروى تستدرج حكايات أخرى لا نهاية لها”.

ممارسات الفن الأولى والتعبير بالرسم

الناس يبحثون بحثاً متواصلاً عن المصير الغامض، عن الحلول، عن الحاضر الغائب، عن المستقبل، عن الأحياء، عن الأموات، من رأى من، وأين وكيف؟ البحث ثم البحث. وما زلنا نبحث حتى الساعة. (عن تجربة الشتات في بيروت)

تحت عنوان “صورة الذاكرة الأولى” تعود الكاتبة إلى الطفولة في يافا في البحث عن الممارسات الفنية الأولى: “كان أثاث غرفة الطعام مصنوعاً من خشب الأبنوس، كنت أفرح عندما تطلب من والدتي أن أنظف نقوش الخزانة، كنت أتحسس بأصابعي ما بين المنخفضات والمرتفعات، وأمعن التأمل في التقنية الفنية المستخدمة”. أما تجربة اللجوء إلى الرسم الأولى فترويها الفنانة عند دخول القوى المسلحة الصهيونية إلى الأراضي الفلسطينية بعد إعلان دولة اسرائيل: “وقتها أحسست برغبة شديدة في الرسم، فرسمت بقلم الرصاص أفراد عائلتي، والزعيم الذي عاد من آخر محطات منفاه في ألمانيا، فاحتفت فلسطين كلها بعودته، وزينت يافا بالقماش الملون وسعف النخل على شكل أقواس قزح. والعائد كان الحاج أمين الحسيني”. وفي يافا نعيش الحدث السياسي في دخول القوات الصهيونية، ومن ثم مع تأسيس دولة اسرائيل وتوجه أهالي يافا إلى مراكب البحر باتجاه ميناء بيروت: “وقفت عند سور الباخرة الحديدة لأشاهد يافا تتصاعد منها الأدخنة هنا وهناك هذا دخان أسود داكن، وذاك فاتح تتبعه ومضة خاطفة ودوي انفجار شديد”. لتصل بعدها المراكب إلى بيروت. كانت الفنانة في الثالثة عشرة من عمرها حين اتفقت مع مشغل ملابس في بيروت لترسم وتطرز ثياب العرائس، كقميص النوم والروب: “كان همي أن أثبت جدارتي وأساهم في مصروف البيت”. 

الجائزة الأولى التي تفوز فيها الفنانة الأكحل ستكون في مسابقة “بطاقات لأطفال العالم” المقامة من قبل منظمة اليونيسيف في بيروت، حيث قدمت الفنانة رمزاً فاز ووزع، وعلقت الصورة الأصلية في مكتب اليونيسيف. أما المشاركة الفنية الأولى في معرض فكانت في معرض الخريف السنوي المقام 1953 في إحدى قاعات قصر اليونسكو في بيروت، وشاركت في ثلاث لوحات الأولى والثانية عن توزيع الحليب والماء في المخيم اللتين رسمتهما بخصل من شعرها والثالثة عن حياة المهجرين الأكراد خلف مدرستها. وعن الحياة الثقافية في بيروت تكتب الفنانة: “في تلك الأثناء لم يفتني أي معرض، كنت أعشق أعمال الفنان العظيم عمر الأنسي، وأعمال الفنان مصطفى فروخ، والرسام البدائي خليل زغيب، والنحاتين الأخوة بصبوص، والفنان قيصر الجميل”، لتحصل بعدها الفنانة على منحة دراسية من إدارة المقاصد لدراسة الفنون في القاهرة.

تداخل الحياة الشخصية والإبداع الفني

أما الفنان إسماعيل شموط فقد بدأ شغله الفني الأول في السابعة عشرة حين افتتح دكاناً صغيرة في بيت العائلة كانت مرسمه الأول. كان يرسم الورود والزخارف على فساتين العرائس الحريرية بالألوان الزيتية. وهو فنان تداخلت مجريات حياته الذاتية بموضوعات أعماله الفنية، فقد عاش الفنان إسماعيل التجربة التي رسمها في لوحته الأشهر “العطش على طريق التيه”، وذلك في رحلة الخروج الطويلة من فلسطين. وعمل بائعاً للكعك كما ظهر في غلاف فيلم “إسماعيل، 2013” للمخرجة نورا الشريف. رسم حالاته الذاتية في لوحات مثلما تلك التي يتخيل فيها نفسه، auto portrait، يمتلك آلة الأكورديون في لوحة “لاعب الأكورديون”، قبل أن تسمح له الظروف باقتناء آلته المحببة. كذلك لوحتا “سنعود” و”إلى أين” وهما من أقدم أعمال إسماعيل شموط وأشهرها، نتبين أنها من استلهام مشاهداته في تجربة النزوح. أما على مستوى الاستلهام الفني من حياته العاطفية، فتروي لنا الكاتبة الأكحل مواقف تتداخل فيها الحالة الواقعية باللوحة الفنية في حياة الثنائي المشتركة: “حان موعد سفري إلى بيروت بعد ثلاثة أيام من انتهاء العام الدراسي في القاهرة. جاء إسماعيل لوداعي من دون سابق إنذار إلى درجة أنني لم استطيع تغيير قميص النوم فوضعت فوقه الروب الأخضر ، رسمني إسماعيل من الذاكرة في ذاك الرداء الأخضر، ودعني وغادر”.

يحتل المعرض الأول الذي شارك فيه الثنائي مكانة خاصة في مسيرتهما الفنية، فقد أقيم بالقاهرة بحضور الرئيس جمال عبد الناصر وأمين جامعة الدول العربية وشارك إسماعيل شموط بخمس وخمسين لوحة، وتمام الأكحل بخمس عشرة لوحة والرسام الفلسطيني نهاد سباسي بعشر لوحات، وحضر المعرض عدد كبير من الشخصيات الثقافية والفنية المصرية والعربية، وعدد من أعضاء رابطة الطلبة الفلسطينيين، وفي مقدمتهم رئيسها في ذلك الوقت ياسر عرفات الذي تذكر الكاتبة أنه ساهم في تعليق اللوحات. وقال لهم الأمين العام الثاني لجامعة الدول العربية عبد الخالق حسونة: “أنتم يا أولاد وضعتم الحجر الأساسي للقضية الفلسطينية بمعرضكم هذا”.

الفنون الفلسطينية إلى العالمية

لقد أسهم الثنائي (الأكحل/شموط) في مجال نشر الثقافة الفلسطينية في العالم العربي والعالم، فشاركا في العديد من المعارض التي قدمت المساحة للحضور الفلسطيني العالمي أبرزها مهرجان الشباب العالمي السادس في موسكو، معرض الخريف ومعرض الربيع في العام 1957 في قاعات اليونيسكو-بيروت. ومن المعارض الهامة التي يتوقف عندها الكتاب المعرض الذي نظمه النادي الثقافي العربي في بيروت، في نيسان 1960، حيث عرض إسماعيل ضمن لوحاته ثلاث لوحات كبيرة جداً، الأولى تمثل ربيع فلسطين وفيها ترقص الفلسطينيات بأثوابهن الشعبية في وضع رومانسي بين أشجار البرتقال والزيتون المتعانقة، ثم لوحة “النكبة” وفيها الدمار والنار وحكاية ابن اللبابيدي الذي هاجمه الصهاينة لاغتصاب زوجته فدافع عنها بالفأس فقتلوا الاثنين بينما طفلهما يزحف ليرضع من ثدي أمه. أما اللوحة الثالثة فكانت بيضاء وكتب عليها: “أرك هذه اللوحة بيضاء ليأتي اليوم ويرسم الشباب والأجيال الطالعة طريق مستقبلهم الذي يرونه نحو التحرير والعودة إلى الوطن”. كما أسهم الثنائي في تعليم الفن والثقافة للمجتمع الفلسطيني، فقد اشترك إسماعيل كمدرس في أولى دورات الفنون المقامة في المخيمات الفلسطينية، وتطوعت الفنانة (الأكحل) في تدريس المواد الفنية في مدارس منظمة الأونروا وناضلت لإدخال مادة الفن في المناهج الدراسية. وفي العام 1957، وضع الفنان (شموط) “كراس الفنان الصغير” لتعليم الفنون للأطفال.

اللوحات النافرة من تجربة الوطن

“كان لصداقتنا مكان ولادة بعيد: صوفيا. هناك التقينا منذ حوالي أربعين عاماً، تآخينا كجناحي طائر، أنا القادم من أرض ذاكرته، وهو القادم من مستقبل منفاي. وكلما التقينا تذكرنا صوفيا كأننا بلغاريان منفيان”. (من نصوص محمود درويش) في اللقاء الأول مع إسماعيل شموط في صوفيا 1968.

في سنة 1962، طلبت الأونروا من الثنائي السفر إلى قطاع غزة لإعطاء دروس عن كيفية تدريس الفن للمعلمين. كانت زيارة مهمة، حيث أمضت الفنانة عشرة أيام في غزة وقد رسمت كثيراً. وسنة عام 1963، أنهت لوحة مذبحة خان يونس، كما رأتها وسمعتها من الحكايات المروية. وفي العام 1964 أقيم المعرض الأبرز بمناسبة المؤتمر الأول لتأسيسي منظمة التحرير الفلسطينية لتعبر عن إرادة شعب فلسطين، وتم افتتاح المعرض في قاعة شركة الكهرباء في القدس. وقد شملت بنية منظمة التحرير الفلسطينية دائرة الإعلام، وفيها قسم للثقافة الفنية بناء على اقتراح من إسماعيل، وقد تم تعيين إسماعيل وتمام لإدارته، وانتقل الثنائي من بيروت إلى رام الله. وفي تلك الفترة، اشتغل الثنائي ثلاثة أشهر في إعداد جناح فلسطين في إطار معرض دولي للحرف والصناعات في دمشق، والذي أدخلوا فيه صناعة خشب الزيتون من القدس، وصناعة الصدف من بيت لحم، وصناعة الزجاج من الخليل، وصناعة الخزف. 

بقي إسماعيل شموط يستلهم في لوحاته تاريخ الشعب الفلسطيني كما في لوحة “من مآسي الشعب الفلسطيني”، ولوحة “شموس نيسان”، 1973، التي تعبر عن عملية اغتيال قادة الحركة الفلسطينية في بيروت، ولوحة “إلى أين رقم 2”. وفي سنة 1971 انتخب إسماعيل أول أمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب الذي تأسس في بغداد. وبعد أربع سنوات، 1974 أخرج إسماعيل فيلم “ذكريات ونار” الذي يحكي فيه عن القضية الفلسطينية من خلال لوحة تخرجه في روما، وهي لوحة حملت العنوان نفسه.

دور الفن الفلسطيني في الحدث التاريخي

في العام 1974 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة خاصة بفلسطين ألقى فيها ياسر عرفات كلمته المشهورة: “جئتكم أحمل لكم سلاح الثائر في يد، وغصن الزيتون في اليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”. ويجدر بالذكر هنا أن إسماعيل كان قد رسم لوحة قبل ذلك صور فيها مناضلاً يحمل بيده اليسرى بندقية، بينما اليد اليمنى ترفع غصن الزيتون الأخضر عالياً. وفي العام 1975، عبر إسماعيل بالرسم عما في داخله من قهر يعتصره وهو يتابع تدهور الأوضاع في لبنان، وخصوصاً حصار مخيم تل الزعتر: “كان إسماعيل يرسم ويشهق، وبحلول أواخر آب 1976 أنجز إسماعيل 28 لوحة، كلها بعنوان تل الزعتر، أي بمعدل لوحة يومياً، وهذه المرحلة تعتبر من أهم مراحل إسماعيل الفنية. وتقرر أن يقام معرض لهذه اللوحات بقرار من الجامعة العربية في 11 عاصمة أوروبية في اليوم نفسه باسم اسبوع فلسطين. طبع من اللوحات 11 نسخة لأحد عشر معرضاً، وطبعت كذلك على شكل طوابع بريدية.

وبعدما باتت فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، تقرر في سنة 1979 إقامة معرض عن فلسطين في إحدى قاعات مبنى الأمم المتحدة لإثبات جذور حقنا في أرضنا عبر آلاف السنين المتواصلة، بكل ما في ذلك من عادات وتقاليد ولغة وموسيقى ورقص وغناء وأدب وشعر وطرز بناء وأزياء وطعام من مزروعات أرضنا. وفي العام 1979 أقام الثنائي معرضين مهمين، أحدهما كان عن الفنون الشعبية الفلسطينية، وافتتح في متحف الدولة لفنون الشرق في موسكو بحضور رسمي من ياسر عرفات ووزير الخارجية السوفيتي ومسؤولون من منظمة التضامن الآسيوي الأفريقي. وكذلك افتتح معرض لوحات شخصية للثنائي في متحف بيرغامون في برلين الشرقية. 

التجديد الفني

المعرض الذي شهد نقلة فنية استثنائية فأقيم للثنائي في العام 1982، عرضا فيه للمرة الأولى أعمال سكيتشات بأقلام الرصاص والألوان المائية. وفي العام 1984 بدأت الفنانة الأكحل العمل على أسلوب عربي فني: “فالمعروف أن السمع والبصر أهم ما يبقى في الذاكرة، وكان للموسيقى العربية أولوية في دغدغة مشاعري، وكذلك الألحان الموسيقية ذات المواويل التي تبدأ بجملة “يا ليل يا عين” والتي تتكرر كل مرة بلحن، وهي كلمة تجريدية، كالفن التجريدي العربي، إذ أن مفهومنا الفني لكلمة التجريد بحسب القاموس الفني هو تجريد الشيء من تفصيلاته وليس إلغاءه وتحويله إلى بطش لونية”. أما الفنان شموط، ورغم العملية الطبية التي خضع لها وفقدانه القدرة على الوقوف أمام اللوحة، لكنه لم يكن يستطيع أن يتوقف عن الرسم، ولذا لجأ إلى الرسم بقلم الكومبيوتر وهو جالس. رسم ولوّن. فأتقن استخدام القلم الخاص وبرنامج الرسم حتى بات يتحكم في الكومبيوتر. وأنتج من هذه اللوحات عدة نسخ وعرضها في آن واحد، وبعدما استرد عافيته عاد إلى أحضان أعماله الزيتية.

العودة إلى الإلهام الأول: جدارية فلسطين

في العام 1997 حصل الثنائي على تأشيرتي دخول لزيارة بلدهم الأصلية. تصف الفنانة الكاتبة الرحلة: “أنا في اللد، يا إلهي، هذا بيتي، وهذا باب مرسمي الصغير، تركت ألواني وفراشي ولوحتي لم تكتمل. حولوا بيتنا الجميل إلى ناد للضباط فيه أسلحة للقتل بدلاً من الزهور التي كنت زرعتها بيدي”. ويتضمن الكتاب صورة للفنانة تمام الأكحل أمام بيتها الذي ولدت فيه والذي يعود بناؤه إلى سنة 1747، عادت تمام لأول مرة منذ التهجير دون أن تتمكن من دخوله. ورسمت تمام لوحة تجسد الفنانة الإسرائيلية شوشانان فنكلشتاين التي احتلت دار الأكحل وحولته إلى مرسمها، ورفضت أن تفتح الباب للفنانة الأكحل للدخول وزيارة منزلها.

بعد العودة إلى عمان، وبمزيج من مشاعر الفرح والحزن، أعد الثنائي لمشروع جدارية عن حكاية فلسطين ما قبل العام 1948 وبعدها: “زيارتنا هذه لفلسطين حركت شريط الحياة وأعادت شحنة الانفعال الغزير، والرغبة في العمل الفني والتعبير. استغرق المشروع أربعة أعوام اختتمت بمعرض كبير ضم 19 جدارية تصور كل منها عدة مشاهد في موضوع واحد تختصر سنين معاناة الترحيل والترحال وأحلام العودة والحق في الحياة الإنسانية. وبين العامين 2000-2004، رسم الفنان شموط جدارية “الناصرة فوق الجميع” للرد على محاولة إسرائيل إشعال فتنة بين المسلمين والمسيحيين من الناصرة لمنع بابا روما من المجيء إلى فلسطين في سنة 2000. ولوحة “فلسطين على الصليب” من العشر الأوائل في العالم في الاستفتاء العالمي لسنة 2004 من 65 دولة. وقبل وفاته عمل الفنان شموط بجهد كبير على توثيق أعمال تمام وأعماله الفنية بالصورة والحجم وتاريخ الإنجاز، مع نبذة عن موضوع العمل الفني ونوعية الخامة المستعملة، وثقها كلها وسجلها على اسطوانات مدمجة وخزنها. لقد استغرق ذلك كله منه وقتاً طويلاً. وآخر لوحة بيعت له هي “عمري وحياتي” وقد أصر المشتري على أن يسجل صوت إسماعيل وهو يشرح له العمل بصوته المرهق والمتقطع. وينتهي الكتاب مع وفاة الفنان إسماعيل شموط، وتضيف إليه الكاتبة فقرة تعبر عن استمرار تواصلها مع ثتائيها الفني والعاطفي: “مازلت أكتب رسالة إلى إسماعيل، كل يوم، أخبره فيها عما حدث ويحدث، وأبثه خواطري ومخاوفي وما أنوي عمله”.

كتب الناقد الفني والشاعر الإيطالي إيمانويل ميناردو فيك في تأبين الفنان شموط: “مازلت أحسن فق ريشتك فوق طيف ألوان نسائك الفلسطينيات، وفوق رؤى الرجال وآمالهم، والكلمات الصامتة لجموع شعبك في دوامة مشاعرك المصطخبة، وفي عناق تركته معلقاً على القماش وفوق ظلال المساء المشبعة بالرقة وعبق الحب، وفي عيون أطفال يتكلمون كالرجال عن مرارة الصراع وفظاظته”. وكتب الشاعر محمود درويش في تأبين الفنان: “نحن هنا للاحتفال بقدرة الروح الإبداعية على الاختراق، وعلى تعميم الرجاء والعزاء لموتى لم يموتوا، ولأحياء لم يضيقوا ذرعاً بحياتهم. نحن هنا لتحية إسماعيل شموط، لا لأنه كان رائد الفن التشكيلي الفلسطيني، كما درجنا على هذا القول السهل الذي لا معنى له، فنياً، ولا لأنه أقام أول معرض للرسم. فتلك أوسمة تليق بجنرال متقاعد، لا بفنان أمضى أكثر من نصف قرن في البحث عن هوية فنية متداخلة مع هوية شعب حرم من التأمل الحر في ذاته الإنسانية خارج ما أعد له من مصائر”.

الكاتب: علاء رشيدي

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع