خفّة الشاهد، وثقل الفن: شذا شرف الدين في اسطنبول

"خفّة الشاهد التي لا تحتمل، تمارين على صورة ذاتيّة" . شذا شرف الدين

وسيم الشرقي

كاتب ومسرحي سوري

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

21/11/2016

تصوير: اسماء الغول

وسيم الشرقي

كاتب ومسرحي سوري

وسيم الشرقي

تعبث الفنّانة والكاتبة اللبنانيّة شذا شرف الدين (1964) في مساحة فنيّة غير آمنة. تستهلك أدوات من فنون مختلفة. رسم، وتصوير فوتوغرافي، وأداء جسدي مباشر، وصحب ذلك كلّه بحث نظري مشفوع بسيرورة التجربة الفنيّة. نستخدم مفردة “الاستهلاك” هنا بمعنى أقرب إلى الأصل اللغوي للكلمة العربيّة، والذي يرجع للنهاية أو”الهلاك” لا الاستخدام فقط، أو التجريب المعقّم، ناهيك عن البريء.

 في مشروعها “خفّة الشاهد التي لا تحتمل، تمارين على صورة ذاتيّة” الّذي قدّمت له في اسطنبول مؤخّراً، أوضحت شرف الدين سيرورة البحث الفنّي الذي انتهى بإنجاز 28 صورة فوتوغرافيّة ذاتيّة لوجهها. عملت المؤديّة اللّبنانية على لوحات فرنسيس بيكون (1909-1992) لوجوه أو رؤوس مشوّهة بطريقة لا بدّ وأن تثير شيئاً من الفزع في قلب ناظرها، وهو الفزع ذاته الذي دعاها إلى ربط لوحات بيكون في مشروعها بصور وفيديوهات الأجساد السوريّة المعذّبة، والمتسرّبة عبر الوسيط الإلكتروني من خلف الحدود السوريّة شديدة القرب من مقرّ إقامتها في العاصمة اللبنانيّة.

عبر تلك التجربة ثلاثيّة الأضلاع. لوحات بيكون، صور الجسد السوري المعذّب، وجسد الفنّانة نفسه، حاولت شرف الدين إعادة تجسيد وجوه بيكون التي تعكس التشوّه الروحي (بحسب بعض رسائله) عبر وضع طبقات مكياج مختلفة على وجهها ورقبتها، وكذلك عبر استخدام وسائط أخرى للإضاءة واللّون لأخذ أكثر من 1000 صورة فوتوغرافيّة كانت حصيلتها 28 صورة فقط رأت أنّها التعبير الأمثل عن رحلة البحث التي خاضتها.

في محطّته هذه ينجز “خفّة الشاهد التي لا تحتمل” رحلة مثيرة من المدن والقرى السوريّة الممتَهنة، ثمّ عبر بيروت المجاورة حيث أنجزت شرف الدين صورها و “حمّضتها” لتهبط أخيراً في الطرف الأوروبي من مدينة إسطنبول. دون أن ننسى طبعاً الأصل البريطاني للوحات فرانسيس بيكون على الطرف الغربي للقارّة العجوز.

خفّة الشاهد، ثقل الفنّان

تنجز شرف الدّين في عنوان مشروعها تناصاً واضحاً مع رواية ميلان كونديرا الشهيرة “خفّة الكائن (أو الوجود) التي لا تحتمل”. في الرواية يقارب الكاتب التشيكي مفهوم الخفّة عبر شخصيات “تيريزا” و”توماس” و”سابينا” و”سيمون” عبر ارتباطها بالحب، وتحوّلات التاريخ.

لكن، لا حبّ في الأجساد السوريّة المشوّهة. فقط انعكاس لهمجيّة البشر (النظام الأسدي) بأبشع صورها. علاقتنا مع تلك الهمجيّة، أو معرفتنا التاريخيّة بها لا تحضر بوضوح في مشروع شذا، بل تصلنا عبر معلومات عن سيرورة عملها قدّمتها الفنّانة عبر نص شارح مطبوع، أو مُلقى من قبلها.

الخفّة هنا (بحسب شرف الدين) هي خفّة النجاة من التعذيب وعدم التعرّض له، وهي لا تُحتَمَل بسبب كمون العجز الذي تحمله، العجز عن إنقاذ الضحية ومساعدتها، أما الثقل فنتعرّض له كمتلقّين محتاجين لنص شارح، أو حضور فيزيائي لشذا الشارحة لتخبرنا عن علاقتها بصور الأجساد السوريّة، لأنّ الصور الفوتوغرافيّة ذاتها في شكلها الأخير تحمل الكثير من الألم، وجماليّة الصّنعة الفنيّة، وبالتأكيد جرعة الفزع الذي تحمله لوحات بيكون الأصليّة. لكنّها لا تحمل أي ارتباط بصورة الجسد السوري مستقل عن النص الشارح، أو المعلومات الخارجية القسريّة، وبذلك تنفرد الصور المنجزة بخفّة زمانيّة مستقلّة عن الثقل “المصطنع” لسياق إنتاجها في المشروع.

دمشق، بيروت، اسطنبول

مع تعدّد طبقات المشروع يبقى بُعد أخير لحضوره الإسطنبولي، بتنظيم من مركز هامش “البيت الثقافي السوري في إسطنبول” واستضافة من مركز “سالت غالاتا” للفنون، فعلى الرغم من الحضور الضئيل على مستوى العدد إلا أنّ ليلة استضافته تعدّ من الليالي القليلة التي تستضيف فيها المدينة التركيّة الواسعة أياً من الفعاليات الثقافيّة أو الفنيّة العربيّة، ذلك على الرغم من الحضور العربيّ الكثيف في المدينة، حيث يتمفصل ضعف الحضور الفنّي العربي في المدينة مع الحواجز الثقافيّة التي ترفعها اللّغة، وأحوال الواقع السياسي والاقتصادي في تركيّا.

في محطّته هذه ينجز “خفّة الشاهد التي لا تحتمل” رحلة مثيرة من المدن والقرى السوريّة الممتَهنة، ثمّ عبر بيروت المجاورة حيث أنجزت شرف الدين صورها و “حمّضتها” لتهبط أخيراً في الطرف الأوروبي من مدينة إسطنبول. دون أن ننسى طبعاً الأصل البريطاني للوحات فرانسيس بيكون على الطرف الغربي للقارّة العجوز.

في حضوره الإسطنبولي يشكّل المشروع توسعة صغيرة في جدران شرنقة العزلة الثّقافيّة المتعِبة التي تلفّ الثقافة العربية بالعموم، والسورية بالخصوص، كون المدينة تنفرد بجالية سوريّة ربّما تكون الأكبر بين مثيلاتها في العالم أجمع، مع ضعف في التمثيل الثقافي، لا يتناسب بأي حال مع تلك الكثافة السوريّة بما تحمله من ثقل، أو خفّة.

 

الكاتب: وسيم الشرقي

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع