قد أنسى
كثيراً ما أنسى
قلبي في تنور الأمهات
المتَّشحات السَّواد
يطهين بطحين القلب
خبز الحزنِ
السَّاخن للأبد…
***
قد أنسى
كثيراً ما أنسى
عينيّ
في لحم البلاد التي
تُقَطَّعُ بالمناجل، والشَّفرات
بالمخالب، والأنياب
بالشَّوكة، والسِّكين
ومع ذلك، كلَّما مضغوها
وجدوها قاسيّة…
***
قد أنسى
كثيراً ما أنسى
يديّ
في جيوب الفقراء
الّذين كلّما نفضتهم الحرب
طرفوا عيونها بقشور الفستق
المنسيّ في جيوبهم…
ولم يسقط منهم سوى قلوبهم
المسننّة بالقهر
كليرةٍ سوريّة…
***
قد أنسى
كثيراً ما أنسى
صوتي
في حبالِ الغسيل
التي تنادي أصحابها
كلّما أوجعتها الملاقط
أصحابها الذين، لولا رائحة غسيلهم
لما عرف أحدٌ “بعد المجزرة”
أنّهم كانوا عائلة…
***
قد أنسى
كثيراً ما أنسى
لكنّني أجلب دموعي معي
دائماً
إلى كلِّ مكان…
***
على غلاف كتابٍ أزرق
يسأل كيريلينكو وكورشونوفا:
“ما هي الفلسفة؟”
فتنهض من بحر السؤال امرأةٌ طحنت الأربعين بكعبيها
في طريقها للمعابد والقبور:
الفلسفة: “ثيابي الملوَّنة، فوق هذا
القلب الأسود”…
يتمطّى من غرقه رجلٌ، بظهرٍ محني وأكتافٍ ناقصة:
الفلسفة: ” أن تلوك قسوة الحياة
ثم تبصق المرارة في وجهها
لتطعم لحمك الحلو لزوجةٍ طيّبة، وأبناءٍ من صلبها”…
يركض على شطّ السؤال أطفالٌ، يحفظون أسماء الحرب كاملة:
الفلسفة: “أن يغمض عينيه الموت، ونختبئ
واحد.. اثنان.. ثلاثة…
وحين يفتحهما
لا يموت أحد”.
ستقولون:
الفلسفة أن ينتهي كلّ هذا الجنون
وأقول:
“هي أن يبدأ حقاً”.