صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من (سلسلة مذكرات وشهادات) كتاب للمؤلف طارق متري بعنوان “حرب إسرائيل على لبنان 2006: عن قصة القرار 1701”. يتألف الكتاب من 212 صفحة. ويشتمل على فهرس عام.
يقدم الكتاب شهادة عن الجهود الدبلوماسية خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006، التي توقفت بُعيد صدور القرار الأممي 1701. وليست الشهادة قصةَ القرار كاملة من دون أي نقصان. لعل شيئًا مما جرى، في الميدان أو في المفاوضات، غاب عن الكاتب، وإن من غير قصد. في أي حال، لن يخفى عن القارئ المنصف هم الاستقامة الفكرية التي سعت الشهادة لاحترام مبادئها، كي لا تقع في أوهام من يحسب أن لا سبيل إلى إغناء هذه القصة بمعلومات لم تكن معروفة من قبل.
ليس الكتاب سردية بديلة من سرديات أخرى، تناظرها أو تصححها أو تدحضها؛ حسبها محاذرة الانزلاق إلى القراءة الفئوية والأيديولوجية المحمَّلة بالأحكام المسبقة أو المستعجلة، وإلى التفاسير المثقلة بحسابات السياسة اللبنانية المحلية، التي تُقحَم، على نحوٍ مفتعل أحيانًا، في مجال السياسة الخارجية.
وإذ يلقي الكتاب الضوء على كيفيات الدفاع عن لبنان في وجه عدوان إسرائيل، فإنه يعطي الدبلوماسية، في زمن الحرب، بعض حقها، فلا ينظر إليها بوصفها مجرد مرآة لعلاقاتِ القوى العسكرية، بل بوصفها مساهمة في شرح المواقف والدوافع وإظهار الحقوق بتوسل الحجج القانونية والتفوق الأخلاقي للبلد المعتدى عليه.
بداية الحرب
يذكر المؤلف أن في صباح 12 تموز/ يوليو 2006 زاره السفير الكويتي، عبد العال القناعي، لمتابعة البحث في الهبة الكويتية الخاصة بإقامة متحف بيروت الأثري والتاريخي. ويقول بُعيد الساعة التاسعة، وصلنا خبر العملية التي قام بها حزب الله، فعلمنا أنها بدأت بإطلاق صواريخ كاتيوشا على بلدة شلومي وعلى البؤر الاستيطانية في مزارع شبعا.
وفي الوقت نفسه عبر مقاتلون من الحزب “الخط الأزرق”، وهاجموا سيارة عسكرية إسرائيلية، فقتلوا ثلاثة جنود وجرحوا اثنين، وأسروا اثنين آخرين وجاؤوا بهما إلى لبنان. وفي بيان له، أكّد حزب الله أنه يهدف إلى تحرير 10000 أسير عربي في سجون إسرائيل. وسمّى عمليته العسكرية “الوعد الصادق”.
لم يتأخّر الردّ الإسرائيلي العنيف والواسع النطاق، ومعه التهديد بانتقام مؤلم وبعيد المدى. وتوالت الإدانات لخرق حزب الله “الخط الأزرق” من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة ومصر والأمم المتحدة. ودعت تلك الدول والمنظّمات إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الأسيرين الإسرائيليين. وسرعان ما قدّمت إسرائيل شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، داعية إيّاه إلى تنفيذ قراره رقم 1559 الذي يقول بنزع سلاح الميليشيات كافة، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كلّ أراضيها، بما فيها منطقة الجنوب، من الليطاني وحتى الحدود مع إسرائيل.
مفاوضات بيروت ودبلوماسية نيويورك
يقول المؤلف إنه غادر بيروت بعد ظهر يوم 30 تموز/ يوليو، ووجد نفسه مثقلًا بحزن كبير، لعلّه عميم في لبنان، في حين انشغل بالاستعداد للقيام بواجبه فور وصوله. ثم يذكر لقاءَه السفير اللبناني، ميشال خوري، في قبرص، بحضور اللواء أحمد الحاج. ويذكر المؤلف: “تبادلنا الرأي في شأن مهمتي، ثم سارعتُ في الانتقال إلى الفندق للاتصال بالبعثة اللبنانية لدى الأمم المتحدة، بغرض الاستعلام عن جلسة مجلس الأمن المقبلة، وهي التي طالب لبنان بعقدها في أقرب وقت، بعد وصولي إلى نيويورك. وجرى إطلاعي على مجريات الجلسة التي عُقدت في الصباح، بتوقيت شرق الولايات المتحدة، للاستماع إلى تقرير الأمين العام عن مجزرة قانا والاتفاق على إصدار بيان رئاسي”.
ويفصِّل المؤلف تصرُّف جون بولتون الذي لم يبذل أي جهد في الانفتاح عليهم أو مناقشتهم، فصلفه واستخفافه بالأمم المتحدة وهيئاتها حالا دون انتهاجه سلوكًا تشاوريًا مع أقرانه، ولو على نطاق ضيّق. ففي المرات القليلة التي تحدّث فيها إلى الآخرين أظهر استعلاءً كبيرًا، كما أنه لم ينتقد الإفراط في إيذاء لبنان واللبنانيين بديلًا من العجز عن إلحاق الهزيمة بحزب الله أو مجرّد إضعافه.
ويذكر المؤلف أنه استفهم من المندوب الفرنسي استفهام العارف عن سبب تعاونه الحصري مع مندوب الولايات المتحدة في صياغة مشروع القرار، “فحدّثني عن التعاون الفرنسي – الأميركي في العمل على إصدار قرار مجلس الأمن رقم 1559 في أيلول/ سبتمبر 2004، وهو القرار الذي ساهم في إعادة بناء علاقات الثقة بين الدولتين بعد اضطرابها إبّان الخلاف على غزو العراق. ثم قال إن فرنسا كثيرًا ما “تحمل القلم” في مجلس الأمن حين يتعلّق الأمر بلبنان. أمّا الولايات المتحدة، فهي الجهة الوحيدة الفعّالة في الضغط على إسرائيل. وسألته متى تبدأ ممارسة الضغط، فقال إنها بدأت، لكن بولتون يتجنّب الحديث بشأنه، أو يتعمّد تأخير الإفصاح عنه”.
ويضيف المؤلف أنه ناقش مع المندوب الفرنسي مجدّدًا مسألة الفصل السابع، “فأكّد أن الإسرائيليين، ومعهم الأميركيون، يصرّون عليه؛ فهو يسمح للقوات الدولية باستخدام القوة، ما يحول دون تعزيز القدرات العسكرية لحزب الله في جنوب الليطاني، ويفتح الباب أمام وجود فاعل بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، ما من شأنه أن يقوّي سلطة القوى المسلحة اللبنانية الشرعية. وأضاف أن القوات الفرنسية المزمعة على المشاركة في القوات الدولية تحتاج إلى تفويض يسمح لها بالدفاع عن نفسها إذا ما تعرّضت لتهديد من حزب الله. كما شدّد على أهمية إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب، وبسط سلطته على منطقة جنوب الليطاني، وهو ما تريده الحكومة اللبنانية”.
وبعد ظهر 4 آب/ أغسطس، يشير المؤلف إلى زيارته الأمين العام للأمم المتحدة، الذي كان مطّلعًا بدقة على الوضع الميداني، ومال إلى الظن أن الجيش الإسرائيلي ليس قادرًا على تحقيق تقدّم برّي جدّي. لذلك، فإن الإسرائيليين يجدون أنفسهم، بحسب اعتقاده، أمام منعطف: فإمّا يقبلون بوقف للنار مشفوع بتسوية سياسية تعطيهم بعض ما يطالبون به لا كلّه، وإمّا يلجؤون إلى خيارهم الثاني، وهو التصعيد الذي يستعمل الأسلحة كافة، ويؤدّي إلى تدمير واسع للبنان.
يقول المؤلف أيضًا: “سألته عن استعداد الأميركيين لتأييد الخيار الثاني أو السكوت عنه، فأجاب بأن ما وصل إليه من أخبار يفيد بأن الرئيس الأميركي يميل، بناءً على نصائح وزيرة خارجيته، إلى الدعوة لوقف الحرب بعد أن أخذت إسرائيل وقتًا كافيًا ولم تصل إلى غايتها المعلنة. لكن محاولة الصقور في واشنطن ونيويورك، ملمّحًا إلى ديك تشيني، نائب الرئيس، والمندوب لدى الأمم المتحدة بولتون، تتجه إلى التأثير في رئيسهم حتى تعطى إسرائيل وقتًا إضافيًا، وأخبرني أن مجلس الأمن القومي سيجتمع صبيحة اليوم التالي”.
صناعة القرار الأممي
يقول المؤلف: “أطلعت أنان على كل ما توفر لي من معلومات عمّا يدور بين المندوب الفرنسي والمندوب الأميركي، مكرّرًا استغرابي البطء، بل التباطؤ، في وضع مسوّدة لمشروع القرار، فأظهر انزعاجه من الغلوّ في الكتمان عند العاملين على وضعها. ولم ير أي نص مكتوب، لكنه لم يستبعد أن نشهد في الساعات المقبلة ولادة مسوّدة أولى، تكون أقرب إلى فقّاعة اختبار تكشف عن بعض النوايا والاستعدادات، فأصاب في توقّعه. كما أنه ألمح إلى تفضيل الولايات المتحدة اعتماد صيغة القرارين، حيث يوقف الأول العمليات العدائية في ما يتناول الآخَر مسائل الانسحاب الإسرائيلي، وانتشار القوى المسلحة اللبنانية، وتشكيل القوات الدولية، وغير ذلك من القضايا السياسية ’العالقة بين إسرائيل ولبنان‘”.
ويتعرض المؤلف لكلمة دان غيلرمان، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، التي جاءت “على وقع الاستعارات والجمل الأدبية، في تغليب هذه النظرة التفسيرية، فتحدّث عن سجلّ الإرهابيين المخيف من ’الابتكارات الشيطانية‘، وعن تجاوزهم حدود دولة أو دول بعينها، مشيرًا، من غير تحديد الأفعال والأزمان، إلى ما جرى في بلدان أعضاء في مجلس الأمن، أي الاتحاد الروسي والأرجنتين وبريطانيا وقطر والولايات المتحدة واليابان واليونان. ورأى في ما شهدته ’منطقتنا‘ على مرّ الأسابيع الماضية ’عرضًا مسبقًا للفيلم المقبل‘ تقوم فيه إيران بدور المنتج وسورية بدور المخرج”. ثمّ وجّه نصيحته المردّدة إلى لبنان والقائلة بتنفيذ قراري مجلس الأمن رقمي 1559 و1680، بما في ذلك نزع سلاح حزب الله. وبرّر حرب إسرائيل على لبنان بالقول إنها قامت بما عجز عنه لبنان، لجهة ضمان تنفيذ التزامات المنصوص عليها في القرارَين المذكورَين. وأبدى ارتياحه لنجاح إسرائيل في إنزال ضربة فتّاكة بقدرات حزب الله، “إذ تمّ تفكيك قواعده وتدمير مخزونات القذائف الإيرانية”.
ومن دون الحديث تفصيلًا عن محتوى القرار 1701 وعن موقف إسرائيل من الالتزام بتنفيذه، توقّف عند الواقع الجديد في المنطقة الذي يقود إليه الحظر الملزِم على الأسلحة. لكنه اشترط، لكي تتحقّق المهمّة، منع إيران من بلوغ هدفها المتمثّل في إضافة أسلحة دمار الشامل إلى ترسانتها. وفسّر قرارات مجلس الأمن في ضوء الرسالة الواضحة الموجّهة إلى إيران، ومفادها أنه لا يمكنها صنع أسلحة تهدّد المنطقة وخوض حروب بالوكالة على أراضي الآخرين.