في ألمانيا العام ١٩٩٠، مع أخبار عن توحّد البلد وعاصمتها المقسمة إلى شرقية وغربية، في ما يبدو فيلماً حول أفراد عاشوا لحظة تاريخية لبلدهم، كأنّ الشخصيات خلفية للحظة تلك، يتقدم الفيلم بإيحاءات إلى تناقضات شقَّي ألمانيا، في الشرقية كانت الجدة تخفق الكريمة وتصنعها، بعد توحد البلاد صارت تشتريها مصنّعة، تعلّق ماريا، الحفيدة، لجدتها بأن كريمتها أطيب. إيحاءات كهذه تكثر في لحظة التقاء أحد الأبناء بعائلته، وقد هرب صغيراً إلى ألمانيا الغربية للدراسة والعمل. يبدأ الفيلم كأنّه يصوّر هذه الشخصيات، في ريفٍ ألماني شرقيٍّ قريب من لايبزيغ وفرانكفورت. عائلة من ثلاثة أجيالا تعيش تحوّلاً يتخطى البيت والمزرعة إلى كامل البلاد. يبدأ الفيلم بذلك ويتمد إلى أن تقتحم قصّةُ حبّ غير متوقَّعة، لمن في الشاشة ومن أمامها، بين ماريا وجار يعيش وحيداً وقريباً، وصديق للعائلة.
تبدأ العلاقة بما لا يشير إلى أن الفيلم، الذي بدأ بسياق تاريخي وقصة عائلية، حكاية حب أقرب لتلك التي في رواية وأفلام «عشيق الليدي شاترلي». هنا، تعيش ماريا التي تترك المدرسة، في بيت أهل صديقها/حبيبها، في العلية كاثنين مراهقين. مع الأيام تشعر بغربة عن هذا الحبيب المنبهر بالشقّ الغربي والذي يسعى خلف حلمه في الالتحاق بكلية الفنون هناك ليدرس التصوير. هو ذاته يقدم لها في عيد ميلادها إطاراً وفيه صورة لفتاة تشبهها، ظنّتها للوهلة الأولى أنها هي. وهو ذاته الذي صوّر النافذة من خارج بيت عشيقها، وبانت ماريا خلف الستائر، أظهر لها الصورة معلّقاً أن امرأة كانت عند جارهم. لم يرها، لا في الصور ولا خارجها.
التفت لها جارهم، عبّر عن رغبته بها، وبدأت علاقة جنس تام بينهما، في تصوير إيروتيكي طال في مرّات وبالغ في ممارسته، ما بان عنفاً، في مرات أخرى. هذه الممارسات، والتصوير الإيروتيكي لها، حمل الفيلم إلى العلاقة الممنوعة في مجتمع ريفي وفي بلد تعيش فوضى الالتقاء، كأنّ هذا الالتقاء وتلك الفوضى كانتا الأساس الذي بنيت عليه العلاقة الجنسية هذه، وقد تكرّرت زيارات ماريا لعشيقها وتكررت دعواته لها. لينقلب ذلك كله إلى رومانس تام، إلى عاطفة وشغف ورغبة في البقاء معاً، كأن الحسّي تحوّل، بدرجة الشغف ذاتها، إلى المشاعري. هذه النقلة الدرامية كانت ميزة الفيلم، في خلق علاقة حب شغوفة متحدّية المحيط، بعد علاقة جنس بدت خالية تماماً من المشاعر ومتخفّية عن المحيط.
ميزة أخرى للفيلم الذي جاور بين حب ماريا للقراءة، وبين رومانسيتها، وبين البناء الأقرب للأدبي في حكاية الفيلم، كانت، الميزة، في السينماتوغرافيا، في التصوير الريفي، والألوان المصفرّة، للحقول والبيوت، في داخلها وخارجها. في فيلمها المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، «يوماً ما سنخبر بعضنا بكل شيء» (Someday We'll Tell Each Other Everything) تكون مخرجته إميلي عاطف (الفرنسية الألمانية الإيرانية) قد واصلت سرد قصص حب مستحيلة، أو بدت مستحيلة إنّما، ربما، ليس لشخصياتها، وهو ما كان في فيلمها «أكثر من أي وقت مضى» (Plus que jamais) الذي شارك العام الماضي في مهرجان كان السينمائي بتظاهرة “نظرة ما”.
https://www.youtube.com/watch?v=SSx-nIG2rVE