ذات الشعر الأزرق

Henri Matisse. Blue Nude II. 1952

عمر زكريا

كاتب عربي

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

31/01/2023

تصوير: اسماء الغول

عمر زكريا

كاتب عربي

عمر زكريا

ومؤلف روائي، ومؤدي صوتي يعمل راوياً للكتب الصوتية (https://linktr.ee/omarzakaria)، (https://www.youtube.com/@kitabologia).

جلستُ إلى جانبها في الباص. لم تكن كبيرة في العمر، ليست يافعة أيضًا ولم أجد فيها ما يُميّزها، لم تكن جميلة بما يكفي لتتذكّرها طويلًا ولا قبيحة بما يكفي لتأخذها مثلًا. لم تبدُ لي بدينة ولا نحيفة. كانت شخصًا آخر، شخصًا أُبصره ككلّ الأشخاص دون أن أراهم، حتى أنّها لم تتكلّف عناء صبغ خصلةٍ من شعرها لكي تبرز بل اكتفت بوضع شُعيرات بلاستيكية زرقاء لامعة قليلًا بمواقع مختلفة من رأسها.

“إنها حقيقية هل تدرك ذلك؟” نظرتُ إليها مستغربًا عبارتها. اللعنة لقد كشفتني نظراتي نحوها، يجب أن أتعلم إخفاءها، ليس أوّل موقفٍ مشابه بالمناسبة. “عفوًا؟” سألتها مستدركًا نفسي ومحاولًا مداراة بعض الإحراج. “هذا الشعر الأزرق المتفرّق، إنّه حقيقيّ. بدأتُ أشيب ولون الشيب في رأسي أزرق”.

بالطبع لم آخذ كلامها على محمل الجد، ونوعًا ما لم أعره اهتمامًا لأنني كنت لا أزال مشغولًا بالحرج الذي سبّبته لنفسي، ولم يعنني أن أخوض حوارًا مع امرأةٍ تدعي أنّها تشيب باللون الأزرق. “هل تريد أن تلمسه؟” سألتني كأنها لاحظت عدم اهتمامي. “عفوًا؟” سألتها قبل أن ألاحظ فورًا أنّني إلى الآن لم أقل سوى عفوًا مرّتين. “متأكدةٌ أنّك تقول في سرّك؛أزرق، مستحيل. لكنني لا أكذب يمكنك التأكد بنفسك.”

أين ستوضع على مقياس الغرابة محاولتي للمس شعر امرأة غريبة للتأكد من حقيقة شيبها المزعوم؟ خاصّة أنني لم أكن سأميّز أصلًا بين ملمس شعرة شائبة وأُخرى اصطناعية. جمدتُ في مكاني محاولًا تقييم الموقف عوضًا عن تقييم الشعر الأزرق، وبدل أن تحثّني على مد يدي لتلبية طلبها، استأذنت مني وطلبت أن أدعها تمر لأنّ الباص وصل إلى محطتها.

مضت شهور، شهورٌ فقط، تبًا للعالم، فقد مضت بضعة شهورٍ فقط، قبل أن يضج الكوكب برأس المرأة التي تشيبُ شعرًا أزرقًا. أصبحت صورها تملأ محركات البحث والمواقع الإلكترونية. لم تتركها أي وسيلة إعلامية فنية أو ترفيهية أو حتى ثقافية تحاول تحليل جميع النظريات التي أدّت إلى ازرقاق شيبها. امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بجميع التعليقات المعجبة أو المشكّكة بها. بل وقد بدأت المحطات التلفزيونية باستقبالها في شتى البرامج الصباحية والمسائية وبرامج الألعاب أيضًا، بل حتى رأيتُ مرّةً عنها تقريرًا في نشرة أخبار. في إحدى مقابلاتها أعربت عن امتنانها لتواصل مجموعة من العلامات التجارية الكبيرة، من مستحضرات الشعر إلى المشروبات الغازيّة وصولًا إلى شركات السيارات والمؤسسات الخيرية للمشاركة في حملاتهم الدعائية؛ بفضلهم استطاعت التخلّي عن وظيفتها المملّة ذات الراتب القليل.

نعم، تلك المرأة التي تشيبُ زُرقةً أضحيتُ أنا محظوظًا بلقائها قبل الشهرة وقد كلّمتها أيضًا، مَن مثلي قال لها عفوًا مرّتين في باص؟ يومًا ما سأصبح مشهورًا مثلها ربما لستُ غنيًا لكنَّ الناس ستتعرفني في الباصات. رأسي ليس أزرق اللون لكنني أمارس الفن، وقد طلب مني صحافيٌّ مؤخرًا أن أقوم بكتابة مقال عن نفسي بصيغة الغائب أو أن أطلب من أحد أصدقائي أن يجري معي حوارًا وهو سيسعى إلى نشره على الجريدة المحلية في أحد أيام الشهر المقبل.

الكاتب: عمر زكريا

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع